أدب الأطفال الإسلامي والأسطورة !
أدب الأطفال الإسلامي
والأسطورة !
د.عدنان علي رضا النحوي
[email protected]
يرى بعض الأدباء المسلمين أن يستفاد من " الأسطورة " و" الخرافة " في ميدان
أدب الأطفال الإسلامي ، بغية إثارة الخيال عند الطفل وتنميته . ويعتقد هؤلاء أنه لا
يوجد شيء في الإسلام يمنع استخدام الأسطورة والخرافة وما شابهما من التعابير كالسحر
والجن وغير ذلك من أجل ذلك الهدف .
والموضوع قديم ، ولكنه ينمو مع
الأيام وتزداد الرغبة فيه . ولا أعتقد لذلك سبباً إلا شدَّة نشاط العلمانيين
والحداثيين من خلال وسائل إعلاميّة وفكريّة دائبة لا تكلّ ، حتى تتسلّل الأفكارُ
العلمانيّة والحداثيّة إلى قلب الصف الإسلامي ، ثمَّ يبدأُ المسلمون يألفونها ،
ثمَّ يرغبون بها ، ثم يدعون إليها ، ويبتدعون المسوّغات غير السليمة ، والزخارف
العائمة ، والهوى المكشوف .
هذه الظاهرة الغريبة في واقع
المسلمين رأيناها منذ منتصف القرن الماضي، وامتدت في واقعنا حتى اليوم . ولعلها
ابتدأت بالاشتراكية ، ثمّ الفكر اليساري ليمثل التطور في رأي أتباعه ، ثمَّ الحداثة
ومذاهبها التي لا تكاد تنتهي ، ثمَّ العلمانية ، والديمقراطية ، والشعر الحر
المتفلّت من مثل قصيدة النثر والتفعيلة، والأسطورة وأمثالها .
من هذه الظاهرة التاريخية ندرك بيسر
أننا فقدنا الثقة بأنفسنا ، وأننا أعلنَّا الإفلاس ، ولهثنا وراء ما يأتي به الغرب
المتقدم مادّياً ، تابعين مقلّدين عاجزين عن الإبداع ، حتى أصبح الكثيرون أسارى
الفكر المادّي الغربي وتصوّراته ومصطلحاته ، لا يكادون يستطيعون انفكاكاً منه .
إن هذه الظاهرة تكشف عن عجز وخلل في
واقعنا النفسيّ والفكري والعملي، فتعطلت بعض قوانا ، وهي موجودة ولكنها معطّلة .
لقد وقف المسلمون أمام الواقع الجديد
المتطور سريع الحركة موقف الذهول أو الحيرة ، فلم يستطيعوا أن يقدِّموا حلولاً
ربَّانيَّة نابعة من الكتاب والسنَّة للمشكلات الهائجة في الواقع البشري من النواحي
: الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية والتربوية وغيرها ، فكانت ردةُ الفعل
الإقبالَ السريعَ على مذاهب الغرب الرأسمالية والعلمانية والديمقراطية إقبال
تبعيَّة وتقليد ، دون أن نردَّها إلى منهاج الله ـ قرآناً وسنَّة ولغة عربيّة ـ ،
ودون أن نتذكّر أنَّ منهاج الله أنزله الله صالحاً لكل زمان ولكل مكان ولكل واقع ،
وأنه يمدُّ الإنسان بالهدْي والصراط المستقيم في كلِّ حال . وما على الإنسان إلا أن
يضع طاقته وكلّ ما أنعم الله به عليه في طاعة الله ، حتى تتضح المواهب المؤمنة في
كلِّ ميدان فتعطي عطاءها العظيم .
أعود إلى موضوع الأسطورة والخرافة
وما يتبع ذلك من تخرّصات وأوهام يحسب بعضهم فيها خيراً .
الأسطورة هي الترجمة الحقيقية لكلمة
" epic
" الإنجليزية ، أو كلمة "
epicus " اليونانية . فماذا
تعني كلمة "epic
" وبذلك ماذا تعني كلمة أسطورة .
وتعريف هذه المصطلحات نأخذه من المعاجم والموسوعات وسائر المراجع والمصادر . فكلمة
" epic
" تعني : قصيدة تحتفي بأن تقص إنجازات البطل أو الأبطال و " الآلهة " "وأنصاف
الآلهة " . وفي تعريف آخر قريب هي : قصيدة طويلة قصصية تروي أعمال أبطال من التراث
أو التاريخ .
ولقد وضع أرسطو قواعد " الأسطورة "
معتمداً على أعمال هوميروس كنموذج ، وذلك قبل أكثر من ألفي سنة . فقال إن الأشخاص
يجب أن يكونوا من مستوى عالٍ ، وحاضرين بصورة دائمة في عمل عظيم ، بأسلوب سهل مع
تفصيلات كاملة .
ونورد هنا أهم الأساطير التاريخية
عند مختلف الشعوب :(1)
, Odyssey
Iliad
ألمانيا :
نِيَبَلُنْغَنْليد
Nibelungenlied
فنلندا : كاليفالا
Kalevala
أنجلوساكسون : بِيُوولف
Beowulf
الإسباني : قصيدة سيد
Poem of the Cid
السنسكريتية: رامايانا ،
ماهابهاراتا
Ramayana , Mahabhrata
فرنسا : شانسون دو
رولاند
Chanson de Roland
الرومان : أنياد لفرجيل
Aeneid ( Virgil)
الفرس : شاه ناما (
الفردوسي )
Shah Namah ( Firdausi)
إيطاليا : جيروزاليم (
لِ تاسو )
Jerusaem ( Tasso )
الإنكليز : بردايزلوست :
الفردوس المفقود ( ملتون )
Paradise Lost ( Milton)
ألمانيا : ديرميسياس (
كلوبستوك )
Der Messias ( Klopstock)
إيطاليا : الكوميديا
الإلهية
Divine Comedy ( dante)
إن منطلق هذه الأساطير كلها هو
التصوّر المادّي المنبعث من الوثنية اليونانية الممتدة إلى روما ثمّ إلى أوروبا
كلها وغيرها من شعوب الأرض .
في هذه الكلمة أكتفي بهذا القدر عن
معنى الأسطورة ونبذة عن تاريخها ، لنعود إلى موضوعنا الرئيس : ما علاقة الأسطورة
بأدب الأطفال الإسلامي وما حاجتنا إليه ؟!
أقول ابتداءً أنه لا صلة بين الأدب
الملتزم بالإسلام أو أدب الأطفال الإسلامي بالأسطورة ولا بالخرافة ولا بالسحر ولا
بما أشبه ذلك . ولا حاجة لنا به من قريب أو بعيد .
أولاً :
لأن الأسطورة كما بدأت عند اليونان والهند وفارس وغيرها ، كانت تدور حول خرافات
تتناول أبطالاً تاريخيين في الأمة مع " الآلهة أو أنصاف الآلهة" في صورة مليئة
بالشرك الواضح الذي لا يمكن إخفاؤه أو تسويغه أو قبوله. وارتبطت كلمة الأسطورة بهذه
المعاني والتصورات أكثر من ألفي سنة ، واستقرَّ هذا المعنى والتصور في قلوب الناس
وعقولهم . فلا جدوى من أن نحاول أن نكسب الأسطورة طلاء إسلامياً لا يقوى على تغيير
ما استقرَّ في القلوب والعقول ، ولا يعود على الإسلام والمسلمين بأيّ خير ، بل بشرٍ
أو فتنة تؤذي منهج التربية الإسلامي .
ثانياً :
أصبحت الأسطورة جزءاً رئيساً من أدب الحداثة ، الأدب الذي ينبذ القديم كله إلا
الأسطورة والخرافة النابعة والمرتبطة بالوثنية اليونانية ، كما ذكرتُ ذلك في كتبي
ودراساتي عن الحداثة .
ثالثاً
: في تربية الأطفال في مدرسة الإسلام
، مدرسة محمد r
، نحرص على أن يعيش الطفل مع
الحقيقة أولاً وأن يعيَها وأن يعيَ الواقع ، كلُّ ذلك من خلال منهاج الله . وتنمية
خيال الطفل تعني توسعة أفقه وفكره في ذلك ليحسن تصوُّر الأمور تصوّراً سليماً ،
لينشأ الأطفال المسلمون واعين وليصبحوا رجالاً يتحملون المسؤولية الواقعية ، ولا
يعيشون في الخيال التائه ، والخرافات والأساطير . إن مذاهب الحداثة تكاد تغيّب
الواقع عن الطفل ونموه ومراحلها ، وكأنها تهدف أن ينشأ الجيل المسلم مغيّباً عن
الحقيقة والواقع ، وصدق التصوّر .
رابعاً :
إنَّ في قصص الكتاب والسنَّة زاداً عظيماً لتربية الأطفال وتنشئتهم على وعي يعينُهم
على الوفاء بالأمانة التي خُلِقوا لها في مسيرتهم في الحياة ، دون أن يعيشوا في
وهمٍ وخيال تائه . وكذلك في القصص الذي نأخذه من الواقع ، من الحقائق زادٌ عظيم
لتغذية الطفل بالصدق والأمانة والوفاء بها ، والوفاء بالعهد مع الله .
خامساً
: إنَّ رسول الله
r
لم يربِّ الأطفال على الوهم
النابع من الخرافة والأساطير ، ولا على الخيال التائه ، ولا على خيال الأهواء
والشهوات والمتُع الرخيصة ، ولا على الهبوط إلى دنس الرذيلة والفجور ، وكل ذلك كان
متوافراً في الأرض ممتداً فيها . بل اعتمد الرسول
r
الكتاب والسنَّة ، وما فيهما
من قصص يُنمِّي الإيمان بالله واليوم الآخر ، ويُنمِّي الخلق الطاهر ، ويعين على
بناء أُخوّة الإيمان والأمة المسلمة الواحدة ، وحمل رسالة الله إلى الناس كافَّة
وتعهُّدهم عليها ، لإنقاذ الإنسان من فتنة الدنيا ومن عذاب الآخرة ، لإخراجه من
الظلمات إلى النور . فأين دور الخرافات والأساطير من ذلك كله ؟!
سادساً :
إنَّ أمتنا اليوم تتعرّض لأشدّ المخاطر ، فلا بدَّ من إعداد أبنائها إعداداً
يُعينهُم على حماية الأمة المسلمة ، وجمعها صفاً واحداً كالبنيان المرصوص. ولكن
أعداء الله وأعداء الأمَّة يُريدون أن يغيّبوا المسلم عن حقيقة واقعه ، وعن الأخطار
المحدقة به ، حتى يسهل عليهم فتنته عن دينه ، وعن حماية أمته ، وليسهل عليهم اختراق
ديار العالم الإسلامي اختراقاً لا يقف أمامه ليصدّه إلا القليل .
هنالك فرق كبير بين أدب يُعنى
بالزخرف وأدب يُعنى بالحقيقة ، بين أدب ضائع ويُضيّع ، وأدب واعٍ يقظ ويوقظ ، بين
أدب اللّهو والمتعة الغالبة الطاغية ، وبين أدب يربط الدنيا بالآخرة ، ويُحدِّد
أهداف المسلم في حياته الدنيا في مسيرة يطرق بها أبواب الجنَّة وهو واعٍ دائبٌ ماضٍ
على صراط مستقيم .
الأسطورة والخرافة لا تبني ذلك ، ولا
تعين على بنائه ، بل تهدم وتدمّر .
سابعاً :
هذا هو التاريخ بين أيدينا بما فيه من خرافات وأساطير تبنَّاها الكثيرون وعاشوا
فيها ، فأيّ فضيلة بنته في التاريخ البشري ، وايُّ حقٍّ نصرته الأساطير والخرافات
؟! إنَّ أكبر دور كان لها في التاريخ البشريّ هو زخرفة الشرك وتزيينه للناس
ليُقْبلوا عليه في فتن متتالية بين الأفراد والقبائل والشعوب والأمم .
الأساطير التي ذكرناها في صفحات
سابقة كلها تبرَّأت من التوحيد وصدق الإيمان بالله ، ولكن عرضت " الآلهة المتعددة "
والحرب المشتعلة بينها ، والعشق والغرام بينها وبين الأبطال البشر . لذلك كانت هذه
الأساطير سيرة خياليّة للشعب في تاريخ طويل .
فما قدَّمه هوميروس " بالإلياذة " و"
الأدويسي " لم يكن من صنعه هو وحده، ولكنه جمع ما تناقلته الأجيال اليونانية من هذه
الخرافات وأخرجها في أسطورة ، حسب الكثيرون أنه هو صانعها وبانيها .
وأخيراً ، فلقد استطاع الأعداء أن
يتبنُّوا ذلك ، وأن يفرضوه على مختلف الشعوب ، وبخاصة المسلمين ، ليدرَّس في
جامعاتهم على أنه المثل الرفيع للأدب وإنجازه . ونجحت خطتهم وأصبح الكثيرون من
المسلمين يتبنّون ذلك ويدافعون عنه ويدعون إليه !
وهذه الأساطير تسمى باللغة اليونانية
Epicus
وباللغة الإنجليزية
Epic
، ولكن لغاية ما أُسيء ترجمتها إلى العربيّة وأسموها : " الملحمة " ، وما هي بملحمة
! إنها فتنة .
" الملحمة " في اللغة العربيّة ، وفي
الإسلام ، وفي الأدب الملتزم بالإسلام، يؤخذ معناها ومبناها من معاجم اللغة العربية
، ومن السنَّة وأحاديث الرسول r
، ومن التاريخ الإسلامي .
ويجب علينا نحن المسلمين ، أن نحدِّد
خصائص الملحمة في الإسلام وأدبه، دون أن نخضع لما حدَّده " أرسطو " من خصائص
الأسطورة اليونانيّة ، بناء على ما قدَّم هوميروس وما جمعه من عطاء الأجيال
اليونانية الوثنية خلال قرون طويلة.
نعم ! يمكن أن نستفيد من تجارب
الشعوب ، ولكن لا يعني ذلك أن نأخذ الباطل وندع الحقَّ ، ونتمسَّك بالخُرافة ونهمل
الصدق . يمكن أن نستفيد لا لنكون تَبعاً مُقلّدين ، نُعطِّل فكرنا ونطوي تُراثنا ،
ونتحلّل من ديننا شيئاً فشيئاً ، ثمَّ نُسمِّي ذلك تعاوناً واستفادة من تجارب
الشعوب .
هذه ناحية ، والناحية الأخرى هي أننا
مكلفون بأن نعطي للشعوب لا أن نأخذ فحسب . وإننا نلمس من الناحية العمليّة أن بعض
الذين ينادون بالاستفادة من أساطير اليونان وغيرهم، يبدون الحرص على ذلك ، دون أن
يُبدوا الحِرْصَ على تقْديم دعوةِ الإسلام إلى الناس كافَّة وتعهّدهم عليها كما أمر
الله . تبليغ دين الله وتعهّد الناس عليه فرضٌ فرضه الله ، أما الحرص على الأساطير
للاستفادة منها فهو أمرٌ تسلّل به المفسدون في الأرض تسلُّلاً خفيّاً واقتحموا
اقتحاماً علنيّاً !
وإذا تابعنا تطور الفكر والأدب في
الغرب حتى يومنا هذا ، فإننا نجد أنه ما زال فكرهم وعطاؤهم مرتبطاً بجذوره الوثنيّة
اليونانيّة التي أعطوها صفة التقديس والنموذج الأعلى . ومن خلال هذا التصوّر الذي
غرسه الانحراف عن التوحيد في تاريخهم ونفوسِهِم ، نبعت انحرافات بعد انحرافات في
ميادين متعدّدة في الحياة . انطلقت من ذلك العلمانيَّة المتحلّلة من الدين ،
والنظام الاقتصادي الرأسمالي الذي يطغى به أصحاب رؤوس المال التي جمعوها من عرق
المستضعفين ، دون أن يراعوا حقوق الفقراء والمساكين كما أمر الله ، وإنما طَغَوا
وبَغَوا ، والديمقراطية التي صاغها النظام الرأسمالي والعلمانية صياغة تحمي جرائمهم
وعدوانهم وظلمهم في الأرض .
إنَّ من واجب المسلمين اليوم أن
يتمسّكوا بدينهم كما أُنزل على محمد
r،
وينهضوا لحمل هذه الرسالة إلى الناس كافّة لا يُشغلهم عنها شيء ، فهي المهمة
الرئيسة التي كلّفنا الله بها والتي سنحاسَبُ عليها يوم القيامة بين يدي الله ، يوم
لا تنفع رأسمالية ولا علمانية ولا ديمقراطيّة ، ولكنها تلقي بالناس إلى سوء المصير
.
(1)
New Standard Encyclopedia.
E : 190
اليونان : الإلياذة ، والأوديسي