جوانب من الحياة الثقافية في دمشق للأستاذ الشاعر خالد بن محمد الخنين

محمد شلال الحناحنة

جوانب من الحياة الثقافية في دمشق

للأستاذ الشاعر خالد بن محمد الخنين

محمد شلال الحناحنة

أقام المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية في الرياض في الملتقى الدوري لشهر ذي الحجة 1434ه محاضرة بعنوان:

(جوانب من الحياة الثقافية في دمشق) ألقاها الدبلوماسي السعودي الشاعر خالد بن محمد الخنين الملحق الثقافي في السفارة السعودية في سوريا سابقاً وذلك مساء الخميس 26/12/1434ه ، وقد أدار اللقاء الناقد الدكتور وليد قصاب، وحضره حشد من جهور الرابطة وروادها.

لقاء الصفوة من الأدباء والعلماء

بعد حمد الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ الشاعر الضيف الدبلوماسي خالد بن محمد الخنين محاضرته قائلاً: أجد نفسي في حرج أن أتحدث الليلة في محراب الأديب الكبير أخي الدكتور عبد القدوس أبو صالح، أتحدث في الرابطة أمام هذا الجمع عن دمشق الجريحة.. وكأني أبيع التمر في (هجر)، وهذا الدكتور الأستاذ بكري الشيخ أمين بيننا، لقد كانت الفترة التي أمضيتها في دمشق عاصمة الأمويين والتي امتدت من 1409- 1425ه من أجمل مراحل سنيّ عمري، وأكثرها ثراء فكرياً، وأدبياً، وإدارياً. فقد أتيح لي أن ألتقي بالصفوة من علماء وأدباء سورية ومثقفيها، وفي بيروت كنت أقوم بعمل الملحق الثقافي في لبنان، وقد زرت معظم المكتبات، والمراكز الثقافية والأثرية التي تزخر بها بلاد الشام.

لقد وجدتني في وسط ثقافي متحرك، أعاد إليّ الذاكرة.. كيف كانت عواصم الثقافة العربية والإسلامية مراكز نور وإشعاع وفي مقدمتها دمشق، وبغداد، والقاهرة، وبيروت، وقرطبة، كما أعادت إلى ذاكرتي مدينتي الرياض إذ كانت قبل عقود خلية تموج برواد المكتبات والباحثين، فضمت نخبة متميزة من العلماء وصفوة الرجال من البلاد العربية منهم: الدكتور عبد الرحمن الباشا، والشيخ علي الطنطاوي، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمهم الله جميعاً، والأستاذ عمر عودة الخطيب، وأستاذنا الكبير عبد القدوس أبو صالح، والشيخ محمد الصباغ، مدّ الله في أعمارهم. في دمشق شعرت بصفاء الذهن، وسعادة الروح، وإن كان الحنين إلى نجد لا يفارقني فأردد قول أبي العلاء المعري:

سفاه لوعة النجـــــــــــــــــــدي لـمّا       تنسم من حيال الشام ريحا

وغيّ لمح عينيك صوب نجد       إذا ما آنست برقا لموحــــــــــــــا

ولقد كانت دمشق نبضاً ثقافياً متدفقاً، ولم تكن قد وصلتها رياح التغيير المادي من أسواق الأسهم، والبورصات المالية، وتحولات العولمة بشتى صورها، فكنت مع بدوي الجبل، وناصر الدين الألباني، وعبد القادر الأرناؤوط حيناً، ومع الجواهري، وعمر أبو ريشة، وسليمان العيسى، وعبد السلام العجيلي، وشوقي بغدادي، ووجيه البارودي، وشكيب الجابري، وشفيق جبري، وفاضل السباعي أحياناً، كما كنت أحضر مجلساً ثقافياً شهرياً يقيمه وزير الدفاع السوري/ العماد أول مصطفى طلاس، ويحضره مجموعة من الشعراء والأدباء من أنحاء سورية بعنوان (ساعة لقلبك).

الملتقى الأسبوعي في الملحقية الثقافية السعودية

وتحدث الشاعر خالد الخنين عن الملتقى الأسبوعي في الملحقية الثقافية السعودية فأشار إلى أنه كان يضم مجموعة من الأدباء والأساتذة في دمشق على مدى ستة عشر عاماً، ولم ينقطع هذا الملتقى إلا في سفري، ومن هؤلاء: الأستاذ هاني المبارك، والأستاذ سعيد الأفغاني، والدكتور شوقي أبو خليل، والدكتور علي عقلة عرسان، والدكتور عدنان الخطيب أمين مجمع اللغة العربية، والأستاذ مدحت عكاش رئيس تحرير مجلة الثقافة، والأستاذ بديع حقي الروائي المعروف، والدكتور شاكر مصطفى، والدكتور عبد الكريم اليافي، وجمال الحافظ وزير التعليم العالي السوري السابق، والأستاذ عصام الحلبي، رحم الله من لقي وجه ربه ومدّ في عمر الأحياء منهم.

وقفات مع الروائي عبد السلام العجيلي

وأضاف الشاعر خالد الخنين، وفي خضم علاقاتي الحميمة الواسعة مع هذه النخبة الرائعة من علماء وأدباء سورية ولبنان وجدت نفسي أنتظم في سمط من اللآلئ النادرة الذين

أضاؤوا سماء الفكر والمعرفة واللغة بعطائهم الرائع، وقد شدني كثيراً من هؤلاء الروائي الكبير السوري عبد السلام العجيلي –رحمه الله- فازددت إعجاباً وتقديراً ومحبة بشخصه، ودامت بيننا علاقة وفيّة قوية حتى وفاته رحمة الله عليه في عام 2006م، إنه أروع بدوي عرفته المدينة، وأروع مدني عرفته البادية كما قال عنه الشاعر نزار قباني ذات يوم، كان أنموذجاً للأصالة والشهامة، فهو موسوعة عظيمة زاخرة بأحداث الأدب والتاريخ، إن تحدث قلت: ليته لم يسكت. كان محل التقدير من المجتمع السوري على مختلف أطيافه في المستوى الرسمي، عمل عضواً في مجلس الشعب بعد الاستقلال، ثم عمل وزيراً للثقافة والإعلام، والخارجية، ولم يلتحق بعدها بعمل وظيفي بعد وصول حزب البعث للحكم، لقد روى لي الكثير والكثير من ذكرياته الأدبية الطريفة لا يتسع المقام لذكرها، كما دارت بيني وبينه مساجلات نشرت في مجلة الثقافة في دمشق، وحلب، والرقة (مدينته)، وقدمتها إذاعة لندن في إحدى حلقاتها الصباحية، ولقد اتصل بي –رحمه الله- قائلاً: لقد فضحتنا على رؤوس الأشهاد، وهو جدير بأن يتم الحديث عنه في أمسية خاصة، نظراً لتعدد جوانب حياته وعطائه الذي بلغ أربعين رواية وبحثاً وديوان شعر.

ندوات ومؤتمرات وأيام ثقافية

ثم ذكر المحاضر إلى جانب الندوات، والمؤتمرات، ومعارض الكتب التي أقامها المكتب الثقافي السعودي في دمشق، ومختلف المحافظات السورية، فقد تم إقامة أيام ثقافية وعلمية للجامعات السعودية في رحاب الجامعات السورية على مدى (12) اثني عشر يوماً عام 1997م في محافظات دمشق، وحلب وحمص، واللاذقية، وشارك فيها وزراء ورؤساء جامعات وأكثر من عشرين أستاذاً وعالماً، وفريق طبي كبير قام بعمليات في دمشق وحلب نقلت نقلاً مباشراً على الهواء.

كما أقيمت ندوة كبرى عن علامة الجزيرة العربية حمد الجاسر في دمشق بالاشتراك مع مجمع اللغة العربية في دمشق شارك فيها نخبة من العلماء من المملكة وسورية ولبنان والأردن، ودامت يومين كاملين.

كما أقيمت في بيروت العديد من الندوات في قصر اليونسكو بمناسبة مرور مئة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية بالاشتراك مع دارة الملك عبد العزيز والجامعات اللبنانية في بيروت وعلى مدى ثلاثة أيام بمشاركات واسعة من أساتذة الجامعات في كلا البلدين.

دوحة الشعر

وفي ختام اللقاء أصغى الجميع لعدة قصائد ألقاها الشاعر الدبلوماسي خالد الخنين، ونالت إعجاب الحضور منها قصيدة (يا شام) التي عبرت عن المواجع والأحداث الأليمة التي يتعرض لها الشعب السوري الشقيق منذ ما يقارب ثلاث سنوات، إذ يشدو متألماً متحسراً:

يا شام .. صوتك بالدماء تعمدا     والحرف فرّ من اليراع مندّدا

ترنو إلى رب السماء وصوتها     يستصرخ الحجر الأصم تجلداً

"حمص" وأين ابن الوليد؟ دماؤها     تجري وأطفال هناك مع الردى

أشلاؤهم في كل ركن قد بدت     والأم ثكلى تستغيث الأوْحدا

وعلى "حماة" مآتم، ومنادب     شعلاً هوت والموت أضحى موردا

فإذا المآذن، والدماء تمازجت     وعلى ربى العاصي صارت مسجدا

"درعا" أبي تمام! من يغتالها     لم تنكسر يوماً ولن تتبددا

أبني العروبة؟! إنها الشام التي      أهدتْ إلى الأكوان أنوار الهدى

الأبجدية من سماها أشرقت     والفاتحون على ثراها رقدا

و"بنو أمية" خيلهم مربوطة      وصهيلها بين الهضاب ترددا

الله بارك حولها، ونبيهُ      الشام يوم الحشر تجمعنا غدا

ويمضي شاعرنا خالد الخنين إلى بيروت الحكاية، بيروت التي عطرت أيامه بالشذى الجنوبي، بيروت التي صهيل خيلها فوق الذرى، بيروت ذاكرة الإسلام والعروبة، والمورد الذي يحن إلى السؤدد، بيروت التي ترسو على شط الخلود في شعر الخنين، فيقطف من حسّ المكان أشجانه الخاصة، ويلثم النسيم خدودها فتتورد، بيروت الأسى والحب والقامة المديدة رغم الجراح:

بيروت يا شط الخلود يحوطه     من كبريائك لؤلؤ وزبرجد

تفاحة العشاق خدك واليد     وقصيدة الشعراء أمسك والغد

من أبجديات الدهور يلفني      حرف على عتبات بيتك يسجد

أنا قادم ورد "الرياض" جوانحي     وعلى ذرى جبل الخلود أغرد

لي من "عشيات الحمى" متفيأ     وشذى صبا نجد بها لا يجحد

بيروت ما همست بليل أرزة     إلا وغازلها بنجد موعد

بيروت ما أنت بحقل وردة     إلا وأبناء العروبة عود

بيروت جئتك من صبا نجد ومن     أطلال خولة والأحبة حشد

أرسي على شط الخلود سفينتي     والتيه يبرق في خطاي ويرعد

في ظل قامتك التي لا تنحني     إلا لجبار السماء وتسجد

بيروت يا قمر العواصم من رأى     قمراً على شفة العصور يزغرد

نبض الحوار

وأخيراً؛ أثارت المحاضرة عدداً من الأسئلة والمداخلات التي أجاب عنها الشاعر خالد الخنين بدأها الناقد الدكتور وليد قصاب الذي شكر المحاضر على هذا اللقاء وقال: كنا نذهب إلى الملحقية السعودية في دمشق فنجد منه الترحيب العظيم، وعرّف كثيرا من أدباء سوريا على الأدب السعودي، وقد أفادنا كثيراً، فبارك الله بجهوده الطيبة الرائعة.

أما الأستاذ الدكتور بكري الشيخ أمين فقال: ما سررت كما سررت هذه الليلة، أسعدني في شعره كل السعادة، لقد ابتدأ الشاعر خالد الخنين حياته الأدبية والثقافية الزاخرة بالعطاء في دمشق الجميلة، دمشق التي كنت أسرح وأمرح في نواديها، كان هناك عمر أبو ريشة، وأسعدني شاعرنا الخنين عندما حدثنا عن بدوي الجبل، وعبد السلام العجيلي، ثم أبكانا عندما حدثنا عن دمشق.. دمشق الجرح، والواقع الأليم، لأني أعيش هذه المأساة هذه الأيام بكل لوعتها ومواجعها... وأشكر الدكتور الأخ عبد القدوس أبو صالح على دعوته لي، فقد عشنا معاً طلاباً وأساتذة.. عشنا معاً فكراً ورحاً ورسالة وحباً.

وشكر الأديب الدكتور ناصر الخنين الضيف على حضوره، وأشاد بشاعريته المميزة والعميقة، كما أشاد بمؤلفاته ولاسيما كتابه (نجد وأصداء فتنتها في الشعر)، كما رحب بالدكتور بكري شيخ أمين.

وسأل الأديب شمس الدين درمش: هل نجد في شعر الأستاذ خالد الخنين ما يسمى بالفترة الدمشقية، ولقد استمتعنا بالشعر العمودي فما مدى عنايته بشعر التفعيلة؟!

أما رئيس الرابطة الدكتور عبد القدوس أبو صالح فقال: أخوان حبيبان لي فرق بيننا الزمن الدكتور بكري الشيخ أمين، والأستاذ الشاعر خالد الخنين، وهذا التدفق وهذا العطاء يعيدني تارة لعهد الشباب، وتارة أخرى لروح الشباب، فشعره فيه سحر وعذوبة، وجاذبية يسيطر على النفس، ليلة مباركة.. أسأل الله أن يجزي الأخوين خير الجزاء، وأن يطيل في عمرهما.