ملاحظات في دراسة القرآن
ترجمة: د. ضرغام الدباغ
[email protected]
آنا ماريا شيميل كلمة المترجم كان المستشرق الألماني ماكس هينيك
Max Henning
قد قام بترجمة القرآن الكريم، في ألمانيا، وصفت بأنها ممتازة للقرآن الكريم، ومنذ
ذلك الحين فإن هذه الترجمة قد اعتمدت على نطاق واسع في ألمانيا، وربما في الدول
الناطقة بالألمانية الأخرى، بوصفها أفضل ترجمة للقرآن. كما أن السيد هينيك قد قام
بترجمات في مجالات بحث أخرى أطلعنا عليها، منها ترجمته الممتازة لدستور المدينة
(الصحيفة) الذي قدمه الرسول (ص) لشعب يثرب (المدينة) غداة هجرته إليها. وقد حصلنا على هذه الطبعة الحديثة
المترجمة للقرآن، وهي من ترجمة السيد هينيك أيضاً، الصادرة عن دار نشر ريكلام /
شتوتغارت Reclam Stuttgart
بألمانيا الاتحادية. وقد تصدرت هذه الطبعة، وتحت عنوان(مقدمة وملاحظات)، مداخلة
مهمة للبروفسورة الألمانية المعروفة على نطاق واسع آنا ماريا شيميل
AnneMaria Schimmel، وهي
ملاحظات مهمة تستحق الترجمة وتقديمها للقراء. وجدير بالذكر أن الطبعة الأولى لهذه
الترجمة صدرت في مطلع القرن العشرين، ربما في العشرينات. ولكن هناك الكثير من
المراجع الهامة بعضها قد نشر في القرن السادس عشر أو السابع عشر وبلغات عديدة،
ألمانية وإنكليزية وفرنسية. على أن حكومة المملكة العربية
السعودية قامت كلفت لجنة أختصاصية رفيعة لترجمة دقيقة وموثوقة لمعاني القرآن، طبع
في مطابع القرآن الكريم في المدينة المنورة / المملكة العربية السعودية. وقد وضعنا هذه الدراسة وغيرها في كتاب
جامع وضعنا له عنون " الشرق بعيون الغرب " وهو عمل يضم بحوث عديدة وأعمال فنية نأمل
أن نتمكن من وضعه بين أيدي القراء.
المترجم/ د. ضرغام الدباغ
" القرآن " يحتوي القرآن، الذي نشره محمد (ص) *
ودعا إليه، النواة التي أصبحت الأساس لعموم الحياة الإسلامية، يحتوي على قواعد
للالتزامات الدينية حتى حيال المسائل الفنية، وقد عبر غوتة (يوهان فولفجانج غوتة)
حول الشكل والأسلوب الذي جاء به القرآن: " صارم، قوي، ذو رهبة، وفي بعض مقاطعه
عظيم الصدق والاستقامة " ويثير في جميع صفحاته اهتمام علماء وأساتذة حتى من خارج
العالم الإسلامي، وللقراء الذين يقرأونه ويتعلمون ويتعرفون على هذا الكتاب، لهؤلاء
نقدم هذه الطبعة من ترجمة ماكس هينيك التي تعد حتى اليوم أفضل ترجمة ألمانية، وفي
ذلك خدمة للقراء. وهناك مقدمة وملاحظات للبروفسورة آنا
ماريا شيميل في مداخلة مهمة عن أهمية القرآن، ترجمنا كل ذلك دون تحريف أو تدخل من
قبلنا. * دار النشر / فيليب ريكلام شتوتغارت * حرف (ص) حيثما ورد وضع من قبل
المترجم. المقدمة من عام لعام تتكاثف الصلات والعلاقات
بين أوربا والبلدان الإسلامية التي تمتد كحزام من غرب أفريقيا حتى الفلبين، وتتزايد
كذلك بصفة أسطورية أعداد الذين يتعرفون على الثقافة الإسلامية، عدا الرحلات
والاتصالات الشخصية. وتتنامى لدى العديد من هؤلاء الرغبة في إلقاء نظرة على اصل هذه
الثقافة، والقرآن الذي وفر الأساس للحياة والفكر لدى المسلمين منذ 1300 سنة وحتى
اليوم. لم تكن هناك في الأزمنة الأخيرة ترجمة
ميسورة، موثوقة علمياً للقرآن، لذلك قررت دار النشر (ريكلام) إعادة طبع وإصدار
الترجمة المعروفة والموثوقة لماكس هينيك، التي ظهرت في عالم المكتبات منذ ستين
عاماً، وهو صاحب الترجمات الجديرة بالاحترام والثقة والتي تلقى مكانة خاصة لدى
علماء وخبراء الإسلاميات، منهم البروفسور حميد الله (أستامبول ـ باريس) الذي قيَم
هذه الترجمة بوصفها أفضل ترجمة مطبوعة للقرآن، لذلك أعيد طبع هذه الترجمة حرفياً
دون أحداث أي تغيرات. وقد جرت مراجعة الملاحظات والمصطلحات
بدقة، كما جرى أحياناً إكمالها وتصحيحها، أو تحسينها، ولكن ذلك لم يكن إلا بقصد
تقديم أفضل ترجمة للقارئ الألماني. ومن أجل إيضاح أي تأثير للقرآن حتى يومنا هذا
على حياة المسلمين، وإبراز أي فاعلية عميقة كامنة في القرآن منذ القرن السابع وحتى
اليوم على جميع الأصعدة، للقراء الذين لهم إطلاع على تفسير القرآن أو هؤلاء الذين
على تماس مع قضايا ودراسات تخصصية. ووضعنا قائمة بالأعمال المهمة من بين المراجع
الكثيرة جداً. إن المراجع ودار النشر يعتقدان، بأنه
ومن خلال هذه الطبعة الجديدة، إنما يلبيان الحاجة ويقدمان المساهمة من أجل فهم أفضل
في محادثاتنا مع المسلمين. البروفسورة أنا ماريا شيميل ملاحظات البروفسورة آنا ماريا شيميل في عام 1955 سأل بعض طلاب كلية
الشريعة في أنقرة أستاذهم في مادة قراءة القرآن(المقصود على الأرجح الترتيل التجويد
ـ المترجم) في الإنشاد الجميل لفضاً عند تلاوة القرآن، مدعين أن طريقة لفضه لا
تماثل قواعد اللغة العربية. " ولكن القرآن ليس عربياً " قال بفزع
" بل أنه كلام الله، كيف تريدون أن تقارنوا ذلك مع قواعد اللغة العربية ؟ ". هذا المشهد الصغير، اظهر الإيمان
الفوق طبيعي للقرآن، والعصمة المطلقة التي ما زالت حتى اليوم من البديهيات لكل
مسلم، الذي ربما كان يفهم النصوص المقدسة أو أنه قادر على سماع الكلمات أو قراءتها،
وأن يرسم كتابة كلماتها. ترى كم متناسبة هذه الشهادة مع هذا
النفوذ ..؟ محمد (ص)المكي المنحدر من قبيلة قريش، الذي نما وترعرع ضمن أجواء نظام
العبادة الوثنية المتعددة، كان يبحث عن ديانة راقية في تأملاته في غار (كهف) قرب
مكة يدعى غار حراء، نهض بإسناد ودعم وثقة من زوجته أكتسب القناعة كنذير ومحذر من
انحراف أبناء جلدته من الضلال والكفر. هكذا ابتدأ بالدعوة إلى ما كان يستمع
إليه من صوت الملائكة(الروح المعتمدة): كلمات بالحساب المهدد للذين يقضون حياتهم في
الطيش والمجون، يخبرهم بالأهوال الفظيعة المنتظرة في الآخرة، وسوف لن تنقذهم سوى
رحمة الله للذين يهتدون ويعودون لله. وقد تحولت لهجة الإنذار مع مضي الوقت، إلى
أكثر قوة في وصف الله ذو القدرة والسلطة، الذي يهب الحياة من خلال كلمة (كن) فقط
فيكون، هو الذي يحي الصحاري بالمطر وهو الذي يحي الموتى بعد موتهم، وسخر من تجار
مكة الذين كانت لهم مكانتهم ومهابتهم، بأن عبادتهم للأصنام والأوثان إنما هي كفر
وخطيئة كبيرة، وإن الله الذي هو الخالق والحاكم لا يمكن أن يكون إلا واحداً، وهذا
الله الواحد وهذه القدرات ترد في القرآن في عدد كبير من الأوصاف، فهو الأول
والأخير، الذي يسمع ويرى، هو المحب وهو القاهر، وهو الرحمن وهو الرحيم، والمسلمون
يعدون هذه الصفات في تسعة وتسعين أسماً وهي أسماء الله الحسنى. وفي السنوات الأخيرة من نشاط محمد (ص)
في مكة، في سنه الأربعين(حوالي 610 م) بدأ بالدعوة، وذلك بالإشارة إلى دعوات
الأنبياء الذين سبقوه، والذين مثله، لم يصدقه أبناء بلادهم ولم يعترفوا بدعوتهم،
فابتلعتهم الأرض. ومن هؤلاء الأنبياء، يبتدأ بإبراهيم ثم إسماعيل الذي أصبح أب
العرب، وتكمن أهمية كبيرة في تطور الإيمان لمحمد (ص)، لهؤلاء المؤمنين الذين لا
يهمهم الشمس والقمر ويسلمون قيادهم له ولكنهم يتاثرون بحقيقة إيمانية، بما هي أقدم
من اليهودية والمسيحية، بأب البشرية الأول: آدم الذي تنحني له الملائكة، لأن الله
علمه الأسماء، وبذلك أعطاه السلطة على الأشياء، وهو بحسب التعاليم القرآنية التي لا
تعرف الخطيئة الموروثة، وقد نصبه الله خليفة على الأرض، والذين سيأتون من بعده
سيسرون على الصراط المستقيم ويستمتعون بطيبات العالم، ثم يعيدون كل شيء إلى سيد
الكل. وفي قصص القرآن هناك أيضاً نوح وإدريس
وموسى، الرجل الذي تحادث مع الرب، ثم يوسف الذي طالما كانت هيئته مادة للشعراء
والمتصوفين بوصفه آية للحسن والجمال الإلهي، والصابر أيوب، داؤد، سليمان، وآخرون،
إلى المسيح أبن السيدة العذراء مريم، الحي الباقي وهو آخر الأنبياء قبل محمد (ص). وعندما فقد محمد (ص)عام 619 زوجته
المخلصة (خديجة)، ثم عمه الذي كان يوفر له الحماية من أعدائه في مكة، وغدا موقفه
حرجاً. وبعد مفاوضات مع سكان بلدة يثرب التي تقع شمال مكة، هاجر الرسول إليها بعد
أن كان أنصاره قد سبقوه إليها، وقد حدث ذلك عام 622 م. ومنذ ذلك الحين أطلق عليها
أسم المدينة، وأصبحت مقراً للنبي، وبعد هجرته إلى المدينة أستمر بالدعوة وظهرت
قدراته بصورة أوفر، وكذلك شخصيته التشريعية، وفي غضون ذلك كان محمد (ص) قد أصبح
زعيم جماعة (عصبة) وسياسياً وواضع قوانين. ونتعرف مما نشر فيما بعد، على نضالات
المسلمين ضد أعدائهم المكيين، انتصاراتهم وهزائمهم. والهدنة(الحديبية)، ثم العودة
السعيدة بعودة النبي المنتصرة إلى مدينته مكة عام 630م والنزاع مع اليهود في
المدينة والواحات القريبة منها، وكذلك المواقف المحرجة التي واجهت النبي الذي تزوج
بعد وفاة خديجة عدداً من النساء، لذلك فقد دار الحديث كثيراً عن قضايا وأحكام
الزواج والطلاق. وبحسب اعتقاد محمد (ص)، وما ورد في
القرآن، هناك أخبار الأنبياء في الكتب: موسى في التوراة، وداؤد في المزامير،
والمسيح في الإنجيل، وما تعلمت شعوبهم منهم، فإن العرب قد تلقوا قبل ذلك في لغتهم،
لذلك فإن القرآن أرسل في ليلة القدر من شهر رمضان الذي هو الشهر التاسع من السنة
القمرية. وقد أصبح هذا الشهر مقدساً وشهر احتفالات بوصفه شهد حدثاً فريداً (نزول
القرآن ـ سورة القدر). ولم يكن النزول في بداياته ينطوي على
تطور، بيد أن الرؤى توالت فيما بعد، وهي تنطوي على الحكمة الإلهية، ومكتوبة بلغة
قومه، ومما عليه الآن سوى مواصلة إعلانها والدعوة إليها. ونزول الوحي كان بالنسبة
له أعجوبة، وعندما طالبه المكيون يأتيان المعجزات كما فعل الأنبياء من قبله، أشار
إليهم بالآيات القرآنية كمعجزات، هي تلك الكلمات التي لا يمكن لأي فرد (هكذا كما في
القرآن) أن يأتي بمثلها أو ما يشابهها. محمد (ص) (هكذا يؤكد القرآن) ليس
بشاعر، والوحي لم يكن مكتوباً على طريقة العروض أو القوافي التي كانت متطورة حتى في
تلك الأيام، قبل الإسلام، كأنماط شعرية، بل بأسلوب الشعر المنثور وبجمل قصيرة كما
يستخدمها العرافون في جميع الأزمنة، ثم لاحقاً أصبحت الجمل أطول، والنصوص حول يوم
القيامة أصبحت أقل وروداً، والصياغات الشعرية أصبحت استخداماتها أكثر حرة، أدت إلى
نصوص نادرة. ومثل ذلك نجده في نصوص السورة رقم 55 من سورة الرحمن، أما بالنسبة
للمسلمين، فهي لغة لا يمكن الارتقاء إلى مستواها وكذلك في سعتها والتوافق اللفظي
(الهارموني) فيها، وقدرة التأثير وكذلك ثرائها المتعدد الوجوه، هي البرهان والدليل
القوي على أنها من الله. القرآن في محتواه وغايته: صارم، عظيم،
مخيف، ينطوي على حقائق لا يرتقي إليها الشك في موضع. وبذلك يختلف عن الآخرين، ولا
ينبغي أن يتعجب أحد من قوة وفاعلية القرآن. وقد صاغ أستاذ مصري وجهة نظره حول أسلوب
الكتاب المقدس (القرآن) بما يلي: إن صياغة القرآن يعكس نعومة واستقرار
حياة المدنية، وخشونة البدو، إذ ينطوي في آن واحد على حلاوة البداية وقوة النهاية. * إيقاع الكلمات: (نهايات الكلمات)،
يمكن اعتبارها نثراً، والقليل منه شعراً، والوقفات ليست نثراً ولا شعراً، وإنما على
شكل إيقاعات هارمونية (متوافقة) متناسقة. * الكلمات المختارة: ليست مبتذلة أو
نادرة ولكنها تمنح انطباعا يوحي بالنبل. * الجمل تمنح انطباعا: بنوع مثير
للاستغراب، إن العدد القليل من الكلمات مستخدمة من أجل إيضاح الأفكار في المحيط
الخارجي. * الخطاب القرآني: هو بوضوح فوق
بشري، لأنه يخرق القوانين والقواعد النفسية، ولأن العقل والمشاعر على علاقة متضادة
مع بعضها البعض. وفي القرآن نجد تعاون وثيق دائمي بين هاتين القويين المتضادتين، إذ
أننا نجد في البواعث التاريخية، عقائد وقوانين وكذلك مبادئ أخلاقية. إن الكلمات لها
بالإضافة إلى الدروس المقنعة، قوتها العاطفية...ونجد عندما نمضي في ملاحظة البناء
الهيكلي لأحدى السور، والقرآن بأسره، نجد أن هناك خطة لا يستطيع بشر أن يضعها أو
يخترعها. والحقيقة فإن الكثير من قصص الأنبياء
في القرآن، من العهد القديم (التوراة) ومن حياة السيد المسيح، لم تكن تعني لمحمد
(ص) سوى مصادقة(ملائمة) مع التعاليم التي أكدها بوصفها حقائق قديمة كانت قد نالت
حظها من الانتشار، وأكثر من ذلك، فحيثما خالفت دعوته النصوص اليهودية والمسيحية،
فالأمر بالنسبة له(وكذلك لأي مسلم) واضح، أن الشعوب الأخرى قد زورت ما أنزل عليها،
وإن الإيمان والاعتقاد لدى محمد (ص) ومعلوماته الشخصية هي التي استلهمها كلمة فكلمة
من الله، وهي الخاتمة(خاتمة الكتب)وفيه (القرآن) كل الخلاصات والحقائق المنقحة
والمصوبة، بما لا يدع بالطبع أي شك في حقائق الدعوة الإسلامية القرآنية. وبالنسبة
لأي مسلم فإنه من غير الممكن أن يكذب أحد الأنبياء أو يكذب دعوته ورسالته. لذلك
هناك مثال واحد استثناء من ذلك، هو عدم قبول المسلم بصلب المسيح (وهو ما لم يعترف
به الإسلام)، فإن القيمة التاريخية للعهد الجديد(الإنجيل) قد قبلت بوصفها رسالة
إلهية. وبالنسبة للمسلمين المؤمنين، فإن تعديلات وعبث بالنصوص المسيحية قد حدث على
يد البشر، كما أن المسلمين أكدوا على ولادة السيدة مريم العذراء ودافعوا عن الشكوك
الموجهة إليها من الليبراليين. والقصص الكثيرة في العهد القديم
(التوراة) وفي العهد الجديد (الإنجيل) موجودة في القرآن، كانت (وربما لا تزال ـ
المترجم) موضع نزاع بين اللاهوتيين المسيحيين وعلماء المسلمين. وكقاعدة، فإن محمداً
(ص) كان قد حصل على قليل أو كثير من المعارف من أعراب كانوا قد انتموا إلى اليهودية
أو المسيحية في فترة الانتقال من القرن السادس إلى السابع الميلادي. وكان ذلك من
تأثيرات إيران والإمبراطورية الرومانية الشرقية والنساطرة والموحدين والزهاد
المسيحيين في خلواتهم الصحراوية وكانوا عرباً كما تظهر لنا الأشعار، ولم يكن هناك
أغراب. كما أن العلاقات التجارية مع الولايات السورية (سوريا الطبيعية) وكذلك مع
العراق، ساهمت بذلك أيضا بالإضافة إلى المعارف والاعتقادات التوحيدية(الإيمانية).
ووصل إشعاع وتيار المسيحية حتى مكة،
ومن الجهة الأخرى كان ملوك الجنوب العربي قد دخلوا اليهودية في القرن السادس
الميلادي، وكانت مستوطنات يهودية قد تأسست في أرجاء مختلفة من الجزيرة العربية.
وهكذا كان هناك نفوذ وتأثير يحوم في أجواء المنطقة، وقد سخر اليهود في المدينة من
النبي بسبب عدم وضوح تصوره عن الأشخاص في العهد القديم(التوراة)، كذلك كهذه المزاعم
أو اقتباسات أو نقل نصوص مغلوطة..الخ التي لعبت دوراً مهماً في الجدالات مع
المسلمين وشكلت مادة للريفوت Refutatio
(وهي التسمية التي أطلقها المسيحيون الجزويت على الترجمة اللاتينية للقرآن) التي
ظهرت عام 1698 وقد تمت الإفادة منها كدليل " إن محمداً قد استخدم بشكل خاطئ الحقائق
من الأديان الأخرى" "هيردر" ( عالم وأديب ألماني 1744 ـ 1803 ـ المترجم) والنقاش
حول عما كان محمد قد أقتبسه من اليهودية ليس من القصص فحسب، بل من عموم التصورات
الإيمانية ومن الطقوس الدينية، وقد تسبب في ظهور أعداد كبيرة من الأعمال (مثل أعمال
ومؤلفات هيرش فيلد، هوروفيتش، كايكر، توري، كاتش، فيما كان التأثير المسيحي على
نشوء الإسلام موضوعياً كان مؤكداً ولكنه غير مباشر(استقاء أفكار). (*) وكذلك التأثيرات الإيرانية المحتملة،
والصابئية وهناك بالطبع أيضا المؤثرات العربية القديمة التي كان لها تأثيرها على
القرآن وعلى النظام الإيراني فيه، والتأثيرات المصرية القديمة، كما أننا يجب أن لا
ننسى أبداً، أن ليست هناك ديانة تنشأ من لا شيء، بل أن كل ديانة إنما هي مرتبطة بما
قبلها من نظام اعتقادات، وإنها تتلاءم مع لغتها وتصورها من أجل أن تكون مفهومة وليس
ذلك ما يأخذه قائد الدين الجديد من القديم، بل كيفية صياغة توجه جديد والتركيبة
الجديدة، وتلك هي المسألة الأهم. وبالنسبة للمسلم الورع(المؤمن)،
نادراً ما تطرح أسئلة كهذه، وعندما يسلم فعلاً بمادة غريبة، أو عندما يتعين عليه
ذلك، فهو لا يفعل ذلك بمعنى التأكيد فقط، لما ذهبت إليه العقائد الإسلامية،
والدعوات الأخرى عامة، ولكنه يدافع عن العقائد الإسلامية. ومحمد عبد الله دراز
أستاذ الدراسات القرآنية في أقدم جامعة في العالم الإسلامي، الأزهر في القاهرة،
والذي عرضنا رأيه حول أسلوب القرآن، فيقول في أحدث مقالة له، " أنه لا يقبل
بإمكانية وجود نفوذ أو تأثير أجنبي "، بل رد بحدة على الآراء التي تقول، أن القرآن
هو أفكار النبي سطرها في القرآن، ذلك أنه نفسه (الرسول) لم تكن لديه أفكار من
الأديان والقضايا التشريعية قبل أن يتسلم الدعوة. " وبدرجة معينة كانت الحكمة قد
استطاعت أن تظهر له، عبث وأباطيل عبادة الأوثان وعدم منطقية الخرافات، ولكن كيف
استطاع محمد (ص) أن يعرفها وأن يستبدلها ؟ ولكن ليس بمجرد التفكير يمكن وصف حقائق
ومعارف وأحداث قد جرى حدوثها، والقرآن هو بالتأكيد دائماً على أتفاق تام مع معطيات
وحقائق الأنجيل، وحتى تلك التي لم تكن معروفة لمحمد (ص) ". والدعوة (الوحي) التي رافقت محمد منذ
أن كان سنه 40 عاماً تقريباً (610) حتى ما يقرب من وفاته(632) والنصوص القرآنية
حفظت من قبل أتباعه عن ظهر قلب كما كتبت أيضا بعد وفاة محمد (ص)جرى جمع هذه القطع،
وكامن هناك بعض الآيات مكتوبة بلغة عربية غير واضحة بدقة. ففي عهد الخليفة الثالث
عثمان (644 ـ 656) حيث تم جمع وكتابة نسخ كاملة ومقبولة للقرآن إلى جانب النسخ
الأخرى التي أخرجت من قيد الاستخدام، ولكن ظل هناك واجب مهم وهو ذكر خيارات
النصوص(المعاني والتفسير ـ المترجم). إن ترتيب السور يتبع أسلوبا في غاية
البساطة ونظام نادر الاستخدام: فهي مرتبة بطريقة أطول السور فأقصرها. والسور التي
نزلت في أوائل الوحي، قصيرة عادة، بينما كانت السور المدنية (التي نزلت في المدينة)
هي جمل طويلة. ولم يعمل بالمبدأ الكرونولوجي
Chronologie (مبدأ التسلسل التاريخي ـ المترجم). ومن
المؤكد، أنه ليس من المستحيل، مع بذل جهد تاريخي وبحوث لإعادة تسلسل السور حسب
تسلسل نزولها الأصلي. وقد أشر نظام أبحاث نولدكة (مستشرق ألماني معروف ـ المترجم)
الطريق إلى ذلك، ومن ثم واصل باحثون آخرون أبحاثه. ومع أن من المؤكد وحتى من وجهة
نظر التفسير الفلسفي لا يمكن حل كافة المشاكل، حتى بمساعدة أفضل المستشرقين. وقد
أشار بيتر R. Peter
مؤخراً إلى ذلك، أن طبعات القرآن تشير غالباً في بداية كل سورة إلى مكان نزولها،
مكية أم مدنية. ونجد أحياناً تحول من موضوع لآخر ضمن السورة الواحدة، وقد يختلف
نظام الترتيب. ويصادف المرء صعوبات كهذه في الفحص والتدقيق في كتب الأنبياء
القديمة. وقام بعض الأساتذة الأوربيين في ترجماتهم للقرآن، بالعمل حسب التسلسل
التاريخي الكرونولوجي (مثل بيل Bell
وبلاشير Blachere ). إن معرفة أصل السورة وتسلسلها هو أمر
مهم جداً، إذ أن معاني بعض الانطباعات مؤجله، وأن بعض الآيات سوف تتضح وتصحح فيما
بعد في الأبيات اللاحقة، فعلى سبيل المثال، أن النبيذ قد وصف كعطاء من الله، ولكن
وبسبب آثاره الخطيرة قد منع فيما بعد، وهذه انتقادات وجهت إلى التأرجح والتردد في
مثل هذه الظاهرة الإنسانية لا تقلق المسلمين المؤمنين. (راجع سورة يونس/2، وكذلك
سورة 101/ النحل). والسور تفتتح بالفاتحة، وهي كالصلاة
الربانية(عند المسيحيين) وهي صلاة بسيطة يؤديها كل مسلم في صلاته اليومية
الإلزامية، وكذلك عند الصلاة على الميت وهي من أهم الواجبات في الإسلام وأنه السلوك
الصحيح المطلوب لسلوك صراط المستقيم. والخاتمة (خاتمة القرآن) تمثلها السورتان
القصيرتان (المعوذتان 113/114) اللتان تحميان من الخبيث ومن الشر، بينما الخاتمة
للسورة 112، وهي سورة توحيد الله المطلقة، سورة تلعب دوراً يصعب تقديره في الشريعة
والتصوف، كما في حجج الجدال والمناقشات، في إيمان الشعب والفلسفة. وفي بداية السورة 29(العنكبوت) هناك
مجموعة غامضة من الحروف يحتمل أن تكون إشارات خاصة إلى مجموعات لمالكي النسخ،
ولكنها قد تعني أشياء أخرى أيضاً حيث يفترض المرء أنها تنطوي على مغزى عميق أو
غامض. فعلى سبيل المثال سورة طه أو سورة ياسين حيث لم يحل لغزها بعد. وأسماء أو
عناوين السور قد وضعت فيما بعد، وكل سورة تبدأ بكلمة الله والصيغة الرسمية هي: بسم
الله الرحمن الرحيم (واردة في النص بحروف لاتينية ـ المترجم) أو عند قراءة للقرآن
أو حتى لآية واحدة من آياته، ويجب على كل مسلم أن لا ينسى ذلك، كما عليه أن يفعل
ذلك مع أي عمل يبدأ به. وإنه لأمر مفهوم، بأنه وبعد وفاة محمد
الذي كان صاحب الرسالة، أن يكون لذلك أهمية خطيرة لا يمكن قياسها للجماعة، إذ اتسعت
الدولة وانطلقت بسرعة إلى آسيا ثم عبر مصر إلى شمال أفريقيا وإيران، بعد ثمانين سنة
من الهجرة وصولاً إلى سواحل الأطلسي وإلى الهند ثم إلى أرجاء عديدة بعيدة. وكان
لذلك أهميته، إذ يجد المرء كل الأسس للمواقف الدينية، لقيادة الدولة وكذلك للحياة
الخاصة للناس، للدنيا والآخرة. وبالطبع كان هناك الكثير من المؤشرات ولكنها كانت
ضئيلة ولا تفهم، إلا من خلال أوضاع ومواقف مادية ملموسة. وينبغي على المرء أن يسأل الشخصيات
التي كان الرسول يثق بها(الصحابة)، ما هو الموقف الصحيح حيال هذه أو تلك من الأحداث
والقضايا من خلال وعرفتهم بأقوال وأفعال الرسول ومنها انبثق علم جديد، بما في ذلك
أهم التصرفات والفعاليات الدينية مثل: الحج إلى مكة، وهو الفقرة أو العمود الخامس
للإسلام(إلى جانب شهادة الإيمان، والصلاة خمس مرات يومياً، صيام رمضان، الزكاة)
والتي لم تفهم بشكل واضح إلا من خلال التعليمات والمؤشرات (السنة) التي أصدرها محمد
(ص) وليس من خلال النصوص القرآنية. إن الترجمة، على أن القرآن هو كلمات
الله، كان بالنسبة للنبي (ص) وأنصاره أمراً بديهياً من خلال بعض الأدلة والبراهين
في الوحي، كان قد تحول إلى مشكلة ثيولوجية (علم الشريعة) في القرن التاسع الميلادي
كما برز ذلك بوضوح من خلال مدرسة المعتزلة والقضايا التي طرحتها. وقد أحتفظ القرآن
بصفة كونه كلام الله، وكذلك كافة صفاته، وأنها ليست أزلية. وقد وقفت الجهات المتعصبة أمامهم،
وبعد صراع طويل بدا فيه أن المعتزلة قد ربحوا المعركة وتراجع الدوغماتيون من
المحافظون والتقليديون، وأن أفكار المعتزلة قد قبلت " ذلك ما كان بين الطرفين حول
قضية خلق القرآن". وهنا تدخل عاملان في هذا التطور، هو تعامل علماء الشريعة
الإسلامية مع اللاهوت المسيحي. وكما أن المسيح يمثل مع الله كياناً واحداً أو هيئة
واحدة، فكذلك القرآن بالنسبة للمسلمين فهو كلام الله الذي لم يوضح(غير مخلوق) وقد
وعي إليه ونشر بواسطة محمد (ص)، وكما بالنسبة للمسيحية حيث تمثل ليلة الميلاد العيد
الأكبر، كذلك تمثل ليلة القدر بالنسبة للمسلمين، وهي الليلة التي نزل فيها القرآن
لأول مرة. وكانطباع مؤكد لإرادة الله ووجوده، لا
يمكن للقرآن أن يترجم إلى لغة أخرى، وبالنسبة للمسلمين، فإن الترجمة هي تقويض
للفكر، ذلك أن القرآن ينطوي على كثير من الدقة والعمق: الجمال، سماوي، حكيم، إذ
ينطوي على حكمة بحيث يستحيل تحويل الكلمة واستعادتها من خلال وسيط آخر عدا اللغة
العربية غير ممكنة وغير مشروعة، لا بل أجتهد علماء شريعة أتراك قبل فترة قصيرة، ضد
كتابة القرآن. وهناك ترجمة حديثة للقرآن باللغة الإنكليزية تحمل عنواناً رئيسياً "
المعاني المجيدة في القرآن" The Meaning of the
Glorious Koran (تجنباً لأعتبارها ترجمة حرفية للقرآن"
والترجمات إلى لغات الشعوب الإسلامية، الفارسية، التركية، الأوردو...الخ، وهي
مترافقة عادة مع النص الأصلي، وعلى الأغلب تكون الترجمة بين السطور. ومن خلال ذلك كله، أكتسب القرآن أهمية
هائلة لعموم الثقافة الإسلامية، وغدا المفتاح والمحرك للحياة الروحية الإسلامية في
غرب أفريقيا حتى الفلبين وصعوبة ترجمته أرغمت الشعوب التي دخلت الإسلام على تعلم
اللغة العربية، أو على الأقل الأخذ بالحروف العربية(للكتابة والقراءة في لغتهم
الوطنية)، لذلك توحدت حروف الكتابة في مجال الثقافة الإسلامية، اللغة العربية التي
حروفها الساكنة تكتب فقط الحروف الطويلة الثلاثة:
a, i , u أما البقية فهناك إشارات حروف حيث
تكفيها حروف قصيرة، التي لا تكتب في أكثر الجمل، أو فقط في الحالات الصعبة، ربما
أنها لا تناسب الأتراك أو الفرس أو البربر أو الباشتون والماليزيين أو السنديين. إن الأسلمة (أي الدخول إلى الإسلام)
Islamisation، تعني
توحيد الكتابة وهجوم عاصف للكلمات العربية وأنماط حديث في اللغة، تطور يواجه منذ
البداية حتى النهاية جوهرياً، توجهات الكبرياء الوطني، حتى تلك التي لا تعرف شيئاً
عن اللغة العربية، وعليها على الأقل تعلم السور القصيرة من أجل إقامة الصلاة ولا
سيما الفاتحة واسم الله الذي لا بد من ذكره وكذلك حفظ (Häfiz)
أو الذين يستطيعون حفظ القرآن وإلقائها بتلحين مختلف(تجويد ـ تلاوة) وأغلب هؤلاء
صبية في البلدان غير العربية يبدأون بحفظ القرآن عن ظهر قلب (مع أنهم يبدأون بعد
سورة الفاتحة بالحفظ من آخر القرآن) لا يفهمون معنى الكلمات، وفن التجويد والإلقاء
قد تطور بصفة فائقة وكذلك فأن المحايد(غير المنحاز) لا يستطيع الحكم طبعاً على جودة
التجويد من حيث التفصيلات التكنيكية على الرغم من أنه يجده مثيراً وجذاباً بينما
يطلق الجمع الواقف أو الجالس هنا وهناك صيحات الاستحسان بكلمة (الله) طويلة. ومن أجل جعل مغزى القرآن مفهوماً
للذين ليسوا عرباً، فقد تطورت القواعد (النحو والصرف) وكذلك قواميس اللغة والمعاجم
والموسوعات بسبب الكتاب المقدس(القرآن) وكذلك في التطور المتنامي للتفسير، ونذكر
هنا فقط التفسير ذو الثلاثين جزءاً للطبري في مطلع القرن العاشر الميلادي، وكذلك
التفسير الشهير للزمخشري(الكشاف) وتفسير البيضاوي في 133 جزءاً وتفسير الجلالين
للسيوطي في القرن 15، وهذه صادرة باللغة العربية والتي شرحت ودرست القرآن فلسفياً
وتاريخياً بدقة سورة اثر سورة، ثم أن هناك عدداً لا يحصى من التفاسير في لغات
الشعوب الإسلامية (غير العربية) والمناقشات حول القرآن في مقاطع ومسائل تفصيلية. وقد تابع الأستاذ كولد تسيهر
Goldziher في محاضرته
الأساسية الموسومة " اتجاهات في الدراسات الإسلامية للقرآن "، تابع هذه التطورات
منذ بداياتها، وتعريف النصوص ومواصلة وسائل تحديثها وأجراء تفسيرات جديدة لما لم
يعد مقبولاً، حدثت في العصور القديمة، وتدخلات الأجنحة المتشددة (المحافظة)،
والوعاظ الذين لم يكونوا ليقبلوا أن يذكروا التفاصيل عن الجنة والجحيم التي لم ترد
في النصوص (القرآن) إلا بإشارات تذكر بطرق جذابة للمستمعين. ولكن حتى الفلاسفة حاولوا أن يفهموا
القرآن حسبما يرتأون وعلى شاكلتهم وبصفة خاصة الصوفية الذين أخذوا من نصوص القرآن
ما يناسب نظرتهم إليه، وبالتالي فقد بدا غريباً النظر إلى القرآن نظرة سطحية(خاطفة)
لأول وهلة، مما يترك انطباعا وكأنه دين معتدل رزين وهادئ، في حين لا يوجد فيه ما هو
صوفي وغامض. وقد كان الورع وشدة التدين سبباً للنساك الإسلاميين الأوائل، ومن شدة
خشيتهم التخلي عن مهام القضاء إلى سادة المحاكم والدولة بسبب خوفهم من السقوط في
الكفر والخطأ عند أجتهاداتهم في تنفيذ تعليمات الصلاة والصيام والأفعال الحسنة، فقد
كانوا يحاولون أن يجعلوا الممنوع والمسموح مما هو موجود في القرآن مقبولاً وعدلاً
في أزمنتهم، كما حاولوا دائماً الحفاظ على الصلة الحيوية مع القرآن. ويحكى عن الصوفية الذي يقدم أحدهم
7000 تفسيراً لآية واحدة من القرآن، وإن ليلة كاملة بطولها لا تكفي لشرح آية واحدة
من القرآن. وبالطبع فنحن نرى هنا أسرار لا سبيل لقارئ عادي إليها. ومن المؤكد أن
هناك الكثير من السورة الآيات القرآنية أصبحت موضوعات مستحبة للمسلمين الورعين
المتأملين والشعراء. ومن اشهر الآيات والسور هي 172/ سورة
الأعراف، وفيها يخاطب الرب الغير مخلوق ويشهد بأنه سيدهم، وهي الموضوعة المحببة
للشعراء والتي منها يجدون تنويهاً لحبهم وشوقهم الأبدي أو في سورة النور ـ 35) الله
كنور السموات والأرض، أو في سورة البقرة ـ2) المكتوبة بلغة جميلة في الكثير من
المساجد، أو تلك الآية من سورة المائدة ـ 54) " سوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه"
وهي عند المؤمنين إشارة إلى محبة الله وعلامة لإمكانية المحبة المتبادلة بين الخالق
والبشر. وكذلك الرؤى في السورة53ـ النجم) وفيها الإشارة إلى سفرة محمد (ص) الليلية،
1/ الإسراء) والآية المعروفة أكثر من جميع الآيات، بأن كل المخلوقات هي لله وستعود
إليه، " إنا لله وإنا إليه راجعون ـ المترجم). ومن خلال المجتهدين بالتحديد، تغلغلت
الرموز القرآنية عميقاً في الشعر العربي، وعلى كل لسان. وإن فهم هذا الشعر غالباً
لا يمكن فهمه البتة بدون معرفة جيدة للقرآن، عندما يكون خد الحبيب، كاليوم المضئ"،
هكذا على ضوء كلمات السورة 93 / الضحى، عن الأنبياء وعن صفاتهم المميزة، عن المسيح،
الجبال المتراقصة، حيث يكون على القارئ أن يجد الرسوم المماثلة من قصص القرآن(ومثل
ذلك التشابه في الإنجيل أيضاً) وهذا ممكن ولكن بعد التمكن من اللغة القديمة، مع
اقتباسات من الكتاب المقدس(الإنجيل) وكان ذلك الحال أيضا في باكر عهد البروتستانت،
وكذلك كان الحال مع كتب هومور(هوميروس / الأديب الإغريقي ـ المترجم) الذي كان من
الصعب والنادر فهمه لشخص غير خبير في الرؤى الانعكاسية (التأويلات)، وهكذا فإن بوسع
أي أقصوصة تركية شعبية حسب الدراويش البكداشية، الإجابة على هذا السؤال: لماذا لم
يعمل بالآية القرآنية " لا تقربوا الصلاة "، لأن مواصلة الآية تقول " وأنتم سكارى
" النساء / 43). إن وضع القرآن الذي كان قوياً، (يقصد
بوضع القرآن: الموقف، التفسير ـ المترجم) وكان مؤثراً أيضاً على الشعوب، وبديهياً
على الفئات الإسلامية(الطوائف والمذاهب) التي قامت إليها الظروف. وهكذا يحاول
الشيعة تفسير الكثير من الآيات القرآنية لصالح علي، ابن عم النبي وصهره، وبحسب
أفكارهم حول الخلافة، وفي بعض الآيات ضد الخليفة الأول بعد الرسول (أبو بكر
الصديق)، بغض النظر من أن الشيعة يعتقدون أن بعض الآيات التي حول دور علي قد حذفت
من قبل الخلفاء الأوائل. إن التفسيرات القائمة على الاستعارة والتشبيه قد مضت
بعيداً في عرض وتفسير القرآن إلي مذهب الإسماعيلية (الإمام الشيعي السابع) الذين
لقبوا بالباطنية، الذين يعولون على المعنى الداخلي ويفهموه على طريقتهم ويضعون
أتباع هذا المذهب على درجات من الوعي والإطلاع والعلم على أسرار آيات القرآن، حيث
يكمن المغزى في النهاية خلفهم (أي حسب تأويلهم وحسب الهدف ـ المترجم). وكل حركة أصلاحية في الإسلام كانت
تعتمد أيضاً على القرآن وهداه (ربما يريد المقارنة مع الحركات الإصلاحية المسيحية ـ
المترجم)، وعندما واجه العالم الإسلامي في القرن التاسع عشر والعشرين المكاسب
التكنيكية التي أحرزها الغرب، أرتفع في أماكن عديدة السؤال: ما هو مدى اتساع أو
محدودية الصورة العالمية: انتظار يوم القيامة (الآخرة)، الإشارة إلى عادات الحياة
(الحياة الشخصية للنبي) مع التطورات الحديثة للحضارة العالمية المدنية، وأن تكون
مادة للمناقشة. وقد بحثت أحدث الحركات التي انطلقت في
مواجهة السلطة البريطانية في مصر وتركيا، ووجدت أفكارها في القرآن، وقد توصلوا إلى
قناعات، إذ تمكن المسلمون في مجرى القرون، من إنجاز كمية هائلة من الكتب حول جوهر
الإسلام البسيط، وكتب التفسير والشرح للكتاب المقدس(القرآن)، وهكذا فإن النفس
الزاخرة بالحيوية والعمل الخلاق تسببت بخنق هذه الحركات، وقد كان مفترضاً، هكذا
أدعى محدثون من جميع الاتجاهات، أكدوا على أن القرآن والدعوة كان الأساس الوحيد
للإسلام (وبعضهم استبعد الكتب الدينية الموروثة)، أكدوا على التفسير الصحيح، وإعطاء
القرآن المكانة في كل حالة في الحياة الخاصة والسياسية في المجالات الدينية
والاجتماعية. وعندما لا يتوفق عالم حديث ومحدث أو
شارح تقليدي للقرآن في عرض أفكاره، فإن الخطأ يثير الكثير من سوء الفهم حول القرآن،
ويجد السير(لقب بريطاني) محمد إقبال الشاعر والفيلسوف الكبير في الإسلام والهند،
والأب الروحي لباكستان، في كتابه " عالم القرآن" و" كتاب الأبدية" الدليل الوحيد
الصحيح للفكر الإسلامي، وللتعامل بدون تردد، ويحاول أن يجد تفسيراً لأراء بيرجسون
وآينشتاين في تفساير إيمانية من آيات الكتاب(القرآن). وفيما إذا كانت اقتباسات وتفسيرات
إقبال الفلسفية، وضعت الأساس المثير والمهم لرؤية إسلامية حديثة للعالم، فقد حاول
مفسرون وشّراح آخرون للقرآن إيجاد صلة وتفسير بين القرآن والضياء الكهربائي، بل
وحتى مع القنبلة الذرية، وبذلك فقد أحرزت عملية تحديث الإسلام الكثير من المحاولات،
وإلى ذلك المجهود ينتمي أيضاً محاولات كتلك التي قامت بها الحركة الأحمدية في
محاولاتها للترجمة والنقل والاستعارات والاقتباس من القرآن، رموز وإشارات على يوم
القيامة، بهدف تفسير عقلاني ومبسط، ويتبع ذلك أعطاء وصف لجمال وجاذبية النص للسورة
ذات الإيقاع الشعري الراقي، مثل سورة التكوير، والذي يضم إشارات إلى المستقبل الذي
فيه تحشر الحيوانات معاً، ويقصد بها حديقة الحيوانات، وهناك أكثر من ذلك بهذا
المآل. والأحمدي هي الطائفة الإسلامية الوحيدة التي لم تجيز ترجمة القرآن فحسب، بل
طالبت به على عكس التيار المحافظ. وكان القرآن لقرون قد مثل الأساس أو
القاعدة لكافة الاتجاهات الدينية والفلسفية، رموزاً غير قابلة للنضوب والاجتهاد
والشعر، ووفرة المادة والسلوى للملايين من المؤمنين، حتى إذا كانوا لا يفهمون
كلماته، كذلك فأن معانيه بالنسبة للفنون التشكيلية لا يمكن تقديرها. والإسلام لم
يمض بعيداُ في عرض النفس البشرية، وبتلك الزخارف والتهاويل، وفن الأرابيسك والزخرفة
بالرسم الهندسي، وأكثر من ذلك، فن الخط منذ القدم وحتى الآن يعتنى به في البلدان
الإسلامية وكتابة كلام الله(القرآن) بأبدع الخطوط، كان من أبرز منجزات وإبداعات فن
الخط. وقد أبتدع في القرون الأولى الخط الكوفي، ذو الزوايا، ثم يتصاعد ببطء من الخط
المكتوب على الرق(الجلد)، سواء كتبت الحروف بزخرفة خطية، أو أنها كتبت آيات القرآن
بخط رائع جميل، ثم حفرت(نحتت) على الحجر، أو على القيشاني ووضعت على البوابات، أو
توجت بها قباب المساجد، أو على صفحات كبيرة لنسخ خاصة من القرآن قدمت لحكام أو
لشخصيات مهمة بحروف متناسقة من خط الثلث أو النسخ، بحبر اسود وذهبي، أو مكتوبة بحرف
دقيق لا يمكن فكها(قراءتها) إلا بواسطة عدسة. والصفحات الأولى منها (صفحتان ـ
المترجم) مزينة بحروف عربية (أرابسك) بالذهب، ومجلدة بجلد نفيس. وكل خطاط ومذّهب(من
يطلي بالذهب)، والعاملين في الموزائيك، مجلدي الكتب، كان يقدم أفض ما يمكن فعله وما
بوسعه، ليعطي أفضل مظهر ذو قيمة لعمله، وكتب بأوامر الكثير من الحكام خلال القرون،
نسخ رائعة فنياً من القرآن. وكم من البيوت التي تعلق بدلاً عن
الأشكال الفنية أو اللوحات، كتابات من القرآن في إطار، أو كتابة مزخرفة، التي ليست
مكرسة فقط حول المغزى وشكل ومعنى الكتاب المقدس، بل وبنفس الوقت كوسيلة حماية
وكتعويذة(تمائم) كما أن كثير من سواق سيارات التكسي يتخذون نسخاً مصغرة جداً من
القرآن كحماية ووقاية يضعونها على الزجاج الأمامي لسياراتهم، وفي عدد كبير من
البيوت نشاهد فوق سرير رب وربة البيت، القرآن في كيس جميل من الحرير يقدم الأمن
والحماية لهذه الحياة الزوجية. والقرآن يأمر أيضاً، أن لا يلمسه إلا
من هو على نظيف (الطاهرون، على وضوء ـ المترجم) ويجب أن يحتفظ في مكان نظيف، ولا
يحق لغير الطاهرين(النساء مثلاً في أيام معينة) أن يلمسوه، إلا بعد الطهارة
الكبرى(الاغتسال التام ـ المترجم)، ولا يحق لنا مناقشة النصوص (في إطار النقد) إلا
لمؤمن في طقوس طهارة. ومن أجل توثيق المكانة العالية للقرآن، على المرء أن يعتني به
(على الأقل في تركيا) بوضع القرآن في الرف أو الطبقة العليا من المكتبة، وفي بيوت
الفلاحين ويعلق بعناية داخل محفظة، كما يجب أن يقّبل القرآن قبل فتحه.(على الأرجح
فأن الأستاذة شيميل، تنقل مشاهداتها الشخصية في تركيا). وهنا فإن الإيمان بكلام
الله بين دفتي الكتاب يقود حتى آخر مدى في تبعاته، لذلك يطبع القرآن اليوم في تركيا
بوسائل طباعية راقية سواء من حيث ترتيب الحروف والسور وتقسيم الصفحات، وربما تقسيم
الصفحات وإعطاء المجال للتفسير. ومثل هذه المبادرات كانت تواجه من التيارات
المحافظة بقوة، وساد الاعتقاد لفترة أن أي تغير في ترتيب القرآن يؤدي إلى التحريف. وقد مارس الكثير السحر باسم القرآن
(وربما التنجيم، مع أن الإسلام يقف بصراحة ضد محاولات كهذه ـ المترجم)، فيما مثلت
كلمات الله في القرآن قوة وفاعلية عند المسلم سواء فهمها أو لم يفهمها، وتفسير هذه
السورة أم تلك. أو تكرارها بعض الآيات ثلاث، سبع، أربعين مرة، بالنسبة للمسلم هي
بمثابة عمل وواجب، وقد تكون لإيفاء نذر بقوله " إذا حدث هذا أو ذاك فسوف أتلو سورة
ياسين أربعين مرة " وياسين هي السورة 36 من القرآن، وتقرأ بالدرجة الأولى للموتى،
ولكنها تصلح أيضاً بوصفها ذات فاعلية خاصة. وهكذا تتأسس الحياة الإسلامية في كافة
تعبيراتها على القرآن. إن ترجمة أو تفسير وضع من قبل شخص غير مسلم، يصعب أن يترك
لديه انطباع عن السلطة أو القوة كما يتركه هذا الكتاب على حوالي 350 مليون مسلم (لا
شك أن الكاتبة تعتمد على أخصائية قديمة لأعداد المسلمين في العالم، حيث تبلغ اليوم
المليار والنصف نسمة ـ المترجم). وفي العقود الأخيرة، فقد جرى بالتأكيد
تحول في بلداننا الغربية من تفهم حيال الثقافة الإسلامية. وعبر أستاذ فرنسي وهو :
د. ماسون D. Masson
قبل فترة قصيرة من خلال إجراء مقارنة دقيقة ما ورد في القرآن من تعاليم حول : الله،
الخليقة، الحياة الأخرى، النبوة، وكذلك أيضاً التعاليم اليهودية والمسيحية كأساس من
أجل تفهم أفضل بين الديانات الكبرى الثلاث التي فيها بالتأكيد جذر مشترك، وأن
اهتمام الديانات الثلاثة وهي (بحسب رأي ماسون) تؤكد بحق أنها تبين للبشر، أن كل شيء
إنما جاء إلينا من الله وإنه إليه لراجع. وإذا وجد القارئ الألماني الصعوبة في
التلقي، ربما من خلال المشكلات الكثيرة، القانونية، السياسية، والطبيعية الخاصة
جداً الموجودة في القرآن، إلى جانب الأفكار الرئيسية، ولكنها بالنسبة للمسلم ليست
سوى تعبيرات عن حياته ولابد أن تكون بالتوافق مع إرادة الله، إرادة لا يمكن بعدها
أن يسأل المرء شيئاً، وإذا كانت هذه ذات وقع غريب على شعورنا وعلى محيطنا الديني
واليومي، ربما تحيره، لذلك فإنه أمر جيد هنا أن نتذكر غوتة( يوهان فولفكانك غوتة:
أديب وشاعر ألمانيا الأكبر، معروف بتعاطفه الشديد مع الإسلام، وإعجابه بالرسول محمد
(ص) ـ المترجم) الذي وصف القرآن في كتابه " ملاحظات ومعالجات للديوان الغربي ـ
الشرقي: الاعتقاد أو عدم الاعتقاد يتقاسمان في
الأعلى والأسفل، السماء والجحيم هما الإقرار والأفكار، أحكام تفصيلية، مسموحات، قصص
رائعة للديانة اليهودية والمسيحية، إسهاب وتفاصيل من جميع الأنواع، إطناب لا حدود
له واستنادات تشكل جسم هذا الكتاب المقدس، الذي نذهب إليه وقتما نشاء، ودائماً نفر
من جديد، ولكن دائماً تجذبنا في جلسة غريبة وفي النهاية نقدسها ".