قراءة في نص "وقفة" للشاعر هلكورد قهار
قراءة في نص "وقفة" للشاعر هلكورد قهار /
جوتيار تمر
ترجمة: روندك بامروني
وقفة
هلكورد قهار
ذات مرّة
قال لي مسؤولي
اذا متُّ
فكرسييّ لك
لهذا حميتە
كثيراً ما كنت افكّر بموته لأحصل علي الكرسي
بعد تقاعدە
اصبح الكرسي ملكي كما كان يزعم
عندما تأخرت يوما عن دوامي
رأيت سيارة الاسعاف واقفة امام الباب
سألت من المُسْعَفْ
قالوا :
عندما جئنا هذا الصباح
وجدنا الكرسي قد اعدم نفسە
وانتحر
القراءة : جوتيار تمر
وقفة
تكمن حركية قصيدة وقفة في تعددية ابعادها، ولعل ابرز تلك الابعاد هي اللغة التي ترتكز على الفعل الذي تقوم عليه الحياة بكل تصنيفاتها، وتستمد حركيتها من توهج ذلك الفعل الذي لا يتوقف عند حدود ربما تكون في عرف الكثيرين بانها تمس الخطوط الحمراء، فالفعل روح اللغة ومكمن حركيتها كونه في تناسل مستمر لايركن الى حال الا بالتواصل مع فعل يليه، وهو فعل منتقى لان الشاعر يلعب على محور الاختيار بدقة مما يمنح محور التأليف تألقا وإشراقا، كما انه يهتم بالمحركات التي ربما تكون ثانوية مكملة في تشيكلاتها مع المحرك الاساس، لذا نجده يحسن انتقاء الكلمة الواثقة بنفسها والمقتدرة على تشكيل نسج علائقي خاص مع ما حولها، فيغترف من ضوء روح اللغة ليشكل من أضوائها صورا واقعية في ابعادها الدلالية، ومتمسة بألوان حركية تلاعب مكونات الحدث حتى وهو يأخذنا الى عمق تجربته الذاتية وانتمائه الوطني، فضلا عن كونه يمتلك خيالا ذا قدرة تركيبية لا يدانيها التحليل، لان التركيب سمة روحية تكثف وتستجمع العالم في عبارة مركزة لكنها قادرة على احتواء الكون، من هنا كان الانزياح لديه حراً متنامياً مع صيرورة الفعل الموظف المؤدي لدوره كناقل للرؤية الشعرية من جهة، وكمعبر للموقف الذي يتخذه الشاعر نفسه من الحالة وهذا ما يتجلى بوضوح من العنوان " وقفة" أي لابد من التأني قبل المرور والعبور، وهذا ما يظهر استفزازية العنوان واجباره للمتلقي بأن يمشي وفق منطقه المخصوص.
ذات مرّة
قال لي مسؤولي
اذا متُّ
فكرسييّ لك
لماذا لم يقل الشاعر مباشرة قال لي مسؤولي، انما سبق ذلك بظرفية زمانية غير مؤكدة، انما مبهمة في تاريخيتها من حيث المظهر الخارجي للدالة، لكنها في المضمون تؤرخ لآنية مؤاتية وربما حالة يعيشها الشاعر ويراها وفق تداعيته ورؤاع الخاصة، لذا فهو يمهد لقول مرتكز نصه الذي يدور حول " المسؤول/ الكرسي" من جهة، وحول النفس البشرية الطامحة الطاغية من جهة اخرى، فالمسؤول في افعاله لايبين بانه سيموت يوماً، لكن في عرف الحياة وتبعياتها يدرك بانه غير ازلي ومع ذلك لايظهره في كل الاوقات، وهنا وكأنه في حالة نفسية خاصة يريد ان يقنع المقابل بانه هنا امكانية ان يترك الكرسي لكن بعد ان يموت، وعندما يحدد من يخلفه فانه يعطينا مبرراً بان نتعرف على المكان باعبتار ان الكراسي تورث في شرقنا بالذات وليس في كل مكان، ومن يتمعن النظر في الياء الملحقة بالكرسي" فكرسيَّ" سيلاحظ بانها مربكة جدا لنسق النص لكون الفاء هنا دالة مسببة للفعل المضمر في كينونة الياء.
لهذا حميتە
كثيراً ما كنت افكّر بموته لأحصل علي الكرسي
ما اورثته الفاء والياء تظهر هنا بجلاء، فاللام ليست ممهدة لفعل كائن انما هي محرك ذاتي لرغبة كامنة في الذات الشاعرة، والتي يريد من خلالها ان يبرهن بان النفس طامحة راغبة في الحصول على الكرسي نفسه وهي مدركة بانها تحتاج الى حماية أي انها ليست بأمان، والتفكير هنا ليس الا متمم للرغبة في الوصول، وموت المسؤول هو الممر كما يظه رمن خلال التفكير، اذا لا كرسي بدون موت، فالفاء والياء غير فعالتين بدون موت.
بعد تقاعدە
اصبح الكرسي ملكي كما كان يزعم
عندما تأخرت يوما عن دوامي
رأيت سيارة الاسعاف واقفة امام الباب
سألت من المُسْعَفْ
قالوا :
عندما جئنا هذا الصباح
وجدنا الكرسي قد اعدم نفسە
وانتحر
" بعد" دالة اخرى تظهر الظرفية الزمنية غير المحددة ظاهرياً لكنها تبطن مدى تأثير الحالة على نفسية الشاعر الذي يريد ان يبين لنا لماذا هذا الاصرار على الكرسي، لكن الغريب في الرؤية الحدث الشعري، ان الشاعر لم يلجأ الى كلمة الموت التي كانت هي الممر الوحيد للحصول على الكرسي، انما اتى ب" تقاعده" وهذه الدالة غير وافية ومغايرة للنسق السابق، وللرؤية التي ارادنا الشاعر ان نستلهم منها الوضع والحال والموقف معاً، فالكرسي كان مقترنا بموت صاحبه لذا كان قوله" فكرسي لك" لكن ان يأتي الشاعر ويبرهن لنا بأن الكرسي انتقل اليه من خلال تقاعد المسؤول فهذا بلاشك يخالف الرؤية اجمالاً لأن كيفية انتقال الكرسي اليه لم تتماشا مع صيرورة الفعل المحرك الذي اعتمد عليه الشاعر في اظهار رؤيته حول مسألة الانتقال في السابق الا وهو "الموت" ، وما يهمنا هنا هو ان الكرسي انتقل، لذا وجدنا فان الشاعر يعيد حصوله على الكرسي الى ما كان المسؤول قد وعده به في " فكرسي لك" وتم هنا تفعيل الفاء والياء بدون مقصدهما الاساس المتعلق بالموت، انما اثمرت هنا حالة فريدة لاتظهر ولاتحصل كثيراً في شرقنا الا وهو التقاعد والتنازل عن الكرسي، لكن الشاعر وضعنا في هذا الموقف ولعله موقف محير له ايضاً، لكونه يناقض الصورة القائمة للكرسي في الاصل، حيث يلزمنا بظرفية زمنية ثالثة " عندما تأخرت يوماً " وللمرة الثالثة ايضاً تاريخية مبهمة وغير معنونة ومثبتة لكنها موجهة بعناية على مستويين، الاول هو قلما نجد بان مسؤول يترك كرسيه ويتأخر عنه، والثاني هو ان الكرسي نفسه لايستمر بدون من يجلس عليه ويحركه، وكأن الاثنان تؤأمان لايمكن فصلهما عن بعض ابداً، فالشاعر عبر منولوج خفيف نراه يسرد لنا تبعيات التأخير بمشهدية سردية ذا حراك موفق الى حد ما، لكونه يخرج قليلاً عن النسق التكثيفي السابق، ومع ذلك يحافظ على مسار الحدث الشعري لديه، وهذا ما يتمه من خلال الظرفية الزمنية الاكثر تحديداً على الرغم من كونها هي الاخرى مبهمة ظاهرياً " هذا الصباح" هنا تحديد مباشر لصباح قائم بذهن الشاعر، لكنه مبهم لدينا لكونه غير معنون كسابقه، المهم في الامر ان الختمة جاءت قوية صادمة موفقة مستحقة لل" وقفة " حيث انتحار الكرسي لغياب من يجلس عليه او لتأخر من يحلس عليه ظاهرة فريده في الشعر، وعلى الرغم من الشاعر قد اشار الى تناص موجود في النص مع نص سابق الا انه عالج الرؤية بمنظوره الخاص، بحيث نجد بان سيارة الاسعاف نفسها استدعيت متأخرة لا للحاق بالكرسي قبل اقدامه على الانتحار انما جاءت لتقوم بنقلها كمنتحر" ميت" والمجاز هنا فعال فالكرسي لايموت، لاينتحر،، لكن بلاشك فانه يفني الكثير.