الشعر بين الفطرة والرعاية والتعلّم

د.عدنان علي رضا النحوي

الشعر

بين الفطرة والرعاية والتعلّم

د.عدنان علي رضا النحوي

www.alnahwi.com

[email protected]

هل الشاعر يولد أم يُصنع ؟!

هل من الضرورة أن يكون ملمّاً بعلم العروض ؟!

أسئلة كثيرة تثار من مثل هذين السؤالين . وأرى من خلال تجربتي العلمية والدراسية ، وعلى ضوء ما عرضته من : " قانون الفطرة " ، فالشاعر يولد وقد وهبه الله ما يشاء من مواهب وقوى وميول تستقرّ في فطرته . فالموهبة الشعرية تكون في فطرة من أراد الله أن يهبه هذه الموهبة . ثم ينمو الوليد على سنن ربانيّة وقضاء نافذ وقدر غالب ، يتمثل ذلك كله في ما يجابهه الوليد في مراحل نموه ، ابتلاءً من الله وتمحيصاً لعباده .

ومن خلال ذلك نجد أن الموهبة الشعرية وغيرها من المواهب تمرّ بإحدى ثلاث حالات : فهي إما أن تنمو وتقوى إِلى مستوى ما حتى تؤتي عطاءَها ، وإمّا أن تدفن مع صاحبها في أجواء تقتل الموهبة وتقتل صاحبها ، وإما أن يجاهد صاحبها من خلال معاناة وابتلاء ، ويشقّ طريقه حتى تتفتّح موهبته وتقدم ثمارها.

وعندما تنمو الموهبة مع الوليد ، فإما أن يكون النموّ ماضياً على صورة طبيعية تُوفِّرها ظروف الحياة العادية ، وإما أن تنال الموهبة رعاية حانيّة متميّزة تحدُب عليها وتبذل لها .

والشعر في العرب فطرة ، لا تكاد تجد منهم أحداً لا يقول البيت أو الأبيات، والشاعر المبدع هو الذي يتدفّق شعره قصائد تنشر ويتداولها الناس ويحفظونها ، ولكل شاعر راوية أو أكثر . وكانت اللغة العربية كلها بقواعدها وبلاغتها وعروضها فطرة في الشاعر ، ينشأ في بيئته التي تنمّي هذه الفطرة ، فيتلقى من البيئة استقامة اللسان وحلاوة البيان وجمال الجرس . فيخرج الشعر منه على أوزان محدَّدةٍ وقوافِيَ ملتزمة ، لا يَعرف الشاعر لها اسماً ولا يعرف قواعدَها في العروض . فلم يكن الشاعر بحاجة إِلى أن يدرس العروض لأنه لم يكن لديهم شيء اسمه علم العروض ، ولم يكن لديهم شيء اسمه علم النحو والصرف أو علم البلاغة أو البيان أو المعاني . فهذه كلها علوم قام بها متأخرون حين اكتشفوا خصائص عبقرية هذه اللغة العربية ، فكان لهم فضل اكتشافها ولم يكن فضل إيجادها .

وظهرت هذه العلوم عندما أخذ اللحن ينتشر بين العرب الذين بعدوا عن البادية ، وعاشوا في المدن وخالطوا شعوباً متعددة . وظلّ كل من يحرص على نقاء لغته واستقامة لسانه يذهب إلى البادية لذلك ، أَو يرسل أولاده .

وقد أقام المتنبي فترة في البادية ، وأرسل عبد الملك بن مروان أبناءه إلى البادية وآخرون فعلوا ذلك حيث يرسلون المولود إلى البادية حتى يبلغ الثامنة من العمر أو أكثر أو أقل . أما نحن اليوم فقد غلب على مجتمعاتنا اللغة العاميّة ، فلا ينشأ الطفل نشأة تغرس فيه سلامة اللغة في فطرته ، أو رعاية مواهبه . فمن كان في فطرته موهبة شعريّة أودعها الله فيها ، فعليه أن يرعاها بالتعلُّم والتدريب والرعاية .

وحِفْظُ الشعر الموزون المقفّى ، حِفْظ الكثير الكثير منه ، ضرورة لرعاية موهبته الشعرية واللغوية . يحتاج المسلم اليوم إِلى أن يرعى قدرته اللغويّة كلها بالتعلّم الجاد ، فذلك فرض عليه ، فرضه الله ورسوله :

عن ابن عباس رضي الله عنه وعن غيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :   " طلب العلم فريضة على كل مسلم " (1)

وأساس العلم كله لدى المسلم الكتاب والسنة كما جاءا باللَّغة العربيّة . فدراسة القرآن الكريم ، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واللغة العربية ، وإتقان ذلك ، كلٌّ في حدود وسعه وطاقته ، فرضٌ عليه سيحاسَب على مدى وفائه به بين يدي الله ، وسيظلُّ المؤمنون يُذكِّرون الناسين والغافلين ويلحّون بالتذكير .

ودراسة الشعر العربي الأصيل جزء من دراسة اللغة العربية ، ويُروى أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج على المسلمين في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقام فيهم مستفهماً ، فقال : أيكم يعرف هذا الحرف : " أو يأخذهم على تخوّف " ، ما التخوّف هنا ؟! فأرمّ القوم . فقام شيخ من أخريات المسجد ، فقال : أنا أعرف ذلك ! التخوّف هنا : التنقُّص ! فقال عمر : أو يعرف العرب ذلك ؟! فقال له : نعم ! يقول شاعرنا :

تخوَّفَ الرحْلُ مِنها تامِكاً قَرِداً

 

كما تخوَّفَ عودَ النبعةِ السَّفَنُ

والمعنى تخوّف : تنقّصَ ، التامك : السنام ، القَرِدُ : كثير الشعر ، النبعة : شجرة تؤخَذُ منها السِّهام ، السّفن : المبراة .

فقال عمر رضي الله عنه : عليكم بأشعار العرب ، فإن فيها معرفة كلام ربكم(2) . وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : " الشعر جذل " أصل كلام العرب ، يسكُن به الغيظ ، وتطفأ به الثائرة " الفتنة الهائجة " ، ويبلغ به القوم في ناديهم ، ويعطى به السائل(3) .

قال عبد الملك بن مروان لمؤدّب ولده : " روّهم الشعر ! روّهم الشعر ! يُمجَّدوا ويُحْمَدوا "(4) . وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " روُّوا أولادكم الشعر تعذب ألسنتهم "(5) .

وكتب معاوية رضي الله عنه إلى زياد يسأل لمَ لمْ يُروِّ ولده الشعرَ : " ما منعك أن تروّيه الشعر ؟! فو الله إن كان العاقّ لَيَرْوِيَهُ فيبرّ ، وإن كان البخيل لَيَرْوِيَهُ فيسخو ، وإِن كان الجبان ليرويَهُ فيقاتل !(6)    

ويُروى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : " الشعر علم العرب وديوانها، فتعلَّموه وعليكم بشعر الحجاز " (7)     

والشعر كان أنشودة ميادين الجهاد . وعن أنس رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : " جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم "(8)     

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبراً في المسجد يقوم عليه قائماً يفاخر أو ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

    " إن الله يؤيد حسانَ بروح القدس ما يفاخر أو ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ". (9)

وعن أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه قال :

"إن من الشعر لحكمة.(10)

ونشأة الشعر العربي ومسيرته وطبيعته تختلف اختلافاً واسعاً عن نشأة الشعر ومسيرته في الأمم الأخرى . فالشعر عند العرب ، كما يقول مصطفى صادق الرافعي في كتابه تاريخ آداب العرب : " هو عمود الرواية : عليه مدارها وبه اعتبارها ، وقد كانت منزلته من العرب ما هي ، إذ كان يتعلّق بأنسابهم وأحسابهم وتاريخهم وما يجري مع ذلك ، حتى كأنه الحياة المعنوية لأولئك القوم المعنويين ، فلا عجب أن يدور فيهم مع الشمس والريح ، وأن تُسخَّر له ألسنتهم فينصرفوا إلى قوله وروايته ، حتى بلغ منهم مبلغهُ الذي نصفه لك في بابه إن شاء الله " .

فإذا درس المسلم كتاب الله وتدبّره وحفظه ، أو حفظ قدر وسعه ، ودرس سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودرس اللغة العربية بغية إتقانها ليستطيع تدبُّرَ منهاج الله ، ستبرز مواهبه التي وضعها الله في فطرته ، وتنمو وتغنى وتقوى وتشتدّ . فمن كان عنده موهبة شعريّة فإنها ستنطلق عندئذ ، وسيشعر بحاجته للعروض ، فعليه أن يدرس العروض ، ثم يعتني بموهبته الشعرية ورعايتها كما ذكرنا أعلاه .

وشعراء العصر الأموي كثير منهم حفظوا آلاف الأبيات الشعرية ليرعوا موهبتهم . وكذلك شعراء العصر العباسي وغيره ، وحتى اليوم لا غناء للشاعر عن حفظ الكثير من الشعر ، حتى ولو كان ينساه .

وأُوصي المسلم الذي يشعر أن عنده طاقة شعرية أن يلتزم بثلاث نقاط رئيسة ، وكذلك أوصي بها كلَّ مسلم ، لا من أجل الشعر وحده ، ولكن لينجو من فتنة الدنيا وعذاب الآخرة :

-       دراسة الكتاب والسنّة وتدبرهما وحفظ أكبر قدر يستطيعه ، صحبة عمر وحياة .

-       دراسة اللغة العربية : قواعد نحوها وصرفها ، وبلاغتها ، وعروضها .

-        حفظ ما يستطيع من الشعر القوي الأصيل .

أعرف بعض الشباب الذين شعروا برغبتهم في قول الشعر . فحاولوا ذلك، واطلعت على بعض ما كتبوا . فكان منهم من كانت موهبته واضحة ، عطَّلها الجهل باللغة العربية والعروض والزاد من منهاج الله ومن الشعر النقيّ القويّ الأصيل . فكان ما كتبه حقيقةً نثراً ، وربما تجد فيه بعض التفعيلات . فمن درس العروض وتدرَّب وأخذ بالنصائح الثلاث التي ذكرتُها أعلاه ، انطلق شعره وأخذ ينمو ويقوى .

ومن هنا ، نلاحظ أن بعض شباب المسلمين كان لديهم موهبة شعريَّة في فطرتهم ، فما رعوها ولا حرصوا على إتقان اللغة العربية وعروضها ، ولا على تدبُّر منهاج الله ، فحاولوا قول الشعر ، فكان هو ما يسمونه قصيدة النثر أو التفعيلة ، أو ما أسميه " الشعر المتفلّت " ! ثم تسلَّم بعضَ هؤلاء التيَّارُ العلمانيُّ التغريبيُّ الحداثيُّ ، فسقطوا في شباكه الواسعة الممتدّة ، دون أن يشعروا بخطر ذلك ! ولكنها كانت خطوة من خطوات التنازل ، لم يُلتَفَتْ إلى خطورتها وحدها ، ولكنها عندما التقت هذه مع خطوة أخرى من التنازلات التي لم يُلتَفَتْ إلى خُطورتها وحدها أيضاً ، والتقت هذه وتلك ، وسائر الخطوات ، فإذا واقع الأمة يُعاني مِن مآسٍ وانحراف وتنازلات واستسلام !

ولا أشكُّ أبداً في أَنّ أهم الأسباب التي دفعت الكثيرين إلى الشعر المتفلّت نثراً أو تفعيلات هو جهل العروض ، وجفاف الموهبة الصادقة ، فكان الشعر المتفلّت باباً لكل من أراد أن يقول ما يحسبه شعراً وما هو بشعر ، ثمّ أخذت وسائل أخرى كثيرة تدعو إلى ذلك بوسائل مختلفة من الدعاية والإعلام ، فكانت في رأيي حرباً واضحة على اللغة العربيّة ، تنضمّ إلى أشكال أُخرى سابقة من هذه الحرب ، مثل : محاولة تغيير قواعد النحو والصرف ، ومحاولة تغيير الأحرف العربيّة ، ومحاولات نشر اللغة العاميّة ، ونشر اللغات الأجنبية وفرضها ، وغير ذلك .

ولكن اللغة العربيّة صمدتْ وستظلُّ صامدةً بإذن الله ، فهي في رعاية الله الذي اختارها وفضّلها على جميع لغات الأرض . ولقد تعهَّد الله بحفظ الذكر ، واللغة العربية هي وعاء الذكر ، وعاء الكتاب والسنّة :

               ( إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون )              [ الحجر : 9 ]

الشاعر وأهم خصائصه المميّزة :

للشاعر المسلم خصائص مميزة هي التي تبرزه كشاعر له أثره في الحياة . فكما أن الشعر يجب أن يحمل خصائص فنيّة ترفعه إلى مستوى الأدب ، وخصائص إيمانيّة ترفعه إلى شرف الانتساب إلى الإسلام ، فكذلك الشاعر يجب أن يحمل خصائصه الفنيّة والإيمانية المميزة ليقدّم الشعر الذي يرتقي إِلى مستوى الأدب الإسلامي  .

نوجز أهم هذه الخصائص :

-       أولاً : الموهبة الشعرية التي لا غناء عنها ، والتي يهبها الله لمن يشاء من عباده بالقدر الذي يشاء .

-   ثانياً  : الغذاء الطيب المستمر الذي يرعى الموهبة وينميها . وخير غذاء هو المنهاج الرباني  قرآناً وسنة ولغة عربيّة  ، وما يحفظه من شعر غنيّ ، وما يتزود به من علوم ومعرفة ، ومنهاج الله يغذي الموهبة وينمّي اللغة العربيّة ويفتح للشاعر آفاقاً ممدودة  .

-   ثالثاً : أن يكون له رسالة في الحياة ، رسالة صادقة يكون معها صادِقاً ، ولا تكون طلاء ولا زخرفاً كاذباً . وخير رسالة يحملها الإنسان رسالة الإسلام ، لا يحملها إلا المسلم ، الأديب المسلم ، والشاعر المسلم ، والعالم المسلم ، وكل مسلم عرف مسؤولياته كما بيّنها الله في كتابه العزيز . فمنها تبرز أمامه حقيقة مهمته في الحياة ، المهمة التي خُلِق للوفاء بها والتي سيحاسَب عليها أمانةً وعهداً وعبادة وخلافة . إنها كلها تنبع من صدق الإيمان وصفاء التوحيد .

-   رابعاً : أن يحبّ اللغة التي ترتبط بها رسالته . فالإسلام جاء باللغة العربية، وجعل الله دراسته فرضاً على كل مسلم ، دراسة القرآن كما أُنزل والسنَّة كما جاءت . واللغة لها دور هام في الفكر وبنائه ، ودور هام في العطاء وصفائه .

-   خامساً : أن تكون ممارسته في واقع الحياة مطابقة لرسالته وأدبه وشعره وشعاراته ، سواءً أكان ذلك في التعامل مع الناس ، أم في المواقف والاتجاهات في جميع ميادين الحياة .

-       سادساً : ونقطة أخرى نضيفها لخصائص الشاعر : هي أن يظلَّ عطاؤه مستمراً تدفعه الموهبة والعقيدة وتحديات الواقع ، وان يظلّ غذاؤه متجدّداً . ذلك ما دام الشعر لدى الشاعر وسيلةً من وسائل رسالته ، وقوةً من قوى مهّمته في الحياة ، وعدّةً في ميدان جهاده .

المسلم المؤمن لا بد أن يُبْرز إسلامهُ وإيمانه مهما يكن الميدان الذي يعمل فيه . ذلك لأن الإسلام منهج حياة متكاملة يعيشه المسلم في كل ميادين نشاطه وعمله ، ومواهبه وعطائه .

-   سابعاً : الأديب المسلم هو أولى الناس في أن يصدق باتباع أمر الله وأمر رسوله ، وما فرضه الله عليه ، مهما كان جنسه أو لونه . فهو أولى الناس في تدبّر منهاج الله  قرآناً وسنّةً ولغةً عربيّة  ، وفي مصاحبة منهاج الله مصاحبة منهجيّة مصاحبة عمر وحياة .

-   ثامناً : الأديب المسلم بعامة والشاعر المسلم بخاصة قادر على أن يجعل من أدبه وشعره قوةً تجمع المؤمنين صفّاً واحداً كما أمر الله ، وقادر على معالجة التمزّق والفرقة التي يعاني منها المسلمون .

-   تاسعاً : الأديب المسلم والشاعر المسلم ، لا يصفو أدبه ولا شعره ولا عمله، حتى يتجرّد من الحسد والحقد ، والتنافس على الدنيا بدلاً من التنافس على الآخرة ، ويتجرَّد من النفاق والمراءاة بكلمته وبمواقفه ، ليكون بذلك النموذج الذي يحتذى .

-   عاشراً : الأديب المسلم هو داعية إلى الله ورسوله ، يحمل رسالة الإسلام عن وعيٍ وإيمانٍ والتزام . والإسلام جعل الدعوة إلى الله ورسوله مسؤولية كلِّ مسلم وهبه الله القدرة على ذلك بالإيمان والعلم .

نعم ! هنالك عوامل أُخرى كثيرة تؤثر في بناء الشاعر . ولكن هذه النقاط تميّز الشاعر ، أو تميّز بين شاعر وشاعر ، وتبني التفاعل مع أي عوامل أخرى .

وهذه الخصائص منها ما هو فطريٌ هبةً من الله سبحانه وتعالى ، ومنها ما هو مكتسب من البيئة والحياة والمسيرة . فالموهبة هِبة من الله يضعها في من يشاء من عباده ، وإنما الإنسان يرعاها وينميها . والغذاء مكتسب ويُرْعى ويُنمَّى ، أما حمل الرسالة في الحياة فهي ميدان الابتلاء والتمحيص في الحياة الدنيا ، وكذلك حبُّ اللغة العربيّة والزاد كلُّه أمر مكتسب تدفع إليه الفطرة النقيّة ، وأُعَبِّر عن بعض هذه المعاني بالأبيات التالية من قصيدة : " لآلئ الشعر أوزان وقافية ":

الشِّعْرُ فنٌّ إذا ما قُلْتُه انتفَضَتْ

 

مِنْكَ الجَوارح تَحْنَاناً وَتَذكَارا

في صُورةٍ جَمَعَتْ أَلْوانَها فَزَهتْ

 

وحرّكَتْ من بَديِع اللَّحْنِ أوتارا

و خفقَةٍ عَبْقريٌ الفَنِّ يُطلِقُها

 

رَوائِعاً مِنْ غَنِيِّ الشعْر  أَبْكارا

وكأَنْها اسْتَلْهَمَتْ مِنْ كُلِّ قَافِيةٍ

 

لَحْناً تموجُ به الأشْعَارُ أَشْعارا

وعطّرتْ بالقوافي كلَّ  رَابِيَةٍ

 

وزيَّنَتْ بالقوافي  السَّاح والدَّارا

وأَطْلَقَتْ  في سماء الشِّعْر أنْجُمَهَا

 

لآلِئاً  وعَلَى الآفاقِ أقْمارا

كَأنّما  اتَّسَعَتْ للشِّعْر سَاحَتُه

 

فَكَانَ بَحْراً وهِاجَ البَحْرُ إِعْصارا

لا يرْكَبَنَّ  عُبَابَ البَحْرْ غيرُ فتىً

 

جَلْدٍ تمرَّس إِقلاعاً وإِبحارا

يَخُوضُهُ كُلُّ ذي عَزمٍ وموهِبَةٍ

 

ويَنْثَي العَاجِزُ المضطرٌّ  إِدْبارا

يَغُوصُ يَطْلُبُ  مِنْ أَعْماقِه دُرَراً

 

ويَعْتَلي ظَهْرَهُ جُوْداً  وإصْدارا

هذي "البُحورُ" بُحُورُ الشِّعْرِ واهِبَةٌ

 

للصَّادقين عُلاً يَزهو  وأَعْمارا

وإِنّ فِيها لأَصْدْافاً تُصَانُ بِها

 

لآلِئُ الشِّعْرِ  أوْزاناً وَأقْدارا(11)

               

(1) انظر : صحيح الجامع الصغير وزيادته :رقم 3913 .

(2) السيد عبد الرحمن بن عبد الله السقاف : كتابه " العود الهندي عن أمالي في ديوان الكندي " . د. عدنان علي رضا النحوي : في كتابه " التجديد في الشعر بين الإبداع والتقليد والانحراف " ص : 15 .

(3) أخبار عمر :ص:282

(4) العقد الفريد :6/108

(5) نفسٍ المصدر : ص: 108 .

(6) نفس المصدر : ص:108

(6) المصدر السابق : ص:115

(8) أبو داود : رقم 2504وأخرجه النسائي والدارمي وأحمد وصحَّحه ابن جبّان والحكم في المستدرك

(9) الترمذي : (2846) . 

(10)   البخاري باب (90) ، أبو داود : حديث رقم : 5010، الترمذي : حديث رقم (2847 ) . 

(11)  انظر : كتاب الشعر المتفلت بين النثر والتفعيلة  ، للدكتور عدنان النحوي ، ص :  ( 157)