قصائد الديوان 145 ، ولا ريب في أنها قليل من كثير كتبه الشعراء العرب عن أسطول الحرية ، ولا ريب في أن الشعراء الأتراك كتبوا كثيرا من القصائد عنه ، ولم ندرِ بها .
ما أكثر ما فجرت أحداث فلسطين قرائح الشعراء العرب ، فاندفعوا يعبرون في قصائدهم عن حبهم لها ، وآلامهم لما نكبها به الغزاة الصهاينة ، وتمجيدهم لتضحيات شعبها ، وبسالته في مقاومة وحشية الغزاة ودمويتهم ، وثقتهم في أن فجر تحريرها سيطلع يوما . وانصب كثير من تيارات الشعر العربي صوب القدس ، وغزة التي انفجرت فيها أحداث كثيرة عاصفة في صراعها مع هذا العدو الهمجي المفرط في شذوذه وغرابة هويته عن كل مألوف في الطبيعة البشرية . غزة هي التي أطلقت شرارة الانتفاضة الأولى في 8 ديسمبر 1987 التي حملت اسم انتفاضة أطفال الحجارة لدور الصغار الكبير فيها ، ولاعتمادها الحجارة أداة قتال مع جنود العدو ، ونالت تلك الانتفاضة حظا موفورا من الشعر العربي ، وهذا حال سائر الأحداث التي جرت في غزة أو بشأنها . ومن هذه الأحداث حادثة أسطول الحرية الذي أرسلته تركيا في مايو 2010 بقيادة السفينة مافي مرمرة لكسر حصار غزة الذي فرضته إسرائيل عليها بعد فوز حماس بانتخابات 2006 التشريعية ، وشددته بعد حدث الانقسام الفلسطيني في 2007 ، وما زال جاثما قائما على صدرها في متوالية من الخنق والتشدد تخللتها خمس حروب دامية فاجعة القتل والتدمير . وانتفض الشعر العربي في مئات القصائد عن أسطول الحرية ، وظهر كثير منها في 2010 بمجموعة حملت اسم " ديوان أسطول الحرية " ، جمعها وأعدها للنشر الدكتور موسى إبراهيم أبو دقة ، والدكتور محمد إسحق الريفي ، والشاعر محمود مرعي ، وتولت " رابطة الكتاب والأدباء الفلسطينيين " في غزة إصدارها . وتنوعت القصائد بين القصيدة العمودية التقليدية وقصيدة التفعيلة الحديثة والقصيدة النثرية والقصيدة الشعبية . وطاف الشعراء فيها حول كل ما يتصل بحدث الأسطول الذي هاجمته القوات الإسرائيلية فجر الاثنين 31 مايو من ذلك العام ، وقتلت تسعة أتراك ، وجرحت كثيرين من كل الجنسيات ، وأخذت الباقين أسرى ، أطلقت سراحهم بعد التحقيق معهم . يقول أحمد اليوسف في قصيدته " رفعوا لغزة " منبهرا بالأسطول وبتضحية من حملهم : " رفعوا لغزة في الأنام لواءها = نسجوا لغزة بالدماء رواءها . دفعوا المراكب في البحار يقودها = أسد الشرى كره الطغاة لقاءها " . ويخاطب بلال أبودقة السفينة مرمرة في قصيدته " من نفحة إلى السفينة مرمرة " : " شقي العباب وأبحري يا مرمره = فأميرة في البحر ، أنت الآمره " مستفيدا من اسمها في خلق مجانسة صوتية تبين قيمتها العظيمة وسطوتها . إنها " الأميرة " و " الآمرة " . وفي ذات المسار يخطو أيمن القادري في قصيدة " اعبري ! " : " اعبري ظلمة الهوان وقولي = لي شموخ يضيق بالأسطول " . ويتابع عبد الرحمن العشماوي في قصيدته " خوضوا البحار ! " الثناء على الأسطول : " يا خير أسطول رأته عيوننا = لما رآه البعض هاج وماجا " ، و " البعض " هو العدو الصهيوني ، ويضيف : " يا خير أسطول سرى بعزيمة = كبرى ليمنح معدماً محتاجا " .
وسوي حتمي أن يهب الشعراء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أوفى حظ من الإعجاب والتمجيد لإرساله الأسطول ، ويسري الإعجاب والتمجيد للأتراك شمولا . يتوجه د . إحسان الشناوي في قصيدته " ناجيت فينا اعتزاز النفس " إلى أردوغان مظهرا أثر ما قام به في نفوس العرب والمسلمين ، ولا يفوته أن يلمز الساسة العرب : " ناجيت فينا اعتزاز النفس يا رجب = لعلك فعلك يدري كنهه العرب " . ويهتف حامد العلي منبهرا بأسطول الحرية مخاطبا نفسه : " هذا المقام وأنت شاعر = فانشد ولا تخش المخاطر " ، ويحثها على مدح الأتراك قوم أردوغان : " وامدح إذا شئت العلا = ترك المفاخر والمآثر " ، ف " هم من تدارك عزنا = من بعد ما عز المناصر " ، وواضح أنه يلمز الساسة العرب على مثال د . إحسان الشناوي . ويرى الشاعر حسن الأفندي أردوغان معبرا عن صوت ملايين المسلمين في إرساله للأسطول . يخاطبه في قصيدته " أردوغان صوت الملايين " : " يا أردوغان أيا نسل السلاطين = عبد الحميد قوي الرأي والدين " . وبأسلوب قدامى الشعراء العرب يبحث د . حسن الربابعة في قصيدته عمن يبلغ أردوغان سلامه في قصيدته " ألا من مبلغ رجبا سلامي ؟! " ، يتساءل : " ألا من مبلغ رجبا سلامي = وتقديري المطيب واحترامي ؟! " . أما حيدر محمود فيختار لقصيدة له عنوانا رسالي السمة هو " من أبي الطيب العربي إلى أبي الطيب العثماني " ، ويخاطبه معظما : " يا حفيد السلطان عبد الحميد = بك قد عاد شامخا من جديد .
فأعدنا إلى الزمان الذي كان = عصيا على رياح اليهود " . وغزة طبعا هي جوهرة عقد قصائد الديوان إجلالا لها ولصمودها وحثا على إغاثتها في محنها المتكاثرة المتلاطمة الأمواج . يمجدها د . عبد الغني التميمي في قصيدة " أسطول الحرية " : " غزة منبر العلا = أعواده منوره . " " مازال في آجامها = للبأس ألف قسوره " . ويتقمص عبد الحميد ضحا شخصيتها ، ويتحدث بلسانها مخاطبا خاذليها بقسوة تليق بهم في قصيدته " أناغزة " ، يقول : " أنا غزة أيها الخائنون = عبيد اليهود ، حماة المجون . " . ويسدد كثير من الشعراء رصاص قصائدهم إلى صدر ورأس العدو الصهيوني الذي أنجم كل بلايا فلسطين ، وكثيرا من مشاكل ومصائب الأمة العربية والإسلامية ، ويعرف صالح الزهراني في قصيدة " أسطول الحرية " شخصية إسرائيل وشخصية ضحيتها فلسطين : " هذي هي إسرائيل قصة قاتل = أبطالها عصفورة ومجنزرة " ، ويبشر مصطفى ضاهر في " أسطول الحرية " بزوال كيان الخراب والدماء والمنكرات القبيحات : " ولن تقوم لإسرائيل قائمة = وقد تسرب نخر السوس في العصب " .