قِرَاءَةٌ نَقْدِيَّةٌ فِي قِصَّةِ (أَرْضِ اَلْحَكَايَا) لِسَنَاءَ الشّعلان

zfddfd1096.jpg

الأديبة الأردنيّة أ. د. سناء الشّعلان (بنت نعيمة) تتسم بتنوع إسهاماتها وجديّة إبداعها، وهي نموذج مشرّفٌ للمرأة المثّقفة والملتزمة بقضايا المجتمع. أعمالها تُرجمتْ إلى العديد من اللّغات، وحظيتْ بتكريمات كثيرة ومهمّة، مما جعل مشروعها الإبداعي موضوعاً للعديد من الدّراسات النّقديّة والبحثيّة ورسائل الدّكتوراة والماجستير في الأردن والوطن العربيّ والعالم.

إسهاماتها المتنوّعة والملهمة تواصل تقديم أعمال أدبيّة تعكس قضايا العصر وتستشرف المستقبل، لتبقى كلماتها نبراساً يهدي القرّاء نحو عالم من التّأمل والإبداع، إنّها ليست كاتبة بارعة حسب، بل هي أيضاً مثال للمرأة المثّقفة التي تحمل على عاتقها مسؤوليّة التّغيير الاجتماعيّ والنّهوض بالوعي الثّقافيّ.

1- (أرض الحكايا) لسناء الشّعلان:

أرض الحكايا: مجموعة قصصية للأديبة د. سناء الشّعلان، صدرت عام 2006 عن نادي الجسرة الثّقافيّ الاجتماعيّ في الدّوحة/ قطر. تحتوي المجموعة على 16 قصّة قصيرة تتميّز بقدرتها على مزج عناصر الأسطورة والخرافة والحكاية الشعبيّة لتقديم مزيج قصصيّ جريء يعكس الواقع بتفاصيله الجميلة والقبيحة جميعها.

         أمّا الملامح البارزة في هذه المجموعة فقد تضمّنْتْ ما يأتي:

- ثيمات متنوّعة: تجمع القصص بين عناصر الأسطورة والخرافة والحكاية الشعبيّة، لتقدّم من خلالها رؤى جديدة ومبتكرة تعكس واقع الحياة.

- تصوير الواقع: تختزل القصص اللاّواقع لتقدّمه بجزئياته كلّها، راسمة السّعادة بأرقى معانيها، ومكرسة الحزن ببشاعته وآلامه.

- مشاعر إنسانيّة: تعبّر القصص عن مساحات كبيرة من المشاعر والعواطف البشريّة، محافظةً على توازنها دون الإسفاف أو التّناقض.

-المفارقة: تستخدم الكاتبة لعبة المفارقة بمهارة، ممّا يضفي على القصص عمقاً ومعاني متعدّدة، مثل:

- الحرمان السّداسيّ: يجسّد الحرمان بأبعاده المتعدّدة.

- البحر الكاذب: يكشف خبايا البحر، وما يخفيه من أسرار.

- ملك القلوب بلا قلب: يعرض تناقضات السّلطة والحبّ.

- جدار الزّجاج: يرمز إلى القوّة التي تحجر على مشاعر الأبطال

- الطّيران الممكن للعاشق المنكود: يجسّد الأمل في مواجهة الحظّ السّيء.

- الرّجل التّعيس المحظوظ: يبرز التّغيّرات المفاجئة في الحياة.

- السّقوط من السّماء: يعبر عن السّقوط من القمم العالية.

- بكاء الشّيطان يصور الأحلام والتّجاوزات في عالم مليء بالتّناقضات.

2- بنية عنوان قصّة (أرض الحكايا):

جاء في لسان العرب لابن منظور: الأَرْضِ الَّتِي عَلَيْهَا النّاس، أُنثى وَهِيَ اسْمُ جِنْسِ وَكُلُّ مَا سَفَل، فَهُوَ أَرْضِ. وَيُقَالُ: أَرْضَت الكلام إِذا هَيَّأْتَه وسَوَّيْتَه.

في مادة (حكي) جاء أيضاً: حكي: الحكاية كَقَوْلِكَ حَكَيْت فُلَانًا وحَاكَيْتُه فعلت مِثْلَ فِعْلها وقُلْتُ مِثْلَ قَوْله سَوَاءٌ لما جاوزه، وحَكَيْت عَنْهُ الْحَدِيثَ حِكَايَةُ وحَكَوْت عَنْهُ حَدِيثًا فِي مَعْنَى حَكَيْته وحَكَيْت عَنْهُ الكلام حِكَايَةً.

من خلال هذين المعنيين ندرك أنّ الحكايا هي أعمال شعبيّة تاريخية عُرِفَتها الثّقافات منذ القِدم، تهدف إلى توفير المتعة والتّسلية للنّاس، وتنتقل بسهولة من جيل إلى جيل.

على الرّغم من تطوّر أساليب سردها مع مرور الزّمن، إلّا أنّ جوهرها يظلّ ثابتاً، وتُعدّ مصدراً رئيسيّاً للأعمال السّرديّة الحديثة، مثل القصص: والرّاويات وغيرها.

مجموعة سناء الشّعلان القصصيّة (أرض الحكايا) على الرّغم من أنّها حديثة، وتستخدم تقنيات سرد متطوّرة، إلا أنّها تحتفظ بعنصر الحكاية، وتقدّم المتعة والتّشويق.

أمّا عن البنية التركيبية للعنوان فقد جاء مسندا لمسند إليه محذوف، وهو - المسند - جملة اسمية، وتقدير المسند إليه (تلك ارض الحكايا)، أو (هذه أرض الحكايا )، وأرض مؤنثة، وهي مضافة وحكايا مضاف إليه.

3- عنوان الغلاف وتشكيلاته الصّورية:

إنّ غلاف مجموعة (أرض الحكايا) القصصيّة يجذب القارئ من خلال تصميمه الذي يتضمن صورًا ورسومًا وألوانًا متناسقة. الغلاف الأمامي مليء بالصّور التي تعكس أجواء الانتظار والترقب، وهي نفس الأجواء الموجودة في القصص داخل المجموعة. الغلاف الخلفي يحتوي على صورة الكاتبة، والتي تضيف بُعدًا شخصيًا وتجذب القارئ بجمالها وشفافيتها.

بالإضافة إلى الصّورة، يوجد نص مقتبس من إحدى القصص يتحدث عن فكرة وجود (أرض للحكايا) وهو:"عندما كنت صغيرة كنت أحسب أن هناك أرضًا للحكايا نستطيع أن نحصد الحكايا منها أنى شئنا، ولكن عندما كبرت أدركتُ أن لا أرض للحكايا. وعندما احترفت فنّ كتابة القصّة جزمت بعناد أن هناك أرضا للحكايا، لكن طوبى لمن يستطيع ان يدلف إلى تخومها، ويعرف السّبيل إليه". وهذا ما يثير فضول القارئ ويدفعه لاكتشاف المزيد.

أمّا الألوان المُستخدمة في الغلاف، فكانتْ خاصّة بالأبيض والرّماديّ؛ ممّا عكس حالة من الهدوء والصّبر، ويعزز من جاذبيّة المجموعة، وهذه العناصر كلّها تعمل معًا لتكوين انطباع أوليّ قويّ، وتقدّم دعوة لاستكشاف النّصوص والرّسائل العميقة التي تحملها القصص؛ فالغلاف ليس فقط وسيلة لحماية الكتاب، بل هو بوابة تفتح أمام القارئ عالمًا من الحكايات والأحاسيس والانطباعات والتّأويلات.

4- ملخّص القصّة:

في طفولته آمن الرّاوي بوجود أرض سحرية تُدعى (أرض الحكايا)، حيث تُقطف القصص كما تُقطف الثّمار من الأشجار، لكن مع مرور الزّمن واحترافه لفن السّرد، تحوّل هذا الإيمان إلى سراب، وعانى من جفاف إبداعي كاد أن يسلبه روحه. قرّر صديقه المهندس كرم، المعروف بكذبه اللّذيذ، منحه فرصة للهروب إلى شقّة تطلّ على البحر، لكنّها كانت جحرًا قذرًا وسط ضجيج المدينة، وفي خضم إحباطه، وجد الرّاوي نافذة أمل تطلّ على السّلم الحجريّ المؤدّي إلى منارة قديمة. هناك لاحظ عامل المنارة العجوز الذي عاش مثل ظلّ في ضوء القمر، يستقبل زوّار الشّاطئ المنعزلين، أولئك الهاربين من صخب الحياة بحثًا عن السّكينة.

عامل المنارة الذي وُصم بالجنون بسبب قصّته الحزينة، كان صامتًا كالبحر، يصغي دون أن يسمع، ويحمل هموم الزوّار دون أن يَنْبَسْ بِبِنْتٍ شَفَةٍ، فقد راقب الرّاوي هذا المشهد اليوميّ، وأخذت مخيلته تُنسج حكايات عن هؤلاء الزوّار.

كلّ زائر كان يحمل قصّة، وحزنًا، وسرًا يناجي به البحر. استلهم الرّاوي من هذه المشاهد قصصًا حيّة، وبدأ يكتب من جديد، مجسدًا أحزان النّاس وأحلامهم في صفحات مشبعة بالحياة، وفي النّهاية قرّر الرّاوي مواجهة عامل المنارة، فاكتشف أنّ هذا الرّجل الصّامت لا يسمع، ولا يتكلّم، لكنّه حاضر بروحه ليحمل أثقال الزوّار. في تلك اللّحظة أدرك الرّاوي أنّه قد وجد (أرض الحكايا) التي كان يبحث عنها. أصبحتْ حياته نفسها حكاية تستحقّ أن تُروى، وبدأ بكتابة قصّته، عائدًا إلى إلهامه المفقود، محققًا غاية ما حلم به: أن يكون جزءًا من حكايا (أرض الحكايا) .

ممّا سبق أستطيع أن أطرح سؤالًا، ألا وهو: هل هنالك علاقة ترابط بين مقدّمة القصّة ونهايتها؟

بدأت القصّة بفكرة الرّاوي الطّفوليّة عن وجود (أرض للحكايا)، مكان سحريّ يمكنه استمداد القصص منه بسهولة. مع مرور الوقت يشكّك الرّاوي في وجود هذه الأرض، لا سيما عندما يعاني من جفاف إبداعيّ، وفي النّهاية، يكتشف الرّاوي أن (أرض الحكايا) ليست مكانًا جغرافيًا، بل حالة من الإلهام يمكن العثور عليها في مراقبة حياة النّاس، وتخيّل قصصهم. عندما يبدأ في كتابة قصص الزوّار وعامل المنارة، يدرك أنّه قد دخل تلك الأرض السّحرّيّة التي كان يبحث عنها منذ طفولته.

الخلاصة هو أنّ العلاقة بين المقدّمة والخاتمة تعكس تطور الرّاوي، وتحوّله من حالة الإحباط إلى حالة الإبداع، ممّا يجعل القصّة متماسكة ومتكاملة.

رؤية قصّة (أرض الحكايا):

مضمون القصّة يتمحور حول البحث عن مصادر الإلهام والقصص في الحياة اليوميّة، وكيف يمكن للأدباء والكتّاب استخدام خيالهم وتفاعلهم مع العالم من حولهم لإنتاج الأعمال الفنّيّة والأدبيّة. يُظهر الرّوائيّ الشّاب في القصّة اكتشافه لأرض الحكايا من خلال مشاهدته لعامل المنارة وزوّار الشّاطئ، وكيف أنّ هذه الرّحلة إلى عالم الخيال والإبداع جعلته يجد مصدر إلهام جديدًا لكتابة قصصه، وأمّا الفكرة الرّئيسيّة للقصّة فهي استكشاف الخيال والإبداع بوصفها أدوات للهروب من الرّوتين اليوميّ والبحث عن الجمال والحكمة في الحياة.

تقدّم القصّة رؤية متفائلة حول القدرة على الابتكار والخروج عن المألوف لاكتشاف العوالم الجديدة داخلنا وحولنا، تضيف القصّة قيمة للقارئ من خلال تشجيعه على الابتكار واستكشاف العوالم الخفية وراء الواقع المعتاد. كما تعزّز أهميّة الصّمت والاستماع في عملية الإبداع والتّعبير عن الذّات. كأنّ هذه القصّة كُتبتْ لنتأمل حولنا، فنجد أنّ كل مَنْ نصادفهم هو بذاته أرض للحكايا، أو لنسردها لأطفالنا حتى تنغرس عندهم حبّ الكتابة، وربما تهدف هذه القصّة إلى أنّه لا بدّ من معرفة الشّخص جيدًا قبل الحكم عليه، وننسج قصص من حوله، وننقلها إلى الأرجاء، فمن لا يعرف ما أصاب المرء لا يحقّ له أن يحكم عليه.

الحياة حكاية منها ما يروى، ومنها ما يدوّن، ونحن كبشر لنا أدوار مختلفة في هذه الحياة وشئنا أم أبينا فنحن من نمثل هذه الحكايات بكل ما فيها.

نجحت الكاتبة في توظيف رؤية جديدة من خلال هذه القصّة فلم تكن مبتذلة مكرورة، فيها عناصر جذب تجعل القارئ متحفّز حتى يكمل قراءتها.

الإطار الفنّيّ للقصّة:

أ - بناء الأحداث:

تبدأ القصّة باسترجاع الكاتب لذكريات طفولته حيث كان يؤمن بوجود "أرض للحكايا" يمكنه من خلالها استقاء القصص بحرية. هذا الإيمان الطّفوليّ يستمرّ معه حتى مرحلة احترافه الكتابة، لكنّه يعاني من جفاف إبداعيّ يفقده القدرة على الكتابة، مما يثير قلقه رغم انشغاله بالمهام اليوميّة.

يقرّر الانتقال إلى فرع الشّركة البحريّ بناءً على وعود من صديقه كرم بشقّة تطلّ على البحر، لكنّه يصطدم بواقع مخيب للآمال عندما يجد نفسه في كوخ قذر يُطلّ على ضوضاء المدينة وزحامها. في يوم عطلة يجلس الكاتب أمام النّافذة الخشبيّة المكسورة، ويراقب السّلّم الحجريّ المؤدّي إلى شاطئ المنارة، حيث يلفت انتباهه عامل المنارة الرّجل العجوز الذي يسكن المنارة المعطلة، ويتجوّل بين الصّخور بصمت.

يبدأ الكاتب في مراقبة عامل المنارة وزوّاره بشكل دؤوب، ويكتشف أّن هؤلاء الزوّار يلجؤون إلى عامل المنارة هرباً من ضوضاء الحياة، وأنّ العامل يستمع إلى أسرارهم بصمت. يبدأ الكاتب في تخيل قصصهم وأحزانهم، ويحيل هذه المشاهدات إلى قصص يكتبها بحماس، ويعمل على كتابة مجموعة قصصية أسماها (أرض الحكايا)، وهي قصص مستمدّة من مشاهداته وتخيلاته حول زوّار المنارة، ليشعر بأنّه قد أصبح جزءاً من هذه الحكايا. يقرّر الكاتب في النّهاية مقابلة عامل المنارة، ويكتشف أنّه لا يسمع، ولا يتكلم، لكنّه حاضر بكل كيانه، مستمع بصمت لأسرار الزوّار، مما يفتح أمام الكاتب أفقاً جديداً للفهم والإلهام. يعود الكاتب إلى كوخه بعد لقاء عامل المنارة، وينظر إلى البحر من نافذته، ويدرك أنّه هو نفسه أصبح جزءاً من (أرض الحكايا)، ويبدأ في كتابة قصّته الخاصّة، مستشعراً أنّ الحكايا ليست مجرد قصص تُكتب، بل تجارب نعيشها ونشعر بها بتفاصيلها كلّها.

تسلسل الأحداث كان تسلسلاً زمنيّاً مترابطاً ومتناغماً، يبدأ من الاسترجاع الطّفوليّ، مروراً بالصّراع الدّاخليّ، والتّحوّل عبر الاكتشاف، إلى الاستكشاف والإنتاج، وصولاً إلى الذّروة والخاتمة.

ب- رسم الشّخصيّات:

1- الرّوائيّ الشّاب (الرّاوي): شاب يعاني من نقص في الإلهام والقدرة على الكتابة، أراد الانتقال إلى فرع الشّركة البحريّ، فأنتقل إلى شقّة على شاطئ البحر بحثًا عن الهدوء والإلهام، يكتشف عالمًا جديدًا من القصص والإبداع من خلال مراقبته لعامل المنارة وزوّار الشّاطئ.

2- المهندس كرم: صديق الرّاوي، معروف بكذبه وألاعيبه، على الرّغم من ذلك يحتفظ بعلاقة وطيدة مع الرّاوي.

3- عامل المنارة: الملقب بالمجنون، شخصية غامضة وصامتة تعيش في المنارة، وتسير على شاطئ البحر كلّ ليلة، تشعر الشّخصية الرّئيسيّة بالفضول والاهتمام تجاهها، وترى فيها مصدرًا للإلهام.

4- زوّار الشّاطئ: شخصيّات مختلفة تزور شاطئ المنارة، كلّ واحدة منهم لديها قصتها الخاصّة وأحزانها وآمالها، يكونون مصدرًا للإلهام والخيال للرّوائيّ الشّاب، حيث يستلهم قصصه من مشاهدته لهم وتخيلاته حول حياتهم.

ج. الزّمان والمكان:

المكان والزّمان في القصّة يلعبان دورًا مهمّاً في إضفاء الجو المناسب للأحداث وتعزيز الشّعور بالغموض والإثارة.

المكان: يدور معظم أحداث القصّة على شاطئ البحر، وتحديدًا في محيط المنارة المعطّلة، المنارة تمثّل نقطة مركزيّة في القصّة، حيث يقيم فيها عامل غامض يعيش حياة معزولة وساحرة، والشّاطئ يصبح مسرحًا للقاءات الغامضة والمحادثات الغير مألوفة بين الشّخصيّات الرّئيسيّة وزوّار الشّاطئ .

الزّمان: تقع أحداث القصّة في فترة غير محدّدة من الزّمان، مما يضيف إلى الغموض والسّحرّيّة، واللّيالي المظلمة وا لمتألّقة بنور القمر تعطي جوًا من الرّومانسيّة والسّحر للأحداث التي تجري على شاطئ المنارة، وإنّ الزّمان يتقاطع مع الزّمن الحقيقيّ للرّوائيّ الشّاب؛ إذ يعيش تجربة فريدة وملهمة تغيّر من حياته بشكل جذريّ.

اختيار مكان شاطئ البحر والمنارة، وبتركيز الأحداث في ليالي الهدوء والسّكون، تخلق القصّة أجواءً من الغموض والإثارة والرّومانسيّة، مما يزيد من جاذبية القصّة ويجعل القارئ يشعر كأنّه جزء من عالمها الخاصّ.

د- الأساليب السّرديّة:

السّرد الوصفيّ: يتمثل الوصف التّفصيليّ للمكان، مثل: المنارة وشاطئ البحر، جزءًا أساسيّاً من القصّة، تساعد الوصفات الواقعيّة والحميميّة في إيجاد الجوّ المناسب وتشعر القارئ بأنّه جزء من البيئة التي تجري فيها الأحداث.

الحوارات: تُستخدم الحوارات بين الشّخصيّات لكشف الشّخصيّات وتطوير القصّة، تعطي الحوارات للشّخصيّات صوتًا وتعبيرًا فعالًا عن أفكارهم ومشاعرهم، مثل: "مرحبًا، أرجو أنّني لا أزعجك". لم يرد، مددتُ يدي لمصافحته، وقلتُ له بنبرة أكثر جدية: "أنا المهندس محمود، تشرفت بلقائك." عندها مدّ يده النّحيلة، وصافحني.

التّشويق والتّوتّر: يتمّ توظيف الحبكة السّرديّة بمهارة لخلق التّشويق وجذب انتباه القارئ، يترك الكاتب تساؤلات غامضة، ويثير الفضول لدى القارئ لجذبه إلى الأحداث المتكشفة.

السّرد الدّاخليّ: يعطي النّصّ للقارئ فرصة لاكتشاف أفكار ومشاعر الشّخصيّات من خلال السّرد الدّاخليّ، يتيح هذا النّوع من السّرد فهم عميق للشّخصيّات وتحليل دوافعهم وتطورهم عبر القصّة.

أمّا الحبكة: تتميّز الحبكة بتوجيه الأحداث وتطوّرها بشكل متقن، ممّا يثير اهتمام القارئ، ويحافظ على التّوتّر والتّشويق طوال القصّة. على سبيل المثال، يتطور السّرد بشكل تدريجيّ ليكشف عن حياة الشّخصيّات الرّئيسيّة وتحوّلاتهم، ممّا يثير فضول القارئ، ويجعله يرغب في معرفة المزيد.

ه- اللّغة:

تتسم لغة القصّة بالشّاعريّة والعمق؛ إذ تستخدم الكاتبة تعبيرات غنيّة وصوراً بلاغيّة تنقل المشاعر والأفكار بشكل مؤثر. تعكس اللّغة مشاعر الكاتب بعمق، سواء كان ذلك من خلال الحنين إلى الطفولة، أم من خلال الإحباط بسبب الجفاف الإبداعي، أم عبر الإلهام المتجدّد عند مراقبة عامل المنارة وزوّاره.

تقدّم القصّة أوصافاً دقيقة للمكان والأشخاص، ممّا يخلق صورة حيّة في ذهن القارئ، وتصف الغرفة القذرة، ضوضاء المدينة، والمشاهد الطّبيعيّة للشّاطئ والمنارة بشكل يعزّز من تجربة القراءة. تستخدم القصّة الرّموز بشكل بارز، مثل (أرض الحكايا) التي ترمز إلى عالم الإلهام والقصص، وعامل المنارة الذي يمثّل الحكمة الصّامتة والقدرة على الاستماع.

تتدفّق الأحداث بسلاسة، مع تدرّج منطقيّ في تسلسلها، ممّا يجعل القصّة سهلة المتابعة ومحفزة للتّفكير. تعكس اللّغة التّأمليّة التّفكير العميق للكاتب في موضوعات مثل الإبداع، والحياة، والبحث عن الإلهام، ممّا يجعل القصّة تتجاوز السّرد البسيط إلى مستوى أكثر فلسفيّ.

تكثر في النّصّ الاستعارات والتّشبيهات التي تضفي على اللّغة جمالاً وعمقاً، مثل: وصف عامل المنارة بأنّه "مثل البحر، يحتضن الألم دون أن ينطق بكلمة". إجمالاً، تجمع لغة القصّة بين الجمالية الأدبيّة والعمق الفلسفيّ؛ ممّا يعزّز من تأثيرها العاطفيّ والفكريّ على القارئ.

تحليل القصّة من مبدأ التّوازن الوظيفيّ:

يتمثل التّوازن الوظيفيّ في القصّة (أرض الحكايا) في تكامل الفكرة الرّئيسيّة للقصّة مع السّرد والتّصوير اللّغويّ بطريقة تجذب القارئ وتحفز خياله وعواطفه، فالفكرة الأساسيّة للقصّة تدور حول مفهوم (أرض الحكايا)، وهي مكان يمثّل تلاقي الواقع والخيال، حيث يتمّ تقديم هذه الفكرة بأسلوب سرديّ مشوّق يأسر الانتباه، ويثير الفضول لدى القارئ؛ ممّا يجعله يستمتع بتجربة القراءة بشكل كامل.

بالإضافة إلى ذلك، يتواجد التّوازن في القصّة من خلال وجود شخصيّات متنوّعة ومتوازنة تعكس العديد من الجوانب الإنسانيّة والعواطف المعقدة؛ فالشّخصيّات تتفاعل مع بعضها البعض ومع المواقف بشكل طبيعيّ وواقعيّ، وتصبح هذه التّفاعلات مصدرًا لإضفاء العمق والتّعقيد على القصّة، ممّا يثري تجربة القارئ، ويجعله يشعر بالانتماء إلى عالم الحكاية، ويتحقّق التّوازن بين العواطف والمنطق في السّرد، حيث تُتناول العواطف المعقدّة، مثل الحبّ والفقد والشّوق بطريقة عميقة ومؤثّرة، بينما يبقى السّرد متماسكًا ومنطقيًا، مما يجعل تطوّر الأحداث يحدث بشكل طبيعيّ ومنطقيّ، ويثير تفاعل القارئ، ويظهر التّوازن أيضاً بين العالم الخياليّ والعالم الواقعيّ، إذ تقدّم القصّة أحداثًا وشخصيّات تتجاوز حدود الواقع، وتدخل عوالم الخيال، لكنّها تظلّ متصلة بالعواقب الواقعيّة والتّأثيرات الواقعيّة، ممّا يجعل القارئ يستمتع بالمزيج الرّائع بين الواقع والخيال في القصّة بشكل عام، فإنّ القصّة تتميّز بتوازن متقن بين عناصرها جميعها، ممّا يخلق تجربة قرائيّة مثيرة وممتعة يستمتع القارئ بالغوص فيها واستكشافها.

الإحالات:

1_ القرآن الكريم.

2_ سناء الشّعلان: المجموعة القصصيّة (أرض الحكايا)، نادي الجسرة الثّقافيّ والاجتماعيّ، الدوحة، قطر، 2006

3_ غنّام محمد خضر: فضاءات التّخييل مقاربات في التّشكيل، مؤسّسة الورّاق، عمان، ط1، 2012

4_ ضياء غني العبوديّ: عتبة العنوان في مجموعة أرض الحكايا لسناء الشعلان، مركز جيل البحث العلميّ، 2015

وسوم: العدد 1096