أصداء الثورة السورية في شعر إسماعيل الحمد
التصق الشاعر إسماعيل الحمد بقضايا الأمة، وكيف لا وهو أحد أبنائها البررة ِ!!، ولقد ذاق شاعرنا من مرارة الظلم والهجرة والغربة ما ذاق، فهو منذ 40 سنة لم ير أهله وبلاده، وبعد الثورة السورية المباركة شعر بالألم والحزن على ما أصاب شعبه.
فتدفقت ينابيع الشعر على لسانه وقلمه، وها هو يصور آلام المشردين في الخيام فيكتب (صرخة طفل في مخيمات الثلج)، يقول فيها:
غدا نعود:
ورغم مرارة الألم وتوالي المحن والنكبات لا يفقد إسماعيل الحمد الأمل والتفاؤل فالمستقبل لهذا الدين مهما بطش الطغاة، ومهما طال الزمان:
لا تـغمد الـسيف، إن الجرح مانضبا حـتـى تــؤدب مــن أبـكى بـه حـلبا
فـليسَ في الكَوْن شعْبٌ واحدٌ أبدًا بـمـثْلِ مـانُـكِبَتْ فــي حـاكِـمٍ نُـكِـبا
الـفـارسـيّ الذي تـدري أزقـتـهـا أن قـد أحـال حـماها مـوطنا خـربا
رمـتـه إيـران جـاسـوسا لـهـا ولـقد أرخـى عـليه ثـياب الـعرب وانتسبا
وراح يــطـعـن ســوريّــا بـخـاصـرة ضـمتْه لـصا هـزيلا يـشتكي السغبا
كــأنــه جـــرب مــعـد يـضـيـق به من عاش فيها طهورا يمقت الجربا
يـاظلّ إيـران أغـريت المجوس بها والـغرب والروس والأفغان والعربا
مـاذا فـعلت بـطفل كـان يـحلم في رغـيف خبز ، فعاف الدرس والكتبا
أمـطـرتـه لـهـبـا مــن حـقـد طـائـفة لــلــه حــقــد لــئـام جـــاوز اللهبـــا
تـعـاقـبت ســحـب الـبـارود تـطـلبه فـكـان مـنها جـفولا يـمقت الـسحبا
لـم تـحفظ الـغيد أن روعـتهن وكم رقـصت فـي ثكل مفجوعاتها طربا
فـنحن مـن جـذوة الـفاروق بـارقنا بـسيفه مـلك كـسرى خـرّ إذ شـطبا
فـكـم لـويـنا ذراعــا شـط عـن أدب فـعاد بـالدعس رغـما يـدّعي الأدبـا
وكــم تـسـامى بـنـا حـس لـمعتصم وكـــم نـتـفـنا لـعـينَي غــادة شـنـبا
نُـصارع الـكون مثل المستحيل فلا يـغـررك أنــا جـوادٌ فـي الـنزال كـبا
ولا يـغـرّنْـك أن الــمـاردَ انْـحـسرتْ انـيـابه عــن دم الأطـفال وانـسحبا
مــالان فـي سـاحة الـجلى وقـامته تـطـال مـن عـزّةٍ فـي عِـزّها الـشهبا
ذاك الذي في رحى الهيجاء مولده ومـن زعـاف الـعوالي أرضـع الـنوبا
غـــدا يــعـود إلـيـهـا رافــعـا عـلـمـا كـم كـان مـن دمها الوردي قد شربا
وسـيـفه إن جـفـاه الـغـمد فـي ألـمٍ فــحـدّه لــم يــزل لـلـثار مـخـتضبا
وسوم: العدد 961
رسالة إلى الشهباء:
ويقول إسماعيل الحمد مخاطبا حلب الشهباء، التي نزل عليها البلاء، ودمر الطاغوت نصفها:
فالشام حي على الجهاد شفاؤها لمَّا تفشى في العليل الداء
هل قصة الشرف الرفيع خرافة وهل الدفاع عن التليد هراء؟
وعدت عليها الحادثات بنابها وهوت على أطلالها الجوزاء
وطغى الحريق على مداخل مجدها وتناثرت في ساحها الأشلاء
30/7/2919 م
أريحا:
ثم ينتقل الشاعر ليصور مأساة مدينة أخرى عانت من القصف والتدمير ما عانت، فكتب (إسماعيل الحمد) يقول:
غابت الشمس عن سماء أريحا وكبا الفجر في دجاها جريحا
28/7/2019 م
مضت عشر:
وكتب الأديب إسماعيل الحمد قصيدة بمناسبة مرور عشر سنين على انطلاق الثورة السورية الميمونة، يقول فيها:
مَضَتْ عَشْرٌ يَشيبُ لَها الوَليدُ يَزفُّ لها الشَّهَيدَ بِها شَهيدُ
فَغّصَّت في مآثِرِها القَوافي وشاخَ على مَنابرِها القصيدُ
وكَم نَزَفَ الوَريدُ بها لَهيبًا وأهْوالاً وما جَفَّ الوَريدُ
وَضَمَّ الجرحَ فيها نَزفُ جرحٍ يَنِزُّ مِنَ الضَّمادِ بِهِ الصَّديدُ
وما نامَت بِها أحلامُ شَعبٍ يُغَذِّي مَجدَه مَجدٌ تَليدُ
يُغَنّي لِلْحَياةِ وظلَّ حُرًّا لهُ في مَسمَعِ الدُّنيا نشيدُ
وآلى أنَّهُ مَهما مَشاهَا عَنِ الفَجْرِ المُؤَمَّلِ لا يَحيدُ
فَما ضَاقتْ بِمَا بَذَلَتْ ثَكالَى تَغاضَت عَنْ مَواجعِها الوُعودُ
ولَمُ تَخفِتْ بِها الأَصْداءُ إِلَّا وَيعلُو لِلصَّدى صَوْتٌ جَديدُ
هَوَتْ في فَوْهَةِ الطُّغَيانِ لَمَّا تَمَكَّنَ مِنْ أَزِمَّتِها حَقُودُ
وَصَفَّقَ لِلجُناةِ بها جُناةٌ علَى ذُلٍّ، وَسادَ بها العَبيدُ
كأنَّ الشَّامَ ما ولَدَت هِشامًا ولَمْ يَرفَعْ مآذِنَها الوَليدُ
ولمْ يَبسُطْ سُليمانٌ علَيْها قَوادِمَه، وباركَها الرَّشيدُ
تَربَّى في مَرابعِها كُماةٌ لهم مِنْ عِيدِها المَيْمونِ عيدُ
غَدًا سَتُحاصرُ السَّجَّانَ فيها سَلاسِلُهُ، وتَنْتَحِرُ القُيُودُ
فتَخطُرُ في رِحابِ الصُّبحِ جَذلَى بِلا قَيدٍ، وتَحضنُها الوُرودُ
ويجلو الياسمينُ بها سَناهَا كأنَّ جمالَه فيها الوَحيدُ
وتلتئمُ الجراحُ على حَنينٍ يَنوءُ بهِ المُشرَّدُ والطَّريدُ
نظرات في ثورة الحرية:
وكتب إسماعيل الحمد يقول:
ماثورةٌ ضاقَ المَدَى بِحرابِها وَرَعَى بِمِرجَلِها لَظَى أغرابِها
إلَّا الّتي زَرَعُوا بِها طَاغوتَها لِيكونَ ذاكَ الزَّرعُ شَرَّ عِقابِها
لم تعلُ فيها للكرامةِ رايةٌ إلا ودَكَّ الكَونُ شُمَّ حِرابِها
بَسطَت عَلَى شَطّ الحَياةِ رِداءَها واسْتَقبَلَتْ زَهوًا رَبيعَ شَبابِها
وتجرَّعَتْ أنقاضَ عِزتِها التي نُحِرَت مآثرُها على أعتابِها
حتّى بَدَت مِزَقًا لِسِفْرِ رِوايةٍ عاشَتْ مُطرَّزةً على جِلبابِها
شربَت جِراحَ المُصطَلِينَ بنارِها وَرَعَت مآذنُها أَنينَ قِبابِها
ذرفت على خَدِّ الحياةِ بِعَبرةٍ دمعًا أذابَ النُّورَ في أهْدابِها
وهَياكِلُ الشَّرفِ الرَّفيعِ تَبرَّأَت مِمَّن تَنكَّر في ذُرا أحسابِها
صَبَغوا العَمائِمَ بالنِّفاقِ لِطُغْمَةٍ رَضَعُوا حَليبَ العُهْرِ مِنْ أصلابِها
فتَوَشّّحَ الطاغوتُ في أهْوائِهمُ واستَحكَمَتْ أنيابُه بِحِجابِها
ربَّتهُمُ الأموالُ في ماخورِها فتَهافَتوا حَبْوًا علَى أبْوابِها
فرَأَوا بِعَينِ البَغْي ثَورَةَ شَعبِهِم وتَداوَلُوا الأوهامَ في أسبابِها
وتَقَمَّصوا حُلَلَ الفَضائلِ وانْبَروا يُفتونَ في آهاتِها وعذابِها
قَلَبوا لها ظهرَ المِجَنِّ وبَرَّرُوا ماخلّفَتهُ النارُ مِن شَبَّابِها
ياراكبًا ظهرَ المخاطِرِ باحثًا عن واحةٍ تَغْنَى بماءِ سَرابِها
غادَرْتَ دارًا أرضَعتْكَ إباءَها ونَمَتْ عظامُك في وَثيرِ إِهابِها
وشمَمْتَ في أسمالِها عِزَّ الأُلَى لَبِسوا على شرفٍ أنيقَ ثيابِها
وهَجَرتَها أنْ عاثَ فيها كلُّ مَن ولغت جحافلُه بطُهْرِ تُرابِها
ما أنْ أدَرْتَ الظَّهرَ عَنها غاديًا إلا وآذنَ سادِرٌ بِخَرابِها
فَمَشَتْ عَلَيها الحادِثاتُ وأُنضِجَت فيها النَّوائِبُ في أُتُونِ مُصابِها
وأرَدْتَ مَنجًى مِن ظلامِ وِهادِها فولَجتَ من حِلَكِ الرَّدَى بِضبابِها
وشرِبْتَ من حُلْوِ المباهجِ مُرَّها فوجدتَ أنّ المرَّ شهدُ رضابِها
لاتَفرَحَنَّ بما أصبتَ بغربةٍ قد أنْسَنُوا فيها قَذَى أوصابِها
ولَئنْ ذرعتَ الأرضَ تنشدُ مأمنًا فيها فَلسْتَ بآمنٍ مِن نابِها
فالأرضُ لاتُؤيكَ إلَّا حَسْبَما تّجني شَقاءَكَ ثروةً لحِسابِها
ولئن قَذَفتَ من النوافذِ شرَّها فلقد أطلَّ الشرُّ من أبوابِها
ولرُبَّ سائلةٍ: أما مِن عودةٍ ؟ لم تَحفلِ الدُّنيا بردِّ جوابها
إن صِرتَ يومًا آمنًا من نارِها فاحفَظْ مَلاذَك مِنْ طَنينِ ذُبابِها
هَذي ديارُ الفاتِحينَ وَإِرثُهُم صَلّى شُعاعُ الصُّبحَ في مِحرابِها
وكتب (إسماعيل الحمد) يقول:
يا شُعلَةً مَحَقَت أَساطيرَ اللَّظَى وشُواظُها بِمَنِ اسْتَبدَّ وَبيلُ
خَمَدَت بِهمَّتِها بَراميلُ الخَنا بَرميلُ باءَ بِذلِّهِ بَرميلُ
سَلْ عَنْ صَليلِ سُيوفِها آسادَها هل كانَ فيها لِلهَوانِ سَبيلُ
وَهَبوا لَها الأرواحَ وَهْيَ جَديرَةٌ فِيها، وَمَا وَهبَ الكِرامُ قليلُ
سَطَعَت علَى كُلِّ الشُّموسِ شُموسُها ولَها على هامِ الوَرَى إكليلُ
آنَستُ مِنها حَوْلَ إدلِب ضُمَّرًا ما خَفَّ فيها لِلنِّزالِ صَهيلُ
وشَرارُها رَملُ الفُراتِ، ونَبضُها قلبٌ تعلَّقَ في الرِّمالِ عَليلُ
شَغَفَتْهُ ذَرَّاتُ الرِّمالِ وَإِنَّهُ ماعادَ إلَّا لِلرِّمالِ يَميلُ
آلَتْ بِأَلَّا تَستَكينّ لِظُلْمَةٍ مادامَ فيها لِلوَقودِ فَتيلُ
سَأَظلُّ فيها بالهَوَى مُتَربِّصًا جِيلًا يُقَلِّدُهُ الأمانةَ جِيلُ
خواطر:
وكتب إسماعيل الحمد تحت عنوان خواطر جاء فيها:
فعالجتُ الهَوى بِدَوَا طبيبٍ فما نَفَعَ الدَّواءُ ولا الطَّبيبُ
29/7/2019 م
كشف حقيقة المفتي:
وقال الشاعر اسماعيل الحمد قصيدة فضح فيها المفتي أحمد بدر الدين حسون الذي مشى في ركب السلطان الجائر ثم سلطه الله عليه فعزله، وصادر أمواله:
تَـأَنْـسَنَ الـوَحـشُ فــي أنْـيابِ تِـنِّينِ وقَـــدْ يُــغَـرِّدُ فــي جِـلـبابِ حَـسّـونِ
مــا شَــرَّعَ الـنَّـابَ إلَّا كَـيْ يَـعَضَّ بِـها وإنْ تَـبَـسَّـمَ بَــيْـنَ الـحِـيـنِ وَالـحِـينِ
أصـابَـهُ الـحُـكْمُ إرثًـا مِـنْ صَـدَى أثـرٍ لِـمُـجـرمٍ عــاشَ فــي أوْهــامِ لِـيـنينِ
ذاكَ الَّـذي أَسَّـسَ الأحـقادَ فـي وطَنٍ مـا كـانَ يَـعـرِفُها مَــنْ قَـبـلَ تَـشـرينِ
يّـغْلي ذُعـافُ الأَفـاعي فـي قَـداسَتِهِ وَلَـيـسَ فــي قَـلْبِهِ شَـيءٌ مِـنَ الـدِّينِ
أهدَى إلى الشَّامِ مَسخًا لَيْسَ يُخطِئُه مـن يُـدرِكُ الـفَرقَ بَـينَ الـثّاءِ والسِّينِ
فَـصـارَ فــي قَــدَرٍ أعـيـاهُ فَـهْـوَ كَـمَنْ تَـــزَوَّجَ الـشَّـمسَ فــي أقــدارِ عِـنِّـينِ
فَـيـا لَـسُـخْريةِ الأقـدارِ مِـنْ ( بَـطلٍ ) مُــمــانـعٍ واجَــــهَ الــدُّنْـيـا بِـسـكّـيـنِ
يــا والِـغًا فـي دَمِ الأَزهـارِ كَـمْ لَـعَبَتْ فـيكَ الـوَساوسُ مـن أحلَامِ مَجنونِ
وحِـينَ أَدمَنْتَ قَتلَ النّاسِ في صَلَفٍ نَـسِـيتَ أنَّــكَ مِــنْ مــاءٍ ومِــنْ طِـينِ
مَــلـيـونُ أرمَــلــةٍ ثَــكـلَـى مُــشــرَّدةٍ مِـــنْ بَـعـدِ مـارُمِّـلَتْ نــاءَتْ بِـمـليونِ
قَـتـلْتَ كُـلَّ جَـمالٍ فـي الـحَيَاةِ وَكَـمْ ذَبَـحـتَ عُـثـمانَ فـي أوْهـامِ صِـفّينِ
وكُـنْـتَ لِـلْـقُدسِ فـيـما تَـدَّعـيهِ كَـمَنْ أَرْداهُ فـيـهـا صَـــلاحٌ يَـــومَ حِـطِّـيـنِ
أَوْقِـدْ عَـلَى حِـقدِكَ الـمَوروثِ إنَّ بـهِ أحـقـادَ كِـسرَى وَرَتْ أحـقادَ بـوتينِ
الـشـعبُ يـبـقَى وتُـؤيـهِ الـشـآمُ غــدًا وأنـتَ يُـؤْيكَ ( كـوفيدٌ) مِـنَ الـصِّينِ
هــذي ديـاري وفـيها مَـوْلِدي وَغَـدي فَـلَسْتُ فـي مَهدِها مِنْ نَسلِ تَوْطينِ
وَلَــسُـتُ مِـــنْ بَــهْـرَزٍ يـابَـهـرزيُّ بـهـا وإنَّــمـا تِـبـرُها مِــنْ بَـعـضِ تَـكْـويني
وسوم: العدد 948
رثاء الأعلام في شعر اسماعيل الحمد:
موضوع الرثاء من الموضوعات الأصيلة في الشعر العربي منذ القديم..
ويقوم هذا الفن على تعداد محاسن الأموات والبكاء عليهم وتلمس العزاء أحيانا...فالموت مصير كل حي وهذه الحياة إلى فناء ..
وقد برع في الرثاء العديد من الشعراء ..وكانت الخنساء رائدة فيه حيث سخرت معظم شعرها في رثاء أخيها صخر ...
وكذلك برع أبو ذؤيب الهذلي في رثاء أولاده الخمسة حيث قال:
أمن المنون وريبها تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع
واذا المنية أنشبت أظفارها ألغيت كل تميمة لا تنفع
وفي العصر الأموي برعت الفارعة بنت طريف في رثاء أخيها الوليد بن طريف الذي قتل مع الخوارج ضد جيش الحجاج:
أيا شجر الخابور مالك مورقا كأنك لم تجزع لابن طريف
وفي العصر الحديث ترسخ شعر جديد في موضوع رثاء الزوجات حيث بدأ هذا الغرض على يد جرير الذي رثى زوجته:
لولا الحياء لهاجني استعبار ولزرت قبرك والحبيب يزار
وأبدع الشاعر الداعية عصام العطار في رثاء زوجته الشهيدة بنان علي الطنطاوي فكتب قصيدة ( رحيل).
وكتب د. محمد رجب البيومي ديواناً كاملاً في رثاء زوجته....
وكان للشاعر الإسلامي شريف قاسم عدة قصائد رائعة في الرثاء...
وكذلك كان للشاعر النابغة إسماعيل الحمد باع طويلة في موضوع الرثاء، وأغلب من رثاهم من العلماء والدعاة.
فها هو يقول في قصيدة له تحت عنوان: ( عندما يترجل العظماء):
وهي في رثاء الشهيد بإذن الله تعالى فخامة الرئيس محمد مرسي..جاء فيها:
ذَرَفَت دَمعَها عليكَ السَّماءُ وبكاكَ الإباءُ والكِبرِيَاءُ
وهذا المطلع قد زينه التصريع بين (السماء، والكبرياء)، واستهل القصيدة بالبكاء، وهي عادة قديمة للشعراء..
وبكاك القرآنُ أن قُمتَ فيه قارئًا يَقتَدي به القُرَّاءُ
وبكاكَ الإخلاصُ والصدقُ حُزنًا وبكاك الحُفّاظُ والفُقهاءُ
وبكاك الألى حَدَبتَ عليهم وبكاكَ الأعداءُ والأصدقاءُ
والمُروءاتُ فيكَ تَبكي عُلاها وبكتكَ المنابرُ الشّمَّاءُ
وبَكَت مِصرُ فيكَ وقفةَ عِزٍّ وَصُمودًا ماهَدَّه الإِعياءُ
فَبَكَت فيكَ نَبوةً لِحُسامٍ مَشرَفِيٍّ لم يَفتَقِدْهُ المَضاءُ
وبَكاكَ النِّيلُ العَظيمُ المُدَمَّى وأبو الهَولِ ناحَ والمُومِياءُ
لقد بكت مصر وأهلها والأهرامات والقريب والبعيد حزنا على فقد الراحل...وكان حزن أهل الشام عليه مضاعفا لأنها فقد من خلاله العون والنصير الذي وقف معها في محنتها وأطلقت صيحة لبيك يا سورية...
وبَكَتكَ الشَّامُ الجَريحةُ لَمَّا قُلتَ: لبَّيْكِ، يَفتَديكِ الفِداءُ
وَجَثا المَجدُ واجِمًا في ذهولٍ كَيفَ خَرَّت مِن بَرجِها الجَوزاءُ
لقد مات واقفا كالأشجار وهذا شأن العظماء من أيام الإمام سعيد بن جبير، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام حسن البنا، والشهيد سيد قطب:
غالكَ المَوتُ شامِخٌا لا تُبالي هكذا إنْ تَرَجَّلَ العُظَمَاءُ
يا رفيقَ العُلا وَرَميةَ سَهمٍ أنْجَبَتها الكنانةُ الغَرَّاءُ
شَرفٌ ما اتُّهِمْتَ فيهِ ولَكِنْ لم يَكُنْ يَستَسيغُهُ العُمَلاءُ
وصور الشاعر كيد الوحوش البشرية وأصحاب الحيات الرقطاء الخبيثة، فقال:
ورَعَيْتَ الحَيَّاتِ في البيتِ حَتَّى نفثت فيكَ سُمَّها الرَّقطاءُ
حينَ أغرت بكَ الخصومَ النَّوايا والخِلالُ الكريمةُ السَّمحاءُ
فَرَأَوا فيكَ مَا رَأَتهُ الأَعادِي ورَأتهُ الوَساوِسُ الحَمقاءُ
ليسَ في عصرك الرديء مكانٌ يَزدَهي فيهِ لِلكِرامِ عَطاءُ
لقد كان الرئيس الشهيد يحفظ القرآن، وجميع أفراد أسرته...
يا خليلَ القرآن أنجزتَ وَعدًا يتمنَّى إنجازَه الشّرَفاءُ
طفتَ في سُدَّةِ الرِّئاسةِ لَكِنْ ما دَرَى عنكَ مِنْ جَناها رخاءُ
وبَذلتَ النفْسَ العزيزةَ مَهراً لِلتي فيكَ لا يفيها عَزاءُ
أخَذُوا مِنكَ ما وَهَبتَ وَفاءً فتَباهَى بما وهَبتَ السَّخاءُ
كُنتَ في الدَّربِ كالنَّهارِ وُضوحاً لَستَ مِمَّن طريقُه النافِقاءُ
فَرَمَتكَ الأرزاء بالمَوتِ غَدرًا لَيتَ شِعري، ما عذرُها الأرزاءُ
ويعبر الشاعر إسماعيل الحمد عن عجزه في الوفاء بحق الشهيد القائد، فيقول:
ضاقَ عَن مَدحِكَ القَريضُ فَعُذرًا ثُمَّ عُذرًا إنْ قَصَّرَ الشُّعرَاءُ
أيُّ قَولٍ في المَدحِ فيكَ قليلٌ فَالمَعاني يضيقُ عَنها الرثاءُ
وداعا يا كنانة:
وكتب الشاعر إسماعيل الحمد قصيدة أخرى في رثاء فقيد مصر والعروبة والمسلمين الرئيس الشهيد بإذن الله تعالى الدكتور محمد مرسي .
حيث كتب أحد الأصدقاء: ( ألا يا مصرُ فَلتبكِ البواكي )
وطلب إلى الشاعر أن يجيز، فقال:
ألا يامِـصـرُ فـلـتـبكِ الـبـواكـي عـلـى هَرَمٍ تَـداعَـى مِـنْ عُـلاكِ
إذا قَـلْـبٌ طَوَى لِـلْـحُزنِ شَـأْنًـا فـمَـن يـاكُـربةَ الـثَّكلَى طَوَاكِ؟
وإنْ جَـبروا لِـوادي الـنِّيلِ ثكلَى فـهل لِـلنيلِ مِـن ثكلَى سواكِ؟
عَزاءً يـاكِـنانةُ في شَـهـيـدٍ سَـقَـى مِن فَـيضِ عـزته ثـراكِ
ملامـحُه تـقـول لِــمَـن رآهـا بِـحـسـبـي أنَّــنــي لِــلــهِ شاكِ
أطَـعتُ اللهَ فـيـكِ عـلـى يَـقينٍ بأنَّ اللهَ يَـمـقتُ مَــنْ عَـصـاكِ
وَصُنتُ عُرَى المَحَبَّةِ فيكِ حَتّى تَـوَلّـى الأمـرَ مَـن فَـصَلوا عُـراكِ
وَذابَـت أمـنياتُ الـنَّفسِ عِـندي لِـتَبقى النَّفسُ تَخفقُ في سَماكِ
فَـيا نَـفسي خَطَبتُ لكِ المَعالي فَـزُهـدًا فــي الـدُّنا تَـرِبَت يَـداكِ
وَداعًـا يـاكِـنـانـةُ رَغـمَ أنِّـي أموتُ وفـي شَـرايـيني دِمـاكِ
ومِمّـا زادَنـي يـامِـصرُ حُـزنًـا بـأنِّي في وداعِـكِ لاأراكِ
وسوم: العدد 932
الرُّمْحُ الحُسَيْنيُّ:
وكتب الشاعر إسماعيل الحمد قصيدة في رثاء الأخ الحبيب الدكتور خلف بن مفضي مطلق الشهابي الذي وافته المنية في دمشق يوم الخميس 17/9/2021م
يقول فيها:
رُمْحٌ حُـسَـيْـنيٌّ طَواهُ زَمانُـهُ فَخَـلا بِمَـيْدانِ الكِـرامِ مَكانُهُ
وَطَوَى بِهِ صَخَبُ المَجالِسِ فارِسًا ماغابَ عَن قَصَبِ السِّباقِ حِصانُهُ
كـلُّ الـمَـيـادينِ الّــتـي يَـرتـادُهـا أَفْــضَـى إِلَـيْـهـا بـالـنَّـدَى مَـيْـدانُـه
قَد عاشَ رَمــزًا لِـلْمَودَّةِ والـتُّقَى أَدرَى بِهِ وَبِـفَضلِـهِ أقْرانُهُ
يا عابـرًا عَجَمَ الـحَياةَ وعافَها ومَضَى بِهِ لِـلحادثاتِ زَمانُه
أعـطَـتْهُ أوْصافُ الـرِّجـالِ مَـناقِبًا صَـقـلَـتْ شَـمـائِـلَهَ وَعَـــفَّ لِـسـانُهُ
مَـنْ شـاءَ يَـستَجْلي كـريمَ خِصالِهِ جَـلَّــى مَـلامِـحَـهـا لَــــهُ إيــمـانُـهُ
عـادَ الـمُـهـاجرُ والـتَـقَـتْهُ بِـلَـهْـفَةٍ ونَـعَـتْـهُ رَغـمَ جِـراحِـهـا أوْطـانُـهُ
وَنَـعـتْهُ بِـالـمَوتِ الـصَّـلاةُ وَطالَـما ألِـفَـتْهُ يَصـدَحُ فـي الـمَدَى قُـرآنُهُ
وَنَعاهُ رُوَّادُ الـمَـضافاتِ الأُلَـى كم ضَـمَّـهُمْ فـي مَـجْلِسٍ دِيوانُهُ
ونَعاهُ صَـفْـصافُ الـفُـراتِ بِـعَبْرةٍ وتَزاحَمَـتْ لِــوَداعِــه أغْصانُهُ
ولَسَـوْفَ تَذكُـرُهُ الـمَـنـابرُ كُـلَّـمـا دَوَّى بِأَسْـماعِ الوُجودِ بَيانُهُ
حَدِبٌ عَـلَى الـقِيَمِ الـنَّبيلَةِ يَـرتَدي وَهَجَ الـكَـرامَةِ، والـعُـلا عُـنوانُهُ
وتَـلَـوَّنَـت مِــنـهِ الـحـيـاةُ بَـبـسـمةٍ فَــطَـغَـتْ على ألْـوانِـهـا ألْوانُـه
والـشِّـعـرُ أَعـيـا قـائـليهِ فَـمـا دَرَى ماذا تُــبـيـحُ لِــشـاعـرٍ أوْزانُـهُ
لمْ تَــشْـقَ فِيـهِ ثِـيـابُهُ بِـحَـياتِهِ حَــتَّى طَــوتْــهُ بِمَـوْتِـهِ أكْـفـانُـهُ
فـلْيَشرُفِ الـمَثْوَى الأخيرُ بِـضيفِه إنْ كانَ يَشرُفُ بِالْكريمِ مَـكانُهُ
ضَيفُ السَّماء:
وكتب (إسماعيل الحمد) قصيدة في رثاء المرحوم بإذن الله تعالى فضيلة الشيخ المجاهد محمد على الصابوني الذي ملأ الدنيا بعلمه وكتبه النافعة ولاسيما في التفسير.
على شَرَفٍ تَلقّاهُ التُّرابُ فَطارَ بِهِ لِبارئِهِ السَّحابُ
تَغمّدَهُ الَّذي أعطاهُ عِلمًا بِمَنجًى لَيْسَ يُخزيهِ مَآبُ
فلا أسَفًا على دُنْيا جَفاها كَأَنّ هَوانَها عَجَبٌ عُجابُ
جَناحَ ذُبابةٍ لَيسَت تُساوي وَساءَ مَكانةً فيها الذُّبابُ
فلمْ يُخدَعْ بِما أغرتْه مِنها وأيقَنَ أنَّ بارِقَها سَرابُ
طوَى فيها الحَياةَ على يَقينٍ مَتينٍ أنَّ آخرَها حِسابُ
وَعاشَ لِرحمةٍ في يَوْمِ عَدلٍ نِهايَتُه ثوابٌ أوْ عِقابُ
وَجالَ بها يُعمِّرُها بِعِلمٍ ودِينٍ لَيْسَ يُدركُهُ الخرابُ
فَجدَّفَ في تحدّي اليَمِّ مِنْها بِصاريةٍ يُغالِبُها العُبابُ
مَشَتْ فيهِ السِّنينُ تمُرُّ تترى تَئِنُّ بِهِ الفُتوّةُ والشَّبابُ
إلى الخمسين فالسّبعين أفضَى وأولَجَه إلى التّسعينَ بابُ
طَواهُ مُغيّبُ الأعمارِ لمَّا قَضَى أجلًا فَغيَّبه الغِيابُ
وَبانَ عَنِ العُيونِ وظلَّ فيها يُذكِّرُها بِسيرَتِه الكِتابُ
ويشيد الشاعر إسماعيل الحمد بالجهود العلمية للشيخ محمد علي الصابوني، ويذكر كتابه صفوة التفاسير بشكل خاص لما له من فائدة وشهرة، فيقول:
( فَصفوتُه) التي طابَت مَذاقًا بِطَعمِ الشَّهدِ غَشّاهُ الرّضابُ
سَقَاها الظَّامِئِينَ فَطابَ مِنها لِشاربِها على الظَّمَأِ الشَّرابُ
بَكَتْ شُهُبُ السَّماءِ عَلَيهِ حُزنًا وضَاقَت أن هَوَى مِنها شِهابُ
فَكَمْ غامَت عُيونٌ شَيَّعَتْهُ بأدمُعِها وجَلَّ بِها المَصَابُ
فيا ضيفَ السَّماءِ حلَلْتَ أهلًا وطابَ النّزلُ وابتَهجَ الرِّحابُ
وللشاعر إسماعيل الحمد أشعار كثيرة في الأغراض الدينية والسياسية، وله ديوان صغير في مديح أردوغان والثناء عليه، وإن عطاء إسماعيل الحمد ما زال يتجدد، ونرجو له طول العمر، مع الصحة والسلامة والعافية.
مصادر الدراسة:
١- موقع رابطة أدباء الشام.
٢- اتحاد كتاب سورية.
٣- صفحة الأستاذ إسماعيل الحمد.
4-مواقع الكترونية أخرى.
وسوم: العدد 1017