هو الذي رأى المستقبل...!

د. خليل حسونه

قراءة غير متأنية في رواية  الامبراطورية الاخيرة

للكاتب العراقي المتميز فوزي حكاك

عن دار فيشونه ميديا في السويد صدرت الطبعة الثانية لروايته" الامبراطورية الاخيرة" للكاتب العراقي المتميز فوزي حكاك, التي مثلت حالة جريئة ومتميزة, كونها مزجت بين رصيد اللحظة الراهنة واستشراق المستقبل اللامرئي موضوعيا, والمرئي عقليا ونفسيا, حيث نجحت وبقوة  في الغوص في نفوس قادة العالم المتخيل الصارم, بعد ان استطاعت تفكيك افكار الكاتب الامريكي الياباني الاصل " فوكوياما", عبر سردية ليست معقدة, تطلبتها ضرورة ايصال الفكرة للمتلقى ناضجة وطازجة.

حاول الكاتب  فوزي حكاك عبرها انتشال الحياة البشرية من بلاء مفترض اطاره حرب عالمية ثالثة لا تبقى ولا تذر, ومحو مذاقات الحاضر المرة, والمستقبل الذي قد يكون اكثر مرارة, اذ لم ينتبه قادة العالم المتنفذون لذلك!

فالسعادة المطلوبة من كل الناس, شرط وجودي يُضفي مزيداً من الحكمة الى الحالة النفسية والصحية لأفراد المجتمع, ناهيك عن الراحة المبتغاة حيث تذوب الفوارق الطبقية بين شرائح المجتمع المختلفة, وتتلاشى الفوارق بين القارات ليصبح كوكب الارض دولة واحدة خالية من الحدود الجغرافية.

هكذا تقدم الكاتب بما طرحه من روايته من قراءة تأويلية وتحويلية ناضجة وبقوة, على قاعدة افق ملحمي وهاج, وساطع, ليقرأ السعادة والحزن, والألم والفرح جاعلاً كل التناقضات في بوتقة واحدة. إنه يقرأ كل ذلك, يفككه, ويُشخصه بدقة عبر رؤى  إسقاطية استشراقية وتحليلية معمقة, دون ان تكون منفصلة عن الحاضر واحداثياته, أو المستقبل المبتغى وما قد يعتوره, وهو بهذا يتنافى ما توصل اليه فوكوياما في كتابه المثير الموسوم بــ" نهاية التاريخ" والذي اكد فيه حتمية انتصار الامبراطورية الامريكية , التي ستكون هي الامبراطورية الاخيرة في رسوخها وديموميتها, وبمعنى الرؤية الفوكيامية الدائمة الباقية الى الابد, والتي هي  دائما الثابتة والمنتصرة...

لكن كاتبنا  العراقي فوزي حكاك نفى ذلك نفيا قاطعا, وبشكل قد يروق او لا يروق للكثيرمن الناس كل حسب منطلقه الفكري والايدلوجي.

واذا كان هنالك من مزج الفكر اللاهوتي بالطقس البوروخوفي في الرؤية المستقبلية, فان فوزي حكاك وبتحليل علمي معرفي, ثقافي موضوعي وابداعي, استطاع سبر اغوار رؤوساء الدول من حكام المستقبل, وسبر اغوار الفكر البشري في معظم قارات كوكب الارض, محللا مفلفسا آراء هؤلاء الحكام وتلك القوى, ومبررا تحالفاتها واختلافاتها على قاعدة التحالف في اطار التناقض, والتناقض في اطار التحالف, حيث ان المصالح الوطنية الاقتصادية, ثم النرجسية الفوقية هي حبة العقد الاساس في تلك العلاقات المثيرة المتضادة والمتلاقية في نفس الوقت وذات الحين.

فوزي حكاك, السياسي المؤدلج والمفكر الملتهب محللاً ومبدعاً, وبكفاءة فذة وملفتة استطاع سبر اغوار الجماهير البشرية, وتطرق بشكل مبطن الى قدوم المتنفذ,الرئيس, الاقتصاد, الشيطان اياً كان.

لقد اغدق كاتبنا في هذا العمل من الفكر الديني, والوعي الطبقي والخطاب الاعلامي مايلائم رؤيته الاستشراقية في هذه الرواية, وان كان كل ذلك مرة بصراحة ومرة بشكل مبطن, وكأن الدين هنا دين اقتصادي, اعلامي, وما الى ذلك ليس إلا.

هذكا استطاع " فوزي حكاك" قراءة الجحيم عبر سبر اغوار وتداخل افكار تصحاب الاعراق والديانات والقوى المختلفة/ المتضادة, وهي مفارقة تؤكد ما نذهب اليه وتذهب اليه البشرية كل يوم.

لقد كان تخيل الكاتب الفذ دافعا لنا لمتابعته بقوة, حيث كانت طروحاته الرؤوية هي المانفستو, المحرك لعقولنا للتفكير, ولمشاركته الرؤية الوجدانية, فلم نعد بعد رؤيته بحاجة لنتخيل الجحيم كما فعل دانتي وقبله المعري, فجحيم فوزي حكاك اكثر خطورة واشد رعباً. هكذا دفعنا الكاتب لخلق جدل الاسئلة.

فهل يجوز ان نضع الاشياء البالغة العنف والتي نعيشها ونلتمسها كل لحظة في صندوق نغلقه  ونخبئه, ثم نكسر مفتاحه؟

سؤال من الخطورة بمكان,وحريّ برؤساء الدول وكل متنفذ في موقعه, استيعابه وفهمه.

رؤيا الكاتب فوزي حكاك ورؤيته هنا فذة ومتميزة, تدفع للسلام دفعا والتخويف من المستقبل المرعب ان لم نستطع استيعابه بحيث جدير بالعالم الديمقراطي الحر أن أن يضيف صاحبنا الكاتب فوزي حكاك ضمن من يستحقون ارفع الجوائر, وبقوة, لأنها بجدارة رواية العصر.