أزمة "باكثير" والمسرح المصري في كتاب
أزمة "باكثير" والمسرح المصري في كتاب
بدر محمد بدر
يناقش هذا الكتاب جانبا من الأزمة التي تعرض لها الأديب والشاعر والكاتب المسرحي علي أحمد باكثير، منذ منتصف الخمسينيات وحتى وفاته عام 1969، على أيدي عدد من اليساريين والماركسيين في وزارة الثقافة المصرية، وكيف تحالفوا على منع عدد من مسرحياته من العرض الجماهيري.
ويقدم الكتاب، الذي صدر مؤخرا ضمن منشورات المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة تحت عنوان: "الخروج عن النص في علاقة باكثير والمسرح المصري" للباحثة عبير سلامة، عددا من الوثائق الصحفية والخطية، التي تكشف وجود حالة من الحصار الفكري والأدبي، بعد أن تولى الشيوعيون مقاليد وزارة الثقافة.
من هو باكثير؟
وتعرف الباحثة باكثير بأنه أديب وشاعر ومثقف وكاتب مسرحي، مصري الجنسية من أصل يمني حضرمي، ولد بإندونيسيا في عام 1910، ودخل مصر عام 34، وهو إسلامي الرؤية والتوجه، وظل محسوبا على جماعة الإخوان المسلمين، بصرف النظر عن التزامه المنظم بفكرهم، وارتبط بعلاقات قوية مع المفكر الإسلامي سيد قطب وعدد كبير من رجال يوليو52.
وجاءت شهرة باكثير عندما اختارت "أم كلثوم" روايته الأولى "سلاّمة القس" لتحويلها إلى فيلم سينمائي عام 1944، ثم أخرج له بعد ذلك زكي طليمات، وعبد المنعم مدبولي، وكرم مطاوع، وحسن إسماعيل وغيرهم، ومن أشهر ما قدمه للسينما فيلم "وا إسلاماه" و"الشيماء"، ومن رواياته الطويلة "ملحمة عمر"، ونشر له ما يقرب من مائة مسرحية طويلة وتسجيلية قصيرة، منذ عام 1940 وحتى وفاته.
سيطرة اليسار
واقتصرت عروضه على خشبة المسرح المصري على ثمانية مسرحيات فقط، وتعرض لاضطهاد منظم من جانب الذين دفعوا المسرح المصري إلى طريق مسدود، طريق الجمود والانغلاق والضمور والإجهاد، منذ أن سيطر اليسار الماركسي على المؤسسات الثقافية أواخر الخمسينيات، وحتى هزيمة يونيو/حزيران عام 67.
لكن رأيا آخر تطرحه مؤلفة الكتاب يقول بأن علاقة باكثير بالمسرح المصري منذ أواخرالخمسينيات، لم تكن معركة بين يمين ويسار، ولا بين مسلمين وكفار، قدر ما كانت معركة بين مثقفين، اختلفوا حول تصوراتهم لماهية الفن ووظيفته، في سنوات حراك اجتماعي نشط.
ويبدو أن مسرحيته "حبل الغسيل" كانت إحدى صور المواجهة مع التيار الماركسي، حيث تدور فكرتها حول "شلة" مثقفين، يعتقدون أن الدين والعروبة سبب للتخلف، ويشكلون ما يشبه تنظيما سريا لتدمير القومية واللغة العربية، عن طريق تغذية النزعة الوطنية، وإحياء اللغة الأصلية لكل بلد عربي.
وهؤلاء يسيطرون على الحياة المسرحية والصحافة، ويستأجرون المؤلفين والنقاد، ويتحكمون في تشكيل لجان القراءة، ويحتكرون المنافع فيما بينهم، ويخدمون أهدافهم بأي طريقة ممكنة، وتم منع عرض المسرحية في النهاية، وأي مسرحيات أخرى لباكثير.
عزل فكري
وينقل الكتاب عن أحد كبار النقاد قوله إن المسرح، ابتداءً من هذه الفترة، قام بعملية "عزل فكري" لبعض وجوهه التي أكدت نفسها، والتي لا يمكن الشك في ثقافتها وصدقها، وفي مقدمة هؤلاء المعزولين: عزيز أباظة ومحمود تيمور وعلى أحمد باكثير وأمين يوسف غراب وغيرهم، وكانت عملية "العزل" هذه أول ضربة حقيقية ضد المسرح، وهذه "العنصرية الفكرية" قامت على أساس من مصالحها المشتركة.
ويتناول الكتاب علاقة المثقف بالرقيب، لافتا إلى أن الرقابة وظيفة محورية في بنية أي نظام، وتمارس بحدس سياسي من الرقباء، حتى ولو كانوا مثقفين وأدباء، لأن انسجام هؤلاء مع النظام، يأتي من إيمان ببعض الرموز فيه، أو توهم قدرة المثقف على التغيير، أو الأمل في أن المستقبل قد يأتي بجديد، لكن حقيقة الحال أن الرقيب وكيل للنظام، ليس عليه سوى أن ينفذ الطلبات الرقابية الصريحة.