مناقشة رسالة دكتوراة أدب
د. حسن الربابعة
قسم اللغة العربية
جامعة مؤتة
*نوقشت وأجيزت بعد تعديلات يوم الأحد 7 تموز 2013م
بسم الله عالم الغيب والشهادة وهو الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على النبي الأمي خاتم الأنبياء والمرسلين واله وصحبه المنتجبين وبعد ؛
فالسلام عليكم أيها الحضور الكرام عامة، والسلام على لجنة المناقشة خاصة ؛ برئاسة أخي الأستاذ الدكتور شفيق محمد الرقب الذي أسعدني حقا باختياره لي احد مناقشي هذه الرسالة العلمية ، وكأنها بدت لي امتدادا موفقا لبعض دراسات له في الأدب الأيوبي، وقد تنوعت بحوثه في هذا العصر الإسلامي الزاهي ،عصر الزنكيين والأيوبيين،ما يثبت دورهم الجهادي قلاع صلاح في اللاذقية وعجلون والسلط وغيرها من آثارهم الخالدات المحببات إلى نفوسنا ، وهي دالات على قادة عظام لأمة عظيمة ، ردحا من الزمن ، فلم يبتسم في ما يقال صلاح الدين يوما والأقصى أسير ،ثم حرره بعد حطين، ثم أوصى صلاح الدين ـ رحمه الله ـ أن يُجمع ما علق من غبار معاركه،في كيس ـ وقد سبقه للقبور غبار سيف الدولة ـ فجُمع الغبار، ووضع في لحده تحت رأسه ليكون شاهدا معه وعليه ، ومعركة حطين خير شاهد ،
والسلام على رفيق الدرب العلمي أخي الدكتور أحمد صالح الزعبي ، أستاذ الأدب الجاهلي المشارك والدكتور الضيف الحبيب، سلامة الغريب الذي هو منا قريب فلا هو بالبعيد منا ولا بالغريب هو من جامعة الطفيلة التقنية الفتية ، والسلام منا جميعا إلى أول من انزل عليه "اقرأ" وتصاقبه "ارق " وعلى المجاهدين من امة محمد قديما حديثا في العالمين وبعد ؛
-- -------
فالرسالة معنونة ب "الاتجاه الوجداني في الشعر الشامي في القرنين السادس والسابع الهجريين "من إعداد الطالبة الهام اسليم القرالة " احتوت ملخصين بالعربية والانجليزية وتمهيدا أومضت فيه إلى العصرين الزنكي والأيوبي ، في غطاء تمهيد، وأدرجت أهمية الشعر الذي ستعرضه شاهدا في العصرين والدراسات التي طافت في أرجاء دراستها ، وألمحت إلى سيرتي نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي ، ودورهما في توحيد بلاد الشام من جهة ومصر والشام من أخرى ، والرسالة من "312"ثلاثمائة ورقة واثنتي عشرة ،من القطع الكبير : اتكأت على ثلاثة مصادر مخطوطة وعلى مائة وثلاثة من المصادر المطبوعة ، وكان من أبرزها أمات المصادر التاريخية والأدبية ، كانت كافية لإنهاض رسالة جادة ، وكانت كافية أيضا لدراسة التاريخ من خلال الأدب والشعر منه خاصة ، وقد انصح بقراءتها قبل قراءة تاريخ الدولتين الزنكية والأيوبية ، لان المشاهد بارزة من منهج الرسالة الدقيق الذي عني بالخطة أستاذ مختص،.والرسالة وضعت بخطة محترفة، من خمسة فصول يمكن أن تصلح بقليل من التعديل والإطلالة على بعض مشاهد الحرب وفنونه من كتاب "أبي شامة المقدسي الموسوم ب"الروضتين في أخبار الدولتين " رسالتين لطالبي ماجستير ،
ثم قسَّمت دراستها خمسة فصول كالتالي
(الفصل الأول " وسمته بالشعر وميادين الحياة الوجدانية، درست فيه ظاهرة الغربة والحنين ، منه التغرُّب عن الديار، ومنه الحنين إلى شرخ الشباب، ومنه حنين الملك الناصر داود إلى مدينة الكرك، ومنه الحنين إلى الحرية بعد أسره ، ومنه حنين ابن عقيل الزُّرعي إلى بلاد حوران وقد أخنت عليها نائبات التدمير الصليبي فبكى اربد وبيت رأس والحصن والرمثا ، وطفس وغيرَها ، فحنَّ إلى دياره . وناح عليها في فصل الرثاء ،
وفي الفصل ذاته تناولت الباحثة ظاهرة الغزل بالمؤنث والمذكر، حتى الملوك ، وعزت ذلك لأسباب ، لاختلاف الأجناس في عصريهما ، وجنوح بعضهم إلى الديارات في بلاد الشام، وهي كثيرة فقضوا تفثهم مع قيان ، وتبادلوا معهن أنخاب الخمور ، ودرست اللهو والمجون والرثاء بفنونه المتعددة منه رثاء الإنسان لدرجات القرابة الأولى من أب وأم وابن ، ورثوا الجماد وأطلال شيزر التي دكها زلزال فجعل عاليها سافلها مثله رثاء أسامة بن منقذ لأهله شواهد ، في كتابيه "الاعتبار " والمنازل والديار " وفي الفصل ذاته رثاء الحيوان كحمار ابن عُنين الموصلي ، من باب السخرية والتهكم ، ولعل الباحثة تفتح بابا في دراسة لاحقة لرثاء الحيوان، والأمثلة في شعرنا لرثاء الحيوان قليلة، ولكنها طريفة نحو رثاء كلب الصيد لأبي نواس وقد لدغته أفعى في عرقوبه ، فخرَّ صريعا ، كأنه من صيد أمس الدابر، وكان عُدَّته يغنيه عن القصابين ، ورثاء الديك عند ديك الجن الحمصي، الذي قُدِّم وجبة للأضياف، ولم يكن جنى ذنبا ، فان كان ذبحه لصياحه فعذره كان لتذكيره بتوقيتات الصلاة ،يجأر متظلما قبل ذبحه ولا ذنب له ،فيؤكلَ على الموائد، بعد طول موعد ، ورثاء ابن العلاف لقط قتله جيرانه لاعتداءاته المتكررة على حمامهم ، وكان عنده بمنزلة الولد يحميه من غائلات الفئران ، فكاد الجيران له وقتلوه ، وعزَّاه بقوله "من يَصِدْ يُصدِْ " ورثاء الأسد القتيل في المقامة البشرية للهمذاني ، ورثاء الديك الرومي عند إبراهيم طوقان، بأدب رمزي يعادل به ذبح شعب بأكمله ، وهناك نصوص غيرها ؛ أما رثاء الزوجات فكان قليلا ، ربما لحيائهم من ذكرها، لخصوصيتها؛ فتركوها بمنأى عن التصريح ، وان كنت أتمنى أن تورد نصا لرثاء الزوجات من نحو قول جرير يرثي امرأته منها قوله :
لولا الحياءُ لهاجني استعبار ولزرتُ قبرك والحبيب يزار
ولكن عذر الباحثة أن رثاءه لم يكن حبا خالصا لأنه لم يزر قبرها لاستحيائه من جهة ولأنه بلغ من أخرى من العمر حدا لا تقبل به النساء زوجات له ،لوجود أطفال لديه لم يخرجوا عن الطوق ، فيحتاجون للرعاية ما ينغص عليه قبول النساء به فيقول في البيت الثاني :
ولَّهت قلبي إذ علتني كبرة وذوو التمائم من بنيك صغار
وقد ضم فصلُها هذا نحو ستين ورقة .
أما فصل الرسالة الثاني فوسمته ب"النزعة التأملية في الشعر الوجداني" ؛ فدرست فيه الطالبة ختام القرالة ، المصير الإنساني وحتمية الموت وصراع الإنسان مع الحياة والموت ، وتهرُّب الإنسان من ذكره، وهو هادم اللذات لا محالة ، وقد امتد الصراع مع الموت في شعر أبي العتاهية التي تمنيت أن تدرجه أنموذجا في حاشية لا في السياق لأنه في عصر عباسي ، خارج عن موضوع الرسالة"ورقة 110"
وفي هذا الفصل عرضت الدراسة لعنصر الزمن من الجانب التاريخي ومثلت عليه ببعض مراحل حياة أسامة بن منقذ مذ كان شابا فارسا إلى أن توقل في العمر الستين والسبعين والثمانين ، فاتخذ العصا رجلا ثالثة ،وتأفف من طول العمر؛ لما يعتريه من وهن في العظم ،و تقوس في الظهر، والوهن العام ، وبرز في بحثها صور من التأمل الإنساني ، وفي الفصل هذا درست انموذجات من الحبِّ الإلهي والتصوف ومثلت عليه بأشعار من ابن الفارض سلطان العاشقين ، وعزته إلى ظروف اجتماعية ونفسية ،فكانت بمثابة مهرب نفسي لهم حينا، ولحبهم لله تعالى ورسوله ، حينا آخر، ولتخوفهم من هجمات صليبية ،كانت تترصدهم، فصفت نفوسهم ، وتمسكوا بحبل الله المتين وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم .
أما فصلها الثالث فوسمته ب"الرؤية السياسة والاجتماعية " وفيه أبرزت مظاهر التفكك والوحدة،كما في الشعر، وفيه توحيد بلاد الشام أولا ثم توحيد بلاد الشام ومصر ثانيا كان ذلك في عهد صلاح الدين الأيوبي الذي قضى على الدولة الفاطمية ، وان كان وزيرا لآخر خلفائهم العاضد المرقوم بالرابع عشر في سلالة توريثهم.، وردَّ صلاح الدين الخلافة المنتزعة من الدولة العباسية إليهم ، وتحسنت علاقته معها، ثم أبرزت الباحثة دور العلاقات الداخلية بين ملوك بني أيوب، وكيف أوصى صلاح بان توزع البلاد الإسلامية على أولاده؛ فنشب بين أولاده الكثار صراع اضعف الدولة الأيوبية واطمع فيها الصليبيين.
أما الفصل الرابع فعنونته ب"شعر النقد الاجتماعي "
وأدارته على نظام الحكم والقضاة والثروة والكسب غير المشروع وانهيار القيم ، وعبر الشعراء في هذا الفصل عن نظراتهم غير الراضية عن كثير من مظاهر السلوك الاجتماعي والسياسي ، وأبرزت الدراسة دور الشعر في التظلم أمام صلاح الدين، لإبطال المظالم ، وبعضهم حذر صلاح الدين من عقاب الله له ، وبعضهم استهجن توظيف يهود في الدولة ، وبعضهم تذمر من جور العمال الجائرين ، ولم يرض استصفاء أموال الناس ، وبعضهم سخر من الدولة الأيوبية كلها، وعدها دولة عاهات بدءا بصلاح الدين الأعرج، وأخذ على بعضهم غرورُهم، فبعضهم يثب على قشرة بيضة كبرا وتيها ، كما يقول مثلنا العامي "يطيش على فتر مي "وكان بعضهم يُنفى عقوبة له، لشعره الساخر، فيزداد هجاء وتذمرا ، وبعضهم هجا القضاة، وطعن في نزاهتهم ، وسخر من إلصاق الدين بألقابهم ، وذم الشعراء غرورهم ،وولعهم بالمدح والثناء الكاذب ، كما سخروا من جهلهم بأمور القضاء والفتيا ، وانتقدوا تسيد الجهل واكتساب الاموال دون وجه حق، وإنفاقها على الفساد
أما الفصل الخامس فوسم ب"الدراسة الفنية " برز فيها ضعف مفهومها للصورة لغة واصطلاحا ، ودرست نماذج من بناء القصائد من حيث المطلع والمقدمة وحسن التخلص والموضوع الرئيس والمقطع ، وعرضت إلى هيكلة القصيدة حينا والى التخلص من المقدمات حينا آخر ، واتت بأمثلة أراها كافية ، وتجديد الصورة الفنية والأسلوب واللغة عززتها بأمثلة من البيان والبديع والجمل الإنشائية والخبرية كما يضمها علم البلاغة وأدرجت انموذجات قديمة وتجديدية ،وتأثر وتأثير
أما الخاتمة فتعجلت فيها، ففي بعض فصولها إغفال أو استعجال ؛ لا بد من التريث في درجه وكشف نتائج جديدة فيها .
أما من المآخذ ـ على هذه الرسالة على الرغم من قدرتها على مراجعة النصوص في مظانها وتقديمها لها بلغة رصينة واستنتاج جيد ـ ما يلي (1)عدم ضبطها كثيرا من النصوص الشعرية ما يغمض على المتلقي فهم النص الأدبي ، (2) ولم تترجم لكثير من المفردات الغريبة ، ولكنها في الفصلين الأخيرين كانت تترجم لبعض المفردات اعتمادا على شروح الدارسين وقلما تستشير المعاجم اللغوية ،(3) وان اخطر ما في هذه الرسالة بروز أكثر من أربعمائة خطأ توازعت إملائيا ونحويا وعروضيا ولا احسب الرسالة تتحمل الإشارة إليها جميعها ، ولا تكاد تبرأ من هذه الهنات صفحة أو عدة صفحات ، وقد تتجمع في ورقة واحدة عدة أخطاء ، تضر بالرسالة والمتلقي، ولما كانت الرسالة هذه باسم صاحبتها أولا وأخيرا فلا بد إذن من تنقيتها من كل الشوائب لتوضع في مكانها مخطوطة وربما مطبوعة في ما بعد ، بكل تقدير واحترام
ومن النصوص الشعرية نقص بعض المفردات انظر ورفة 12
فان عاد عيد الوصل عاد سرورها ( سقطت عاد "
وزيادة حرف على النص فيكسر الوزن ورقة 40سطر 1
تصبر إن عقبى بالبؤس نعمى والصواب "تصبرْ إنَّ عقبى البؤس نعمى "
وتارة يسقط حرف من النص فيكسر الوزن ورقة 43 سطر 5
"إلا عزيمة إمضائي وإزماعي "سقط حرف الواو فاختل الوزن
ومثله حذفها الواو ورقة 51 سطر 6 "تخاف عثار الحزن في الدهس والسها " سقط الواو فاختل الوزن ومثله "نقص" أ"نو شروان " ورقة 76
ومثل ذلك زيادة حرف الواو في بيتين ورقة 71 "وأدرها " ومشعشعة " والقصيدة على البحر الكامل
وتارة يعتري المفردة إعجام بالخاء بدل الحاء انظر الكاشخين بدل الكاشحين ورقة 50 السطر الثاني من الأسفل
"ولكن خشيت الكاشخين فإنني "
وتارة تسكن ما من حقه النصب في ضبطها "أن لا أذوبَ " ورقة 52 سطر 4 من الأسفل
وعجبت من أن لا أذوب تحرقا " وفي الورقة ذاتها خلل وزني لغير بيت منها
وفي أبيات ورقة 5كما هو في ورقة 257 4 مثل ذلك وفي ورقة 55، وفي ورقة 57 ضم الفعل الماضي زارُ والصواب زار ورقة 57 السطر السادس من الأسفل وورقة 58 ، وورقة 66 وبطها "خصر"بضم الخاء والصواب فتح الخاء "خصر " انظر ورقة 67 سطر 11 ، وخلل وزني ورقة 69 ، وتارة ينقص المفردة حرف فيختل الوزن ورقة 71 السطر الأخير "لا عيش غير صوحها وغبوقها " والصواب صبوحها " وانظر ورقة 74 "مشموس "سطر 7 والصواب مشمس وانظر ورقة 75 وبطها النصوص خطا وتدرج الهاء تاء مربوطة ورقة 75
ونقص القافية ورقة 78 سطر 7 وخلل في الشعر في ورقة 81 وفي ورقة 83 ورسم الضاد بدل الظاء في النص الشعري ورقة 86 وضبط لغوي خاطيء ورقة 106 وورقة 116 و118 و119 و ونفاذ خطا والصواب نفاد ورقة 123 و125 و127 و130 وورقة 136 و137 و و139 و143 و145 و153و و154 و و155 و156 و159 و160 ، و165 ، و166 و بها ستة أخطاء منها في النصوص و167 و168 و167 و170 و171 و172 و174 و176 و177 و178 و180 ، و185 أربعة أخطاء منها في النص الشعري و188 نقص قد و194 و196 و203 و211 تغيير القافية خطا من الكاتب
وعلى الباحثة أن تضبط الزُّنار بتشديد الزاي وضمها أينما وردت في النص و236 و238 ورُضابها بضم الراء أينما وردت في النص و251 و256 وضبطها العِذار بكسر العين لا بضمه كما هو في ورقة 257 ، وهناك أخطاء إملائية ونحوية لا تحتمل التعيين هنا وأفرزت الرسالة ضعف الباحثة في العروض والنحو والإملاء ووضع علامات الترقيم الضرورية ، صحيح أن هذه الملحظات قد لا تجد صدرا يستوعبها ولكنها للأمانة إن لم ترتق، ومن الشعر يحقق ، وتضبط بحرص مدقق في مظان هذه الرسالة وتصوَّب، فإنها ستظل شوائب تعكر على الباحثة صفاء تحليلها ودقته ، وتمنع المتلقين الإفادة من هذه الرسالة، بل وتحدُّ من قيمتها العلمية
وأخيرا
ربنا لا علم لنا إلا ما علمتنا سبحانك انك أنت العليم الحكيم ، ربنا اجتهدنا فيما علمتنا فاغفر لنا ربنا انك عالم الغيب والشهادة ، ربنا و أشهدك أني ما أردت إلا إصلاح الرسالة ، ربنا انك غفار الذنوب ،فاغفر لي ذنبي في اجتهادي ، وارحمني والحضور المستمعين ، انك أنت الغفور الرحيم، والحمد لله أهل الحمد كله رب العالمين، وصلى الله على خاتم الأنبياء والمرسلين, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.