قراءة نقدية في "قصيدة الشاعر" للكاتب صابر حجازي
النص
الشـــــاعر
مَسْكُونٌ بِالحُبِّ ..وَبِالأَسْفَارِ
مَسْكُونٌ بِالدِّفْءِ..وَبِالأَمْطَار
بِأَغَانِي الأَمْوَاجِ..
وَبِأَحْلامٍ....تَقْبَعُ فِي ذَاتِي
بِحُرُوفِ الحُبِّ الرَّاحِلِ..
فِي مَلكُوتِ المَاضِي
وَمَدَارَاتِ الحَاضِر
وَالآتِي
وَوَحِيدًا
بِمَدَارَاتِ الرَّفْضِ
أُسَافِرُ
**
نَحْوَكِ
أَرْحَلُ كُل َّمَسَاءٍ
وأُفَتِّشُ فِي صَمْتِي
عَنْ مَعْنَي للأشْيَاء
فَأَصُوغُ أَغَانِي العُّشَاقِ
البعْدَ /
الهَجْرَ /
الحُبَّ /
الصِّدْقَ /
المَوْتَ
المِيلادَ
وَأُسَافِرُ عَبْرَ الحَرْفِ وَفِي الكَلِمَاتِ
بَحْثًا عَنْ نَارِ الحِكْمَةِ
بَحْثًا
عَنْ نَار
الحِكْمَةِ
..............................
القراءة
...........
النيل سر مصر العظيمة , وروعة العطاء فيها وشريان الحياة الخالد و منه وحي شعرائه ومن رقته عذوبة قصائد الوجد , وابن النيل بقلبه المبدع دائما يظل يدفق بعطائه دون نهاية , والشاعر صابر حجازي
من الشعراء اللذين يكتبون الواقعية الشعرية بأسلوب رشيق و جميل وسلس الأشطر
ها هي قصيدته تتحدث عن الشاعر وروحه المحلقة في أرجاء الكون وهو يجعل منها عالما بهيا قائما بذاته وكأن لنفسِ الشاعر طقوساً كما للكون طقوساً إذا يقول :
مَسْكُونٌ بِالحُبِّ ..وَبِالأَسْفَارِ
مَسْكُونٌ بِالدِّفْءِ..وَبِالأَمْطَار
بِأَغَانِي الأَمْوَاجِ
فروح الشاعر كما يقول شفافة رهيفة , يسكنها الحب بكل أنواعه للكون وما فيه وهذا روعة العطاء , وهي بطبعها تحب التحليق في هذا الكون الرحب
فالشاعر روح من سفر وقلق , واستكشاف للعوالم البهية في هذا الكون وهو بطبعه يحمل قلب دافىء يحب الكون وما فيه , وهو كريم معطاء كما طبع المطر الخير , الذي يملأ الكون حياة
هور روح يملؤها غناء الأمواج .. تشبيه عن الحركة الدائمة لروح الشاعر وقلقه الذي لا يستكين نلاحظ أن أشطره رشيقة بعيدة عن التعقيد والمجازات المركبة والكلمات الصعبة , أنه ينتقي من اللغة الكلمات الندية الجميلة السلسة
وَبِأَحْلامٍ....تَقْبَعُ فِي ذَاتِي
بِحُرُوفِ الحُبِّ الرَّاحِلِ..
فِي مَلكُوتِ المَاضِي
وَمَدَارَاتِ الحَاضِر
وَالآتِي
وَوَحِيدًا
بِمَدَارَاتِ الرَّفْضِ
أُسَافِرُ نحوك
و لأن الشاعر روح من رؤى وأحلام فأن خياله دائم التحليق , وروح تحلق بلا حدود
وهناك أحلام ناهضة تنهض من العمق الأخضر فيه , وكذلك حروف الحب الماضي أيضا ما زالت تسكنه بقوة في ذاكرته العميقة
ويلوح بذاته من بين ساعات الوقت , هي روح الشاعر التي تختزن جمال الكون داخلها دون حدود
أنها روح لا تكف عن الرؤى الجميلة والتحليق به بكثير من تفاؤل رغم كل شيء
وضمن عالم الصمت الرقيق هو دائم السفر لذاك الحب بروحه كل مساء , فالوفاء طبعه فيقول بأشطر رهفة
نَحْوَكِ
أَرْحَلُ كُل َّمَسَاءٍ
وأُفَتِّشُ فِي صَمْتِي
عَنْ مَعْنَي للأشْيَاء
فَأَصُوغُ أَغَانِي العُّشَاقِ
/ الحُبَّ / الصِّدْقَ / المَوْت / المِيلاد البعد / الهَجْر /
ففي رحيله للمحبوب عبر القصيدة يكتب أغاني أخرى أليس الشعر هو روح الغناء
وهذا الغناء يصوغ عبره مواضيع عدة , يتكلم عن المسافات التي تفصل الأحبة وعن الغياب و الهجر بكل أنواعه عن الصدق نقاء الكون عن الموت الحقيقة المؤكدة للجميع عن الميلاد معجزة الحياة الأزلية التي يشمخ بها الكون كل يوم
وَأُسَافِرُ عَبْرَ الحَرْفِ وَفِي الكَلِمَاتِ
بَحْثًا عَنْ نَارِ الحِكْمَة
بَحْثًا
عَنْ نَار
الحِكْمَة
والشاعر روح من قلقل تظل تبحث عن جمال الكون , وعن سر أسراره وعن سر السعادة وبقائه , فما زال شاعرنا يبحث في خاتمة قصيدته الجميلة عن سر الحضارات وعن سر جمال الفلسفة عن سر توهج القلوب عن سر النور القديم فما زال يبحث بقلب رهف عن كل هذه الأسرار مجتمعة في النار ونحن نعرف ثالوث الحياة النار والماء والتراب , وهو مرمز للحياة وللضياء بكل المعاني الجميلة لكنه هو يريد نار الحكمة سر الفلسفة
أن الشاعر ختم القصيدة بفلسفة رائعة وهي البحث عن نار الحكمة التي تشعل العقول فتشتغل بها لتزهو الحياة بدقائقها بها ولتعرف ماهية هذا الكون وكيف صيغ وكيف ترتبت به الأشياء وما هو المنطق في كل ذاك وكيف أنير هذا الكون
الشاعر صابر حجازي أبدع في رقة أسلوبه ورقة ألوانه ومرمزاته الرهفة
..............................................
شاعرة الياسمين
رشا اهلال السيد أحمد
، شاعرة و قاصّة و تشكيلية سورية . لها مجموعة قصص قصيرة جدا أهمها ( عيون الريم ) و ( صحفي في بغداد ) 2008 . نالت درع جنوب سوريا عن الشعر والقصة 2009 ـ و عن الشعر 2010 .لها ثلاثة دواوين ( أشواقك قيصر ظالم ) 2010 و ( لعينيك البحر أغني ) و ( رقم إنانا لكلكامش لأروع ملوك سومر ) 2016.
وسوم: العدد 766