الطيب صالح.. الإنسان والجائزة
الطيب صالح.. الإنسان والجائزة
يسري الغول
كنت بانتظار المحلق الأدبي (كتاب في جريدة) الذي يصدر أول أربعاء من كل شهر بالتعاون مع اليونسكو وعدد من المؤسسات العربية العريقة، لمتابعة جديد تلك الفعالية المميزة، فإذ به رواية لكاتب سوداني لم أعرفه قبلها أبداً.
عرس الزين، تلك كانت الرواية، قرأتها فأعجبتني لغتها وعوالمها وأسلوبها، وقد فتحت تلك الرواية الطريق لمؤلفها الطيب صالح للولوج بوابة الشهرة ومن ثم العالمية. يتحدث فيها عن الزين الذي يعيش في قرية سودانية. وهو شاب من الدراويش أو من يُطلق عليهم (المبروكين)، ينوي الزواج من (نعمة) ابنة عمه. فتصوره الرواية بأنه غريب الشكل وقبيح الهيئة بينما تتميز نعمة بالجمال الفائق، وهو ما يجعل الحديث والتعجب يدور في أروقة تلك القرية بشكل قوي وجاذب للقارئ. ولقد تم تحويل تلك الرواية إلى دراما في ليبيا، وفيلم سينمائي في الكويت حصل بعدها على جائزة مهرجان كان في فرنسا.
هذه الرواية فتحت لي باباً لولوج عالم ذلك الروائي الغريب والمخيف في ذات الوقت، فبعد أن قرأت رواية (موسم الهجرة إلى الشمال) أكثر من مرة، أدركت بأنني كغيري من القراء أمام كاتب غير عادي، اجتاز تابوهات العادات والتقاليد العربية ليتحدث بكل صراحة عن علاقة الشرق بالغرب بصورة غير نمطية أو مفتعلة. ولعل ذلك ما جعله يتربع على عرش الرواية العربية لفترة طويلة حيث أطلق عليه النقاد لقب عبقري الرواية العربية.
ولعل ما زاد من عبقرية ذلك الكاتب هو تنقله بين عدة مواقع مهنية في أوروبا فتحت له المجال ليقرأ الآخر بطريقة غير نمطية أو تقليدية. حيث عمل لسنوات طويلة في بريطانيا، ضمن القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية، وترقى بها حتى وصل إلى منصب مدير قسم الدراما، ثم هاجر بعد ذلك إلى قطر وعمل في وزارة الإعلام هناك وكيلاً ومشرفاً على أجهزتها. كذلك عمل مديراً إقليمياً بمنظمة اليونيسكو في باريس حيث يمكن القول بأن الترحال والسفر بين الشرق أعطته معرفة عميقة بأحوال الحياة والعالم وأهم من ذلك أحوال الأمة العربية وقضاياها وهو ما قام بتوظيفه في كتاباته وأعماله الروائية وخاصة روايته العالمية موسم الهجرة إلى الشمال.
وإن عدداً كبيراً جداً من الدراسات والأبحاث العلمية تطرق بالحديث عن تلك الرواية وعن الطيب صالح ذاته، فمفهوم رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" الذي جعلها في مقدمة الروايات شهرة هو كونها أولى الروايات التي تناولت، بشكل فني راق، الصدام بين الحضارات وموقف إنسان العالم الثالث ـ النامي ورؤيته للعالم الأول المتقدم، ذلك الصدام الذي تجلى في الأعمال الوحشية دائماً، والرقيقة الشجية أحياناً، لبطل الرواية "مصطفى سعيد".
ولأن الأدب يمثل عنوان الرقي والحضارة، وهو ما أردت أن أصل إليه في نهاية مقالي هذا، فقد أعلنت زين-السودان، وهي شركة اتصالات هاتفية محمولة عن إطلاق مسابقة الروائي العالمي الطيب صالح في مجالات الرواية والقصة القصيرة والمسرح والنقد، حيث أعلنت الشبكة بأن تلك الخطوة جاءت انطلاقاً من دورها التشجيعي لقيم الفنون والآداب في المجتمع العربي والسوداني وإيماناً برسالة الثقافة والفن وأثرهما في الحياة المٌعاصرة. والجائزة، التي تحملُ اسم "جائزة الطيب صالح" السنوية، تُعادلُ مائتي ألف دولار أمريكي، ويُقومُ عليها مجلسُ أمناء من المُختصين بمجال الأدب والرواية والقصة القصيرة يتم اختياره بمهنية رفيعة لتوفير أعلى درجات من العدالة والشفافية.
وسؤالي الذي أطرحه كغيري بكل حزن: ألا يدعو ذلك شركاتنا ومؤسساتنا العريقة كجوال والاتصالات الفلسطينية (بال تيل) وحضارة وبنك فلسطين لأن تقوم بعمل مماثل يكرم كبار أدبائنا الراحلين كغسان كنفاني ومحمود درويش؟!!