هوامش على مقال (رأس) للشيباني (6)

الشيباني والدكتور ربيع عبد الحليم

يتابع الأخ عبد المنعم الشيباني نقده لما ينشر في مجلة الأدب الإسلامي، والشعراء الذين ينشرون فيها فيقول:

"وفي عدد آخر من مجلة رابطة الأدب إليكم هذه المصيبة الكبرى لشاعر (دكتور) يريد أن يناطح إيليا أبي ماضي (لبناني نصراني من شعراء المهجر، لكنه فيلسوف وصاحب فكر عميق، وتأمل إنساني محلق، وهو شاعر رائد)، للشاعر أبي ماضي قصيدة بديعة عن الإنسان كيف يطغى ويتكبر وينسى أنه خلق من طين، وهذا كلامٌ جميلٌ يشبه كلام الإسلام، أقطف لكم أهم ثلاثة أبيات: 

 نسي الطين ساعةً أنهُ طيـ/        ـنٌ حقيرٌ فصال تيهاً وعربد 

 وكسا الخزُّ جسمه فتباهى/               وحوى المالَ كيسُهُ فتمرد 

 إلى أن يقول: 

 يا أخي لا تمل بوجهك عني/       ما أنا فحمةٌ ولا أنت فرقد. 

 جاء صاحبنا الدكتور (غباش) يزعم أنه يريد معارضة قصيدة إيليا أبي ماضي، وأن يناقش منطلقاً جديداً لم يأت به أبو ماضي النصراني الكافر، ولكن ماذا فعل عمنا غباش؟ لم يأت بفكرة ولا بشعر ولا بوزن، وما رأينا إلا رباط عنق يتدلى (الكرفته)، وكلمة (دكتور)، وقرأنا خمسة وعشرين بيتاً مكسرةً تكسيرا للدكتور غباش، الوزن أولاً يا عم غباش!."ا.هـ.

إننا لم نعرف العدد السابق حتى نعرف العدد الآخر الذي يعنيه الأخ عبد المنعم الشيباني، ولكن توصلت إلى أنه العدد (41) من مجلة الأدب الإسلامي، والمعارضة الشعرية لقصيدة الطين في الصفحة (66-67) من العدد. وكان بإمكانه أن يذكر رقم العدد والصفحة، ليعطي للقارئ فرصة الوصول إلى المعلومة في محله ويطلع على المزيد إن شاء، وكان بإمكانه أيضا أن يتحلى بالحد الأدنى من الاحترام لصاحب النص فيذكر اسمه سواء كان راضيا عنه، أم ساخطا عليه! ولكنه بقي على أسلوبه في السخرية وسماه (الدكتور غباش)، ثم تمادى في الاستهزاء ليتناول مظهر الرجل ويقول: "وما رأينا إلا رباط عنق يتدلى (الكرفته)، وكلمة (دكتور)" وزعم أنه "لم يأت بفكرة ولا بشعر ولا بوزن". وللإيغال في تشويه صورة (الدكتور غباش) وشعره؛ أضاف صفة (النصراني الكافر)  إلى اسم الشاعر إيليا أبي ماضي! لإيهام القارئ أن الشاعر المعارض إنما عارض قصيدة الطين لأبي ماضي من أجل نصرانيته وكفره، مع أن قصيدته بحسب وصف الأستاذ عبد المنعم "قصيدة بديعة عن الإنسان كيف يطغى ويتكبر وينسى أنه خلق من طين، وهذا كلامٌ جميلٌ يشبه كلام الإسلام".

 

أولا: أبدأ بكشف سر (الدكتور غباش صاحب الكرفته!) للقراء الكرام، حتى يتخلصوا من الإيحاءات غير البريئة للأستاذ عبد المنعم. إنه الطبيب الاستشاري ربيع السعيد عبدالحليم، من مصر، كان يعمل في مستشفى الملك خالد الجامعي بالرياض في المملكة العربية السعودية حين نشرت له هذه المعارضة الشعرية، وقصائد أخرى، منها معارضة بعنوان (أخو القمر)؛ لقصيدة بعنوان (أخت القمر) للدكتورة الشاعرة حنان فاروق، وهما في العدد والصفحة (37/39) من مجلة الأدب الإسلامي. وهي منشورة قبل معارضته لقصيدة الطين لإيليا أبي ماضي!. وللدكتور ربيع قصيدة ثالثة في العدد والصفحة(28/28) من المجلة.

والمعارضات والمناقضات معروفة في الشعر العربي قديما وحديثا، فالمعارضة غالبا تكون من شاعر لاحق لشاعر سابق. والمناقضات أو النقائض تكون من شاعر ندٍّ لآخر مثل نقائض جرير والفرزدق والأخطل في العصر الأموي. وكثرت معارضات المحدثين منذ البارودي، ثم أحمد شوقي وغيرهما للشعراء الفحول القدامى، مثل المتنبي وأبي تمام والبحتري، والبوصيري، وغيرهم.

وما فعله د.الشاعر ربيع عبد الحليم مع إيليا أبي ماضي يجمع بين المعارضة التي هي تقليد اللاحق للسابق في أوزانه، وألفاظه ومعانيه بنسب متفاوتة، وبين المناقضة التي يبني فيها الشاعر الثاني قصيدته على وزن القصيدة المنقوضة، فيقلب معانيها مستخدما كثيرا من ألفاظها.

فهو قلد إيليا أبي ماضي في شكل القصيدة، وناقضه في بعض معانيه، فالوضاعة والسمو في عمل الإنسان، وليس في الطين ذاته. ونحن جميعا متفقون مع إيليا أبي ماضي في دعوته إلى التواضع، ورفض التكبر والاستعلاء على الناس ظلما وعدوانا، إذ الكبر من أشد الأخلاق رفضا في الإسلام، حتى جاء في الحديث أنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.

والأستاذ عبد المنعم انتصر لإيليا أبي ماضي غاضبا غضبة (اليماني) على (القيسي)، فلم يدع في الدكتور (ربيع) شيئا ولم يذر! حتى مزق (الكرفتة) أيضا!!

 يا أخ عبد المنعم! ما علاقة (الكرفتة) بالقضية من الأساس؟ أتريد أن ينزع الشعراء والقصاص والروائيون (كرفتتاتهم!) ويتصوروا من دونها إذا أرادوا أن يرسلوا إبداعاتهم إلى الصحف والمجلات، ويؤكدوا حذف ألقابهم العلمية والوظيفية؛ حتى يثبتوا للنقاد أنهم لا يعولون على ألقابهم وهيئاتهم في إبداعاتهم!؟

 ألم تر صورة (إيليا أبي ماضي) بالكرفتة، مع صورة الدكتور (غباش!) في الصفحة نفسها من العدد (41) في مجلة الأدب الإسلامي!؟ أم أن (الكرفتة) حلال لإيليا أبي ماضي، وحرام على ربيع عبدالحليم!؟ ويح الهوى ماذا يفعل بصاحبه!؟

وأثبت هنا بيتين من مطلع قصيدة سمو الطين، وبيتين من خاتمتها، يقول د.ربيع عبدالحليم:

نَسِيَ الطِّينُ نَفْــــخَةَ الرُّوحِ فِيهِ /  فَتَخَــلَّى عَنْ نُــورِهِ وَتَـجَرَّدْ    

كَادَ يَسْــمُو إلِى العُـلاَ بِهُــدَاهُ / بَيْدَ أَنَّ الشَّيْطَـانَ أَغْـرَى وَأَفْــسَدْ 

ثم يقول في آخر بيتين:

فَاضَ قَــلْبِي بِنُــورِ حُـبٍّ تَجَلَّى / حُــبِّيَ اللَّهَ فِي عُـلاهُ تَـــفَرَّدْ

فَإِذَا بِي أشُــعُّ حُــبًّا وَخَــيْراً  لَيْتَ كُــلَّ النَّاسِ مِــثْلِيَ تَسْـعَدْ 

والشطر الأخير مكسور، خرج من بحر الخفيف ولم يدخل في بحر الرمل! لاختلال التفعيلتين الثانية والثالثة.

وأخيرا: يقول الأخ عبد المنعم: "وقرأنا خمسة وعشرين بيتاً مكسرةً تكسيرا للدكتور غباش، الوزن أولاً يا عم غباش!."

أقول: عدد أبيات القصيدة المنشورة في المجلة (39) بيتا، وليس (25) بيتا كما يقول، وهذا الأمر وإن لم يكن مهما في القضية إلا أنه يدل على عدم تثبت الأخ عبدالمنعم فيما يكتب! وهو أساس الخلل الذي وقع فيه في الموضوع برمته. فهل قرأ 25 بيتا مكسرة تكسيرا!؟

وللإنصاف، ولفائدة القراء، وإبراء للذمة أحلت القصيدة إلى د.الشاعر عمر خلوف المتخصص في علم العروض، وله فيه أكثر من مؤلف وتحقيق، فكتب دراسة مهنية فنية في عروض قصيدة سمو الطين للشاعر ربيع عبد الحليم نشرت في العدد 77 من مجلة الأدب الإسلامي، صفحة 82 في باب التعقيبات.

 ولو كان الأخ عبد المنعم الشيباني أرسل إلينا تعقيبا على القصيدة في حين قراءته لها، يبين فيها رأيه بيانا علميا، وينقد القصيدة نقدا موضوعيا لنشرت المجلة تعقيبه أيضا، شاكرا له مبادرته وحرصه على النقد البناء الإيجابي، ليستفيد القراء من نقده. (ومرفق صورة غلاف العدد، والصفحة التي نشر فيها التعقيب.)

وكما فعل د.ربيع عبد الحليم في قصيدته (سمو الطين)؛ فعل في مطولته (فك الطلاسم) التي عارض وناقض بها قصيدة (الطلاسم) الشهيرة لإيليا أبي ماضي، ويمكن للقراء الاطلاع عليها في المواقع الإلكترونية، وأنقل هنا المقطع الأول من القصيدتين:

قال إيليا أبو ماضي في الطلاسم:

(جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت

ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت

وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت

كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟ 

لست أدري!) 

فقال د.ربيع عبد الحليم في فك الطلاسم:

(جئت دنياي وأدري، عن يقين كيف جئت

جئت دنياي لأمر، من هدى الآي جلوت

ولقد أبصرت قدامي دليلاً فاهتديت

ليت شعري كيف ضل القوم عنه!؟ 

ليت شعري!)

وهي أيضا قد تكون بحاجة إلى دراسة عروضية!.

وشاعرية أبي ماضي معروفة، وريادته مشهورة، ولولا ذلك أصلا ما لجأ د.ربيع عبدالحليم إلى معارضته ولا مناقضته!

 أما أنه (فيلسوف وصاحب فكر عميق وتأمل إنساني محلق!)؛ فقد دأب النقاد في التركيز على قصيدة الطلاسم خاصة! التي يعبر فيها عن حيرته في فهم معنى الحياة، والتي أنهى كل فقرة منها بعبارة: (لست أدري!) فهذه (اللاأدرية) ليست فلسفة ولا عمقا فكريا، ولا تأملا إنسانيا، بل هي ضياع في الرؤية الإيمانية، ربما أوصله إليه ضبابية الرؤية في الفكر النصراني الذي نشأ في أحضانه، ثم كفر به، والواقع الديني المحرف عن الأصل الذي جاء به عيسى المسيح عليه الصلاة والسلام كما ذكره لنا القرآن، فجاء د.ربيع ليقول: جئت دنياي وأدري، عن يقين كيف جئت!

 فماذا يقول الأخ عبد المنعم عن الهدف من مجيء الإنسان إلى الحياة؟ (يدري) مع الدكتور الشاعر ربيع عبد الحليم؛ أم أنه (ليس يدري) مع إيليا أبي ماضي!؟

وفي الحلقة القادمة -إن شاء الله- يقرأ القراء الكرام قصيدة سمو الطين لربيع عبدالحليم والتعقيب العروضي عليها.