مجلة الرسالة في الجزائر

أ.د مولود عويمر

كانت مجلة الرسالة الصادرة في القاهرة بمصر بين 1933 و1953 من أكثر مجلات الشرق انتشارا في الأوساط الجزائرية لأنها أولت اهتماما كبيرا للأدب العربي واللغة العربية والثقافة الإسلامية، واهتمت بقضايا العصر بأقلام مصرية وعربية بليغة.

من هم أهم الأدباء والشعراء الجزائريين الذين تأثروا بها؟ هل كتب فيها المثقفون الجزائريون؟ لماذا عاتبها الشيخ محمد البشير الإبراهيمي والشيخ فرحات الدراجي؟ كيف استقبل الجزائريون خبر توقفها عن الصدور؟

بطاقة التعريف

الرسالة هي مجلة أسبوعية أصدرها الأديب المصري أحمد حسن الزيات في عام 1933. وهي تصدر كل يوم الاثنين، وتهتم بالآداب والعلوم والفنون.

وكانت تستقطب ألمع الأقلام العربية والإسلامية، وفي مقدمتهم: عباس محمود العقاد، مصطفى صادق الرافعي، زكي مبارك، محمود محمد شاكر، سيد قطب، إبراهيم المازني، علي الطنطاوي، الخ.

واستطاعت خلال مسيرتها الإعلامية أن تجذب الأنظار، وتبصر العقول، وتسحر الألباب في مصر وفي كل أنحاء العالم العربي والإسلامي لجديتها وانضباطها وأسلوبها البليغ ومقالاتها الراقية وإخراجها البديع.

وبعد تغيير النظام في مصر على أيدي الضباط الأحرار في جويلية 1952 أحس المشرفون على المجلة بالمضايقات المعنوية والمادية وتحجيم مساحة حرية التعبير، فقرر الأستاذ أحمد حسن الزيات توقيف مجلته بعد 21 سنة من العطاء، فصدر العدد الأخير (1025) في 23 فبراير 1953.

مجلة الرسالة الساحرة في الجزائر

كانت مجلة الرسالة من أكثر المجلات العربية ذيوعا في الجزائر، ولم تتعرض للمضايقات الاستعمارية كما تعرضت لها العديد من الجرائد والمجلات المشرقية لأنها انشغلت بالأدب وابتعدت عن الخوض مباشرة في السياسة وإن كانت تولي اهتماما لقضايا قومية ومصيرية بأسلوب نقدي هادئ.

وكانت تتهافت عليها قلوب المثقفين والطلبة الذين يعتزون بقراءتها ويتفاخرون باقتنائها رغم الظروف المالية القاسية التي كانوا يعيشون فيها في النصف الأول من القرن العشرين.

ومن أمثلة الأدباء والشعراء الذين تأثروا بمدرسة الرسالة حمزة بوكوشة ومحمد العيد وباعزيز بن عمر وأحمد جلول البدوي وغيرهم من أساتذة مدرسة الشبيبة الإسلامية. يروي هذا الأخير أنهم كانوا يقرؤون هذه المجلة بنهم وشغف كبير، وساهمت كذلك في تكوينهم الأدبي: " كنا منكبين على مطالعة مجلة الرسالة تلك المجلة التي نعدها أكبر عامل في تطوير أفكارنا، وتقويم أساليبنا."

سمعت كلاما مماثلا من مثقفين وأدباء جزائريين أمثال عبد الرحمان شيبان وعبد الرحمان الجيلالي ومحمد الأكحل شرفا ومحمد الصالح الصديق وسعدي بزيان وعبد الله عثامنية ...الخ. ويؤكدون على دورها في تكوينهم الأدبي والفكري، ومواكبتهم للتطور الحاصل في عالم المعرفة.

لقد روى لي بعض طلبة معهد عبد الحميد بن باديس بقسنطينة أن أستاذهم الشيخ عبد الرحمان شيبان كان كثيرا ما يترك جانبا الكتب المقررة في مادة الأدب العربي ليقرأ عليهم نصوصا من مجلة الرسالة أو فصولا من كتاب "وحي الرسالة" للأستاذ أحمد حسن الزيات.

نجحت مجلة الرسالة في أن تكون مصدرا للثقافة العربية في الجزائر يستقي من ينابيعها المثقفون والطلبة جواهر الأدب العربي شعرا ونثرا. واقتبست منها الجرائد العربية الجزائرية، ونقلت مقالات منها لأشهر كتابها أمثال الزيات، مصطفى صادق الرافعي، أحمد أمين، ومي زيادة...الخ.

كما شارك المثقفون الجزائريون في مناقشة عدد من الإشكاليات التي طرحت المجلة المصرية في الصحافة الجزائرية. فهذا الشيخ عبد المجيد حيرش يناقش الأستاذ الزيات الذي كتب عن تشاؤمه من الأدب العربي الراهن، فقال الشيخ حيرش أن الزيات لو اطلع على النهضة الأدبية التي ظهرت في الجزائر لأصابه التفاؤل أو نقص من حدة تشاؤمه.

محمد السعيد الزاهري في مجلة الرسالة

ورغم اهتمام المثقفين الجزائريين بمجلة الرسالة وتنافسهم على قراءتها إلا أنهم لم يساهموا في الكتابة فيها باستثناء الشيخ محمد السعيد الزاهري. فقد نشرت له المجلة 4 مساهمات.

أما النص المنشور للشيخ محمد البشير الإبراهيمي والمعنون بـ "صوت نجيب هل من مجيب؟"، فهو مقتبس من مجلة "المسلمون" التي كان يشرف عليها الدكتور سعيد رمضان.

ولا أدري هل يعود هذا الغياب الملفت للانتباه إلى كسل الأدباء الجزائريين أو عدم ثقتهم بالنفس، أم أن المجلة المصرية لم تعر اهتماما للمقالات التي كانت تصلها من الأقلام الجزائرية؟ إنه سؤال جدير بالدراسة والبحث.

نشر الشيخ محمد السعيد الزاهري مقاله الأول في العدد 125 الصادر في 25 نوفمبر 1935 وهو عبارة عن رسالة أوضح من خلالها رأيه في اللغة السيوية التي يعتبرها لغة بربرية. وكتب مقالا بيّن فيه "مكانة مصر في المغرب العربي". ثم كتب مقالا رائعا بعنوان: " إني أرى في المنام". وكان آخر مساهمته عنوانها: " المطابع السارقة".

عتاب إلى صاحب مجلة الرسالة

لقد واجه بعض العلماء الجزائريين كمحمد البشير الإبراهيمي وفرحات الدراجي عتابا قويا إلى مجلة الرسالة بسبب إهمالها للثقافة الجزائرية وتهميش رجالها.

نبدأ بمعاتبة الإبراهيمي التي كانت أقل حدة. وهذا العتاب ورد في افتتاحية البصائر التي خصصها للحديث عن وضعية هذه الجريدة بعد مرور سنتين على صدورها، وذكر في سياق حديثه أهم المعوقات التي صادفها المشرفون على البصائر، منها اللامبالاة التي تصدر من أهل الثقافة والأدب في العالم العربي.

قال الشيخ الإبراهيمي: " كما أذكر بالعتب مجلات بادلناها فلم تتنزل للمبادلة، وجاملناها فأبت الأجمال في المعاملة؛ ومنها مجلة الرسالة المصرية مع إجلالنا لها ولصاحبها."

أما عتاب الشيخ فرحات الدراجي فكان حادا ومباشرا، كشف بوضوح عن يأسه من الصحافة الشرقية التي تستعلي على الأدباء والمثقفين الجزائريين، ويكفي دليلا على ذلك إعراضها عن الكتابة عن "سجل مؤتمر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" الذي أعده الشيخ محمد البشير الإبراهيمي.

وتضمن هذا الكتاب خطبا وتقارير وقصائد ألقيت بمناسبة مؤتمر هذه الجمعية الإصلاحية المنعقد في نادي الترقي في سبتمبر 1935.

وأهدت الجمعية نسخا من هذا الكتاب إلى أشهر الصحف والمجلات الشرقية لتعرف به قراءها وتطلعهم على الحركة الأدبية والفكرية في الجزائر. ولكن هذه الصحف تجاهلته ولم تلتفت إليه. وقد أثار هذا السلوك غضب الشيخ الدراجي من الصحافة المصرية خاصة من مجلة الرسالة "التي جعلت من شعارها أن تجمع على وحدة الثقافة أبناء البلاد العربية!" غير أن صاحبها الذي أهدت إليه الجمعية نسخة من هذا السجل ليقرظه بأسلوبه الرفيع "لم يفعل بينما هو يعني بالكتابة عن راقصات أوروبا ويفتح صدر رسالته إلى الكتابة عن كلب العقاد وسنور المازني."

اعتبر الدراجي موقف الزيات ومن حذا حذوه "دليلا على عدم أو قلة تقدير إخواننا الشرقيين لقيمتنا وآثارنا... التي لا تقل في بلاغتها ودقتها عما ينشر في مجلة الرسالة الراقية".

 

جريدة المنار وتوقف الرسالة عن الصدور

تأثرت النخبة الجزائرية بتوقف مجلة الرسالة التي عودتهم كل أسبوع بأروع المقالات التي أبدعها الأدباء والشعراء العرب والمسلمين، وترفع عن همومهم الثقافية وتفرج عن كربتهم الفكرية.

وقد عبرت عن ذلك جريدة المنار لصاحبها محمود بوزوزو التي اعتبرت احتجاب الرسالة "محنة" كبيرة للصحافة العربية و"مصيبة" على الأدب العربي لما تمثله هذه المجلة من رمزية وتاريخ أدبي وقومي حافل.

ولتذكير القراء، قالت المنار أن مجلة الرسالة "خدمت اللغة العربية وأدبها وخدمت الذوق العربي والشعور الفني وأيقظت الوعي القومي بصورة يعجز القلم عن شكرها." ذلك أن هذه المجلة كانت فضاء حرا تلتقي فيها أقلام عربية وإسلامية راقية " لبسط قضاياهم القومية ومشاكلهم الثقافية بحيث أصبح كل عربي يشعر بتجاوب الأخوة العربية في صفحاتها. كما كانت الوطن الأدبي لكل عربي، الوطن الذي يسع جميع أبناء الضاد."

ودعت جريدة المنار كل الذين يؤمنون بالوحدة العربية وخدمة الأدب العربي إلى الإسهام في إعادة إحياء مجلة الرسالة لتواصل مسيرتها على طريق نهضة الثقافة العربية.

ورغم دعوات كثيرة لإعادة بعث مجلة الرسالة إلا أن الظروف السياسية والمادية لم تسمح بعودتها. وهكذا انطفأت شعلة من النور في سماء الثقافة العربية التي كانت تحجبها غيوم الجهل والاستعمار والاستبداد والتخلف.

وواصل الأستاذ الزيات وغيره من الأدباء والشعراء الذين كتبوا في الرسالة أو تتلمذوا عليها مشوارهم الأدبي ومسارهم الفكري في طريق تقدم الثقافة العربية، وتنوير الإنسان العربي وتحريره من كل معوّقات النهضة.