من بين الصخور لجميل السلحوت في اليوم السابع
ناقشت ندوة اليوم السابع في لقائها اليوم في مركز يبوس في القدس كتاب "من بين الصخور-مرحلة عشتها" للكاتب جميل السلحوت، صدر الكتاب الذي يقع في 260 صفحة عام 2019 عن مكتبة كل شيء في حيفا، ويحمل غلافه الأوّل لوحة للفنان التشكيليّ محمد نصرالله. وصمّم الكتاب ومنتجه شربل الياس.
افتتح النقاش ديمة جمعة السمان فقالت:
"من بين الصخور" نصوص تسجل مرحلة عاشها الأديب السّلحوت بعد سن الطفولة، إذ غطى مرحلة طفولته بكتابه (أشواك البراري – طفولتي) الذي صدر العام الماضي 2018.
من يعرف الكاتب لا يتفاجأ ممّا جاء في كتابه، فهو ليس من الشخصيات التي تهوى الحديث عن نفسها، على الرغم من أن خبرته في الحياة غنيّة، تستحق أن يسجلها في مجلد يحتوي على الآلاف من الصّفحات. إلا أن القارىء يشعر أن الكاتب يكتب سيرة مكان مرتبطة بزمان ما؛ ليسجل أحداثا غفل عنها التاريخ، يكتب عن آخرين أكثر ممّا يكتب عن نفسه.. فالكتاب يجمع بين السّيرة الذّاتيّة والغيريّة وسيرة المكان، وأدب الرحلات والأدب السّياسيّ والاجتماعيّ لوطنه ولبلدان أخرى زارها الكاتب، وشعر أنّ فيها ما يستحق التّسجيل والتّوثيق.
السلحوت يسعى لزجّ أكبر عدد ممكن من المعلومات المفيدة للقارىء، حتّى لو كانت على حساب العمل الفنّي. ومن يعرفه عن قرب يلحظ ذلك في حديثه ومداخلاته أيضا.. سواء كانت في الّندوات أو في غيرها من اللقاءات العامّة والخاصّة أيضا. فهو كريم جدّا في تقديم كل ما لديه من معرفة على طبق من فضّة للمستمع.. هذه طبيعة شخصيّة الكاتب.
وهو يعترف بذلك في بداية الكتاب، بل ويحاول أن يبرّر تغييب (الأنا) في كتابه، ويقول: ( بتّ على قناعة تامّة بأن أفضل من يكتب السّير الذّاتيّة هو شخص آخر يعرف صاحب السّيرة معرفة جيّدة، لأنّه سيكتب بحياديّة تامّة حول ما لصاحب السّيرة وما عليه".
السلحوت كان لسان الكثيرين ممّن عانوا النّكسة ومدى تأثيرها تحديدا على المقدسيين، تحدّث عن الهزيمة التي صدمت الجميع.
يقول الكاتب أنّه اكتشف أنّه فلسطيني بعد انتهاء حرب 1967، فقد كان الفلسطينيون يعتبرون أنفسهم مواطنون أردنيّون، إذ أنّ الضّفّة كانت جزءا من المملكة الأردنيّة الهاشميّة.
تطرّق إلى نظرة الفلسطينيين الذين احتّلت أراضيهم عام 1967 إلى فلسطينيي ال 1948، فقد كانت المعلومات المترسّخة في العقول، أنّ من تبقى من الفلسطينيين في نكبة العام 1948 هم مجرّد بضعة آلاف من عملاء الحركة الصهيونيّة والانتداب البريطانيّ، ولذلك كانت النّظرة لهم نظرة ازدراء، لدرجة أنّ الكاتب رفض ارشاد المصلّين منهم إلى المسجد الأقصى، بل حاول تضليلهم انتقاما.
أشار الكاتب إلى معركة التّعليم في القدس ومحاولة الاحتلال السّيطرة على هذا القطاع الحيويّ، وأشار إلى وقفة المجتمع المقدسيّ الأبيّ وإضرابه رافضا أسرلة التّعليم، وإصراره على بقاء مناهجه السابقة.
ولم ينس الكاتب أن يتحدّث عن واقع الأسير الفلسطينيّ الذي يقبع خلف قضبان سجون الاحتلال، خاصّة وأنّه أسير محرّر، عاش عذابات القيد.
وانتقل بالأحداث إلى الأردن، ثم سوريا، ثم لبنان، ومصر والجزائر وغيرها، فأجاد انتقاء الأحداث لإبراز الخصوصيّة في كلّ بلد من البلدان الشّقيقة.
كما عرج على موسكو وطبيعة الثّقافة فيها، وكذلك عن طبيعة الحياة في أمريكا وغرائبها والاهتمام في بناء الإنسان.
أمّا الكتابة، فقد كانت لها حصّة أيضا، إذ تناول بعض إصداراته، وتحدّث عن الهدف من طرح مضمون الكتاب.
وتحدّث عن مولد ندوة اليوم السّابع المقدسيّة الأسبوعيّة وعن مؤسّسيها، وعن أهمّيّة وجودها والهدف منها في القدس.
كما أفرد عدّة صفحات تحدّث فيها عن علاقته ببعض الكتّاب والأدباء.
فقدّم السلحوت المعلومة من خلال رؤيته ونظرته الثاقبة للأمور، إذ أن خبرته وتجاربه في الحياة تجعله حكيما في اختيار الزّاوية التي يتمّ طرح الأمور من خلالها.
وكتب محمود شقير:
يدوّن الكاتب جميل السلحوت الجزء الثاني من سيرته عبر مشاهد مختصرة متتابعة، وبقدر غير قليل من التشويق وسلاسة اللغة وتدفقها من ذاكرة يقظة قادرة على تسجيل أدقّ التفاصيل القادمة من أزمنة بعيدة وأخرى قريبة. ولا يتوقّف الكاتب عند الدائرة الخاصة التي تشير إلى بعض وقائع حياته العائلية ومكابداته الشخصية، وهذا بالطبع مطلوب ولا غبار عليه، بل يتوسّع في طرح أبعاد أخرى لها علاقة بهموم الوطن الفلسطيني وبمعاناة الناس من الاحتلال العنصري البغيض، ثم ينتقل إلى التعريف ببعض مشاهداته في المدن التي زارها من دون إثقال على القارئ بالابتعاد عن تحويل المشاهدات إلى درس في الجغرافيا. وحين تدعو الحاجة إلى إلقاء الضوء على بعض القضايا التربوية ومظاهر السلوك وتحصيل المعرفة، فإنه ينقلها إلى المتلقي من دون تطويل مملّ أو استطراد لا داعي له. وهو إلى ذلك يتطرّق إلى ما تشكّل لديه على مرّ السنين من تجارب في السجن وخارج السجن، وما اكتسبه من معارف وخبرات، وما عقده من صداقات مع مثقفين وكتّاب ومناضلين سياسيّين، مؤكدا على أن في حياة الفلسطيني، أيّ فلسطيني سواء أكان كاتبا أم سياسيّا أم مجرّد إنسان عاديّ، ما يصلح لأن يُروى لكي تتجمع من خلال ذلك وفرة من التفاصيل التي تؤثّث أركان وجودنا الرّاسخ في وطننا. يلفت الانتباه أسلوب الكاتب المتّسم بالبساطة التي تنقل المعنى والإحساس بالمعنى إلى المتلقي من دون تعقيدات أو افتعال، وتلك صفة ملازمة لأسلوب جميل السلحوت في الجزء الأول من سيرته وفي غير ذلك من مؤلفاته الأدبية. غير أن ثمة ملاحظة تخصّ هذا الجزء من السّيرة والجزء الذي سبقه، مفادها أن البساطة في السرد تتطلب انتباها أكيدا؛ لتجنّب الوقوع في نزعة الاستسهال التي تكتفي بنقل المعلومات من دون تجويد في الأسلوب أو إبداعٍ فيه، وتلك على أيّة حال ملاحظة لا تنسحب إلا على قليل ممّا لاحظته في بعض صفحات هذا الكتاب، كتاب السّيرة التي نحن في أمسّ الحاجة إليها بالنظر إلى ما يتعرّض له انتسابنا الأصيل لبلادنا من تشويه وإنكار.
وقالت رائدة أبو الصوي:ّ
سيرة حفرت الصخر لتطلق الزهور؛ لتفجر ينابيع متنوعة منها العذب ومنها العلقم..
منها أحداث قاسية ومنها أحداث مشرقة ومشرفة، بين دفتي الكتاب تجد الجديد المثير، تجد الضالة التي تبحث عنها.
عندما يكتب السلحوت الذي نشأ في بيئة شبيهة بالبادية في عاداتها وتقاليدها وشهامتها وأصالتها وصلابة تربتها، عندما يكتب صحفي ناقد باحث صاحب نظرة ثاقبة نظرة موضوعية، عندما يكتب مفكر يعيش اللحظة، عندما يكتب أديب لديه انتماء للوطن والمواطن، في الوطن فلسطين خاصّة وفي الوطن العربي عامة، اعرف أنّك امام كتاب سيرة ذاتية متشعبة. لها روافد، كل رافد من الروافد ينبع من مكان مختلف، وتلتقي الروافد في نهر السيرة .
حياة زاخرة وزاهرة. صدق المشاعر والرّضا عن الذّات والتّحدي . جمال الوصف وسلاسة السّرد جذبتني للسّيرة.
بداية السيّرة كتب الكاتب عن مرحلة حسّاسة من تاريخ القضية الفلسطينية عاشها وعايشها، تحدث من زوايا تطرح لأوّل مرّة . تحدث عن الطلبة في العام 1967، هو ابن القدس وعانى ما عاناه طلبة "التّوجيهي"المقدسيون في الحرب بمصداقية عالية، أيّ شخص يقرأ السّيرة سيعرف مدى صدق ومصداقيّة الكاتب. أحداث وشخصيات وأماكن تؤكد الحدث، لم يجمّل الأحداث لكنّه أنطقها بغلاف جميل . قدم لنا الجاذب والمثير.
عندما قرأت السّيرة ربطت الأسلوب بأسلوب بعض الأفلام السّينمائيّة العالميّة التي كنت أشاهدها، ويكون فيها راوٍ وحصلت على جوائز عالمية.
سيرة الاديب السلحوت خرجت من الخاصّ إلى العامّ، لم يتحدث الكاتب بشكل خاصّ في كتابه، بل أشار إلى جماليات كثيرة، إلى صور ممتعة في الغرب والشرق.
في هذه السيرة بوح عن مشاعر جيّاشة عبر من خلالها عن مشاعر الألم والحسرة والحزن الشديد على فقدان الوطن، روح ثائرة ينبض بها قلم الكاتب .
في كلّ مرحلة من مراحل حياة الكاتب هناك عبرة هناك ودرس، فهو مثال للشّابّ المجتهد المكبل بالسّلاسل، هو صقر داخل قفص .
الكاتب متمرد بعقلانية وحكمة وجدتها في السّيرة أثارت إعجابي، عندما وجد الكاتب نفسه في حيرة بين مغادرة الوطن لمواصلة تعليمة الجامعي، أو البقاء في الوطن.اختار البقاء بالوطن. والحكمة ( أن تكون في قفص لا أبواب له خير من أن تصبح مشردا)، وما أكثر المشردين الذين تركوا أوطانهم إمّا قصرا أو طوعا.
ياليت المهاجرين من الوطن كانت لديهم تلك الرؤية الذكية قبل الهجرة والهروب والتشتت في أصقاع العالم.
في السيرة الذاتية طرح معاناة طلبة المدارس والعمال. فتح ملفات التعيينات وكيف كانت تتمّ. أخرج الملفات من الأدراج المغلقة .
في صفحة (26) صورة مؤلمة جدا، وصف الكاتب الظروف القاسية التي تعرض لها في معتقل ( المسكوبية) 13 يوم . تعذيب ومعاناة .
وفي ص (43) وصف المعاناة على جسر اللنبي لمن يريدون زيارة الأردنّ، وصورة المسنين الذين يعانون من سلس البول ومعاناتهم في طوابير الانتظار الحدوديّة عند حواجز الاحتلال.
وصف صورة مشرقة للعلاقة الأخوية التي تربط الشعب الفلسطيني والشعب الأردني.
اعجبني في السّيرة التّطرّق للشّخصيّات التي مرّت في حياة الكاتب، الشخصيات التي تركت أثرا في حياته.
تحدث الكاتب في السيرة عن العمال، أثار السّخط في قلبي عندما تحدث عن عامل البلاط وسوء معاملة صاحب الكراج له. صورة قاتمة ولكنّها للأسف الشّديد تتكرّر. أعجبتني طريقة الكاتب في الثّأر لكرامته في تلك الحادثة ( جووووول ) يحيا الذكاء.
الأديب السلحوت خير مدافع عن الحقّ وعن المظلومين. شخصية الكاتب شخصيّة عامّة وليست خاصّة.
بلاد العرب أوطاني فقد تحدث عن عواصم عربية زارها ومشاهداته فيها. تحدّث عن دمشق وبيروت والقاهرة والرّياض والجزائر. كتب عن دول غربية زارها. كتب عن قبرص وعن موسكو وعن بعض الولايات الأمريكيّة وأبدع بالوصف . أحداث متلاحقة متسلسلة جميلة.
أيّ قاريء لكتاب السلحوت مهما كانت جنسيته سيجد الفائدة. في السيرة مسيرة حياة مفعمة بالمحبّة والعطاء والانتماء. رسالة تؤكد على عدالة القضيّة والإيمان بالحق في العيش بكرامة وحرّيّة على هذه الارض .
نهاية السّيرة مثيرة عندما ختم السيرة بمقولة المترجم الرّوسي ( فيكتور) عندما قالك
السياحة ليست كالإقامة .
وقال الدكتور عزالدين أبو ميزر:
لست أدري والله من أين أبدأ قراءتي، أهي من الكاتب الذي أحبّه بصدق كإنسان، وأحب كتاباته المتنوّعة الّتي يكتبها بسلاسة وبلا تكلّف ولا تعقيد، وتجذب القارىء اليها بصدق، ويلزمني صدقي مع نفسي ومعه أن أكون صادقا أيضا في اختيار البداية دون محاباة وبإنصاف وصدق.
وافضّل أن أبدأ بالرجل الذي هو الأصل، مع أن ما يكتبه هو أو غيره هو أبقى منهم جميعا، وقد يكون في موقع ما، ما أكتبه أنا في هذه العجالة شمعة تضيء عليه وعلى ما كتب في يوم من الأيام، لست أدري.
مقدمة أحببت أن أسجلها قبل الحديث عن كتاب أخينا وحبيبنا جميل السلحوت، من بين الصخور، وهو عبارة عن مسلسل روائي، رابطه الأساس هو الكاتب نفسه الذي كتب هذا المسلسل والذي يقول هو عنه ان القارىء يستطيع قراءة كل جزء منه وحده، وكأنه ليس له علاقة بما قبله أو بعده من أجزاء،سابقة أو لاحقة.
الكتاب هو سيرة ذاتية، ولا تسمى سيرة ذاتية لذات الكاتب، بل تنسحب إسم السيرة على كل ما يحيط ويرتبط بهذه الذّات، من أمور تتعلق بها او تتعلق ببعضها في فترة زمنية معينة عاشها كاتبها، لكل حدث من أحداثها، وكل شخصية ذكرها، وكل مكان زاره او تحدث عنه،سياسيا، او اجتماعيا، او ادبيا وثقافيا او إنسانيا وبشكل عام او خاص. وبنظرة معمقة لكل ما فيها من وجهة نظر الكاتب او او من يتحدث عنه، او يعايشها.
وكاتبنا كان صادقا في نقله عن كل ما حدث في كتابه من أحداث ووقائع واجزم أنها كنت مسجلة لديه بتواريخها وصورها وشخوصها، وليست من الذاكرة.
وبكل أمانة تاريخية وجغرافية، وأسماء ذكرنا بها وربما كاد الزمن أن يلقي بردائه عليها، فقام كاتبنا بإظهارها بعد نفض الغبار عنها، فتراها عيون القرّاء لأخذ العبرة والتفكر وإعادة النظر وربط الأحداث ببعضها، لتكون رافعة لأجيال تأتي بعدنا فتنهض بالمجتمع لما هو أسمى وأرفع، وتكون لبنة في بناء صرح لمستقبل يرجى، يتّسم بالعدل والسلام والطمأنينة والازدهار.
الكاتب في أدب الرحلات كان رائعا في وصفه ودقة ملاحظاته، حتى لتخاله معك دليلا سياحيا متقنا لصنعته، ممتلئا بالمعلومات الغزيرة والمفيدة من كل الجهات سلبا للابتعاد عن ما يجب الابتعاد عنه أو ايجابا للاقتداء به. وخاصة في التقدم العلمي واسغلال الموارد ونظام بناء المجتمع النظيف. وكما قالوا من لا يحافظ على وطنه نظيفا لا يستحق ان يعيش فيه.
وأغبط الكاتب على تنوعه في الكتابة وقدرته على التكيف مع الأحداث. بحيث تحسّ أن عينه كاميرا تنقل ما ترى بصدق وحرفية، وذلك لأن الكاتب كثير الأسئلة، وكثرة السؤال تؤدي دائما الى زيادة المعارف والابداع.
وكتب ابراهيم جوهر: جماع موضوعات متباينة وأجناس أدبية عديدة حين تكتب بقلم كاتب ذي إحساس ووعي ولغة تكون أفضل من أيّ جنس أدبي آخر. السّيرة ملكة الفنون الأدبية، فيها روح قصصية صاعدة ولا تهمل الاسترجاع الفني فللكلمات ذاكرة وللمواقف أيضا وشخصياتها حقيقية لا متخيّلة. ولعلّ القول الذي يفيد بأنّ الكاتب يكتب رواية واحدة تكون أكثر صدقا وحياة وهي سيرته الذاتية، وإن كان وهو يكتب في غير هذا اللون الأدبي تظلّ عينه على سيرته، قول صحيح إلى حدّ كبير. أرى -والرأي شخصي يحتاج تنظيرا ودراسة - أنّ المستقبل للسّيرة الذاتية في عالم الأدب والقراءة. وغنيّ عن القول أن السيرة لا يكتبها غير ذي تجربة تستحق الكتابة بهدف الإفادة والإمتاع. يهرب الأدباء عادة من ذكر عيوبهم وظروف عيشهم القاسية إلّا ذوي الثقة الذين يبنون حياتهم ويحصدون ثمار جهدهم بثقة. ويؤخذ على كتّاب السيرة العرب ميلهم لتضخيم الذّات وعدم جرأتهم وقلّة صراحتهم، وهذا ما تنفيه كتب السّيرة التي صدرت مؤخرا، ومن بينها "أشواك البراري ومن بين الصخور". بين يديّ الجزء الثاني من سيرة الكاتب "جميل السلحوت" التي جاءت تحت عنوان "من بين الصخور" بعد جزئها الأول "أشواك البراري". و"من بين الصخور" سيرة ذات وشعب بأحلامه المكسورة وواقعه القاسي ومواظبته على أن يكون له مكان "تحت الشمس" ودرجة في سلّم الحياة والحضارة رغم أشواك البراري التي يجدلها أعداء الحياة لتوقف طموحه وتحاصر أحلامه لتبقيها في مهدها لتموت. لم يكتب الكاتب هنا وهو يطلّ من عل على ماض تولّى، بل استعان بعناوين فرعية تقصّ أنباء ومواقف وتذكر أشخاصا، وتعرّج على سياسات أنتجت واقعا صخريّا ضاغطا. "من بين الصخور" سيرة وطن يبحث عن زاوية يتنفّس فيها هواء نقيّا.
وقال محمد موسى عويسات:
العنوان (من بين الصّخور) جاء شبه جملة، مِن حرف ابتداء، دخلت على الظرف (بين) المضاف إلى الصخور، وللابتداء والبينيّة هناك متعلّق محذوف قد يكون الفعل خرجت من بين الصخور، أو الخروج من بين الصخور، والإيحاءات كثيرة، فيوحي بأنّ هناك حياة بين الصّخور، وهناك صخورا تعترض هذه الحياة، خرج من بينها صاحب السّيرة إلى مرحلة أو حياة مختلفة، ويوحي العنوان بأنّ الكاتب صاحب السّيرة قد تحدّى وكافح في سبيل هذا الخروج، وأنّه لم يستسلم للظّروف الصّعبة التي اعترضته، ومهما تكن الدّلالة فإنّ العنوان يجذبك للقراءة، ويثير أسئلة كثيرة: كيف خرج من بين الصخور؟ إلى أين خرج؟ وماذا كان بعد الخروج؟ وغيرها، وعلى أيّة حال وكما في أشواك البراري، يهدي الكاتب قارئه تجربة حياة، ودروسا مؤثّرة.
وتمثّل هذه السّيرة المرحلة الثّانية من حياة الكاتب، التي تمتدّ من سنّ الثّامنة عشرة، وقت انتهائه من مرحلة الدّراسة الثّانويّة في أثناء هزيمة عام 1967 وسقوط القدس بيد يهود، إلى عام 2018 تقريبا، أمّا المرحلة الأولى من حياته والتي تمتدّ من الميلاد عام 1949 حتى عام 1967 فقد جاءت في كتاب سيرته الموسوم بأشواك البراري، وقد وُفّق الكاتب في تقسيم هذه السّيرة إلى مرحلتين، ليس من جهة التّسهيل على القارئ وجذبه وحسب، بل من جهة التّقسيم المنطقيّ، فهناك انتقال شخصيّ ملحوظ من مرحلة الطّفولة إلى مرحلة الرّجولة، ففي المرحلة الأولى كانت الأحداث تصنعه، وهذا بخلاف المرحلة الثّانية مرحلة الرّجولة التي يصنع فيها نفسه، وكذلك من جهة الحدّ السّياسيّ بين المرحلتين الذي رسمته هزيمة حزيران وسقوط القدس وباقي فلسطين في أيدي المحتلّين، ومن جهة الاختلاف النّوعيّ بين الحياتين في جانبيهما الإيجابيّ والسّلبيّ على حدّ سواء.
والذي لا يعرف الكاتب شخصيّا، وقرأ سيرته أشواك البراري، لا بدّ أنّه توقّع أن تُخرّج تلك الحياة القاسية الموسومة بأقسى وصف (أشواك البراري)، رجلا صاحب سيرة تستحقّ التّوثيق، ففيها تجارب حياتيّة ثرّة، جديرة بأن تنقل لأجيال قادمة، وفيها تصوير لحياة شعبه من جوانب كثيرة. ومن النّاحية الموضوعيّة يجد القارئ أنّ كاتبها نقل لنا أحداثا عاشها وتجارب وظروفا مرّ بها تعكس شخصيته، فتجده شاهدا شهادة حيّة مباشرة على القدس في أثناء الحرب، وفي الأيام الأولى لوقوعها تحت الاحتلال، يسجّل الأحداث التي لم يسجّل تفاصيلها المؤرّخون، ويرصد نتائج الهزيمة، ويقف على مفاصل في الأحداث عاشها بشخصه وعاينها عن كثب، ينقلها بموضوعيّة، يصحبها انتماء يتجسّد في مشاعر من الأسى والحزن والرّفض للواقع الجديد، ووعي على ما يدور بعيدا عن الانفعال وثورة المشاعر والشّعارات، ويتجلّى ذلك أكثر ما يتجلّى في مشاهداته وانطباعاته لمّا زار الجزء المحتلّ من القدس عام 1948. وراح يوازن بين شطري القدس، واللذين سُمّيا القدس الشّرقيّة والقدس الغربيّة. ثمّ ينتقل بنا الكاتب إلى جزء مهمّ من سيرته هو الاعتقال، واللافت للانتباه أنّه جهد في تصوير حياة السّجون الإسرائيليّة آنذاك بتفاصيل دقيقة من خلال تجربته الشّخصية، دون أي إدلال أو تمسّح بهذا التّاريخ وهذه الأحداث؛ ليظهر نفسه مناضلا سياسيّا، فلم يذكر التّهمة التي وجّهت له، ولم يذكر أسباب الاعتقال، ولم يشر إلى عمل نضاليّ مارسه بعد الاحتلال. مع أنّ جذوره العائليّة والبيئة التي عاش فيها، سواء في جبل المكبر أو جبل المنطار في بريّة القدس حيث اعتقل من هناك، تقول ذلك، فقد كان فيها حراك نضاليّ مشهود، أضف إلى تأثره الشّديد بسقوط القدس الذي بلغ حدّ الأسى، فليس ببعيد أن يكون له باع نضاليّ لا يرى ضرورة لذكره.
ويتحدّث الكاتب عن مرضه الذي كان سببه الاعتقال وظروف السّجن. ثمّ يأخذ الكاتب في الحديث عن عمله في أرضه، فيأتي على ذكرها مرّتين الأولى بعد الحرب مباشرة، والثّانية بعد الخروج من السّجن، بل يعدّ زراعتها بالزّيتون عام 1986 تاريخا في سيرة حياته جديرا بالذّكر، ويعكس هذا انتماء صادقا، وموضع فخر لديه.
وينتقل الكاتب إلى رحلته في طلب العلم، التي استغرق الحديث فيها ما يقارب الأربعين صفحة، والتي انتهت بحصوله على درجة الليسانس في اللّغة العربيّة، واللافت في هذه أيضا أنّه غلب عليه فيها حديث الرّحّالة، فوصف الجسور، والأردن، والمناطق التي مرّ بها في سوريا، والتي نزل بها في لبنان، وكذلك مصر وبخاصّة الإسكندريّة، وصف الأمكنة بدقّة ووصف وقعها الجميل في نفسه كما في حديثه عن الرّوشة في لبنان، وصف النّاس من أهل البلاد أو من غير أهلها، ووصف الطّعام كما في حديثه عن وجبة الضفادع، وذكر العادات والتّقاليد للنّاس كحادثة استضافة الشّرطيّ المصريّ له ولزميله، وتناول بعض القضايا السّياسيّة في ومضات مركّزة وواعية كحديثه عن تدمير القطاع العامّ في عهد السّادات. ولم يكن له حديث عن العلم في تلك البلاد ومستواه وأنماطه، ولم يتحدّث عن أساتذته هناك وغير ذلك، وقد يعزى بعض ذلك لكونه منتسبا للجامعة وليس منتظما في الدّراسة فيها.
ثمّ تجد الكاتب يتحدّث عن عمله في الصّحافة، وفي التّدريس والعمل في البناء، ثمّ يأتي الحديث الطويل عن أدبه تحت عنوان (أنا والكتابة) لتجد نفسك أمام شخصية أدبية فذّة، كتب فأبدع في فنون أدبيّة شتّى، منها المقالة والقصّة والرّواية وأدب الأطفال وأدب الرّحلة، وفنّ السّيرة، وتوثيق التّراث، وتجد له أنشطة أدبيّة كبيرة أهمّها أنّه من مؤسّسي ندوة اليوم السّابع والتي بلغت من العمر العام الثّامن والعشرين، وما زالت قائمة وتعقد مرّة في الأسبوع، وهي معلم ثقافيّ من معالم القدس. ومن خلال سيرته الأدبيّة الفنّيّة نجده يؤرّخ للحركة النّقابيّة الأدبيّة في الأرض المحتلة، من مثل رابطة الكتّاب الفلسطينيين، والتي كان مركزها مدينة القدس، وكان من مؤسّسيها، وكان فيها فاعلا، وبهذا يعدّ علما من أعلام الأدب العربيّ والفلسطينيّ، وقامة من القامات الأدبيّة في مدينة القدس. ومن خلال حديثه عن عمله في الصّحف المقدسيّة تجده مؤرّخا لتاريخ الصّحافة ورجالها في القدس في ظلّ الاحتلال.
ثمّ يأتي الكاتب على الحديث عن بلاد زارها، ومنها الاتّحاد السّوفييتيّ حيث ذهب للعلاج، فجاء على أحداث وأمور وقضايا بتفاصيل دقيقة، يفهم منها أنّها أثّرت في نفسه فانطبعت في ذاكرته.
يتحدّث عن جهوده الأدبيّة خارج فلسطين، ومنها زيارتاه الثقافيتان للسّعوديّة والجزائر. لا تراه يتحدّث فيها عن حضوره بالقدر الذي تحدّث فيه عن مضيفيه والمكان والشّعوب والعادات، والتّطوّر العمرانيّ والمدنيّ، والحياة الفنّيّة الثّقافية في تلك البلاد. ويأتي على ذكر مَن التقاهم، ويتحدّث طويلا عن زملائه ممّن صحبوه في تلك الرّحلات، يمتدحهم ويمتدح عطاءهم. وقد خصّ مدينة قسنطينة الجزائريّة بحديث ماتع طويل في التّاريخ والجغرافيا والتّراث والأهمّية.
أمّا أميركا التي زارها أكثر من خمس وعشرين مرّة لزيارة ابنه قيس وإخوته وبعض أبناء عمومته، فبدا أنّه معجب بالحياة أو النّمط المعيشيّ فيها، مأخوذ بأمور تعكس نظرته لبعض الجوانب الحياتيّة، ويحاول أن ينقلها لقارئه، تدرك ذلك من المشاهدات التي اختارها، ابتدأ الحديث بعنوان فرعيّ (من غرائب أميركا) تحدّث فيه عن جماعة دينيّة اسمها (أميش)، عن معتقدهم وثقافتهم وأفكارهم ونمط حياتهم وارتباطهم بالزّراعة وغير ذلك، وكأنّه يريد أن يقول أنّ هناك أشياء كثيرة لا نعرفها عن المجتمع الأمريكيّ، ثمّ ينقل لنا أنموذجا عن المسرح هو مسرح شكسبير في شيكاغو، فيتناول شكل المسرح، وموضوع المسرحيّة، والحضور، وتشجيع المسرح إذ تخفّض أسعار التّذاكر لمن هم دون سن الخامسة والثّلاثين تشجيعا لهم. ثمّ يتحدّث بإعجاب عن الحدائق والمتنزّهات نظافتها ونظامها ومكتباتها، ويقودنا في حديثه عن المكتبات العامّة في المتنزّهات إلى المطالعة التي هي جزء من المناهج المدرسيّة هناك، وصناعة كتب الأطفال وقصصهم، ويعرّج بنا على حضانة الأطفال، والتّسوّق في الأعياد، ويطعّم حديثه هذا بمعلومات تاريخية عن أصل عيد الشّكر، أو بعض الطّرائف التّراثيّة لدى الأمريكان كحديثه عن فريق الدّيسم.
ويفرد عنوانا مستقلّا لحياته الزّوجيّة التي لم تخل من الأسى في زواجه الأوّل، ويتحدث بإيجاز عن أبنائه وتحصيلهم العلميّ. وبعيد ذلك يتحدّث عن توجهه الفكريّ، ويوثّق فيه تاريخ التّعلّيم في بلدته، وتعرّفه على بعض الحركات، وتأثّره بالفكر اليساريّ، ولا يشير لأيّ انتماء حركيّ أو حزبيّ. ويفرد عنوانا لشخصيات أدبيّة التقاها من مثل الشّاعرة فدوى طوقان، الأديب محمود شقير،الرّوائي إميل حبيبي، الروائيّة ديمة السّمّان، الشّاعر سميح القاسم، الشّاعر توفيق زيّاد، ويذكر كيف تعرّف إليهم، ويسرد تفاصيل بعض لقاءاته بهم. ويختم الكاتب سيرته بذكريات طريفة في تاريخه الصّحفيّ والأدبيّ أو التعليميّ أو رحلاته.
ومن خلال هذه القراءة المتأنّية لسيرة الكاتب وقفنا على ملامح أسلوبه في كتابة السّيرة، فهي فنّ آخر من الفنون النّثريّة التي طرقها، من مثل فنّ المقالة السّياسيّة والاجتماعيّة، والرّاوية، وأدب الأطفال، وأدب الرّحلة، والأدب التّأليفيّ من مثل كتاباته في التّراث، والقضاء العشائريّ، وغيرها. ووجدنا في سيرته هذه أوّل ما وجدنا اللّغة السّلسة البعيدة عن التكلّف، والتي تناسب جميع المستويات، فلا يستصعبها القارئ العاديّ ولا يستصغرها أو يملّها المثقّف، فهي تنفي الألفاظ الغريبة وتستبعد التّصوير المتكلّف، فلا تجده يُعنى بالأساليب أو العبارات أو الألفاظ التي يلجأ إليها بعض كتاب السّيرة؛ ليظهروا التأنّق الفنّيّ، فمع كاتبنا تسافر في سيرته دون أن تتعثّر بلغته أو تتنكّب الطّريق بأساليب أو تراكيب لغويّة ملتوية. بدا كاتبنا في سيرته رحّالةً؛ ذلك لاهتمامه الشّديد بنقل مشاهداته وبخاصّة في رحلاته خارج البلاد التّعلّميّة أو الثّقافيّة أو العائليّة. فقد نقل الكثير من التّفاصيل للبيئات التي مرّ بها الطّبيعيّة منها والبشريّة ممزوجة بومضات تاريخيّة وجغرافيّة وتراثيّة، ونقل مشاهدات لافتة ماتعة نافعة.
وقد بدا لميوله الثّقافيّة والأدبيّة أثر في اختياره لتلك اللّحظات من سيرته، فعلى سبيل المثال تراه تحدّث طويلا وباهتمام وإعجاب شديدين عن المكتبات والمطالعة والحضانة في أميركا، فكان لافتا له أنّ الأطفال هناك لا يمزّقون الكتب. وتحدّث عن المسرح ووصفه بدّقة. ويتبيّن أنّه يقصد نقل تجربته في الحياة ومشاهداته للقارئ، وهذه من فوائد ومقاصد السّير ابتداء، ولكنّه في هذه السّيرة ليس مقصدا ضمنيّا، بقدر ما هو مقصد ظاهر، وقد رأيت لسان حال سيرته يقول: هناك بين الصّخور منافذ للانطلاق والتّحليق واكتشاف النّفس واختيار الطّريق. امتازت سيرة الكاتب بأن تضمّنت الكثير من اللّحظات الطّريفة الشّائقة، وكأنّها محطّات استراحة للقارئ، وختمت السّيرة بباقة من هذه الطّرائف، ويبدو أنّ في سيرته أيضا لا يريد أن يفوّت لحظات من الأدب السّاخر الذي يجيده، وله منه كتابان (حمار الشيخ) و(أنا وحماري). ومن الإبداعات الشكليّة للكتاب كثرة العناوين الفرعيّة؛ فإنّ لها أثرا كبيرا في القراءة المريحة، ونفي الملل عن القارئ، وفي نهاية المطاف وجدت الكاتب مسكونا بقضيّة الأدب، الأدب الملتزم بقضية الوطن وأهله في جوانبه المختلفة، وما تعلّق بالأدب من مطالعة وثقافة، ومسكون بجمال المكان، ومعرفة أنماط خفيّة من حياة الشّعوب وثقافاتهم، يهديها للقارئ تثقيفا وتنويرا. وفي لحظات كثيرة لا تجد أثرا لشخصيّته أو (الأنا) في حديثه إلا بتمعّن وتدقيق وفي إطار عامّ هو أنّه ينقلها هو نفسه ومن تجربته ومشاهداته.
وقالت هدى عثمان أبو غوش:
من بين الصخور" عنوان ملائم فيه التّحدّي،حيث قام الأديب من بين الصخور وتحدّى الألم ،ألم الوطن الجريح الّذي فقده حين انتكس، ومن بين الصخور، طلع من باديّة عرب السّواحرة، ثار على الجهل وأصرّ على طريق العلم، والتعلّم وطريق النور، وثار على صخرة الاحتلال التّي تقف عائقا عند البعض لمواصلة النّجاح والإنتصار رغم الألم". من بين الصخور "هو استكمال للجزء الأول من سيرته الذاتيّة، "أشواك البراري"، وما يميّز قلم الأديب في هذه السّيرة هو انسيابه في الحديث عن سيرته بدقة الوصف، مرحلة تعليمه،الآمه، مرضه، سجنه، عائلته، تجواله في العواصم المختلفة، وعلاقته مع الأدباء والشّعراء، ونجده يصف الأماكن بإسهاب طويل وبصورة دقيقة؛ ليقدّم المعلومات ويفيد القارئ، فيصف مشاهداته في العواصم المختلفة(مصر، الجزائر، موسكو،الأردن ،أمريكا وغيرها)، لكنّه يسترسل طويلا بالوصف خاصة بمشاهداته عن أمريكا بشكل مبالغ فيه، وكان بالإمكان الإيجاز. حيث وصف الحديقة الأمريكية، والمسرح بشكل دقيق (الإضاءة، الدّيكور، الجمهور، الأوركسترا)،وصف انبهاره من المكتبات العامّة، ووصف الأعياد. تتجلى عاطفة الحزن العام عند الأديب في حسرته على ضياع الوطن عام 1967، بينمافي الجزء الأول للسّيرة نجده يبوح طويلا بعاطفة الوجع الشخصي وبشكل مؤثر. استخدم الأديب جميل السّلحوت أُسلوب تسجيل المواقف الطريفة التّي مرّ بها (أكله لحم الخنزير والضفادع بالخطأ، وتسجيله لحالة الشّاعر مظفر النّواب والويسكي). جاء سرد أُسلوب الأديب بشكلّ تقريري بعيدا عن الأسلوب الأدبي، لكنه من ناحيّة أُخرى فهو سهل غير معقّد، وغيّب ضمير الأنا خاصة في استرساله بوصف الأماكن، يقول الأديب جميل السّلحوت في مقدمّة السّيرة:أجد صعوبة بالغة في الكتابة عن نفسي، وكأنّني بطريقة وأُخرى ودون قصد منّي أغيب "الأنا" فيما أكتب. هنالك بعض الحشو الزّائد في تفاصيل السّيرة لا حاجة له، كذكر أعمار الأطفال من القاهرة الذّي مكث عندهم، ومساحة غرفة الحضانة،عيد الشكر) يمكننا من خلال هذه السيرة التّعرف على صفات شخصيّة الأديب جميل السّلحوت، حيث يحفظ كرامته ويعبّر عن سخطه في حالة إذلاله، مثقف يهتم بالحضارات ومعالمها، عنده شغف المعرفة، ولذا نجده يطرح الأسئلة ليزداد معرفة، يحبّ الخير لوطنه لذا ينتقده ويتوق لبناء مجتمع واعٍ خالٍ من الجهل الذّي يدمرّ الإنسان العربي خاصّة. يقول من خلال السّيرة:"الجهل سبب نكبتنا"،وينتقد الجهل بكلّ أشكاله، وفي نقل المعلومة الخاطئة، كالخلط بين مكان قبة الصخرة والمسجد الأقصى. شخصيّة متواضعة، لا ينكر الجميل، نجده يذكر محاسن كرم المصريين في معاملتهم له أثناء استضافة أحدهم له في بيته. شخصيّة واضحة غير غامضة، يدلي باعترافاته بإسترسال، لكنّه لا يعبّر أو يتطرق للحديث عن عاطفته تجاه المرأة، سوى ذكره أنّه تزوج زواجا تقليديّا، فهل يرجع ذلك لقساوة حياة الباديّة عليه وظروفه الصعبّة، أم أنّ الأديب يحتفظ بأسراره العاطفيّة لنفسه وليس من حقّ القارئ معرفة ذلك؟
وقالت نزهة أبو غوش:
مسيرة إنسانيّة
الكتاب عبارة عن سيرة ذاتيّة للكاتب لم تلتزم بترتيب زمني متلاحق، بل هي مختارات لأحداث مرّ بها الكاتب وعاشها على فترات مختلفة ومتباعدة، وقد ذكر الكاتب تواريخ الأحداث، يبدو أنّ هذه الأحداث قد أثّرت على مسيرة حياته سواء كانت إيجابيّة أم سلبيّة.
سبق وأن قرأت للكاتب سيرة حياته الّتي ركّز بها على مرحلته الطّفوليّة ومرحلة المراهقة؛ رأيت فيها صورا اجتماعيّة تعبّر عن الفترة الزّمنيّة الّتي عاشها منذ طفولته حتّى يومنا هذا.
من خلال متابعتنا الأحداث على مرّ السّنين نلحظ قسوة الحالة الاجتماعية الّتي عاشها الكاتب، والعقبات الكثيرة الّتي وقفت في طريقه. بيّن لنا الكاتب كم كانت قسوة الحياة المعيشيّة تحت ظلّ الجهل والفقر والمرض في سنوات الخمسينيّات والسّتينيّات من القرن العشرين، حيث انعدمت أكثر وسائل الحياة المعيشيّة لراحة الانسان، خاصّة الحياة في منطقة صحراوية يعتمد فيه المواطن على تربية الأغنام، والاعتماد على الدّواب بطريقة بدائيّة؛ من أجل فلاحة الأرض.
لقد اندمغ الكاتب السّلحوت في هذه البيئة الصّعبة، وشارك في صناعة منافذ للحياة،
وساعد في فلاحة الأرض والاستفادة منها، ولم يتعال عن رعي الأغنام الّتي كانت مصدر رزق العائلة.
عاش الكاتب في صراع مع الحياة والطّبيعة وعقله الّذي كان يطمح لحياة أفضل. حياة تحمل في طيّاتها العلم والتّفكير وصناعة الحياة الجديدة المبنيّة على العلم والفهم والاستكشاف لزوايا أُخرى في هذا العالم الرّحب، الّذي تتنافس فيه أساليب المعرفة والاستكشاف من أوسع أبوابها.
جميل السلحوت، في كتابه تعرّفنا على انسان شفّاف تسكنه الطّيبة القرويّة، وينبع من قلبه العطاء إِلى ما لا نهاية. لا يتأخّر عن مساعدة من يطمح للوصول، وخاصّة في المجال الأدبي.
من خلال قراءتنا لنصوص " من بين الصّخور" نلمح شخصيّة مرحة تحبّ الضّحك والمرح، رغم المرض والفقدان والسّجن والصّعاب الّتي مرّت عليه، فهو إنسان خلق التّفاؤل في قلبه وعقله؛ كي يتفاءل ويعيش ويسير قدما في ركاب هذه الحياة.
نلحظ في سيرة الكاتب انسانا ثاقبا لماحا للأحداث والصّور مهما كانت صغيرة، وذلك من خلال زيارته لبلدان عربيّة وأجنبيّة، وخاصّة في الولايات الامريكيّة. لم ينس الكاتب ما كان يدور بين الشّخصيّات من زمن بعيد، وكاّنّه كان يسجل مذكّراته أولا بأوّل، بالإضافة لدقّة الوصف للأماكن والشّخصيات الّتي رحلت عنّا والشّخصيّات الّتي ما زالت على قيد الحياة.
اهتمّ الكاتب السّلحوت في وصف البيئة المحيطة به مثل الطّبيعة والأشجار المغروسة في كلّ بلد زارها، وطبيعة النّاس طعامهم وشرابهم وعاداتهم وتقاليدهم، حتّى معاييرهم الاجتماعيّة، مثل جماعة "أميش" في الولايات المتّحدة الأمريكيّة.
لا بدّ أنّ تنقّل الكاتب بين البلاد المختلفة وتعرّفه عليها عن قرب؛ كذلك تعرّفه على الكتّاب والشّعراء في البلاد وخارجها، قد صقلت شخصيّته الاإسانيّة والاجتماعيّة والأدبيّة؛ لكنّها لم تنسه أصله ومدينته المقدّسة الّتي ما فتئ يذكرها في كلّ كتاباته.
نلحظ بانّ الكاتب قد استطرد في الحديث والوصف في بعض المواضيع، بينما اختصر في مواضيع أُخرى، ممكن أن نستنتج بحسب تأثير تلك الأحداث على نفسيّته.
ممكن أن نستنتج من سيرة الكاتب بأنّه انسان سويّ يتعايش مع الأحداث بنفسيّة مركّبة اجتماعيا وحضاريا وأدبيا، مؤمن بقضاء الله وقدره.
وقالت سوسن عابدين الحشيم:
كثير من الناس كتبوا سيرتهم الذاتية، وكان لها صدى في حياة من يعرفونهم، لكن السيرة الذاتية التي نحن بصددها تختلف كليا عن سيرة الآخرين، كونها كتبت من أديب وصحفي وناقد معروف بخبرته وعلمه وكتابته الأدبية المتنوعة، الكاتب جميل السلحوت استخرج من بين الصخور الجزء الثاني من سيرته الذاتية، يحدثنا عن حياته المقدسية بأفراحها وأحزانها وصعوبتها وتحدياتها من أجل النجاح والاستمرار بحياة تزخر بالعلم والمعرفة، سعى بجدية لتحقيق حلمه باستكمال تعليمه الجامعي في جامعة بيروت العربية، وحصل على ليسانس اللغة العربية بعد حرب حزيران 1967 وسقوط القدس والضفة وغزة تحت الاحتلال الصهيوني البغيض، ممّا ترك أثرا كبيرا في حياة الكاتب، وبدأ عمله بالصحافة، وعمل في عدة صحف، واشتغل كرئيس تحرير أيضا وهذا ما جعله محللا وناقدا مميزا في كافة المجالات والقضايا السياسية والاجتماعية والثقافية. خاض مجال التعليم لعدة سنوات في المدرسة الرشيدية بالقدس، كانت حياته حافلة بالسفر والترحال بين دول عربية وأوروبية، وقد زار موسكو واقام فيها شهرا ونصف للعلاج في مستشفياتها، كماسافر إلى الولايات المتحدة حيث يقيم ابنه وإخوته، وهذا ما صقل معرفته بثقافة الغرب، ما يثير تشوق القارئ إلى بعض الحكايات والأحداث التي حصلت مع الكاتب أثناء رحلاته المتعددة، وإثراء القراء بمعلومات كثيرة عن طبيعة الحياة هناك؛ فمثلا جماعة "أميش" التي تعيش حياة بدائية كحياة البادية في أكثر مكان بالعالم تقدما وازدهارا كولاية انديانا إحدى ولايات أميركا، كما حدثنا عن مكتبات ومزارع وحضانات ومتاحف كمتحف موسكو، ومسارح زارها كمسرح شكسبير في شيكاغو، وحضر فيها مسرحية تشارلز الثالث لشكسبير، والطبيعة الجميلة في ولاية شيكاغو، لم تقتصر السيرة الذاتية على حياة الكاتب، بل تعدتها إلى بعض الشخصيات الأدبية المرموقة والتي تركت أثرا واضحا وبصمة في حياته؛ امثال الروائي المعروف يحيى يخلف والأديب الروائي أميل حبيبي، والأديب محمود شاهين والأديب محمود شقير، والشاعرة المتميزة فدوى طوقان، والروائية ديمة السمان، والشاعر محمود درويش وسميح القاسم وغيرهم، كانت الحكاية جزءا من السيرة الذاتية، تحدث فيها الكاتب عن قضايا عديدة حصلت معه، وتبين مدى حبه وانتمائه لوطنه، فقد حدثنا الكاتب عن فترة وجوده في السجن، وما تعرض له من تعذيب هو والأسرى الآخرين ..وهذا ما جعل السيرة الذاتية متميزة بتعدد الفنون الأدبية التي أبدع فيها الكاتب، وألف منها عدة كتب منها: أدب السيرة وأدب الأطفال وأدب السجون وأدب الرحلات، التي يصف فيها وصفا دقيقا للمعالم التاريخية والأثرية التي شاهدها. كما له أبحاث عديدة وروايات لليافعين، ويوميات الحزن الدامي، والأدب الساخر الذي يخفي وراءه فلسفة ورمزية نابعة من كاتب متمكن وناقد وأديب يبهر قراءه في كتاباته المتنوعة، تم تكريم الكاتب من عدة مؤسسات ثقافية محلية وعالمية وفاز بجائزة القدس للثقافة والابداع عام 2018، ومنحته وزارة الثقافة الفلسطينية لقب شخصية القدس للعام 2012، وهو أيضا من مؤسسي ندوة اليوم السابع الثقافية الاسبوعية الدورية في القدس والمستمرة منذ آذار 1991 حتى الآن.
وقالت رفيقة أبو غوش:
العنوان الذي انتقاه الكاتب، يوحي للقارئ بنوع من التفاؤل، بأنّ ثمّة نبتة ناجحة شقّت الصّخور، ونبتت رغما عن الأرض التي ليست خصبة لإنبات النباتات فيها. هذا العنوان المُكوّن من شبه الجملة، ولم يكشف عن الفعل الحاصل الذي حدث ما بين الصّخور. من الممكن التنبُّؤ بالتفاؤل .
جسّدت الأحداث ونصوص الكتاب ما يقصده الكاتب، بالعنوان من بين الصّخور، حيث انطبق القول مع العنوان؛ انبثقت حياة كاملة وسيرة ذاتيّة طويلة الأمد لحياة الكاتب نفسه، لمرحلة زمنيّة معّنة، تبدأ بعد مرحلة التعليم الثّانوي، يبدو بأنّ هذا الكتاب يُعتبر جزءا ثانيًا للسيرة الذّاتيّة التي كتبها الكاتب في كتاب سابق: " أشواك البراري" التي تحدّث فيها الكاتب عن مرحلة طفولتة البائسة.
من خلال قراءة الكتاب، كشف لنا الكاتب عن أحداث هامّة في مسار حياته، وكوّنت انعطافات ومجريات في تغيير مسار حياته، بكلّ صراحة وشفافية، والدّخول في تفاصيل دقيقة جدا وخصوصيّة توضّح معالم الشّخصيّة التي هي محور الكتاب.
تطرّق الكاتب للحياة الاجتماعية والأسريّة، والحياة السّياسيّة، العمل الشّاق في الأرض بالحراثة والزراعة، والتعليم العالي خارج البلاد، والأسْر بالإضافة للرحلات خارج البلاد، والتعارف مع الأدباء والشّعراء المعروفين، وسرد المواقف والطرائف التي دارت بينه وبينهم؛ رصد كاتبنا السّلحوت الأحداث التي رافقته أثناء وجوده خارج البلاد، واستحضر معالم الحضارات الغريبة، مع وصف الأماكن التي قام بزيارتها وصفا دقيقا مع التفاصيل الصّغيرة منها، مع إضافة بعض الرّموز التي كانت بين السّطور، ورؤية الكاتب حول المُفارقة بين حضارتنا العربيّة والحضارات الأخرى التي تتميّز عنها. بأسلوب هزلي ومرح.
لغة الكتاب بسيطة وسهلة وواضحة، غير مُتكلّفة ومفهومة جدّا لكافّة المستويات والأعمار، وتكاد تخلو من اللهجة العاميّة.
يُعتبر المكان هو البطل في السيرة الذّاتيّة للكاتب، الأماكن في السّيرة الذاتيّة احتلّت مساحة ومكانة عالية في نصوص الأديب، والتي اعتمد الكاتب عليها في سرد الأحداث والنوادر التي خاضها أثناء ترحاله وتجواله. القدس كانت بداية المشوار وساهمت في غرس بذور الانتماء والارتباط الأبدي لها، كذلك الأماكن الأخرى البعيدة مثل: روسيا التي تلّقّى فيها الكاتب العلاج، والأردّن، ومصر، ولبنان، وأمريكا خاصّة في مدينة شيكاغو عند زيارة الأخوة والإبن قيس وعائلته.
هذه الأماكن كلّها ساهمت في تشكيل منظومة حياة مختلفة للكاتب، مليئة بالخبرات والعلوم والمعرفة التي اكتسبها وشكّلت شخصيّته ونمط حياته الحاليّة.
استخدام الكاتب لفقرات قصيرة وعنونة الأحداث، ساهم في تشويق القارئ لملاحقة القراءة دون ملل أو كلل.
تُعتبر سيرة الأديب السلحوت سيرة ذاتيّة، مُلهمة للأبناء وطلّاب المدارس؛ للاقتداء بها، في الجهد والمُثابرة نحو التقدّم والنجاح في تحقيق الأهداف المنشودة، فيه تتحقّق مقولة المثل القائل: " من زرع حصد، ومن سار على الدّرب وصل"، أبناؤنا بحاجة لمعرفة شخصيّات كهذه ليقتدوا بها، عِلما بأنّ أجيال العصر الحديث لا يأبهون بالتقدّم، والتواصل الإلكتروني أشغلهم وطغى على حياتهم.
أنصح باقتناء كتاب "من بين الصّخور" في كافة المدارس من الابتدائيّة ولغاية الثانويّة، مع توجيه المعلّمين لفحوى النّصوص، ودراسة واستنتاج العبر من الأحداث الهامّة في الكتاب، والاقتداء بنموذج الشخصيّة المُكافحة، والنهوض بعد كل المعيقات المُحيطة.
يبدو لي بأنّ كتابة السيرة الذَاتيّة لكلّ كاتب، تساهم في تفريغ نفسي للمكنونات النفسيّة التي تراكمت في ذاته سنوات طويلة، وتُعتبر الكتابة نوعا من التكيُّف الذّاتي مع الأحداث المؤلمة التي عاصرها في حياته، وإلقاء الضّوء على التّحولات والتّغلّب على المعيقات مهما كانت وتذليلها؛ للسّير مع المركب أو تجاوزه أحيانا.
هكذا كانت سيرة كاتبنا السلحوت، فيها تطوّر للأحداث من المؤلمة، حتّى المُفرحة، ومن بين الصّخور انبثقت زنابق.
وكتبت نزهة الرملاوي:
من أرقّ الآداب التي تكتب وأصدقها، أدب السّير وخاصة السّير الذّاتية.. فما هي إلا تدوين لمواقف صريحة وصحيحة، حدثت في أزمنة وأمكنة حقيقية غير متخيّلة في حياة من كتبوها، قد يلجأ الكتّاب والعلماء والمشاهير، لكتابة سيرهم ومجالات إبداعاتهم وفنونهم، وينتهزون تدوين الفرص التي حملتهم نحو المجد وعالم الشهرة، والدّرجة العليا التي وصلوا إليها، ووقفوا عليها محقّقين نجاحاتهم الباهرة غير العادية؛ كي تقدّم إلى العامّة، تاركين لهم علامات نجاحهم؛ ليتعرفوا عليها، وما نتج من إبداعات أو اختراعات أو نتائج بحثيّة توصلوا إليها، وليبيّنوا للقارئ المصاعب والاخفاقات التي واجهتهم أثناء رحلة تجاربهم الطويلة، والتي توّجت في نهاية الأمر وتميّزت. بعض كتاب السيرة تحدّى وقاوم كلّ أشكال التّسلط والقهر والتّهميش والفقر والإعاقة، فكتب وأرشد المتلقين للإفادة منها بشكل مباشر أو غير مباشر، والبعض قرأ التعطّش في عيون المتلقين لمعرفة خبراتهم وتجاربهم، فزوّدوهم بمفاتيح البدء، فوجدوا بسيرهم أملا ومستقبلا واعدا. ربما يصبح الكاتب القدوة المهيمنة على فكر القارئ وروحه، وكلّما كانت طرق النّجاح أكثر وعورة وصعوبة ومواجهة وتحدّ وتعلم، كانت كتابة السيرة أنفع.. ولها أثر أجدى، لأنها ستضاعف المهتمّين بها، وتعقد الجلسات لأجلها، فينهل من سبلها المثقفون والعامة، ويزدادون إيمانا بها وبصاحبها وبكاتبها، لذا من المهمّ أن يتسّم أسلوب كتابة السّيرة بالسلاسة والوضوح واختيار أهم محطات الحياة للوقوف عندها، وأهم الانعطافات في حياة الكاتب التي شكلت الكتاب، وكانت مسيرة للنجاح والتفوق يتحذى بها... فمن بين الصخور تخرج الينابيع، تسري في أرض جرداء، فتحوّلها إلى ربيع، بعد أن كانت هشيما تذروها الرّياح.. ومن بين الصّخور، تخرج نبتة تتحدّى.. تقاوم.. تتجذّر في الأرض، فتصبح شجرة تطاول السّماء..وبعض السير كتبت متاعا للغرور، وإهدارا للمال والوقت، في تذوقها مرارة، وفي قراءتها خسارة، طغى فيها الطالح على الصالح من الفوائد. من بين الصخور كتاب سيرة ذاتية للكاتب جميل السلحوت، فتح لها شغاف قلبه، وآفاق ذكرياته، عرّج نحو آماله وأفراحه وأحزانه، سلّط الأضواء على الأحداث ليكتب عن سيرته حياة، تحدّث عن القدس وعن حزنه لما جرى لها، وتأثير الحرب عليه وعلى المدينة المغتصبة بعد احتلالها، شدّته الأماكن في معظم جولاته وزياراته فكتب عنها، عن القرية والسجن والمدينة والبلاد التي زارها، أمريكا والجزائر وغيرها. كعادة الكاتب، يُخرج من بين الأحداث الزمانية والمكانية، كمّا هائلا من المعرفة والتفاصيل، ليزيد القارئ علما وثقافة. من الملاحظ أنّ الكاتب غيّب نفسه في بعض الأحيان، وذلك ليبقي على أهمية الحدث، فمثلا حينما سجن لم يكتب سبب سجنه، وعندما سافر مع بعض المثقفين إلى الجزائر ، آثر التكلم عنهم وعن المكان ولم يكتب عن دوره في تلك الزيارة. أرّخ الكاتب في سيرته للحياة السّياسية والحزبية، وفصّل الحياة الاجتماعية والثقافية، بل كانت نقطة انطلاق اتكأ عليها في كتابة سيرته.. آمن بدور العلم والثقافة في حياة الفرد، ساخطا على ما أنتجته السياسة من تآمر وحرب واحتلال وتخاذل.. ومتألما من بعض العادات وتأثيرها غير المفيد على المجتمع، إضافة إلى تطرقه للحديث عن تجربته في التعليم. وقد أتى أيضا على ذكر الشّخصيات التي صادفها أو عاش معها فأثّرت على حياته ومسيرته العملية والأدبية والعلمية، فازداد خبرة وتجربة.. تطرق إليها في سيرته، فخرجت من بين الصّخر حياة.
وسوم: العدد 852