عمر بن عبد العزيز - عبد الحميد جودة السحار
يقدم الكاتب في هذه القصة شخصية تاريخية تمثل أنموذجاً للفكرة الإسلامية في حركتها البناءة، عندما تنطلق من دائرة القاعدة النظرية إلى عالم التطبيق، ويستعين الكاتب في بلورة ملامح الشخصية بعرض صورة واضحة المعالم للحياة في العصر الذي عاش فيه عمر، والظروف المحيطة به حين ظهرت تغيرات في الحياة الإسلامية على مستوى الحكم والمجتمع. وقد أقام السحار بناءه القصصي على طريق الحكاية، مستعيناً ببعض المواقف الجزئية التي وردت في ما حكاه المؤرخون من سيرة خامس الخلفاء الراشدين، وهذا يمثل في مجموعه صورة محددة الملامح له في ورعه وزهده وتقواه وعدله، وسياسته الناس على أساس من تعاليم الإسلام وهديه. وإلى جانب ذلك يقوم بعرض الصورة المقابلة التي كان عليها الخلفاء السابقون له مما يخالف منهجه، وأثرها في حياة الناس وموقف الخليفة الزاهد منها، ومضيفاً إلى الصورة ظلالاً فنية بديعة، عن طريق استخدامه للأسلوب الوصفي في التعبير عن ملامح البيئة، وعن الشخصيات وما يدور في داخلها من خواطر وأحاسيس. وهو ينطلق في ذلك كله من فكرة أساسية وهي الشريعة الإسلامية هي الأساس الذي ترتقي به الأمم، وتزدهر الحياة ويعم الأمن.
جعل الفصل الأول مقدمة تمهيدية اعتمد في تشكيلها على عرض صورة واضحة الملامح للتطور الذي أحدثه الإسلام في الحياة والتغيير الذي طرأ على الفكرة والسلوك والإعتقاد، وأثره في تحقيق السعادة والازدهار. وجاءت تلك الصورة على هيئة خواطر جعلت تتتابع في اطراد على صفحة ذهن بلال وهو في طريقة إلى سطح المسجد للأذان، وراح الكاتب يتفنن في تجميع اللوحة ولَمِّ شَعَثِها، وإبراز معالم الأمن والسعادة التي عاش المؤمنون في ظلها. وقد استعان أيضا بهذه الخلفية التمهيدية في الوصول إلى المنطلق الذي ستندفع أحداث القصة منه، فتنمو وتتتابع في سياق منسجم وعرض جيد. (التيار الإسلامي في قصص عبد الحميد جودة السحار – د. يوسف زيد). وعرض صفحة ناصعة من الماضي يبرز فيها عمر بن الخطاب بعدله وشدته على الباطل؛ وقد سار حفيده على منهجه فمضى في خطة الإصلاح وتحقيق العدل ورد المظالم الأمر الذي أوغر صدور بعضهم عليه، وتمنوا أو سعوا لاختصار أيامه في الخلافة.
لقد اتخذ المؤلف من عرضه لقصة عمر بن عبد العزيز وسيلة إلى إبراز القيم الإسلامية الأصيلة وقدرتها على النهوض بالمجتمع الإسلامي وتحقيق الازدهار، وكشف لنا جوانب مضيئة من تاريخ الأمة الإسلامية وحياتها؛ لنستلهم منها عن وعي مناحي العظمة فيها، فنسير على هديها في حياتنا المعاصرة، ونتبين أن إرادة الإصلاح التي ينهض بها راشد عادل مع وجود المنهج تغير كثيراً من مظاهر الانحراف، وتعيد الأمر إلى نصابه. (يراجع في ذلك كتاب: ملامح الانقلاب الإسلامي في خلافة عمر بن عبد العزيز – د. عماد الدين خليل).
ويلاحظ بروز الصورة التقريرية والنبرة الحادة من خلال ما أورد المؤلف عن زهد عمر وتقواه وكتاباته إلى عماله وقواده، وقد جاءت على هيئتها وطبيعتها الخطابية الزاجرة، ولو كان قد تخفف بعض الشيء من ذكر هذا الكم الكثير المتكرر، مكتفياً بما يخدم السياق ويقدم الشخصية من أقرب طريق لكان أجدى وأنفع، وأقرب إلى باب الفن الذي هدف إلى التعبير من خلاله عن أفكاره وَرُؤَاه. وكذلك لو كان أبرز جانب المواجهة الأموية لعمر بن عبد العزيز بصورة أكثر فاعلية في السياق؛ لأوجد نوعاً من الصراع تنهض على أجنحته قصة درامية عالية الجودة، لكنه اكتفى في عرضه لذلك بإشارة فقط من دون تعمق للفعل ودوافعه وللموقف وآثاره. ولا يعني هذا أن القصة لم تؤد وظيفتها المنوطة بها في ايجاد وعي بالتاريخ وإلمام يمثل الخير فيه، فقد قدت الكثير من ذلك في كثير من الجودة وحسن الصياغة وسلامة التعبير.
ويلاحظ في هذه القصة أن الكاتب قسا على بني أمية كثيراً. ومما لاشك فيه أن فيهم من هو ظالم لنفسه مسيء لغيره؛ إلا أن ما كتبه الإمام ابن الجوزي في كتابه (سيرة عمر بن عبد العزيز) أكثر صدقاً وأقرب إلى الحقيقة.
وسوم: العدد 836