دراسة لصيغ جموع التكسير

د. محمد عناد سليمان

«فواعل»

د. محمد عناد سليمان

[email protected]

18-فَوَاعِل: الغالب المطَّرِد في هذا البناء أن يكون جمعًا لمذكَّر عاقل غير موصوف به على مثال: «فَاعِل» وكان ثانيه ألفًا زائدة([1])، أمَّا إن كان صفةَ ما لا يُعقل فذهب بعضهم إلى القول بشذوذه، وردَّه ابن مالك بقوله: «وغلط كثير من المتأخِّرين فحكم على هذا بالشُّذوذ­­»([2])، وتبعه أبو حيَّان فقال: «وغلط من قال بشذوذه»([3]).

والصَّحيح اطِّراده على مذهب سيبويه، قال: «وإن كان «فاعِل» لغير الآدميين كُسِّر على
«فواعِل»، وإن كان لمذكَّر أيضًا؛ لأنَّه لا يجوز فيه ما جاز في الآدميين من الواو والنُّون، فضارع المؤنَّث ولم يقْوَ قوَّة الآدميين، وذلك قولك: «جِمَال بَوَازل­»، و«جِمَال عَوَاضِه»(
[4]).

لكنَّنا نقع على كثير من الألفاظ التي جُمعت على «فواعل» ولم تكن مِمَّا اتفق القوم عليه، فقد يكون جمعًا في الوصف للمذكَّر العاقل، وهو محمول عندهم على الشُّذوذ، لمخالفته الغالب في بابه، من ذلك «فوارس» جمع «فارس» في قول الشَّاعر: [الوافر]

فَدَتْ نَفْسِي وَمَا مَلَكَتْ يَمِينِي

 

فَوَارِسَ صَدَّقَت فِيهِمْ ظُنُونِي

فَوَارِسَ لا يَمَلُّونَ الْمَنَايَا

 

إذا دَارَتْ رَحَا الْحَرْبِ الزَّبُونِ([5])

ونحو: «هوالك» في قول الشَّاعر: [الطويل]

فَأَيْقَنْتُ أَنِّي ثَائِرُ ابْنِ مُكَدَّمٍ

 

غَدَاتَئِذٍ أو هَالِكٌ فِي الْهَوَالِكِ([6])

وذهب ابن بري إلى أنَّه قد يكون المراد «هالك في الأمم الهوالك»، فيكون جمع «هالكة» على القياس([7])، وهو الأحسن؛ لئلا تُحمل على الشُّذوذ، وقد قالوا: «هالِكٌ من الهَوالِكِ، وفارِسٌ من الفَوارِس».

وقد وجَّه ابن يعيش هذين الجمعين بعد وصفهما بالقلَّة والشُّذوذ، فقال: «ومُجازه أمران: أحدهما: أنَّ «فارسًا» قد جرى مجرى الأسماء؛ لكثرة استعماله مفردًا غير موصوف.

والآخر: أنَّ «فارسًا» لا يكاد يُستعمل إلا للرِّجال، ولم يكن في الأصل إلا لهم، فلمَّا لم يكن للمؤنَّث فيه حظٌّ، لم يخافوا التباسًا، وأمَّا «هوالك» فإنَّه جرى مثلا في كلامهم، والأمثال تجري على لفظ واحد، فلذلك جاء على أصله، فإن اضطَّر الشَّاعر إليه جاز له أن يجمعه على «فواعل»؛ لأنَّه الأصل»([8]).

ومن هذه الضَّرورة ما ورد من قول الفرزدق: [الكامل]

وَإِذَا الرِّجَالُ رَأَوْا يَزِيدَ رَأَيْتَهُمْ

 

خُضُعَ الرِّقَابِ نَوَاكِسَ الأبْصَارِ([9])

وقد نقل الرَّضي وتبعه أبو حيَّان عن المبَرِّد أنَّ هذا هو «الأصل، وأنَّه جائز شائع في الشِّعر»([10])، وردَّه البغدادي كما يظهر من قوله: «الذي قاله المبرِّد في الكامل بعد إنشاد هذا البيت إنَّما هو: وفي هذا البيت شيء يستطرفه النَّحويُّون، وهو أنَّهم لا يجمعون ما كان من «فاعل» نعتًا على «فواعل»؛ لئلا يلتبس بالمؤنَّث، لا يقولون: «ضارب» و«ضوارب»؛ لأنَّهم قالوا: «ضاربة» و«ضوارب»، ولم يأتِ هذا إلا في حرفين: أحدهما: «فوارس»؛ لأنَّ هذا مِمَّا لا يستعمل في النِّساء، فأمنوا الالتباس، ويقولون في المثل: «هو هالك في الهوالك» فأجروه على أصله لكثرة الاستعمال؛ لأنَّه مَثَل، فلما احتاج الفرزدق لضرورة الشَّعر أجراه على أصله، فقال: «نواكس الأبصار»، ولا يكون مثل هذا أبدًا إلا ضرورة، انتهى كلامه، فتأمَّله مع ما نقلوه عنه»([11]).

يظهر من هذا النَّقل إذن أنَّ المبرد لا يراه جائزًا شائعًا في الشِّعر كما ذهب إليه أبو حيَّان، بل عدَّه ضرورة يلجأ إليها الشَّاعر، وإليه أشار ابن يعيش في النَّقل السَّابق عنه، وأيَّده ابن الحاجب
بقوله: «وأمَّا «نواكس» فللضَّرورة، فلا اعتداد به»(
[12]).

وذكر البغدادي أنَّ «ما جُمع من هذا النَّمط إحدى عشرة كلمة»([13])، وهي: «حواج»،
و«حَواجب»، و«حوارس»، و«خواشع»، و«دواجه»، و«روافد»، و«شواهد»، و«غوائب»،
و«فوارس»، و«نواكس»، و«هوالك».

وما قاله مجانب للصَّواب، فقد ذكر أبو حيَّان قولهم: «نواشي» جمع «ناشئ» من الغلمان([14])، وذكر ابن هشام: «سوابق»([15])، ووقعتُ في لسان العرب على أخرى، وهي قولهم: «خالف من الخوالف»([16]). وذكر بعض الباحثين أنَّ عددها جاوز الثَّلاثين، فذكر: «حواسر»، و«سوابح»،
و«صواحب»، و«عواجز»، و«قواري»، و«كواهن»، و«نواكص».

ورأى الدَّكتور عبد المنعم سيِّد عبد العال أنَّ تأويلات القوم لبعض ما خرج عن القياس هي محاولات يحاولون بها إخضاعها للقياس، قال: «وتأوَّل غيرهم الأمثلة السَّابقة، ونظائرها - مع كثرتها - تأويلاً غير معقول، كأن يقول عن مفرد هذا الجمع: ليس «فاعلاً» وإنَّما هو «فاعلة»،
والأصل: «طوائف فوارس»، و«طوائف نواكس»...فالجمع عنده صفة لموصوف، مفرده «فاعلة»، فيكون جمعها قياسًا على «فواعل»، وتأويلات أخرى يحاولون بها إخضاعها للقياس، وفي كلِّ هذه التأويلات تكلُّف، وتصنُّع معيبان»(
[17]).

ثم يُبَيِّن أنَّ جمع «فاعل» على «فواعل» يُقاس بشرط، قال: «والحقّ أنَّ صيغة «فاعل» تُجمع قياسًا على «فواعل» سواء أكانت «فاعل» صفة للمذكَّر العاقل، أم غير العاقل، لكن مراعاة للشَّرط، وهو أن تكون الصِّيغة وصفًا لمذكَّر غير عاقل، أفضل؛ لأنَّه الأكثر، أمَّا من لا يراعيه فلا يُحكم عليه بالتَّخطئة، وإنَّما يُحكم عليه بترك الأفضل إلى ما هو مباح، وإن كان دونه في القوَّة»([18]).

ولعلَّ الكثرة هي السَّبب الذي دفع بعض الباحثين إلى إباحة القياس عليه وعدم التَّقيد بالشَّرط السَّابق. يقول الدّكتور عبد المنعم: «أمَّا سبب الإباحة وعدم التَّقيد بالشَّرط الذي يقضي بألا تُجمع صيغة «فاعل» على «فواعل»، إذا كانت وصفًا لمذكَّر غير عاقل، فهو ما تيسَّر لبعض الباحثين المعاصرين من اهتدائه في الكلام الفصيح الذي يحتجُّ بصحته، على جموع كثيرة جاوزت الثَّلاثين»([19]).

وما قاله الباحث فيه نظر من وجهين:

الأول: أنَّ الكثرة عند القدامى ليست المعيار الوحيد للحكم على أنَّ هذه الظاهرة مقيسة أو غير مقيسة، بل مجرَّد الحكم عليها بأنَّها خارجة عن الأصول المعمول بها دليل على عدم قياسها، ووصفها بعدم الاطِّرَاد.

الثاني: أنَّ بعض الجموع التي ذكرها، لا تدخل ضمن هذا الباب. فمن ذلك ما أورده من قولهم: «حواسر» جمع «حاسر»، فهذا الجمع جارٍ على القياس، وإن كان ظاهره يُوحي بخلاف ذلك، فقد نقل عن اللُّغويين أنَّه جمع للـ«مرأة»، وهي أنثى، وما كان وصفًا للمؤنَّث جاز جمعه على «فواعل»، قال ابن منظور: «امرأَة حاسِرٌ: حَسَرَتْ عنها درعها. وكلُّ مكشوفة الرأْس والذِّراعين:  حاسِرٌ، والجمع «حُسَّرٌ» و«حَواسِر»؛ قال أَبو ذؤيب: [الطَّويل]

وقامَ بَناتـي بالنّعالِ حواسِراً

 

فأَلْصَقْنَ وَقْعَ السِّبْتِ تـحتَ القَلائدِ([20][21])

ومنها أيضًا قولهم: «سوابح» جمع «سابح»، وهذا الجمع أيضًا إنَّما ورد وصفًا للفرس، وهو وصف لغير العاقل فجرى على القياس، قال ابن منظور: «السَّوابحُ الخيل؛ لأَنَّها تَسْبَح وهي صفة
غالبة»(
[22]).

ولا أميل إلى القول بشذوذ هذه الألفاظ لكثرتها، «والكثرة في الظَّاهرة اللُّغوية لا تعدُّ في الشُّذوذ»([23])، بل جعلها قياسًا مُطَّردًا.

ومِمَّا وصف بالشُّذوذ من الجموع على «فواعِل» قولهم: «حوائج»، وذهب بعض أَهل اللُّغة إِلى أَنَّها قد تكون جَمْعَ «حَوجاء»، وقياسها «حَواج»، مثل «صَحارٍ»، ثم قدّمت الياء على الجيم فصار
«حَوائِجَ»؛ والمقلوب في كلام العرب كثير. والعرب تقول: بُداءَاتُ  حَوائجك، في كثير من كلامهم.

ونُقل عن الأصمعيِّ أنَّه «جعلها مولّدة كونُها خارجةً عن القياس؛ لأَنَّ ما كان على مثل
الـ«حاجة» مثل «غارةٍ»، و«حارَةٍ» لا يُجمع على «غوائر» و«حوائر»، فقطع بذلك على أَنَّها مولَّدة غير فصيحة»(
[24]). وأجاز أبو حيَّان أن تكون جمعًا لـ«حائجة» استُغني به عن جمع «حاجة» على هذا الوزن([25]). ومن الشَّاذ عندهم أيضًا قول الشَّاعر: [المتقارب]

كَأَنَّ الغُبَارَ الذِي غَادرتْ

 

ضُحَيًّا دَوَاخِنُ مِن تَنْضُبِ([26])

جمع «دخان» على «دواخن». وذهب أبو جعفر النَّحَّاس إلى أنَّه جمع «داخنة»، قال: «وزعم القتبي أنَّه لم يأتِ على هذا الوزن إلا «دخان»، و«عثان»، وهذا القول ليس بشيء عند النَّحويِّين الحذَّاق، وإنَّما «دواخن» جمع «داخنة»، وهذا قول الفرَّاء وكلّ من يُوثق بعلمه»([27])، وعلى قول النَّحَّاس لا شذوذ حينئذ فيها؛ لأنَّها جارية على القياس.

وجعلوا منه قولهم: «عواثن». وقال ابن منظور: «لا يُعرف لهما نظير»([28]). وقولهم:
«شواجن»، وقد أجاز ابن سيده أن تكون «شواجن» جمع «شاجنة»، قال: «وإِنَّما قلت إِنَّ واحدها «شَجْن»؛ لأنَّ أَبا عبيدة حكى ذلك، وليس بالقياس؛ لأنَّ «فَعْلاً» لا يُكسَّر على «فواعل»، ولا سيَّما وقد وجدنا  الـ«شاجِنَة»، فأَنْ يكون «الشَّواجِنُ» جمع  «شاجِنَةٍ» أَوْلَى»(
[29]). وهو الأحسن؛ لئلا تُحمل اللَّفظة على الشُّذوذ ما وجد مندوحة عنه. ومن الشَّاذ قولهم: «رواجب» جمع «رُجْبَة»، و«نواعش» جمع «نعش».

وقد تُشبع الكسرة في «فواعل» فتصبح «فواعيل»، وما جاء من الجموع عليه، غير مُطَّرِد، ولا مقيس عند الصَّرفيِّين، من ذلك قولهم: «جواليق»، و«خواتيم»، و«دوانيق»، و«زواريق»، و«سوابيغ»،
و«طوابيق»، وذهب بعضهم إلى أنَّ «خواتيم» جمع «خاتام»، قال الشَّاعر: [الرَّجز]

يَامَيّ ذَاتَ الْجَوْرَبِ الْمُنْشَقِّ

 

أَخَذْتِ خَاتَامِي بِغَيْرِ حَقِّ([30])

وما ورد من قول ابن منظور: «وقال سيبويه: الذين قالوا: «خَواتِيم» إِنَّما جعلوه تكسير
«فاعالٍ»، وإِن لم يكن في كلامهم، وهذا دليل على أَنَّ سيبويه لم يعرف «خاتاماً»(
[31]). ليس بصحيح، فسيبويه أقرَّ بسماعه قال: «غير أنَّهم قد قالوا «خاتام»، حدثَّنا بذلك أبو الخطَّاب»([32]).

وكلُّ ما ذُكر من هذه الجموع إنَّما هو خارجٌ عن القياس، ومخالفٌ الأصول المعمول بها، لذلك يُوقف منها موقف السماع ولا يقاس عليها.

               

([1]) الكتاب: 4/89، والمقتضب: 2/219، والأُصُول في النَّحو: 3/17، والمخصَّص: 14/115، والمقرَّب: ص498، وشرح المفصَّل لابن يعيش: 3/297، والإيضاح في شرح المفصَّل: 1/521، وشرح الكافية الشَّافية لابن مالك: 2/276، وشرح الشَّافية للرَّضي: 2/151، وارتشاف الضَّرب: 1/449، وشرح الشَّافية للجاربردي: 1/215، وأوضح المسالك: 2/257، وشرح ابن عقيل: 2/469، وهمع الهوامع: 3/322، وشذا العُرْف: ص203، وجموع التصحيح والتَّكسير: ص55، ومباحث في علم الصَّرف: ص155.

([2]) شرح الكافية الشَّافية: 2/276.

([3]) ارتشاف الضَّرب: 1/449.

([4]) الكتاب: 4/108.

([5]) البيتان منسوبان إلى أبي الغول الطَّهوي في أمالي القالي: 1/260، وبلا نسبة في شرح المفصَّل لابن يعيش: 3/300.

([6]) البيت منسوب إلى ابن جذل الطعان في لسان العرب (هلك): 15/117، وتاج العروس (هلك): 27/402، وبلا نسبة في شرح المفصَّل لابن يعيش: 3/300.

([7]) لسان العرب (هلك): 15/117.

([8]) شرح المفصَّل: 3/301.

([9]) ديوانه: 1/304، والكتاب: 4/108، والمقتضب: 2/219، وشرح المفصَّل لابن يعيش: 3/301، وشرح شواهد
الشَّافية: ص142.

([10]) شرح الشَّافية: 2/153، وارتشاف الضَّرب: 1/451.

([11]) شرح شواهد الشَّافية: ص143.

([12]) الإيضاح في شرح المفصَّل: 1/521.

([13]) شرح شواهد الشَّافية: ص143.

([14]) ارتشاف الضَّرب: 1/451.

([15]) أوضح المسالك: 4/258.

([16]) لسان العرب (حلف): 4/185.

([17]) جموع التَّصحيح والتَّكسير: ص56.

([18]) جموع التَّصحيح والتَّكسير: ص57.

([19]) جموع التَّصحيح والتَّكسير: ص57.

([20]) ديوانه: ص98، ولسان العرب (حسر): 3/168.

([21]) لسان العرب (حسر): 3/167-168.

([22]) لسان العرب (سبح): 6/143.

([23]) الواضح في النَّحو والصَّرف: ص141.

([24]) لسان العرب (حوج): 3/380.

([25]) ارتشاف الضَّرب: 1/450.

([26]) البيت للنَّابغة الجعدي في ديوانه: ص16، والكتاب: 3/538، والمخصَّص: 14/113، ولسان العرب(نضب): 14/172.

([27]) إعراب القرآن: 4/127.

([28]) لسان العرب (عثن): 9/49.

([29]) لسان العرب (شجن): 7/39.

([30]) الرَّجز بلا نسبة في شرح الشَّافية للرَّضي: 2/152، ولسان العرب (ختم): 4/25، وشرح شواهد الشَّافية: ص141.

([31]) لسان العرب (ختم): 4/25.

([32]) الكتاب: 3/472.