ساق البامبو في ندوة مقدسية
القدس:4 تموز 2013 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية الدةرية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية"ساق البامبو" للأديب الكويتي سعود السنعوسي عام 2012 ، الصادرة عن الدار العربيّة للعلوم ناشرون في بيروت. وتقع في 396 صفحة من الحجم المتوسط. وفازت بجائزة البوكر العربية هذا العام 2013.
ومؤلف الرّواية سعود السنعوسي (مواليد 1981) كاتب وروائيّ كويتيّ، عضو رابطة الأدباء في الكويت ورابطة الصحفيين الكويتيين. فاز عام 2013 بالجائزة العالمية للرواية العربية عن روايته ساق البامبو. وهي رواية تتناول موضوع العمالة الأجنبية في دول الخليج. وقد اختيرت من بين 133 رواية مقدمة لنيل الجائزة. ويكتب في جريدة القبس الكويتية. وقد سبق أن نشر قصة "البونساي والرجل العجوز" التي حصلت على المركز الأول في مسابقة القصص القصيرة التي تجريها مجلة العربي الكويتية بالتعاون مع بي بي سي العربية. وقد سبق أن نشر رواية "سجين المرايا" التي فازت بجائزة ليلى العثمان لإبداع الشباب في القصة والرواية في دورتها الرابعة.
بدأ النقاش مدير الندوة ومشرفها ابراهيم جوهر فقال:
رواية البحث عن الذات الفردية والجمعية
البحث عن الذات الفردية والاعتراف بها، والبحث عن ذات الوطن العامة بانسجامها وعدلها، هو منطلق رواية سعود السنعوسي (ساق البامبو). وعائلة (الطاروف) في سكنها وأبنائها وأقاربها هي المجتمع الكويتي.
وفي سبيل الوصول إلى هذه الذات الضائعة المغتربة عن ذاتها ومحيطها يكشف الكاتب لقارئه بفنيّة عالية وتقنية محكمة ذوات شخصيات عديدة في بيئتين متقاطعتي القيم والظلم ، متشابهتي الإظلام والفقر الروحي والتنكّر والاستعمار.
الصراع والتناقض مجبولان بشعور إنساني أليف، يقابله شعور قاس منكر معتدّ بنفسه وفق ما أنتجته ثقافة اجتماعية، تظلم في قوانينها وإفرازاتها، رحلة عذاب وشقاء نفسي عبّر عنها الكاتب على لسان الشخصية المركزية (عيسى):(أنا حفيدها عيسى الطاروف؛ اسم يجلب الشرف، ووجه يجلب العار. أنا عيسى ابن الشهيد راشد... وفي الوقت نفسه أنا عيسى ابن الخادمة الفلبينية) ص214.
الحيرة والتناقض والاغتراب في أقسى درجاته، مشاعر وصفات رافقت الشخصيّة في حلّها وترحالها، والرواية قامت على هذه الدعائم الثلاث ، حيث نجد الوحدة والمعاناة والخوف والمشاعر الإنسانية المتناقضة. ((لم أقل في حياتي كلمة "بابا") ص202 .
هنا يسجل للكاتب رويه الخارجي والداخلي، للمكان والناس والثقافة الاجتماعية والسياسية والحروب والتجارة ...وللعالم الداخلي الجوّاني للشخصيّات التي أوضحت صفاتها ودواخلها وحلولها الإبداعية بالحوار والمؤانسة مع السلحفاة والسيارة (محبوبة غسان) ، وحفنة من تراب ضريح الأب ، والدموع...(أنا وحيد ، أنا ضعيف) ص202 .
ولعلّ في الأسماء ما يضيف بعدا آخر للمعاناة وهي تحمل ذاكرة تاريخية أو جغرافية .(عيسى . غنيمة . غسان. لوزفيمندا. خولة...)
الرواية مكتملة العناصر تنقل الحياة برؤية كاتبها وفلسفته.
تقوم الرواية في بحثها عن الذات على فكرة الإلغاء والفوارق الطبقية في المجتمع الإنساني من خلال ما هو قائم في المجتمع الكويتي.
بنى الكاتب عمارته الفنيّة على التناقضات والأضداد ؛ في المواقف والشخصيات والعواطف والأسماء والصفات (كيف يخرج الدولفين وسمكة القرش من رحم واحد؟) ص220.(بدا البامبو في غير محله في تلك المزهريات الفاخرة، مثلي تماما في بيت الطاروف.) ص217.
يقارن بين أصحاب جنسية ال(بدون) وبطل الرواية المرفوض . ويقابل بين طعام الفقراء والأغنياء منحازا إلى الحميميّة التي تشكل بهارا للطعام، في حين أن طعام الأغنياء لا طعم له مع الوجوه الصامتة الواجمة"ص247."
لم يغفل الكاتب النكتة اللطيفة التي تسرّي عن القارئ وتخفف وطء الموقف التراجيدي. وقد جاءت هذه اللطائف على أنواع؛ نكتة لغوية ، ونكتة موقف ، ونكتة وصف .
التشبيهات حضرت ببلاغة وثقة وخدمت الفكرة. (ضحكة تشبه البكاء) ص192 .
لغة الكاتب فصيحة سلسة وفّر لها الكاتب عنصر التشويق من خلال الانسياب في السرد والحوار الواقعي والتشبيه والوصف. واتكأ الكاتب على المجاز والرمز في لغته. (لا أحد سوانا ،أنت وأنا، يعيش في الأسفل) ص227. و(الأسفل) هنا بمعنى موقع السكن ، والموقع الاجتماعي.
الفكرة الإنسانية أيضا ورغبة القارئ بمعرفة المخفي المتوقع، والموقف المنتظر أسهمت في التشويق واستجلاء عناصر الظاهرة "الأبناء غير الشرعيين نتيجة علاقة مع الخادمات الوافدات."
قدمت الرواية الثقافة الكويتية من الملابس والعادات والنظرة إلى ما يقوله الناس وطرق الحزن والفرح والطعام ومعاملة الخدم .
وبنى الكاتب أفكاره على الترويج لثقافة القراءة ودور الكاتب في التغيير معليا من قيمة اللغة التي يدعو للاعتزاز بها منتقدا الحديث بلغة أجنبية .
وأسلوب الكاتب وحيلته الفنية كما ظهرا في الرواية أضفيا متعة وأثارا إعجابا كبيرين .
هذه رواية تستحق الدراسة والتحليل والاستفادة من تقنيتها ولغتها وأفكارها الاجتماعية والفلسفية والدينية والتربوية .
وقال جميل السلحوت:
اسم الرواية: ساق البامبو، والبامبو في العربية هو الخيزران، ومن صفاته بأنه ينمو في بيئات مختلفة من خلال قطع غصن وزرعه في الأرض، وهي ليست ميّزة له خصوصا في البلدان الزراعية، فهناك التين والعنب وغيرها يزرع بهذه الطريقة، أي دون الاعتماد على بذور النبتة عند زراعتها. ومن ميزات الخيزران"البامبو"أيضا أنه ينثني ولا ينكسر.
مضمون الرواية: تتحدث الرواية عن مشكلة العاملين والعاملات الوافدين الى الكويت، والمشاكل التي يواجهونها، والتي يخلّفونها أيضا في البلاد، وبطل الرواية عيسى أو"هوزيه"هو طفل حملت به أمّه جوزافين الخادمة الفلبينية سفاحا من مستخدمها الصحفي والكاتب الكويتي راشد عيسى الطاروف، لكنه كتب عليها عقد زواج عرفي بعد أن ظهر حملها، وسط معارضة والدته خوفا من العادات الاجتماعية والبعد الطبقي للعائلة، وقام بتسفيرها الى بلادها بعد أن أنجبته عام 1988، وألحقها ورقة طلاق، وبقي يبعث لها نقودا الى أن اختفت آثاره أثناء احتلال العراق للكويت، ليظهر جثمانه لاحقا في مقبرة جماعية قرب كربلاء في العراق، وليعيش" خوزيه" في كنف والدته عند جدّه لأمّه الذي كان مدمن كحول ومقامرا، ويهوى صراع الديكة. وبعد حياة ضنك وعوز وحرمان وزواج والدته ثانية من بحّار فلبينيّ، يعود الى الكويت بمساعدة من غسّان صديق والده، وهو أحد شهود عقد زواج والديه، لكن جدّته لأبيه غنيمة وهي أمّ لثلاث بنات، والتي كانت تحلم بأن يكون ولد لابنها الوحيد راشد يحمل اسم العائلة لم تتقبله، خوفا من العادات التي قد تكون سببا في عدم زواج بناتها، لو انكشف أمر حفيدها ابن الشهيد راشد من الخادمة الفلبينية جوزافين، في حين تباينت مواقف عمّاته، فعواطف قبلته وأشفقت عليه، بينما رفضته نورية بعنف خوفا من أن يكون سببا في طلاقها لو انكشف أمره، في حين أن هند قبلته على مضض، والذي قبله برضا تام هو أخته خولة من أبيه من زوجته الثانية ايمان، التي تركت طفلتها برعاية جدّتها لأبيها وتزوّجت من آخر، ولقي مصاعب كثيرة في الكويت أجبرته على العودة الى الفلبّين.
البناء الروائي: اعتمد الكاتب على عشرات الحكايات والقصص لخدمة نصّه الروائيّ، وشخوص الرواية متعدّدون سواء في الفلبّين أو في الكويت، وإن كان البطل فيها هو عيسى بن راشد بن عيسى الطاروف، إلّا أنّ هناك شخوصا كان لهم دور البطولة بصورة أقلّ، ليخدم كلّ منهم الدور الذي لعبه، وقد كانت سيطرة الكاتب على شخوص الرواية لافتة، وكانوا يتحركون بحرّيّة تامّة، دون تدخّل الكاتب، وبلغة فصيحة بليغة انسيابية يطغى عليها عنصر التّشويق الذي يجبر القارئ على متابعة الرّواية.
الأسلوب: لجأ الكاتب الى الايحاء منذ الصفحة الأولى أن العمل الروائيّ مترجم الى العربية، من قبل ابراهيم سلام، بل إنّه وضع تقديما للرّواية باسم هذا المترجم، ليكتشف القارئ أنّ هذا المترجم هو أحد شخوص الرّواية، واختتم الرّواية أيضا بأن بعث عيسى"خوزيه"أوراقه من الفلبّين الى هذا المترجم ليترجمها الى العربيّة، وليعطيها لخولة بنت راشد أخت عيسى، وهذا الأسلوب ليس جديدا على الرّواية العربيّة وإن كان غير شائع.
هدف الرواية: اصطاد الأديب السنعوسي أن يصطاد عشرات العصافير بحجر واحد في هذه الرّواية المتميّزة شكلا ومضمونا، فقد طرح المشاكل التي يواجهها المستخدمون الوافدون الى الكويت كنموذج لدول الخليج العربيّ خاصّة، وكذلك المشاكل التي يخلّفونها، فهم يُستغلون بطريقة لا انسانية، ويتعرّضون لإهانات لها أول ولا آخر لها، مثل ساعات العمل الطويلة والازدراء، والاستغلال الجنسيّ للإناث وبعض الذكور أيضا حتى من قبل الشرطة التي يُفترض أن توفّر لهم الحماية، وهذا ينعكس على الأسر التي تستخدمهم، مثل قتل بعض الأطفال على أيدي الخدم، أو سرقة الأموال وغيرها.
- العادات والتقاليد: مثل عدم قبول المجتمع للزواج من خادمة، وعدم القبول بأبنائها إن أنجبت سفاحا أو بعقد زواج، وقارئ الرواية سيجد أن عيسى بن راشد بن عيسى الطاروف ضحيّة عادات وتقاليد المجتمع، فجدّته غنيمة كانت تحبّه، وكان أمنية لها أن يحمل اسم والده وعائلته لعدم وجود غيره من سلالة الذكور، لكنها لم تجرؤ على مواجهة المجتمع.
- البدون: والبدون هم كويتيون لا تعترف بهم الحكومة الكويتيّة كمواطنين، ولا تمنحهم الجنسيّة الكويتيّة، علما أنّهم مولودون أبا عن جدّ في الكويت، ويخدمون في الجيش الكويتي، وقاوموا الاحتلال العراقي للكويت عام 1990، مثل غسّان صديق الشهيد راشد، ويعانون جرّاء ذلك، حتى أنّ غنيمة والدة الشهيد راشد الطاروف رفضت تزويج ابنتها هند من غسّان، لأنها لا تريد أن يكون أسباطها أبناء هند بدون جنسيّة.
- حقوق الانسان والفصام النفسيّ: ورد في الرّواية أن هند بنت عيسى الطاروف التي كانت تعمل في مجال حقوق الانسان، لم تعمل في هذا المجال لإيمانها بذلك، بل أملا في تجنيس"البدون"لتستطيع الزواج من غسّان، وعندما ترشّحت لمجلس النوّاب ردّت على إحدى السائلات في إحدى اللقاءات الانتخابية بأنها لن تطالب بتجنيس"البدون" وذلك طمعا بأصوات الناخبين، لكنّها مع ذلك لم تفز، كما أن موقفها من عيسى بن شقيقها راشد لم يكن إنسانيا معلنا، ولم تساعده للبقاء وسط الأسرة، وهذا يتناقض مع نشاطاتها بالدفاع عن حقوق الإنسان.
- الدين والواقع: عيسى هو ابن راشد بن عيسى الطاروف بيولوجيا، لكنه من ناحية شرعيّة ابن علاقة محرّمة، لأنّ عقد زواج أبيه الكويتي المسلم، على جوزافين الفلبّينية المسيحيّة جرى بعد الحمل، وكان العقد عرفيّا، وفي كلّ الأحوال سيحرم من ميراث والده.
- الاختلاف الديني: عيسى بن راشد تربّى على المسيحية وعُمّد في الكنيسة في الفلبين، كما صلّى في معابد بوذية، وفي الكويت ذهب الى المسجد للصلاة وفي عنقه صليب يخبئه تحت قميصه، وتلقى دروسا في الاسلام على يديّ صديقه ابراهيم إسلام، وكان حائرا بين اتباع دين أمّه أو دين أبيه، مع أنه كان يرى الخير في الديانتين وحتى في البوذيّة.
دولتان: عيسى بن راشد بن عيسى الطاروف مولود في الكويت ويحمل جنسيتها غادرها في أيامه الأولى، وعاد اليها في السابعة عشرة من عمره، وشاهد فيها الثراء وحياة البذخ، لكن أسرته لم تتقبله، تحت ضغط العادات، ولم يستطع العيش في هذا البلد وغادره مضطرا الى الفلبّين حيث نشأ وترعرع وانتسب الى ميندوزا جدّه لأمّه، وعاش الفقر والحرمان والاضطهاد في هذا البلد الفقير.
ويسجّل للكاتب معرفته للأماكن التي عاش وتنقل فيها عيسى في الفلبين قبل عودته غير الدائمة الى الكويت، فوصفها ووصف حياة أهلها وأبدع في ذلك، كما يسجل له استعمال الأسماء الفلبّينية وتحريكها بما يخدم النّص الروائي.
الأسباب والدّواعي: تردّد في الرواية مرات عدّة عبارة"كل شيء يحدث بسبب ولسبب" وهذا ليس عفويا، بل يكمن هنا الفكر والفلسفة، فعمل أيّ شيء هو بسبب معين، وللوصول الى نتائج معينة، فعلى سبيل المثال كانت جوزافين تريد ابنها هوزيه"عيسىى" أن يعيش في الكويت لأكثر من سبب، وجدّته لأبيه غنيمة كانت ترفض عيشه في الكويت هي الأخرى لأكثر من سبب أيضا.
وماذا بعد: نحن أمام رواية رائعة بكل المقاييس، وهي تشكّل إضافة نوعيّة للمكتبة العربيّة، وهذه القراءة السّريعة لها لا تغني عن قراءتها، ولا تغني عن القيام بتحليلات ودراسات لها، فتحيّة لكاتبها.
وقال جمعة السمان:
ساق البامبو رواية متعددة الأهداف.. فيها العبرة والعظة والمعرفة.. ونوافذ يطلّ منها القارئ على حياة شعوب أخرى جعلنا الكاتب نتعرف عليها ونعيش معها حياتها.. أفراحها وأتراحها.. وغرابة تقاليدها وعاداتها.. وتعدد دياناتها ومعتقداتها.
- عالج الكاتب في هذه الرواية مشكلة الأبناء الذين يولدون من أبوين مختلفي الديانة.. وقد أجاد حين أشركنا في مشكلة بطل الرواية "عيسى".. حين جعلنا نعيش معه همومه وعذاباته وضياعه.. بحيث جعلنا نشفق على كل ولد جاء من أبوين مختلفي الديانة.. حين قال "أنا أبحث عن إسم.. عن دين .. عن وطن.. وأيّ عذاب يعيشه هذا الذي لا يعرف لنفسه إسما.. ولا دينا.. ولا وطن..؟؟
- بعد أن أنهيت قراءة ساق البامبو.. شعرت أنها ليست رواية.. بل هي بوح وتوثيق لحياة جميع شرائح مجتمع الشعب الكويتي ممثلة ببطل الرواية .. أينما وجد .. وحيثما كان في أرض الله الشاسعة الواسعة.. أو في أيّ مجتمع يعيش فيه بعيدا عن أرض وطنه.. تغلب عليه طبيعة العربي .. أخلاقه.. عاداته .. تقاليده.. عصبيته.. الحرص على نقاء دمه.. حسبه نسبه.. للدرجة التي أدّت بالجدّة غنيمة الى التضحية بولدها الوحيد راشد.. والتخلّي عن حفيدها أخر ذكر تبقى من عائلة الطاروف.. وذلك من أجل الحفاظ على سمعة العائلة أصيلة العرق.. نقيّة الدّم.. ذات المركز والمكانة بين عائلات المجتمع الكويتي الراقية.
كان لسان الكاتب لسان صدق في كل ما رسم بالكلمات عن المجتمع العربي الكويتي الذي ما زال متمسكا بما ورث عن آبائه وأجداده، من أخلاق وأصالة وشدّة إنتماء للعائلة من أجل الحفاظ عليها سليمة معافاة متماسكة.
وأبدع الكاتب حين حملنا على جناح كلماته الى الفلبّين.. نعيش أفراحها وأتراحها ومعتقداتها وتعدّد دياناتها.. والخرافة التي تسود مجتمعها.. كنيسة المسيحي .. معبد البوذي .. مسجد المسلم.. الفقر المدقع الذي يعيشه أبناؤها.. بحيث أنه يبيح التفريط بالعرض.. والسماح لفتياته بالخدمة في بلاد بعيدة عن العين والأهل والوطن .. من أجل رغيف العيش.
أعجبني:-
-أعجبني رسم الكاتب لشخصية العجوز مندوزا الأناني المتسلط المتطفل كثير الطلبات.. حيث أن الأنانية والجحود وصلت به الى حدّ أن يطلب من الموت الذي هيأت له نفسه أنه آت لقبض روحه.. فطلب منه أن يتركه ويقبض روح حفيده، في الوقت الذي كان حفيده هو الوحيد الذي كان يعطف عليه ويلبي طلباته.
- أعجبني وصف الغني السيّد.. والفقير المعدم.
- أعجبني دقة وصف الجدّة غنيمة وهي تنزل السلم.
- أعجبني وصف القلق والخوف والحيرة التي كانت تعتري "عيسى" فترة قبل الموعد المحدد للقاء جدته غنيمة.
- الرواية لا تخلو من خفة الظل.
- كان الحلم يتناسب مع شدة وقسوة أحمد زوج عمّته عواطف وعمته نورية.
حِكَم:-
ص 282 .. آمن بنفسك يؤمن بك من حولك .. وإن لم يؤمنوا.. فهذه مشكلتهم هم.. وليس مشكلتك.
ص 304 هو الحب الذي يجعل للأشياء قيمة.
ص 304.. الوطن يكون ناقصا إذا ما تجمّل بأهله.
ص 368.. أبدع الكاتب في رسم حيرة البطل.. إذا كان هو لعنة على عائلته..
أو أن عائلته لعنة عليه.
ص 372.. كلمة قالتها العمّة نورية.. كانت أقسى من كل ما ورد في الرواية
"إذا كنت ابن راشد قانونا.. فإنك ليس كذلك شرعا.
ص 374.. كان الحوار قويا وشيّقا بين العمّات الثلاثة.. وابن أخيهم "عيسى"
كان الحوار بين العاطفة والعقل.. التخلّي عن جزء أصيل من جسد العائلة.. أو الحفاظ على إسمها وسمعتها ومظهرها.
وتنتهي الرواية قبل أن تنتهي مباراة كرة القدم بين الفريق الكويتي.. والفريق الفلبيني.. حين نهض بطل الرواية عيسى ابن راشد مع الحيرة لا يعرف له حتى تلك اللحظة إسما.. ولا دينا.. ولا وطنا.. ودليلي أنه حزن حين دخل هدف في مرمى الكويت.. وشعر أنه هو الذي ادخل الهدف في مرماه.. وأيضا حزن حين دخل هدف في مرمى الفريق الفلبيني.. وشعر أنه هو الذي ادخل الهدف في مرماه.
فأيّ حيرة هذه التي يتوه فيها إنسان عن نفسه.... نصفه يحاور نصفه الآخر.. دون أن يعرف لمن ينتمي.. أو لمن ينحاز..؟؟
وقال موسى أبو دويح:
الغلاف الأوّل عليه صورة لجدار من سيقان البامبو الّذي يشبه الخيزران إلى حدّ ما، وعلى الغلاف الأخير فقرتان من الرّواية، تبيّن إحداهما أنّ شجرة البامبو تسمّى (كاوايان) في الفلبّين، و(خيزران) في الكويت.
بطل الرّواية (عيسى) المولود، من أب كويتيّ وأمّ فلبّينيّة، تعمل خادمة في بيت أهله، يعقد عليها عقد زواج عرفيّ، يَشهد عليه رجلان من أصدقائه، ويبني بها على ظهر قارب صيد وسط البحر، وتحمل ببطل الرّواية، وتغضب والدة الزّوج من فعلة ابنها المخزية في نظرها، حيث يتزوج ابن عائلة مرموقة، لها اسمها ومكانتها في الكويت من خادمة فلبّينيّة، فلا تقبل الأمّ ابنها ولا مولوده ولا امرأته، وتأمره أن يلقي بها وبابنها إلى الجحيم.
لكنّ الزّوج يرى في ذلك ظلمًا، ويقنع زوجته الفلبّينيّة أن ترحل مع ابنها من الكويت إلى الفلبّين، على أن يقوم بنفقتها وبنفقة ولدها الّذي هو ولده، إلى أن يصبح بإمكانه أن يصحّح الأخطاء ويعيدهما إلى الكويت، وأقنعها بأن هذا الحلّ هو أهون الشّرين.
قسّم الكاتب روايته إلى خمسة أجزاء وفصل أخير، أمّا الأجزاء الخمسة فقسّم كلًّا منها إلى أرقام متسلسلة، وجعل لكلّ جزء عنوانًا.
تناول الكاتب في كلّ جزء من هذه الأجزاء سيرة عيسى في فترة زمنيّة دلّ عليها عنوان الجزء، مثل قبل ميلاده منذ جاءت أمّه خادمة إلى الكويت، فرارًا من قسوة والدها، وبعد ميلاده في الكويت وترحيله إلى الفلبّين مع أمّه، وعيشه في بيت جدّه، ورحيله عن بيت جدّه وعمله بالتّدليك والعلاج الطبيعيّ، وتعرّفه على شباب كويتيّين، وتدبير سفره وعودته إلى الكويت، وعيشه في غرفة ملحقة ببيت جدّته، وتنكّر جدّته له حتّى بعد عودته؛ لخوفها على بناتها من الطّلاق إذا علم أزواجهنّ بوجوده في بيتها. وخروجه من بيت جدّته، وسكنه وحيدًا في الجابريّة في الكويت، ومعاناته كثيرًا من الوحدة الّتي عاشها، وعمله في أحد المطاعم في الكويت، وهذا العمل غير مقبول للكويتيّ عند الكويتيّين، واضطراره إلى الرّحيل عن الكويت لتنكر عائلته له، وعدم قبولهم لأنّ يعيش في الكويت بل أغلظت له عمّته نوريّة بالقول، ووصفته بأقذع الأوصاف، وأمرته أن يغادر الكويت، بل بلغ بها الحقد أن طلبت من مسؤولي المطعم الّذي يعمل فيه أن يطردوه من العمل فطردوه. وطلبت من أمّها، الّتي هي جدّته، أن تمنع عنه الرّاتب الشّهريّ فمنعته.
لغة هذه الرّواية لغة عربيّة فصيحة بليغة.
ومن أهم ما تميزت به هذه الرّواية هو الوصف الدّقيق والمتقن، الّذي يصل إلى أدّق التّفاصيل، فتكاد ترى ما يجول في نفس الموصوف من خواطر ومشاعر. بل أقول إن الوصف في هذه الرّواية يطرح أمام ناظريك صورة واضحة جليّة لكلّ ما وصف فيها من إنسان ونبات وحيوان وبناء وأثاث. فيصف في الإنسان مثلًا: ثيابه، ومشيته، وعيونه، ووجهه، وحاجبيه، ويصف طلاقة الوجه، وعبوسه، وحزنه، وسروره، وما يفكر به. فجاء الوصف كفيلْمٍ سينمائيّ يتحرّك أمام ناظريك. والوصف في هذه الرّواية قلّ أن تجد مثله في أيّ رواية أخرى، وأنا لم أجد مثله في أيّ رواية عربيّة قرأتها، لا قديمًا ولا حديثًا. فهو وصف يصل إلى أدّق التّفاصيل، أو قلْ هو وصف يستعصي على الوصف.
فوصف الكويت مثلًا بقوله في صفحة (324): للكويت وجوه عدّة.. هي أبي الّذي أحببت.. عائلتي الّتي تتناقض مشاعري تجاهها.. غربتي الّتي أكره.. انتمائي الّذي أشعر به إذا ما أساء أحدهم إلى أبنائها بصفتي واحدًا منهم.. الكويت هي خذلان أبنائها لي بنظرتهم الدّونيّة.. الكويت هي غرفتي في ملحق بيت الطّاروف.. مقدار كثير من المال.. وقليل من الحبّ لا يصلح لبناء علاقة حقيقيّة.. الكويت شقّة فارهة في الجابّرية يملؤها الفراغ.. الكويت زنزانة ظالمة مكثت فيها يومين من دون ذنب.. وأحيانًا تكون أجمل.. أراها بصورة عائلة كبيرة يحيّي أفرادها بعضهم بعضًا، في الأسواق والشّوارع والمساجد (السّلام عليكم.. وعليكم السّلام).. أو بصورة رجل عجوز طيّب.. يسكن في بيت كبير مقابل البناية حيث أسكن.. أشاهده دائمًا من شرفتي الصّغيرة يقف أمام باب بيته كلّ يوم بعد صلاة الفجر".
ومع كلّ الميّزات الجيّدة في هذه الرّواية لم تخلُ من أخطاء؛ وممّا لاحظته منها:
1. في صفحة (19): (ثمانينيات القرن الماضي)، والصّحيح: ثمانينات بحذف الياء الثّانية.
2. في صفحة (35): (كل الرجال أوغاد إلا راشد)، والصّحيح: إلا راشدًا لأنّها مستثنى منصوب. وتكررت في صفحة "81"
3. في صفحة (85): (في حقّ الغير زمن الطّفولة)، والصّحيح: في حق غيرك لأنّ غير لا تحلّى بأل.
وشارك في النقاش بعض الحضور منهم: محمد عليان، عماد الزغل، ديمة السمّان، راتب حمد وطارق السيد.