"السّنجابة والعُقاب" درس في التّسامح وتغليب الضّمير على نزعة الانتقام
"التسامح" قيمة من القيم التي يحتاجها الإنسان، ليعيش حالة من السّلام الدّاخلي مع النّفس أوّلا قبل الغير. ما أحوج مجتمعنا إلى أن نصل مرحلة التّصالح مع النّفس! لتكون أشبه بالمناعة الذّاتية، تساعدنا على مواجهة المنغّصات التي تواجهنا في حياتنا اليوميّة.. فنعيش حياة هنيئة راضية تساعدنا على التّحدي والصّمود.
وبما أن أطفالنا هم أمانة في أعناقنا وجب علينا أن نوجههم، ونساعدهم على أن يصلوا إلى هذه المرحلة من السّلام الدّاخلي؛ فنختصر عليهم العديد من محطّات العذابات التي قد يواجهونها في المستقبل.
وقد يكون الأسلوب القصصي، على لسان الحيوانات تحديدا، خير طريقة لذلك.. إذ أنّ الطّفل ينفر من النّصيحة المباشرة ويرفضها.. بل في بعض الأحيان يبالغ في تمسّكه برأيه كردّة فعل.. يتّخذ أسلوب العناد ليثبت أنه حرّ فيما يفعل.
قصّة السّنجابة والعقاب للكاتبين صليبا صرصر ورفيقة عثمان هي قصّة تربويّة مصوّرة موجهة للأطفال، تعالج هذه القيمة بأسلوب ناعم سلس ومقنع للطّفل، صدرت عن دار الهدى للطّباعة والنّشر في كفر قرع، رسوماتها بريشة الفنّانة المبدعة منار نعيرات.
رسالة مفادها أنّ على المرء تغليب صوت الضّمير على صوت الثّأر والانتقام، فالعفو عند المقدرة هو قوّة وليس ضعفا، بل نتائج العفو يحصدها المرء خيرا ينعكس عليه وعلى من حوله - كما حصل مع السّنجابة حنان- التي جلبت الخير للغابة ولجميع سكّانها، بعد أن عفت وسمعت صوت الخير في نفسها، وغلّبته على صوت الثأر والانتقام.
لم يكن الأمر سهلا على حنان، فقد عاشت صراعا كبيرا بين العفو والانتقام من النّسور، خاصة بعد أن جاءتها الفرصة لتثأر منهم، من خلال العُقاب الصغير الذي كان يستجدي ويطلب الرّحمة لإنقاذه من الحريق الذي دبّ في الغابة بسبب البرق الذي أشعل الغابة، وكانت جميع الحيوانات قد هربت من الغابة خوفا من الحريق، بما فيها النّسور، وبقي العّقاب وحيدا خائفا يجلس عند سفح جذع شجرة حزينا باكيا يطلب الاغاثة.
لا شك أنّ" التسامح" مع آخرين تسببوا للمرء بأذى كبير ليس بالأمر السّهل، خاصة إن تسبب الأذى بضرر كبير، كما فعلت النسور مع السّنجابة (حنان)، إذ تسبّبت ببتر ذنبها، وقد عاشت فترة عصيبة على المستويين الجسدي والنّفسي، فلم تعد تستطيع تسلق الأشجار، إذ أن الذّنب عضو في غاية الأهمية للسناجب يساعدها على التوازن وتسلق الاشجار، وقد فقدت حنان قدرة تسلق الأشجار، كما أنها كانت تخجل من شكلها المشوّه دون ذيل، وقد قرّرت الانتقام من النّسور حتى ولو بعد حين.. ولكن عندما رأت (حنان) هذا العقاب الصغير وهو يستغيث حكّمت ضميرها، وقامت بإنقاذه وإطعامه وتعاملت معه كأمّ رحيمة رؤوم واعية.. وأسمته (محبوبا).
استغربت السناجب من موقفها، فجميع النّسور التي كانت تهدد وجودها وحرمتها من الشعور بالأمان في غابتها. ولكنها احترمتها، وقدرت ما فعلته، فقد تصرّفت بحكمة ورأفة مع العقاب الصغير.
وعندما علمت النسور بما فعلته حنان، شعرت بخطئها وندمت وصادقت السّناجب. وتحوّلت الغابة إلى مكان آمن للّسناجب.. تعيش فيها سعيدة مع النسور دون خوف.. وتعاونت مع بعضها البعض، وحوّلت الغابة الجرداء بعد الحريق إلى غابة خضراء جميلة. تحوّلت إلى متنزّه لجميع المخلوقات التي تحترم قوانين الغابة المسالمة، والتي يعيش فيها الجميع نمط حياة جديدة عنوانها السلام والأمن والأمان.
لا شك أن قصة السّنجابة والعقاب هي إضافة للمكتبة العربية التي تفتقر إلى قصص جميلة تربوية مفيدة موجّهة للطّفل العربي، مما يجعل أولياء أمورهم يلجأون إلى القصص المترجمة الّتي لا يتماشى معظمها مع قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا.
وسوم: العدد 897