ومع ديوان : فضيلة الشيخ عيسى بن أحمد الخطيب الصوراني الأعزازي يرحمه الله
هذا الديوان من الشعر الإسلامي لفضيلة الشيخ عيسى بن أحمد الخطيب الصوراني الأعزازي ... يرحمه الله ، يؤكد على أن الشعر الإسلامي يستمد حضورَه البارع مما يؤمن به الشاعر من عقيدة وقيم اجتماعية ، واستجابة منه لمتطلبات العصر الذي يعيش فيه الشاعر ، وذلك لتحقيق أهمية التوجه الإسلامي في جميع أمور الحياة . فالقلب الذي يعمره الإيمان بالله سبحانه وتعالى ، والعقل الذي تتراءى أفكاره ورؤاه من خلال الهداية التي منحها الله لهذا العقل ، فلا يضل ، ولا يتخذ من القول مجالا للخداع أو النفاق ، بل يجعل الشعر وغيره من أبواب الأدب الإسلامي وسائل لإحقاق الحق وإبطال الباطل ، ويدعو إلى إحلال مبادئ الإخاء والمودة والتواصي بما فيه الخير للمجتمع الذي يعيش فيه الشاعر . وفي هذه الظلال الهادئة والبيئة الصافية كتب الشيخ عيسى الخطيب يرحمه الله قصائده التي جُمعت في هذا الديوان . حيثُ أعطى الأدب الإسلامي صفحة ناصعة من قوافيه وما فيها من قيم ومشاعر صادقة ، وتصور تتقبله النفوس ، بعيدةً تلك القصائد عن الأهواء الفارغة ، والميول الرخيصة ، بل جاءت مطابقة لِما يرضي الله أولا ، وتنفع القارئ ، ليُؤكد عطاءُ الشيخ الشاعر أنَّ هواه ملتزم التزاما صادقا بما أمر الله وأمر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، وهذا من تحقيق الاتباع لمنهج الحق : ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به). أي أن المشاعر المضمرة والظاهرة تتأرج أطيابُها في بستان الأدب الإسلامي الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بما جاء في هَدْيِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم . فلا يبقى أثر للفساد أو الضلال أو للذميم من الأخلاق . فليس من مكان لغارة التغريب ، وهجمة الانحلال التي طالت حتى بحور الشعر العربي ، وليبقى تراثنا صامدا عاليا عنيدا في وجه تيارات التزييف ، وعربدة التغريب ، وهذه المبادرات الجادة استوت على عودها ، وانتصرت محاورها على أفكار الذين اشتروا الرخيص من الغرب ، وتناءوا عن الأصيل النفيس لدى أمجاد أمتهم التي كانت خير أمة أخرجت للناس ، ولعلها تعود .
وللشيخ ما للصالحين من حب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتِّباع لهديه ، ونشر هذا الهدى بين الناس الذين يلقاهم في مجالسه وفي خطبه وفي نشر ما قال في المجال في شعره فقد ألقى في"حفل ذكرى المولد النبوي" الذي أقيم في"المدرسة الخسروية" بحلب في /12 ربيع الأول / 1359 ه ، وكان حينئذ في الصف السادس من المدرسة المذكورة وهو الصف النهائي فيها ، وقال عنها : كانت ليلة مشهودة من أجمل الليالي التي رأيتها في عمري :
نعم بأسوأ حال كانت العرب ... ففيهمُ الزور والغاراتُ و الكذبُ
مراجل الحقد تغلي في صدورهم ... و جذوة الشر لا يخبو لها لهبُ
مبشرا بالهدى تُجلى بحجته ... و حسن تبيينه الأوهام و الريبُ
رسول خير إلى الأقوام قاطبة ... بنهجِ دعوته قد أقبل الحدبُ
لا يُذهب البأسُ منه فضلَ قوته... ولا يغيِّبُ عنه حلمَه الغضبُ
فأخرجوه و نالوا من صحابته ... و جدَّ بالضعفاء العسفُ و النصبُ
ففيها تذكير للناس بعادات العرب قبل الإسلام ، وما كانوا فيه من ضلال في العقائد ، وفساد في الأخلاق ، وتعاطٍ للمحرمات والمنكرات ، فأنقذ قومه وجعل لهم بهذا الدين القويم مكانة عالمية . رغم عدائهم له صلى الله عليه وسلم ، ورغم الأذى الذي لحقه منهم ، ونالوا من أصحابه الكرام قبل الهجرة .
وله أيضا في "ذكرى المولد النبوي"
سما بك يوم يا ربيع حميد ... به البشر يبدو و الهناء يزيد
به ولد الهادي الشفيع و رفرفت ... على الكون رايات له و بنود
وأشرق نورالحق في الجو فانجلى ... عن الخلق ليل للضلال بعيد
تعاليت يا رب السماء و كل ما ... على الأرض من خير إليك يعود
بعثت ختام المرسلين محمدا ... إذ اشتط جبار و عاث عنيد
يرافقه الإخلاص والحلم والحجى ... و ينمى إليه الصدق وهو وليد
تحدر من أعلى ذؤابة هاشم ... وفازت له في المكرمات جدود
فقام بأعباء الرسالة ناهضا ... إلى هديها يدعو الورى و يقود
ولاقى الأذى في نشرها فمضى به ... على الرغم عزم لايلين حديد
كذلك ينتاب الأذى كل مصلح ... و تغرى عراقيل به و سدود
فحطم أصنام الجهالة و انبرى ... يحارب أتباع الهوى و يبيد
وهذه الأشعار تحمل قيم الدعوة الإسلامية التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأشرق نور الحق لينير جنبات الكون ، وكان الفتح المبين للأمصار يرافقه الإخلاص والحلم والحجى ، وتلك نتائج حميدة لدعوة الإسلام ، قام بأعبائها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانتهض مع صحبه بأمر الله ، فسادت الأمةُ المسلمة التي أقام دعائم عزها ومجدها هذا الإسلام العظيم على أمم الأرض ، وكانت كما قال الله سبحانه وتعالى ( خير أمة أُخرجت للناس ) .
وهذه قصيدة قالها في"فضل العلم" و هو في الصف الرابع من"المدرسة الخسروية" أثناء دراسته للعلوم الشرعية فيها ، وألقاها في"المدرسة الشرفية" في حلب على مسمع من حضور الحفل تحت إشراف الأستاذ الشيخ "مصطفى
الزرقا" وهي من أوائل ما نظمته:
لا شيء مثل العلم للأذهان ... فاعمد لمنهله بغير توان
فإذا الفتى لا يستقي من نبعه ... يبقى حليف مذلة و هوان
والعقل إن حاز العلوم و لم يحد ... عنها أتى بالوفر والإحسان
وإذا مضى ورمى المعارف جانبا ... ضل السبيل و باء بالخسران
و في رثاء والده الشيخ أحمد الخطيب رحمه الله ، دعا له بالرحمة ويجعل الجنة مسكنه و مثواه، ويستذكر أيام قربه من الأسرة ، وأنه يضفي على تلك الجلسات المزيد من المودة ، والرأي السديد من مجريات الأمور :
لفقدك والدي تجري العيون ... و إن قل المساعد و المعين
تبدلنا مكان الأنس حزنا ... به يتزعزع القلب المتين
بأطباق الثرى غيبت عنا ... كأنك في الثرى در مصون
و كنت لنا متى جئناك أنسا ... إذا تغشى مجالسنا تزين
و كنت بنا أبا برا و كنا ... برأيك في الحوادث نستعين
وهنا أيضا تتجلى القيم التربوية التي أفاض به الشيخ في مجتمعه الصغير ( الأسرة ) ، وفي مجتمعه الكبير الذي يغشى دائما مساجده ، وأماكن اجتماع الناس لحفل في مناسبة ، أو حفل في مدرسته التي عاش بين طلابها ومدرسيها ، وأولياء أمور الطلاب الذين يحضرون اجتماعات أولياء أمور الطلاب مع إدارة المدرسة .وكما تأثر لوفاة والده تأثر أيضا وبلا ريب لفقد الشيخ عثمان المارعي رحمه الله:
أمضيت عمرك في العبادة و التقى ... و النصح و الإرشاد و الأذكار
و خرجت من دنياك مبتهجا بما ... أعطيت من جود الكريم الباري
فحياة العالم تعمرُها التَّقوى ، وتزينها أنواع العبادات ومآثر الطاعات ، ومَن يغادر هذه الحياة يبتهج ويفرح بها عند لقاء الله سبحانه وتعالى . وله في رثاء الشيخ المارعي:
فارقتَ لذاتِ الحياة و طيبَها ... لمَّا دعاك لقربه الرحمنُ
و مضيت مسرورا بطيب لقائه ... نم في جوار الله يا عثمان
وتبقى خطوات الشيخ الشاعر تتقدم في الأعمال المرضية عن الله سبحانه وتعالى مسخرا هذه الموهبة لِما فيه خير الإسلام والمسلمين . ويوم احتاجت أعزاز إلى إقامة جمعية خيرية تقوم بخدمة المواطنين فيها (جمعية البر والأخلاق ) . هبَّ الشيخ بقصيدة شعرية مؤثرة وقدَّمها إلى قائم مقام أعزاز السيد نهاد الأسعد ، وذكَّرَ إياه بوعد قطعه على نفسه أن يساعد المواطنين في أي باب من أبواب الخير يعود عليهم بالفائدة ، ومنها هذه الأبيات :
نهاد يا رافع الآداب إن لنا ... مقالة للمقام الفخم نبديها
إنا عهدناك ذا رأي و ذا بصر ... هاد إلى الحق في ظلماء داجيها
لا يذهبن بك الواشون ناحية ... عن الحقيقة تشويها و تمويها
جمعية البر و الأخلاق ظاهرة ...للناس أعمالها ال يمتري فيها
في الشام في مصرفي هند وفي يمن... لها رجال تزكيها و تدنيها
و قد أردنا عزازا أن يكون لها ... غرس من البِّرِّ ينمو في نواحيها
و قد وعدت بأن تسعى لصالحها ...و كنت أول شخص راغب فيها
فأنجز الوعد محمود الوفاء به ... تنل رضاها ويرضى عنك باريها
فللوعود رجال لا تجاوزها ... و للوعود رجال لا تراعيها
ولم تزل القيم السامية الاجتماعية تراود الشاعر ، ليعبر عن بيض المشاعر الراقية في تقديم شيء من الواجب لِمَن يستحقه . وهذا التقدير كان للدكتور نظمي القباني الذي عالج ابن أحد أصدقاء الشاعر غالب العظم المؤيد ، فقال :
سلمت على مر الزمان من الردى ... و جنبت عن مكروهه و عذابه
و لا زلت موفور السعادة والغنى ... تروح و تغدو في بهي ثيابه
أتى نحوك ابني فانتصبت لرفعه ... و خفض شكاويه و تسكين ما به
و داويته حتى تبين برؤه ... و خففت عنه من أليم مصابه
فلا شيء أهديه لذاتك مخلصا ... سوى الشكر يا نعم الفتى وكفى به
وفي مشاركات أدبية كان للشاعر صلات طيبة مع محرري وسائل الإعلام ، ومعرفته لهم وصلته بهم امتدت إلى أرض الكنانة مصر الغنية بعلمائها ومفكريها ، فأرسل إلى ( مجلة الأنصار ) التي كانت تصدر في مصر آنذاك ، حيث كان القائم على تحريرها السيد ( أحمد صبري شويمان ) . بل إن الشويمان أرسل للشاعر كتابه (ضوء في تاريخ التوحيد ) تقديرا لمكانته عنده حيث قال في تلك القصيدة :
سيروا على خطة الرشد القويمة لا ... يضركم قول ذي بغي وعدوان
و امضوا على نهج إبراهيم قدوتكم ... مهاجرين بإخلاص و إيمان
و لا تقيموا بأرض أهلها جبلوا ... على عبادة أصنام و أوثان
وادعوا إلى الله أهل الصدق واعتصموا... بشرعة الحق يمددكم بأعوان
و وجهوا أمة العرب التي انحرفت ... بين الأعاجم عن أخلاق عدنان
فأصبحت بعد ذاك العز ضائعة ... ذليلة مثل قطعان من الضِّان
ولم ينس الشاعر قضية المرأة التي أثارها أهل التغريب والسفور بل والإباحية التي هي طريق الانحلال وانهيار المجتمع ، وأرادوا كما نوَّه الشاعر أن تكون المرأة عبارة عن متعة رخيصة ليشبعوا منها عيونهم الجائعة ويخرجوا بها من الحجاب الذي فرضه عليها دينهم الحنيف رمزا للحياء وللشرف ولسد أبواب الفتنة التي لاتخفى على أحد ، وذلك في قصيدة شاملة لتلك القيم ولعفاف المرأة وأخلاقها الحميدة وفيها :
ناديتها و ظلام الليل معتكر ... يا هند طال علي الليل والسهر
إني أرقت ولا خل أسامره ... و الصدر منقبض والهم منتشر
قالت : عهدتك لا هم ولا حزن ... ولا سهاد ولا غم ولا ضجر
فما الذي كان حتى بت في قلق ... فقلت ويحك لا تدرين ما الخبر
أمر فظيع وشيء لو سمعت به ... لعكر الصفو من أوقاتك الكدر
يريد قوم لئام لا خالق لهم ... في المكرمات ولا ورد ولا صدر
لتخرجي مثل ما تهوين سافرة ... سيان عندك هذا البدو والحضر
وتبقى قضية المرأة لدى الفاسدين المفسدين السفهاء لعبتهم الخسيسة أمام صمود المجتمعات الإسلامية المحافظة على دينها وقيمها وأخلاقها وعاداتها الأصيلة . ولن ينالوا من ركن الدعوة الإسلامية ، وما صدح به الشاعر الشيخ عيسى ماهو إلا صوت من أصوات الشرف والكرامة الذي تتمتع بها المرأة المسلمة .وربما يقدم بعض الناس على الشيخ من هذا العرض الجلي في قضية المرأة ، ولكن الشيخ لايبالي بمثل هذه الآراء ، ويرد على هذا العاتب قائلا :
فلاتتهمني بالجمود غباوة ... و أنت بهذا العتبِ عقلُك أجمد
لئن عدت بعد اليوم تذكرني به ... و تحقر مني ما يحب و يحمد
فإمَّا لزمت الحق إن كنت ناطقا ... وإما لزمت الصمت والصمت أجود
وقد شهد الشيخ يوم أن سلخ المستعمرون الغاصبون لفلسطين وتسليمها لليهود الصهاينة ، وتهجير أهلها ، والبدء بإنشاء الكيان الصهيوني ، مع ارتكاب أبشع المجازر والفظائع لأهالي فلسطين ، فنادى الشاعر أمة العرب والمسلمين للدفاع عن الأرض المقدسة والمسجد الأقصى ... ولكن !!!
يا أيها العرب ذودوا عن بلادكمُ ... ولا يروعنّكمُ خوف و تهديد
فذي "فلسطين" تدعوكم لنصرتها ... اللهُ أكبرُأكبر أين القادة الصيد ؟
ذبوا عن المسجد الأقصى بأنفسكم ... و بالنفائس من أموالكم جودوا
يا فتية العرب هبوا من رقادكمو ... فقد كفى ما مضى نوم وتسهيد
تأهبوا للجهاد اليوم و ابتدروا ... من قبل أن يتولاها الرعاديد
و قاتلوا في سبيل الله طائفة ... قلوبها مثل أفكار لها سود
فسادها ملأ الدنيا و ساعدها ... من ساسة الدول الخرقاء تأييد
يا مجلس الأمن إن الأمن مضطرب ... بجور حكمك و الإنصاف مفقود
أ في العدالة أن يجري برأيكمو ... على فلسطين تقسيم و تهويد
فيا بني العرب يا آل الوغى اتحدوا ... فالأمر عمدته حزم و توحيد
لا ترقبوا عدل أقوام مطامعهم ... عمت فما إن لها حصر وتعديد
و الفوز بالصبر و الإقدام مرتبط ... والنصربالصدق والإخالص معقود
في القدس أولها يسعى وآخرها ... وسط العراق له سير و تحشيد
يقودها من رجال الله كوكبة ... من الملائك فيها البأس معهود
من فوقهم راية الإسلام عالية ... تبدو و فيهم سنا الإيمان مشهود
واليوم تحقق تفاؤل الشاعر بما يجري في فلسطين وفي غزة العزة خاصة ، ثم في سوريا المحررة من قبضة الظلم والطغيان والتهجير والتدمير ، وأشرقت أنوار بشريات رسول الله صلى الله عليه وسلم بعودة الخلافة الإسلامية لتكون رحمة للعالمين بعد هذا الخوف والشقاء الذي أصاب الأمة ، بل وأمم الأرض جميعا .
وما زلنا نقلب صفحات هذا الديوان الشعري الذي تجاوزت صفحاته مئتي صفحه ، وفيه الكثير من قيم الإسلام والقيم الاجتماعية الأخرى ، والعديد من القيم الوطنية الصادقة ، وللشيخ الكثير من التواصل مع مختلف الناس في مجتمعه المحلي وعلى امتداد أرض بلاد الشام ، وعبَّر فيها عن مودته لأرحامه وشيوخه ولإخوانه عامة ، فقد كتب جوابا لأحد إخزانه القانطين في أعزاز وهو عنها بعيد فقال :
أخي لازالَ عيشُك في صفاء ... ولا زالت حياتك في سرور
لقد خطت يمينك لي كتابا ... جمعت به البلاغة في سطور
و لم أك معرضا عن أهل ودي ... و ما أنا بالمجانب و النفور
و لكن كنت من فرط انشغالي ... لأرضى بالسلام أو المرور
و لو حققت ما ألفيت عندي ... سوى الإخلاص و الحب الكثير
ويبقى أسى الشاعر يطفح بين قوافيه على أمته وما حلَّ في أقطار شعوبها من الهوى والهوان ، بعيدة عن قيم الإسلام العالية ، وعن مكانتها العالمية العالية ، ولقد حل العيد السعيد وهو موسم فرح للمسلمين ، ولكن الشيخ الشاعر لم يكن يشعر بهذا الفرح وقومه في الحال التي أنهكت الناس المظالم والنوائب :
أنفرح والإسلام في كل موطن ... من الأرض أضحى تستحل محارمه؟
و نفرح والإسلام في كل بقعة ... يحاربه رهط كثير جرائمه
لعمرك إني لاأرى العيد مفرحا ... لشعب عزيز أنهكته مظالمه
لعمرك إني لاأرى العيد مسعدا ... إذا كان من حولي تنوح مآتمه
لعمرك ما للعيد عنديَ بهجة ... و إن أجريت ما بين قومي مراسمه
ويوم أعدم الطاغية جمال عبدالناصر الكاتب الإسلامي الكبير سيد قطب يرحمه الله لأنه يدعو إلى الإسلام ، ويأبى الحكم بغير ما أنزل الله سبحانه وتعالى ، تأثر الشيخ الشاعر لإعدام سيد صاحب في ظلال القرآن ، وصاحب الفكر الإسلامي الأثير فقال وهو يدعو الحكام والقادة إلى تطبيق شريعة الإسلام ففيها الفتح والعزة والقوة :
بنفسي آلام و في القلب لوعة ... عليك و لولا الصبر لانصدع القلب
وفي العين من ذكرى مصابك عبرة ... وفي مهجتي نار من الغيظ لا تخبو
لئن أنفذ الطغيان فيك سهامه ... ليرضي نفسا قد تملكها العجب
و شد بأعواد المشانق فتية ...كراما هوى من بينها السيد القطب
فقدما أصاب البغي أمة أحمد ... وكم في سبيل الله أودى فتى ندب
وللشيخ الشاعر صلات وثيقة مع العلماء العاملين ، فلقد تحدث عن صلته بفضيلة الشيخ المجاهد الذي لايخاف في الله لومة لائم أبياتا من شعره، فقال في ذلك : (وهذه أبيات بعثت بها في رسالة إلى أخي في الله صاحب الفضيلة الشيخ المحقق الورع محمد الحامد مدرس وخطيب"جامع السلطان"بمدينة حماة المجاهدة شاكرا إياه على ما يبذله من جهد في إظهار الحق, والذب عن حرمات الإسلام, و مشيدا بفضل كتابه"ردود على أباطيل" الذي سبق أن أهداني نسخة منه حينما زرته في حماة في نهاية شهر أيار/ 1961م .مع عدة كتب من مؤلفاته, وقد بدأت نظمها بعد انصرافي من زيارته أثناء قيلولتي في غرفة الإفتاء في "الجامع النوري" بحماة حيث نظمت الأبيات الخمسة الأولى منها, وكان في نيتي أن أضيف إليها أبياتا أخرى أقدمها للشيخ في اليوم التالي, غير أن ذلك لم يتيسر بسبب انشغالي . ثم كتبتها وأرسلتها إليه :
صانك اللهُ يا أبا محمود ... و رعاك الرحمن بالتأييد
و أقام الإله منك نصيرا ... لهدى دينه الحنيف السديد
قد أتيناك زائرين فأجزل ت ... قِرانا من كل علم مفيد
و منحت "الردود" و هي لعمري ... واضحات ما مثلها من ردود
قد تجلى بيانك الحق فيها ... ساطعا مشرقا كنظم العقود
أجل :
لقد كانت رحلة أيقظت في النفس ذكريات حلوة عذبة ، وأخرى مريرة ثقيلة ، تنقل فيها الشيخ من ظل ديني وارف الظلال إلى ظل تكتنفه نسائم الأنس بالله ثم بدينه وأوليائه الصالحين ، وشهداء دينه الأبرار الميامين ، وعرج على ما أصاب الأمة فأدمعه على حالها المرير منهمرة ، وهكذا يكون العلماء الأوفياء لهذا الدين ، وهكذا يسخرُ الأدباء أدواتهم البيانية لخدمة هذا الدين ونصرته .
إضاءة :
للشيخ الشاعر ... هيأ الله له حفيدا أحبَّ جده ، واعتنى بتراثه وسيرته وآثاره . وأودعها في كتاب أظنه سيُطبع قريبا ، وفيه الكفاية لمن أراد الاستزادة من سير الصالحين ولا نزكي على الله أحدا ولمن يهتم بالشعر الإسلامي والأدب الإسلامي ففي الديوان العديد من القصائد التي تستحق القراءة . نسأل الله الرحمة للشيخ
، والتوفيق لحفيده الأستاذ الشاعر سيد أحمد بن محمد السيد الذي اعتنى بضبط الديوان وترجم لمؤلفه يرحمه الله ، وأفاض فيما ترجم وكتب . والله الموفق ، والهادي إلى سواء السبيل .
وسوم: العدد 1107