قراءة في نص "أعلمُ أنّ حبّك لعبة قمار.."

قراءة في نص "أعلمُ أنّ حبّك لعبة قمار.."

للمبدعة مريم الصائغ

جوتيار تمر

أعلمُ أنّ حبّك لعبة قمار ......

للعنوان في اي عمل ادبي سمته البارزة وقدرة على تفكيك الجوانب الداخلية للمضمون بصورة عامة، وفي قصيدة النثر لايمكن تجاوز قيمة العنوان كمدخل اساس للولوج في عوالم النص الجوانية والبرانية معاً، وعلى ذلك الاساس نتوقف عند معالم العنوان الماثل امامنا باعتباره مدخل الى عموم النص " أعلمُ أنّ حبّك لعبة قمار ..." فالثنائية القائمة على المخاطبة تبدو هي المحك في العنوان، بحيث أن " اعلم" و " الكاف" في حبك، تثبتان الحضور المكثف للذات الشاعرة والذات الاخرى باعتبارهما المحركان للحدث، اما لعبة قمار فقد اعطت الشاعرة هنا مساحة للتخيل بأعتبار ان العاب القمار كثيرة.

......................

انتظرتك سنوات ..

وسنوات أخرى 

....سأنتظرك 

فأنا لستُ نرجسية في حبّك 

لذلك أنا .... أنتظرك .........

ف لو كان حبّك لعبة قمار

فأنا أنثى أهوى النار 

التنقيط في قصيدة النثر هو واحد من مكونات الفضاء التشكيلي كأي مكون اخر

انه تقنية توصل بين طرفين عبر الجملة الشعرية .. الطرف الاول هو المرئي الظاهري من التركيب الشعري "انتظرتك...،، ..... سانتظرك"  حيث ان الفاعل في " انتظرت" يفتح الذهن على إحالة الى ماهية الانتظار وتترك فجوة توتر يملؤها المتلقي بتخيلاته، اما الطرف المخاطب وهو ما يتبين من خلال الكاف فانه يبرز كقيمة حضورية مكثفة من خلال الدور الذي يلعبه التنقيط وذلك عبر الشكل البصري بترك نقاط مستمرة ... ان النقاط المستمرة هي كلمات وفق السيماء يحكمها نحو الشعر لا نحو اللغة :

....سأنتظرك 

فأنا لستُ نرجسية في حبّك 

لذلك أنا .... أنتظرك .........

          فالتقيط هنا لايظهر مجرداً من فاعليته انما يظهر كمفردة شعرية تعيش وتتنفس ضمن النسق الشعري العام للنص، ويفتح بالتالي امام المتلقي البحث في كينونة الانتظار التي يتصاعد وتيرته الانفعالية في ذات الشاعرة لتصبح اداة نفي في " لست نرجسية"، وموقف وحالة في " لذلك أنا.....أنتظرك"، ولعل آلية التكرار التي اعتمدت عليها الشاعرة في بناء نصها هنا تمثل آلية انفعالية واضحة لانها ما تلبث ان تُصعد من موقفها واظهار الموقف للاخر لاسيما وانها تضع امام المتلقي احتمالية باستخدامها ل "لو" ولكنها تصر على موقفها وحبها تجاه الاخر عندما تعود وتصف نفسها بانها انثى من نار، حيث ان الصفة هذه لاتعني التمرد عليه بأي حال انما ضمان لموقفها الانتظاري العنيد.

...............................

أعلمُ أنّك (قد) لا تكون لي 

لكنّي أعلم أيضاً ...

أنّي لن أكون لغيرك 

فهذه اللعبة ...

سينهيا قدر ما 

إمّا رحيل الفصول 

أو كرم المحصول.....

ف أجمل ما في حبّك أنّه 

لعبة قمار ...........

وأنا ..أنثى أهوى النار .....

اذا ما تمعنا النظر الى تركيبات المقطع هذا سنجد بان الشاعرة ربما تعمدت على الاختزال حتى في الكلمات واستعانت اكثر بأدوات بلاغية نحوية تحفر موقفها تجاه الاخر " لا،، لن،،ما مرتين،، اما،، لو،، الفاء مرتين، الواو ...."، فاجمالا نجد هذه الادوات فعالة في ترسيخ الرؤية التي هي تؤمن بها، وبفضلها نلامس تجليات الحالة النفسية التي تعيشها الشاعرة وذلك عبر اصرارها وتمسكها بحبها، حيث اعادة بداية المقطع هذا الى العنوان " أعلم " لكنها هنا لاتضع نفسها امام القرار النهائي بدليل انها قد استخدمت " قد " اي الاحتمالية والظرفية وهذا يعني بانها ليست متيقنة بالنتائج لحد تلك اللحظة، لكنها في الوقت نفسه تعود لتستخدم " أعلم" من اجل تأكيد موقفها  بانها لن تكون لغيره، فبمجرد تأمل الجمل هذه سنجد بأن شاعرتنا تكتب من عمق صوفي او لنقل ناسكة تؤمن بقدرية الفعل والحدث وامكانية تأثير الزمن " رحيل الفصول"، الا انها مؤمنة ايضاً بأنها انثى تهوى المغامرة ولن نقول  المقامرة، لأن بنظري المغامرة لها تبعيات الثقة بالنفس، و وتشبيه نفسها بالنار ربما يرسخ نظرتنا اكثر باعتبار انها تعرف بان النار تحرق لكنها من اجل اثبات رؤيتها ستغامر، اما المقامرة فانها تعتمد كلياً على الحظ وليست الثقة بالنفس كما ان للمقامرة مفهوم ووقع سلبي على النفس.

...........

أعلمُ أنّك للنساء زيرٌ 

فما همنّي الأخريات 

فأنا سيدة حبّك ...

وسيدة ...الطاولة 

وأنا من بدأتُ لعبة القمار 

و....

لست أنتَ من تنهيها 

ولو كان حبّك لعبة قمار 

فأنا لازلتُ أنثى ...أهوى النار ......

................................................

تستعين الشاعرة للمرة الرابعة ب" أعلم" لتأكيد رؤيتها ونظريتها العشقية، ولكنها هنا تستخدمها لاظهار بعض ملامح الاخر من خلال رسم بياني لاحدى صفاته ف"أعلم" تعيدنا الى الذات الشاعرة، و"انك" تضعنا امام صورة الاخر المخاطب، ومن خلالهما ترتكز عملية الخلق النصي وتبرز ملامح الاثنين معاً، ولأن معالم ملامح الشاعرة اتضحت في كونها انثى تهوى النار/ المغامرة، فان مسببات الحالة وما جعلها تصبح امرأة بهذا الشكل، هي ان المقابل المخاطب هو بيقين الشاعرة "زير للنساء"، والجميل ان هذا الامر لايجعلها تتوانى عن موقفها، والامر لايثبطها بالعكس نجدها تستخدم ال"انا" كأداة فعالة وذات معاني تظهر صرامة موقفها وثقتها بنفسها وهذا ما اكدنا عليه من خلال استخدام المغامرة كثقة وليست المقامرة كحظ، فالذات الشاعرة هنا تثبت ب"أنا" انها المتحكمة بمشاعرها وانا المتحكمة  بالموقف على الرغم من كل ما يمكن ان يكون الاخر بنظرها، فهي حبه، والطاولة وقد تكون الطاولة هنا تجرفنا الى متاهات اخرى، الا انني اجدها اضطرت لاستخدامها لتنهي نصها كما انهت المقاطع الاخرى بتفعيل دلالات اللعبة " لعبة قمار"، وربما شكل هذا بنظري ضعفاً في الختمة ، لأن كان من المفترض ان تنهي النص بختمة اقوى واعمق واوسع تخيلاً من هذه، ومع ذلك فان السمة البارزة للذات ظلت على ثقتها بنفسها " لست انت من تنهييها"، اشارة واضحة على تملكها للعزيمة والمقاتلة من اجل ما تريده وتراه لها، كما انها بقت على الاصرار نفسه في وصف نفسها بانها لازالت انثى تهوى النار.