الأدب والواقع

سمير مومني

مكناس المغرب

ليس انتشاءا نرجسيا أن نتحدث في هذا المقال عن موضوع علاقة الأدب بالواقع على أساس أنه موضوع جديد بل هو نوع من إعادة حفر في هذه العلاقة .

 إن محاولة الحديث عن ارتباط الأدب بالواقع مهما اختلف شكل هذه الارتباطات ليس لجوءا عاطفيا وليس كسر لطوق الوصايا النقدية بل هو ظاهرة نقد أدبية حديثة بل لها تاريخ عميق ضاربة في جذور الحضارة اليونانية فرغم تموقف أفلاطون من الشعراء و طردهم من المدينة الفاضلة إلا انه كان يجد في الأدب الوسيلة التي يسعى إليها والوظيفة التربوية و التهذيبية التي يقوم بها. غير أن رؤيته الانكسارية حول ما للأدب من جوانب باطنية و شعورية لدى الإنسان أظهره و كأنه بعيد عن الواقع و قضاياه.

و في خضم التحولات و الثورات التي عرفتها المجتمعات ما بعد اليونانية سواء ثورات سياسية أو صناعية أو ثقافية أو مجتمعية سيكون مؤكدا على الأدب أن يربط صلة وصل جديدة مع الواقع برصد ا أحداثه ووقائعه و تناقضاته حيث أصبح التنوع الواقعي يشكل موضوعا تستدرج الأدباء و الكتاب في منجزهم الإبداعي .

 هذه الثورة الأدبية ستؤدي إلى ظهور اتجاهات نقدية عقدت تصالحا مع الواقع بالانتماء إليه ساعية إلى التنقيب في علاقة الأدب به و ما يحكم هذه العلاقة أو ينتج عنها من تأثير في الواقع، لكن افتقارها إلى مكنزمات نظرية و مرجعية موحدة منعها من تشكيل مدرسة واحدة تجمع روابط فكرية و إبداعية و ينسجمون وفق ضوابط منهجية بل إن ذلك كان سببا في بروز هذه التيارات التي ستسمى في ما بعد بالمدارس الواقعية.

يعتبر البعض الواقع هو ما انطبع في ذهن الأديب و عكسته رؤيته بحيث يشتمل على معطيات الوجدان و الحس و على تصورات يبنيها الفرد وفقا لعلاقاته في المجتمع. بينما يرى الآخرون أن الواقع في الأدب هو الواقع الاجتماعي رغم اختلاف تناقضاتها وتباينت مصالحها وما لذلك من أثر على النظرة إلى الإبداع و علاقته بما يوجد في الواقع، حيث يقوم البعض بتصوير الواقع بشكل يكاد يكون مضاعفا له و تكرارا ، أو يتخذ منه موقفا أو يقوم برد فعل على ما أثر فيه منسجما في ذلك مع مشاعره الذاتية فقط.

في حين يرى آخرون أن الواقع في الأدب يتجسد في الذات الشعورية تارة و الذات اللاشعورية تارة أخرى و اللاشعور الجمعي تارة ثالثة أو هو هذه الذات ذات الأديب في تجربة ميتافيزيقية عاشتها.

وخلافا لما تراه التيارات النقدية من أن الأدب يرتبط بالواقع فيشتق منه مادته و يعبر عنه فيكشف عن أسراره و تناقضاته أو يتعالى عليه فينتج الزيف و الأوهام فإن موقف النقاد المعاصرين تباينت في النظرة لهده العلاقة. فنازك الملائكة مثلا تعتبر الارتباط بالواقع حتمية كل أديب و موقفا يجبر عليه باعتبار الأدب ليس تفاحة مسحورة تنبث في الهواء.

أما سلامة موسى فيرى أن قاعدة الأدب الوحيدة هي ارتباطه بالحياة الاجتماعية و عكسه إياها و مهمة الناقد هي دراسة الحياة من جميع وجوهها كما تتمثل في الأدب.

و يذهب حسين مروة إلى أن العلاقة الصحيحة التي ينبغي أن تقوم بين الأدب و الواقع هي العلاقة التفاعلية التي تؤمن بالتبادل الوظيفي بينهما و التي تحترم خصوصية كل طرف. و قد عبر محمد مندور عن ذلك حين قال : إن ما نسميه واقعا ليس إلا الصورة الذهنية التي لدينا عنه.

إن الأدب هو حياة للواقع على حد تعبير كامي لوراش بماذا يفيدنا الأدب إن لم يعلمنا كيف نحيا؟.