رواية عند باب السماء والأخوة بين الشعوب العربيّة
صدرت عام 2019 رواية "عند بوّابة السماء" للأديب المقدسي جميل السلحوت عن مكتبة كل شيء الحيفاويّة، وتقع في 205 صفحات من الحجم المتوسّط.
سرد الكاتب السلحوت روايته من خلال سلسلة أحداث تاريخية، مستقاة من التاريخ الفلسطيني، أي زمن الانتداب البريطاني وأواخر عهد الحكم البريطاني بالبلاد، تمهيدا لدخول الاحتلال.
في هذه الرواية أبرز الكاتب حياة البداوة الاجتماعية، وصوّر معيشتها بكل تفاصيلها الدقيقة؛ من أفراح وأحزان، والحياة اليومية من مأكل ومشرب، وضيافة، ولهجة، من عادات وتقاليد، وما إلى ذلك.
قصد الكاتب أن يبرز التعاون المشترك، والوحدة والتضامن بين الشعبين: الفلسطيني والأردني؛ من خلال المصاهرة المتبادلة بين عائلتين: عائلة في اربد، وعائلة من فلسطين، حيث تصاهروا واصبح القرب بالنسب والانتماء.
تطرّق الكاتب لقضيّة احتلال الإنكليز لبلاد الشام، وركّز على التعاون المتبادل بين الفئتين أعلاه، في قضية تهريب الأسلحة من الشام إلى فلسطين زمن قيادة عبد القادر الحسيني؛ والذي جرى بين عائلة فلسطينية تتمثل بالشيخ مهاوش من مضارب البقيعة في جنوب فلسطين، بالقرب من مقام النبي موسى، مع عائلة أردنية من كفر الرمل؛ تتمثل في الشيخ فالح وابنه علي وريثه بتزعم العائلة في اربد.
صورة النساء في الرواية
لعبت النساء دورا بارزا في الرواية، وصف الكاتب تعدد الزوجات في البيئة البدوية، أفرد الكاتب قسما خاصا يروي عن حياة بعض النساء مثل: زينب بنت السلطان، زوجة الشيخ فالح من الأردن؛ كذلك عن وضحة بنت مناور تزوجت من علي بن فالح. وصف الكاتب الزوجتين بأنهما تزوجتا في عمر صغير، وتربيّتا في عز ودلال لأبوين من الشيوخ؛ حيث وصفهما بصورة بهية جدا.
بينما وصف الكاتب المرأة البدوية العادية بصورة المرأة المغلوبة على أمرها، ومن حق الزوج الزواج عليها بثانية وثالثة، ووظيفتها هي إنجاب الأولاد؛ كما ورد على لسان الأم زينب؛ رصفحة 52 " الابناء لآبائهم، والنساء مجرد "بطن حفظ نَفض".
بينما صور الكاتب معظم النساء البطلات في الرواية بصورة جميلة، مُعززات مكرمات.
بالبداية قدم الكاتب الإهداء لزوجته السيدة " حليمة جوهر". هذا التقديم يُعتبر ذا قيمة عالية للسيدة حليمة، فهي ترمز لاحترام وتقدير المرأة وشريكة الحياة التي تستحق الإهداء في كل إصدار للكتّاب.
تحدّث الكاتب أيضا عن المرأة المرشدة المقدسية، المتطوعة التي لم يذكر اسمها بالرواية، وشرحت للزوار عن تاريخ المسجد الأقصى وما حوله، بطريقة مفصلة؛ وُصفت المرشدة بأنها ذات علم وثقافة ومعرفة واسعة بتاريخ وجغرافية المكان، والإيمان القوي بالتطوع؛ لنيل الحسنات ورضى الله. تبدو هذه الصورة جميلة للمرأة.
السيدة هدى زوجة فلسطينية متزوجة من حسان بن فالح، وصفت بالمتعلمة، دارسة في مدينة طبريا، تتكلم اللغة الانجليزية بطلاقة؛ تجيد الفروسية، ونظر إليها الشيخ بصورة احترام وتقدير، عندما ترجمت للمرأة الانجليزية من العربية للانجليزية "بارك الله بك يا هدى ، لقد بيّضت وجوهنا" صفحة 139. أقامت هدى مدرسة للبنات، وأصبحت معلمة؛ على الرغم من معارضة البعض في القرية. هنا كانت الصورة إيجابية للمراة.
امرأة أخرى باسم مهيبة خورشيد: في الأربعينيات من العمر، ابنة يافا، أسست جمعية على اسم " زهرة الاقحوان". للمساهمة في دعم الرجال بشراء الأسلحة، وإغاثة الأسر الفلسطينية عام 1947. تطورت هذه الجمعية لاحتضان النساء وتسليحهن للمشاركة في طرد الانجليز من البلاد، ولجمع المعلومات الاستخبارية. وصف الكاتب النساء بالبطلات والصورة المشرفة.
أخيرا العروس حفيظة ابنة علي فالح من كفر الرّمل الأردن، المخطوبة لمحمد سعيد الحسن في كفر السمن قرب طبريا، ذكر خالها " البنات وديعة الأجاويد" وتكريم البنات أولى من تكريم الأبناء، وحفيظة بنت الشيوخ، والعز يليق بها". وصف الكاتب حفيظة بأنها كالملكات، تلبس قلائد الذهب والأساور وصفّة الذهب تحيط برأسها، ووصف "وجهها وضاء كما القمر ليلة بدر.
حظيت بحفلة وداع مفتخرة نظرا لمكانتها العالية عند والديها.
عند عبورها لنهرالأردن، حصل اشتباك بين عابري النهر ودورية من الجيش، بينما كان عريسها بانتظارها بالطرف الآخر، إلا أن رصاصات اخترقت جسد حفيظة، ولفظت أنفاسها الأخيرة وارتقت روحها إلى السماء، قبل أن يستلمها عريسها في سمخ.
أرى هنا بوجود رمزية للمرأة، والتي ترمز إلى الوطن عند سقوط حفيظة، يرمز الكاتب إلى سقوط القضية الفلسطينية على أيدي البريطانيين..
المرأة الأخرى هي أمّ العروس وضحة، التي توفيت حزنا وقهرا أثر مقتل ابنتها حفيظة.
مقتل المرأتين بالرواية هو رمز، للهزيمة وانتصار القوة أثناء الاحتلال البريطاني للبلاد.
عنوان "عند بوابة السماء"، استقى الكاتب السلحوت عنوان روايته، نسبة لارتقاء أرواح المقاتلين والمدافعين من (الفلسطينيين والاردنيين )عن القدس، ودفنت رفاتهم في مقبرة الرحمة، قرب المسجد الأقصى الشريف. ظهر المعنى للعنوان في نهاية الرواية، يبدو أن اختيار الكاتب للعنوان كان مناسبا.
لغة الرواية: استخدم الكاتب اللغة الفصحى في أغلب نصوص الرواية، فهي لغة بسيطة وسهلة، راعت اللهجات المختلفة، من البدوية للفلسطينية والأردنيّة واللهجة الأجنبية أحيانا؛ استخدمت اللهجة العامية عند الضرورة خاصة أثناء عرض الأمثال الشعبية.
كانت تنحى اللغة نحو اللغة التقريرية أحيانا، خاصة عن سرد الأحداث التاريخية. تكاد تفتقر للبلاغة القوية.
من القراءات المتعددة لروايات الكاتب، أجد تكرارا في التطرق للشرح المطوّل حول المسجد الأقصى، واستطرد الكاتب في تفصيل للمعلومات الواردة حوله؛ حيث احتلت هذه المعلومات مساحة كبيرة في الرواية؛ كل هذه المعلومات في نظري ممكن الاستغناء عنها؛ لأنه بإمكان القارئ الحصول عليها من الموسوعات العلمية المختلفة.
خلاصة القول: تعتبر هذه الرواية، تأريخية توثق الأحداث التي حدثت في فلسطين، من بطولات وتضحيات؛ من المهم توصيلها لطلاب المدارس، بطريقة شيقة؛ وبأسلوب روائي، وليس تعليمي.
وسوم: العدد 818