"كرنفال المدينة" والبناء الروائي
عن دار الجندي للنّشر والتّوزيع في القدس صدرت عام 2019 رواية "كرنفال المدينة" للكاتبة المقدسيّة نزهة الرّملاوي. وتقع في 223 صفحة من الحجم المتوسّط.
هذا هو الإصدار الثّاني للكاتبة المقدسيّة نزهة الرّملاوي، فقد صدر لها عام 2017 مجموعة قصصيّة بعنوان "عشّاق المدينة."
تعني كلمة كرنفال كما جاءت في معجم المعاني الجامع: جمعها كرنفالات:" احتفالات ومسيرات رقص وغناء ولهو، تقام عادة في الأسبوع الذي يسبق الصّوم الكبير لدى المسيحيّين."
وجاء في موسوعة وكيبيديا: "كرنفال الإنجليزية:" Carnival" هو احتفال وإستعراض شعبيّ، يجمع بين السّيرك والإحتفالات الشّعبيّة التي تجوب الشّوارع، وعادًة ما تكون هذه الاستعراضات في موسم الكرنفال. وتعتبر الكرنفالات تقليدا كاثوليكيّا، ثم دخلت على الاحتفالات الأرثوذكسيّة، لكن الكنائس البروتستانتيّة، وخصوصا المتشدّدة منها، كانت ترفض القيام بهذه الإستعراضات."
ومن يقرأ "الرّواية" سيعلم أنّ القدس الشّريف هي المقصودة "بالمدينة"، وهذا يرشدنا لتفسير العنوان بأنّه احتفالات ومسيرات الرّقص والغناء في القدس. علما أنّه لم يكن هناك رقص ولا غناء في النّص سوى مسيرة كشّافة بمناسبة الهجرة النّبويّة. وما تبقّى هي مظاهرات واحتجاجات يصاحبها القمع والقتل والاعتقالات والغازات الخانقة.
ويسجّل لصالح الكاتبة أنّها كتبت عن مدينة القدس، فالقدس تستحقّ منّا الكثير، وكلّنا مقصّرون بحق القدس وما تمثّله لنا كجزء من عقيدتنا، وكعاصمة دولتنا الفلسطينيّة العتيدة، وكشاهد على حضارة آبائنا وأجدادنا.
ومّما يلفت الإنتباه أنّ الكاتبة قد وضعت فهرسا في آخر النّص، وضعت فيه أرقام تقسيم النّصّ إلى أبواب، أو أحداث والصّفحات التي تبدأ بها، علما أنّ الرّواية نصّ واحد كما هو متعارف عليه، والرّواية عادة تحمل أحداثا وقصصا وحكايات متعدّدة ومترابطة، فهل جاء وضع الفهرس كاعتراف من الكاتبة -دون أن تقصد ذلك- بأنّ النّصّ ليس رواية؟
وإذا ما اعتبرنا النّصّ رواية، فهل توفّرت فيه شروط البناء الرّوائيّ؟
تدور أحداث النّصّ عند معبر قلنديا، الواقع بين القدس ورام الله، وما يسبّبه هذا المعبر من مآسي للفلسطينيّين الذين يحاولون دخول مدينتهم المقدّسة.
يتحدّث النّص عن الطفل تامر وهو ابن لشهيد، تزوّجت والدته بعد استشهاد أبيه من "ربحي" السّجين الأمني السّابق، لكنّه أدمن لاحقا على الكحول والمخدّرات، فيسومها وطفلها سوء المعاملة والتّعنيف، ولا تلبث الأمّ أن يتوفّاها الله، ليبقى الطفل تحت رعاية زوج أمّه هذا، فيخرجه من المدرسة؛ ليتحوّل إلى شبه متسوّل من خلال بيع "الوسائد" عند المعبر الاحتلاليّ.
ويلاحظ في النّصّ أنّ الطّفل تامر قد ارتبط بعلاقة حبّ مع الطفلة "زين" بنت الجيران! فهل هناك علاقة حبّ بين طفلين؟ وللتّأكيد على طفولة الحبيبين"تامر وزينة"، جاء في صفحة 45 "بعد أن ساعد تامر وصديقه الأخرس حسن زائرين بحمل أغراضهم:" حظي تامر وصديقه حسن على لوحين من الشّوكلاتة، وبالونين ملوّنين." فهل من يفرح ببالون ملوّن وقطعة شوكلاتة يكون مؤهّلا للحبّ؟ وكيف؟ وبعد ذلك جاء في الرّواية أنّ تامر ابن سبعة عشر عاما.
وتتوالى الأحداث وأثناء إغلاق المعبر، -وهذا يحدث كثيرا على أرض الواقع من قبل الاحتلال- يعتلي تامر جدار التّوسّع الاحتلاليّ رافعا العلم الفلسطينيّ، ووسط الغازات الخانقة والتّدافع بين المنتظرين عند المعبر يسقط تامر عن الجدار داخل حدود بلديّة القدس- حسب تقسيمات الاحتلال الإداريّة- فيلتقطه شخص "أبو باسم "وهو مغمى عليه ويأخذه لبيته، وهناك يبتبيّن أنّ يد تامر مكسورة، فيقوم صاحب البيت بتجبيرها! ويكرم هو وزوجته وفادته، وعندما تقترب دوريّة لشرطة الاحتلال ليلا من بيت أبي بسّام، يهرب تامر من نافذة البيت، لتطالبه أمّ باسم بالعودة وهي تقول له بعد أن عرفت منه اسم والده: أنا عمّتك! لكنّه لم يسمعها.
ويواصل تامر طريقه إلى القدس، وفي نهاية النّصّ يلتقي مع ابن عمّه، ويتعارفان عند مدفن العائلة في المقبرة اليوسفيّة أمام باب الأسباط، عندما وصل تامر إلى قبر والده الشّهيد وقبر جدّه، الذي توفّي قبل يومين من تلك الزّيارة، وبعد معاناة تامر الطّويلة الطويلة.
والسّؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يعقل أن يترك الجدّ والأعمام الحفيد ابن الشّهيد في رعاية زوج أمّه السّكير مدمن المخدّرات؟ وهل لا يتواصلون معه خصوصا بعد وفاة والدته؟ وهل يعقل أن يترك المجتمع ابن شهيد؛ ليضيع في متاهات الحياة، حتّى بات لا يعرف أسرته؟ وهل الخيال في القصّ والرّويّ يصل إلى اللامعقول في الحديث عن وقائع حقيقيّة؟
وهل اختفاء باسم ابن عمّة تامر لمدّة شهرين، ليعود مقتولا لوالديه على أيدي مستوطنين متطرّفين يمرّ مرّا سريعا كما ورد في النّصّ. وكذلك الأمر بالنّسبة للشّهيد فؤاد الذي قتله المستوطنون في جوار بيتهم في القدس القديمة عندما ابتاعوا بيتا من أحد العملاء؟ وهل يعقل أنّ الاحتلال المعروف بجرائمه يقوم باعتقال ربحي –زوج أمّ تامر- مدمن المخدّرات والكحول حتّى يسلّم تامر نفسه؟ وما الحكمة أن يكون تامر وفؤاد وحيدي والديهما؟ وحتّى الشّهيد باسم له أخ طالب جامعيّ لم يرد له ذكر سوى أنّه طالب جامعي يسكن قريبا من الجامعة!
وفي المحصّلة يمكننا القول بأنّ النّصّ ليس رواية، وإنّما هو مجموعة أحداث متناثرة، سردُها متتابعة لا يجعل منها رواية متماسكة.
اللغة: جاء النّص بلغة فصيحة شعريّة فيها بلاغة، لكن فيها الكثير من الأخطاء اللغويّة والنّحويّة.
وسوم: العدد 835