مغامرتي الإبداعية في الكتابة الروائية

من خلال روايتي "على المحك" و"هواجس عانس"

أ . صورية مروشي

أستاذة مساعدة بقسم الهندسة المعمارية جامعة باتنة / الجزائر

[email protected]

بحث مقدم للملتقى الدولي الثاني للأديبات الإسلاميات

مقدمة :

النفس الحالمة المتألمة الألم العبقري لابد وأن يؤدي بها ألمها إلى الإبداع بشتى صوره

وأشكاله ، سواء أكان أدبا أو رسما أو نحتا أومعمارا ...وغيرها من صنوف الإبداع البشري الذي يسمو بالإنسان ليجعل منه مبدعا تصنع يداه تحفا فنية رائعة تضيف للبشرية ورودا جديدة في روضة الإبداع وتترك بصمة في العالم قبل الرحيل .

مغامرتي الإبداعية توجهت بي نحوالأدب دون غيره ، وفي سن مبكرة ، إذ بدأت بالشعر ربما لأنه لغة القلب والأقرب إلى النفس ،لكني ما أفلحت يوما في تعلم قوافيه ولا أحسنت السباحة في بحوره ، فانصرفت عنه - لعجزي عن امتلاكي زمامه – إلى القصة القصيرة التي وجدت فيها تحررا من قيود الشعر ومتنفسا للتعبيرعن كثير مما يتفاعل حولي من أحداث وما يتحرك من أشخاص وما يتأجج في النفس من مشاعر وانفعالات ، فكتبت مجموعتي القصصية الأولى – الأرض الجريحة – التي فازت بالجائزة الثالثة في مسابقة الرابطة العالمية للأدب الإسلامي وطبعتها مكتبة العبيكان في عام 2010 م .ثم كانت المجموعة الثانية – بعد الثمانين – التي فازت في مسابقة الموقع الإلكتروني – لها أون لاين – لتتم طباعتها على يد دار رواية بلندن عام 2011 م .

ولأن عالم القصة القصيرة عالم صغير ومساحته ضيقة لا تحتمل تشعب الأحداث وتعدد الشخصيات وتنوع الإنفعالات ،ولكونها تعجز عن احتواء آلام النفس الكثيرة فتتعمق في وصفها والإسهاب في ذكر تفاصيلها ، فقد غامرت بالسفر إلى عالم أرحب حيث الحرية أكبر والمساحة تتسع فتحتوي كامل التفاصيل الصغيرة ...إنه عالم الرواية الرحب الذي يتيح الإبحار في عوالم لاحدود لها .

فتحت إرهاصات كثيرة ولدت روايتي الأولى – على المحك – بجزئيها الأول والثاني والتي فازت بالجائزة الأولى في مسابقة الموقع الإلكتروني لها أون لاين في طبعتها الأولى وتمت طباعتها في دار رواية عامي 2011-2012 م . ثم تلتها روايتي الثانية – هواجس عانس – التي فازت في المسابقة الكبرى للإبداع الروائي التي نظمها الموقع الإلكتروني الألوكة 2013ونشرتها دار الألوكة للنشرمطلع هذا العام

سأتناول في بحثي هذا مزيدا من التفاصيل حول مغامرتي الإبداعية في الكتابة الروائية من خلال هاتين الروايتين .

1 – على المحك :

لأني امرأة ، فقد اخترت أن أكتب عن العالم الذي أفقهه وهوعالم المرأة ، إذ لا يمكنني أن أفلح إذا كتبت عن عوالم أجهلها .ولأني امرأة اخترت أبطال روايتي من النساء ، ولو كان الرجل حاضرا بطبيعة الحال كما هوحاضر دوما في حياة المرأة كأب وأخ ثم زوج وابن. تتكون الرواية من جزئين من القطع المتوسط ، يتكون الجزء الأول من 377 صفحة موزعة على عشرة فصول ، أما الجزء الثاني فيتكون من 340 صفحة موزعة على عشرة فصول أيضا .

عنوان الرواية :

 ينطلق عنوان الرواية من مبدأ : مامن إنسان إلا ويوضع على المحك ليمتحن ، فهل تراه ينجح في الامتحان ؟ فكلمة – على المحك – تعني بداهة أن هناك امتحانا أومجموعة من الامتحانات التي يتعرض لها الإنسان في حياته المديدة . والامتحان إنما يأخذ صورة الابتلاء الذي هو المحك الذي يوضع عليه الإنسان ليمحصه الله  فيعلم أمن الصادقين هو أم من الكاذبين ؟ أمن الصابرين الشاكرين أم غير ذلك ؟ وبالتالي أيكون الابتلاء الذي تعرض له طريقا لدخول جنة الخلد بصبره و جهاده و تقواه لله ، أم يكون بوابته لنار جهنم – و العياذ بالله – نتيجة ما فرط .

فكرة الرواية :

التقطت فكرة الرواية من واقعي المعاش ،مما أراه و أسمعه وأعيشه ، ثم ألبست تلك البذرة بعضا من الخيال لابد منه ولااستغناء لأي كاتب عنه .لذلك لايمكن الادعاء أن الرواية واقع بحت أو خيال مطلق ، بل هي مزيج منهما ، وربما يجهل الكاتب نفسه حدود الامتزاج بينهما ويكاد ، في نهاية روايته ،أن يصدق ماجاء فيها من أحداث وماوصلت إليه نهايتها ولو كان أغلب ما خطت يمينه من نسج خياله الجامح ومن صنع أفكاره المتخيلة.

وتتخذ الرواية من الابتلاء محورا لأحداثها، فإذا أمعنا النظر حولنا وجدنا تنوع الابتلاءات التي قد تصيب المرء ، فمن ابتلاء صحي أواجتماعي أومهني أو غيره . وروايتنا تتخذ من الابتلاء العاطفي موضوعا أساسيا لها ، وهو من ابتلاءات العصر الحديث الذي توافرت وبكثرة شروط حدوثه ، ولوأن كثرة كثيرة من الناس لم ينتبهوا إلى كونه ابتلاء

وإن انتبهوا لم يشمروا و يتسلحوا لمواجهته إرضاء لله و نجاة لأنفسهم ،بل انصاعوا له ورضخوا لندائه واستسلموا لمتعه راضين لأنه غالبا ما يكون مغلفا بقشرة لذيذة الطعم حلوة المنظر تدغدغ النفس بالأحلام الجميلة وتمني القلب بالأمنيات الغالية. إنه الابتلاء الذي يشمر الشيطان له كي تحدث أقسى عواقبه ،و تميل له النفس كي تستمتع بأقصى متعه،و يوافق الهوى فيميل ،بسببه وتحت تأثيره ،كل الميل فيضل صاحبه ضلالا كاملا فلا يرى أو يسمع أو يفقه شيئا آخر غيره.

زمن الرواية :

زمن الرواية هو زمننا الذي انقلبت فيه الكثيرمن الموازين باسم التقدم والتحضر ،و باسم التعلم و العمل ،و باسم لقمة العيش وفتح البيوت وتربية الأطفال ،وباسم الحرية والانطلاق ، وحتى باسم التمتع والعبث واللهو أيضا ترويحا عن النفس . ففي الزمن الذي أصبح تعليم المرأة فيه ضروريا كضرورة الماء والهواء ، وحقا من الحقوق كحق الحياة ، جر وراءه حقوق أخرى كحق العمل جنبا إلى جنب الرجل ، كان لابد من أن يحدث نتيجة ذلك كله مالابد من حدوثه...سنة الله في خلقه وفي الحياة ... فهناك مقدمات تؤدي إلى نتائج حتمية لا مناص منها .

 

مكان الرواية :

العمل هوالمكان الرئيسي للرواية حيث هو نقطة اندلاع شعلة النار الأولى نظرا للاحتكاك المباشر بين الرجال ونساء غريبات عنهم في إطار العمل المشروع والمسموح به عند عامة الناس، وحيث تصبح للخلوة إطارا شرعيا لا غبار فوقه مادام يحدث في مكان العمل المقدس و المنزه عن الشبهات . فالرجل لابد له أن يلتحق بمكان عمله صباح كل يوم

والمرأة أيضا لابد من التحاقها بمكان عملها صباح كل يوم ، حتى ولو كان في طابق تحت أرضي لمؤسسة إدارية ، وليس فيه غير عاملين اثنين : رجل وامرأة كما في الجزء الأول من الرواية ، أوفي طابق أخيرمن إدارة الجامعة غير مدير وسكرتيرته كما في الجزء الثاني من الرواية !  وفي كلتا الحالتين تنمو بذرة المشاعرالغير الشرعية نتيجة الخلوة المستمرة في مكان العمل لتتحول إلى شرارة الحب اللامشروع الذي ينمو ويوشك أن يتحول إلى لهيب مستعر من الخطيئة الحرام التي تهدد نتائجها لا الأفراد وحدهم بقدر ما تهدد أمة بأسرها إذ تصبح أماكن العمل الرسمية بؤرا للزنا إن لم يتمسك المبتلون بهذا الوباء بالله فيفرون إليه متمسكين بالتقوى ملاذا و طوق نجاة .

     

شخصيات الرواية :

سلمى : الشخصية الرئيسية للرواية هي فتاة تخرجت من الجامعة وعثرت على عمل في إحدى المؤسسات الإدارية بعد معاناة طويلة مع البطالة ومكوث بالبيت لم تتقبله . وهي تعبر عن لسان حال فتيات اليوم ، درست في الجامعة وكان لابد أن تنجح في دراستها ، وحرصت على الحصول على عمل وكان لابد أن تحرص حتى لا تذهب سنوات دراستها هباء وحتى تثبت ذاتها وتفرض نفسها في مجتمع مادي يرفع الماديات و يقيمها ويعظمها و يضعها في المقام الأول ، في حين يستهين بالروحانيات والأخلاقيات و المبادئ

و يضعها في المقام الأخير.إلا أن وحدها الأحداث والابتلاءات هي التي تكشف عن ذات الإنسان حقا وتصنفه : هل هومن الصنف الأول الذي يحبذه المجتمع أم من الصنف

الثاني ؟ فقد مرت سلمى في عملها بابتلاء عاطفي اشتد عليها حتى كادت تفقد عفتها ونفسها ومبادئها لولا أنها تحرت الحلال والحرام وتشبثت بمنهج الإسلام واستغاثت بالله . وهل يتخلى الله عمن لجأ إليه ؟

و إن كانت سلمى تمثل المرأة على وجه العموم ، الضعيفة التي لا يمكن أن تقاوم حب رجل أعجبها ووقع من نفسها موقعا حسنا ،وهي الخالية العقل والقلب والروح، الظمأى لحب يملأ حياتها ، إلا أن موقفها من الابتلاء قد يشذ عن عموم النساء ، خاصة نساء اليوم ممن أصبحت الرذيلة عندهن وسيلة قد ينتهجها  بعضهن من أجل الظفر بحبيب بعيد أوالتعجيل بزواج مستعص أو حتى الاستمتاع بمتعة عاجلة هروبا من قهر الأهل أو الزوج أو إشباعا لرغبات حيوانية لنفس ابتعدت عن الله كثيرا فما عادت تفرق بين حلال وحرام و فضيلة أو رذيلة .     

محمود : الطرف الثاني والرئيسي في الابتلاء ، الرجل الغريب والزميل المهذب الذي قاسم سلمى العمل وقاسمها بعد ذلك المشاعر والآلام والمحن . محنة القلب الذي إذا أحب عمي عن رؤية الحقائق وحاد عن الطريق المستقيم واستحب الحرام ولو أمتعه قليلا كي يشقيه طويلا . يمثل محمود شخصية أغلب الرجال في كل الأزمان والأمصار الذي نقطة ضعفه المرأة، يكفي أن تستهويه كي يحوم حولها ملقيا الشباك عساه يوقعها في فخه.

ولايهم وضعية الرجل إن كان متزوجا أم لا ،لديه أولاد أم لا ،إنما ، وأمام امرأة غريبة ، يصبح الرجل رجلا فحسب ، يريد هذه المرأة لنفسه إن في الحلال وإن في الحرام.وهنا يأتي اختلاف الرجال عن بعضهم البعض ، كما تختلف النساء أيضا ، تقوى الله والخوف من عقابه ، وتحري الحلال والحرام والرغبة الصادقة في الجنة والخوف الحقيقي من النار .      

الأهل :الأم تأتي على رأس قائمة الأهل بإيجابيتهم ومساعدتهم للأولاد في مواجهة مشكلات الحياة . المرأة الطيبة الحنون ،المؤمنة إيمان العجائز ، الإيمان الفطري الجميل الذي يجعل الحياة بسيطة وهادئة تنساب بتلقائية كمياه النهرالذي يأخذ مجراه في الوادي في سهولة ويسر. لم تتعلم في المدارس أو تدخل الجامعة أو تعمل في أي مكان خارج بيتها ،لم يتعد همها طوال حياتها تربية أطفالها على الصلاح وتقوى الله .إيمان الأم نلمسه وبوضوح من خلال النصائح التي تهديها لأولادها ، ولبناتها الثلاث خاصة لمواجهة مختلف مشاكلهن . هي نموذج للمرأة الصالحة والأم الرؤوم في عالمنا العربي

و الإسلامي ، ومهما تشوهت الحياة من حولنا تظل الأم بصفائها ونقائها مصدرا للحب والخير والجمال ومنبعا للإيمان الذي لا يتزعزع  . ثم تأي شخصية الأب الذي لم يقهر بناته وأعطاهن الحرية لفعل ما يردن، لكنها حرية مقيدة أكثر بتقاليد المجتمع وأعرافه أكثر من تقيدها بالدين الإسلامي . وربما كان ذلك أحد أسباب المتاهة التي دخلتها سلمى إذ لم تكن نظرتها للدين واضحة ومتجذرة في نفسها ،وهي نظرة لم تستطع والدتها إيصالها لأولادها لعدم تمكنها من فهم تعقيدات الزمن الحديث وابتلاءاته الغريبة عنها والتي لا يستوعبها عقلها البسيط والساذج أيضا ،ولا تمكن الوالد من تعليمها لهم لأنه هو نفسه لا يعرفها ،وفاقد الشيء لا يعطيه. ثم تأتي أخواتها البنات اللتان – ومن خلال الكثير من المحاورات والنقاشات – ساهمن في معرفة المزيد من التفاصيل أو شرح بعض ما استعصى أو مشاركة الآلام والآمال ، وقد كانت محنة الأخت الكبرى بزواج زوجها عليها تأثير في سير الأحداث لبطلتنا أما الأخت الصغرى العابثة  فقد كان لكثير من تعليقاتها موقع اليد من الجرح .أما الأخ الوحيد والأصغر فهو عينة عن جيل اليوم في كسله وخموله وعدم رغبته لا في الدراسة ولا البحث عن العمل مما شكل منه مشكلة في البيت لم يجد الوالدين لها حلا .

الأهل ،أهل سلمى ، صورة عن العائلة الجزائرية ، سواء بعدد أفرادها ، بظروفها ، بأفكارها ، بالعلاقات الاجتماعية التي تربط أفرادها بعضهم ببعض ، وبطريقة مواجهتم لأحداث الحياة بأفراحها وأتراحها ، والأهم من كل ذلك ، علاقتهم بالدين الإسلامي والمنهج الرباني ، والذي يعودون إليه في نهاية المطاف مهما نأوا عنه لأنهم إنما يلبون نداء الفطرة الذي لا يزال يصدح في قلوب المؤمنين . 

الصديقات : هل تخلو الحياة من الأصدقاء ؟وهل يمكن أن نعيشها بدون تواجدهم في حياتنا ؟ سواء أسعدنا بهم أم شقينا بوجودهم ؟ أكانوا عونا لنا أم علينا ؟ فكذلك اجتمعت حول سلمى العديد من صديقات مراحل الدراسة المختلفة . كل واحدة لها شخصيتها

وظروفها واهتماماتها.إلا أنهن يجتمعن كي ينفسن عن أنفسهن بالحديث عن مختلف أمور الحياة وما يواجهننه من تحديات . و مثلما للأهل مكانتهم وتأثيرهم على الحياة فلكل واحد من الأصدقاء تأثيره أيضا في سير الأحداث ومجريات الأمور.والتنوع في الأصدقاء يعني التنوع في الرؤى والأفكار والأمزجة والأهواء والقناعات وبالتالي التنوع والاختلاف في طريقة مواجهة مفاجآت الحياة . وهذه من سنن الحياة وسنن الله في الكون ، أن يكون الناس مختلفون على الدوام ، ولهذا خلقهم ربنا .

هذه الشخصيات هي نفسها في الجزئين ، إلا أننا نجد في الجزء الثاني شخصيتان جديدتان هما :

الزوج : زوج سلمى الشرعي الذي أحبها وقدر خصالها وتزوجها في الحلال بما يرضي الله ورسوله .مطابق لها في الصفات الراقية والمبادئ الراسخة ، ومنطلق اختيارنا له أن الطيبون للطيبات ، فصمود البطلة في ابتلائها كان جزاؤه زوجا صالحا ما كانت تحلم بأحسن منه.غير أن الزوج الصالح يبتلى هو الآخر بما لم يكن في الحسبان،و يتكرر الابتلاء العاطفي عند سلمى مرة أخرى ، لكن في هذه المرة يقع زوجها ضحية الابتلاء الذي ابتلي به محمود – صديقه الذي كان سببا في التعرف بزوجته - و تصبح امرأة أخرى هي المبتلاة أيضا بما ابتليت به سلمى قبل سنوات وهي المهددة بالخطيئة.

جميلة :السكرتيرة ذات الخلق والدين التي قدر الزوج أخلاقها ودينها وجمالها أيضا ،قربها منه للعمل معه وحدث ما لابد من حدوثه .جميلة في الجزء الثاني هي سلمى في الجزء الأول . نفس الحكاية تتكرر.مقدمات تؤدي حتما إلى نتائج .و لله في الكون سنن لاتتغير.غير أن مصير الثانية غير مصير الأولى ، و لأن سلمى وعت الدرس واكتسبت من الحياة حكمة فقد رضخت لأمر دينها وتصرفت كما يجب إرضاء لله وحفظا للطرفين ، زوجها وحبيبته ، من الوقوع في الحرام .

ومن الشخصيات الغير مرئية التي تعمل في الخفاء و بذكاء :

الشيطان :فهو موجود وبقوة في مكتب سلمى في الطابق تحت الأرضي ينفخ و يبذل الجهود كي تقع الخطيئة الكبرى، وهو موجود أيضا في الطابق الأخير من مبنى الجامعة يسعى ما وسعه السعي كي يوقع زوج سلمى و سكرتيرته في الحرام ، وهو موجود في كل مكان فيه فرصة الفتنة والخطيئة والغدر، و ربما أوجده إن لم يوجد ووجد كل أسباب ودواعي السقوط .

ولنتاول الآن أحداث الرواية في كل جزء على حده . على أساس أن كل جزء منفصل عن الآخر في الفكرة العامة والابتلاء الذي وضع الأبطال على محكه ليبتلوا و يمتحنوا .

  الجزء الأول من الرواية :

أحداث الرواية :

الحدث الرئيسي الذي يعالجه الجزء الأول من الرواية وقوع البطلة سلمى في حب زميلها محمود الزوج والأب بحكم مكان العمل الذي جمعهما والظروف التي قاربت بينهما حتى وصل الأمر إلى أن يبوح كل منهما للآخر عن حبه وهيامه وصعوبة الفراق عنه أو الاستغناء عن وجوده في حياته.حب نهايته الطبيعية الزواج ، لكن الزواج غير وارد بينهما البتة لأنه متزوج أصلا منذ عدة سنوات وله العديد من الأطفال وماكان في نيته أبدا أن يتزوج مرة أخرى لأنه لم يكن هناك أي داع لذلك .هذا من ناحيته ،أما من ناحيتها ، فهي فتاة شابة تحلم بزوج شاب مثلها لم يسبق له الزواج يبدآن حياة زوجية مع بعضهما البعض كما تبدأ كل حياة بين اثنين .لم تتوقع يوما أن تحب رجلامتزوجا وأن يصل بهما الأمر إلى طريق مسدود.محمود ، ولأنه رجل لا يفرق عن كثير من الرجال، ولأنه أحب سلمى حبا جارفا ، أراد أن ينال منها ما يناله الحبيب من حبيبه ، فالحب ليس كلمات تقال وتأوهات تنطلق من الأعماق ، لكنه لغة يفهما القلب أولا ثم يترجمها الجسد إلى حركات  ولمسات لابد منها بين كل حبيبين...ولكن :هل هذا حرام أم حلال ؟ أن يلمس رجلا غريبا امرأة غريبة عنه بدعوى الحب والغرام والهيام ؟ وهل يمكن تفادي النتائج والمقدمات كلها تدفع إليها ؟ صراع عنيف ومرير بين الفضيلة والرذيلة ، بين الحلال والحرام يعالجه الجزء الأول من الرواية بإسهاب وتفصيل معمق .ثم تأتي أحداث فرعية كثيرة تخدم الأحداث الرئيسية بصفة عامة ، بأن تعزز منها ، توضحها وتشرحها ، تعمق فهمها و تحل الألغاز المحيطة بها.

الجزء الثاني من الرواية :

للابتلاء أوجه عديدة ، وفي هذا الجزء من الرواية تبتلى سلمى بوقوع زوجها في حب امرأة أخرى وقراره بالزواج عليها كحل وحيد لعلاقتهما...التاريخ يعيد نفسه مع تغير للأدوار فقط وللأماكن أيضا ، فعلاقة الحب التي ولدت في طابق تحت أرضي هي نفسها التي ولدت في طابق أخير لمبنى الجامعة ... فالخلوة هي الخلوة ، واحتكاك رجل ، أي رجل ، بامرأة غريبة عنه ، أية امرأة ، لابد وأن تؤدي إلى نفس النتيجة.

أحداث الرواية تعالج مشكلة التعدد من وجهة النظر الإسلامية ،وإخضاع الأنفس والأهواء والطباع والرغبات لشرع الله وللحق ، وهو أمر صعب ولا يتأتى إلا للصادقين من العباد ممن اختاروا الآخرة على الدنيا وفضلوا جنة الخلد بأن دفعوا في سبيلها الثمن الذي تستحقه وتؤهلهم لدخولها والاستمتاع بنعيمها .ومثلماهوفي الحياة الدنيا ، التمسك بحبل الله لا يأتي سوى بالخير ،فكذلك في الرواية التي تنتهي نهايات سعيدة لسبب واحد : التمسك بدين الله ومنهاج الحق.  

الدروس و العبر :

لرواية – على المحك – بجزئيها دروس كثيرة ، وهي دروس وعبر أكثرها موجهة للمرأة أكثر منها للرجل ، نلخصها فيما يلي :

- الاحتراس من الرجل هي من أولى العبر !!!

- الابتلاء لابد منه في الحياة الدنيا ليمحص الله الذين صدقوا ويعلم الكاذبين ، إنما فقط على الإنسان أن يدرك و ينتبه إلى أنه وضع على المحك ليمتحن فيشمر على سواعد المواجهة ويتمسك بالتقوى سلاحا حتى يمضي الابتلاء بسلام .

- لا يسلم من الابتلاء رجل كان أو امرأة ،وكلاهما موضوعان تحت رقابة رب العالمين

وإن غفل الناس عنهما ، ومحسابان أمام الله أولا قبل أن يحاسبا أمام المجتمع أو نفسيهما.

- للابتلاء أنواع كثيرة ، و وحده الله – سبحانه وتعالى – يختار ، لعلمه المسبق بعباده الذين خلقهم ، نوع الابتلاء الذي يصاب به كل إنسان . ومن رحمته وعدله – عز وجل - أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها ، وبالتالي فكل ابتلاء يخص صاحبه دون غيره وهو أقدر على مواجهته قياسا بالابتلاءات الأخرى .

- التحديات التي تواجه المرأة بخروجها المستمر من البيت من أجل الدراسة أوالعمل أكبر بكثير من التي قد تواجهها وهي ماكثة داخله .

- أماكن الدراسة والعمل تتيح خلوة – مسموحة من المجتمع – بين الرجل والمرأة .

و الخلوة أولى الخطوات نحو الخطيئة .

- ابتلاء سلمى مع محمود ابتلاء عاطفي ، وهو الابتلاء الذي يفرح به الشيطان فرحة عظمى لأنه إن أوصل الطرفين إلى الزنا – و العياذ بالله – يكون قد حقق أعظم انتصاراته .

- تمسكت سلمى بالفضيلة وهرعت إلى الحجاب والصلاة والصوم والدعاء تقي نفسها من الوقوع في الحرام ، واستجارت بجوار ربها فأجارها .وهذه حال كل امرأة تتق الله في الغيب وتقي نفسها من الوقوع مما قد يدنس عرضها ويشوه سمعتها وسمعة أهلها والمجتمع الذي تعيش وسطه . في حين استساغ محمود الحرام ووجد الطريق إليه سهلا والظروف مواتية فلم يتورع عن المحاولة ، ولولا المعارضة الصارمة التي وجدها من سلمى لحدث ما يفرح الشيطان ويهتك الأعراض ويشتت الأسر ويفكك المجتمعات.

- "رفقا بالقوارير"، و" أوصيكم بالنساء خيرا "،قالها المصطفى – صلى الله عليه وسلم – والمرأة ضعيفة بطبعها ، فليتق الرجل الله في المرأة ،و كما تدين تدان ، فمن آذى امرأة اليوم قد يأتي من يؤذي زوجته أو ابنته.

- تحري الحلال والحرام في كل شأن من شؤون الحياة ، الوقوف على الطريق المستقيم ثم الثبات عليه مهما كانت الابتلاءات والمحن .هذا هو طوق النجاة الوحيد من أمواج البحر الصاخبة لهذه الحياة .

- الوقاية خير من العلاج ،وإذا اجتمعت الأسباب حدثت النتائج حتما ،ومعظم النار من مستصغر الشرر. وقد خلق الإنسان ضعيفا ، فالأولى أن يتمسك المرء بحدود الله لا يتجاوزها ما استطاع كي يجنب نفسه الدخول في متاهات قد لا يخرج منها سالما ويخسر بعدها الدارين معا .

- الصدق ، مع الله ، مع النفس ومع الآخرين ، من أهم الأدوية لأدواء اليوم حيث كثر الكذب واللؤم والنفاق والرياء وغيرها من الصفات القبيحة إضافة إلى طغيان الشهوات

وانتشار الملذات وتفشي المنكرات . فالصدق يحل أكثر المشكلات تعقيدا وييسر أكثر المحن صعوبة .و من صدق الله صدقه الله .

- الاستسلام المطلق لأوامر الله و نواهيه ، فالتعدد ما شرعه الله إلا رحمة بعباده ولأنه الحل الوحيد في حالات كالتي مرت بها البطلة في الجزء الثاني من الرواية .

لابد من التضحية بترك الأهواء والرغبات والطباع والمطامع والتسليم المطلق لحكم صدر من رب العالمين و لم يصدره بشر. وهو استسلام و تسليم إن توصل إليه صاحبه فقد أسلم حقا وكان سليم القلب فعلا وكان جزاؤه الخير كله في الدنيا والآخرة.  

2 – هواجس عانس :

العنوسة ظاهرة تفشت في مجتمعاتنا العربية الإسلامية، وانتشرت انتشار النار في الهشيم.نساء من مختلف الأعمار والأوضاع الاجتماعية والثقافية والتعلمية بلا زواج!و قد تمر زهرة شبابهن ولا يتذوقن طعم الزواج ولا الأمومة ولا ينعمن بحياة خاصة بهن كامرأة ما خلقها الله إلا لتكون زوجة وأما ومربية أجيال .

في قالب طريف وليس مأساوي ، تتناول الرواية هذه الظاهرة من خلال عنوسة إحداهن والأسباب والظروف والتفاصيل التي أدت بها إلى هذا المآل ثم النهاية التي لم يتوقعها أحد وهي تتلخص في أن الأمر ، كل الأمر ، مرهون بمشيئة رب العالمين وأن الثقة بالله والرضى التام بما قدر والاستسلام المطلق له – سبحانه و تعالى – لن يثمر إلا خيرا كثيرا في الدارين .

 

 عنوان الرواية :

عنوان بسيط ، مباشر وذا دلالة عميقة لمحتوى الرواية، كما أن لديه نغمة موسيقية محببة تقع من الأذن ومن النفس أيضا موقعا حسنا.ولن أنكر أنه من بين الأسباب القوية التي جعلتني أقبل على الرواية بحماس و دفعتني لكتابتها و إنهائها في أقل من شهر ، هو عنوانها ...هواجس عانس...

فكرة الرواية :

عالم النساء هو العالم المحبب لدي للكتابة عنه لأنه بكل بساطة عالمي ،وهو عالم جدير بالإبحار فيه لمعرفة أعماقه وكشف أسراره وتفصيل خباياه ، و لايمكن أن يفعل ذلك بنجاح غير المرأة وحدها ...أما الرجل فمهما كتب عنه وحاول معرفته والغوص في أعماقه فسيظل عالما غامضا بالنسبة له .ألم يقل أحدهم : مهما حاولت معرفة المرأة فلن تعرف عنها شيئا ! ألم يصفها الكثير من الأدباء بالغموض الذي يكتنفه الكثير من الألغاز ؟ وعالم المرأة حافل بالآلام والمشاكل والمنغصات المختلفة الأشكال والأنواع والدرجات، والعنوسة إحدى آلام العصر الحديث الذي كان نتيجة أسباب كثيرة أدت في النهاية إلى هذا الوباء الذي دفعت المرأة ثمن إصابتها به غاليا.

تنطلق فكرة الرواية من الحياة الجديدة التي تحياها المرأة العصرية ، دراسة حتى بلوغ أعلى الدرجات، وهي لابد لها أن تدرس، ثم ممارسة عمل خارج البيت ،وهي لابد لها أن تعمل كثمرة للتخرج من الجامعة .وبالتالي خروج مستمرمن البيت لطلب الرزق كما يطلبه الرجل يدا بيد وندا للند .هذه الأمور مما لايمكن تغييره في هذا الزمان.ثم تأتي من بين النتائج السلبية لهذا كله عنوسة المرأة وبقائها دون زواج ربما العمر كله.وفي الحقيقة حتى الفتيات الماكثات بالبيت قد لايتزوجن أيضا حتى لا نقول إنها عنوسة المثقفات فقط .

في الرواية تفاصيل حدوث العنوسة في عينة من النساء وهي البطلة سارة والتحديات التي واجهتها والمشاكل النفسية والاجتماعية التي عانت منها نتيجة حتمية لعنوستها ، ثم تأتي طريقة مواجهتها لهذه المشكلة العويصة نجدها في تفاصيل الرواية.

زمن الرواية :

زماننا هو زمن الرواية ،بكل إيجابياته وسلبياته، وكل ماجاء من أحداث فيها إنما هو صورة عما يحدث في مجتمعاتنا العربية والإسلامية من دقائق الأمور وخفاياها .الزمن الحديث ، ما بعد عام ألفين والذي أدخل العالم في متاهات جديدة ، وهو بقدر ما حقق إنجازات علمية وتكنولوجية باهرة بقدر ما عاد خطوات كبيرة وسريعة إلى عالم الجاهلية الأولى .

مكان الرواية :

البيت ،المدرسة ، الجامعة ، أماكن العمل المختلفة من إدارات وغيرها ، وحتى الشارع ، هي الأماكن الرئيسية في الرواية ، وهي الأماكن التي ترتادها المرأة منذ كانت طفلة ، فتلميذة فطالبة فموظفة . كل مكان من هذه الأمكنة له تأثيره عليها ، على نشأتها وتربيتها

وتكوينها ، وبالتالي على شخصيتها وسلوكها وتصرفاتها .وإن كان مكان المرأة في القديم هو البيت فقط ، وكانت قانعة به ،راضية بتواجدها فيه طوال الوقت، سعيدة بالعيش في جنباته مع أهل بيتها أولا ثم مع زوجها وأولادها بعد ذلك ، إلا أنه يضيق عن المرأة العصرية ولم يعد يحتويها أو تشعر هي بالسعادة فيه والعيش داخله بقدر ما ترنو دوما إلى خارجه الذي أصبح المكان المفضل لديها والذي تقضي فيه من الأوقات أكثر مما تقضي في بيتها !!! ومع خروجها من البيت،و ارتيادها لمختلف الأماكن تحدث الكثير من الأشياء والمغامرات والأحداث التي كثيرا ما تهدد المرأة وتكون وبالا عليها وعلى سمعتها

وعفتها في حين تقل هذه الأحداث ، بل تندر، مع بقاء المرأة في المكان الذي خلقت له

وهو البيت حيث تكون بعيدة عن الأنظار المتلصصة والقلوب المريضة .

 

شخصيات الرواية :

سارة : هي الشخصية الرئيسية في الرواية ،البطلة التي حكت حكايتها مع العنوسة منذ بدايتها وكيف وصلت لأن يضيفها المجتمع إلى قائمة العوانس التي تطول ولاتقصر. شخصية واضحة ،صريحة، مرحة ، لم تجعل من ابتلائها مأساة لكنها كانت تنظر إليها بطرافة رغم ما عانته. وهذا يتضح من خلال كل النصائح التي تلقتها في حياتها من المقربين من أهلها وصديقاتها ولم تفلح في أن تأخذ بها أو تطبق بعضها.

وككل امرأة ، مرت بالعديد من التجارب مع الرجل، في الشارع، في العمل ، وحتى في البيت من خلال الهاتف الجوال الذي يعد تعبيرا عن وسائل الاتصال الحديثة التي أتاحت سبل التواصل المختلفة بين الجنسين فأصبح وباء العلاقات الغير الشرعية والقصص العاطفية تهدد المرأة حتى و هي في عقر دارها لا تبرحه !

يوسف : الشخصية التي كان تأثيرها على البطلة أكبر ، وصدمتها فيه أشد من خلال موقف أذهلها .رجل يتقن فن معاملة المرأة و يحسن استمالتهن إليه في يسر.لكنه في النهايةتكتشف البطلة أنه كغيره من الرجال لا يفرق عنهم، ينظر إليها كما ينظر الذئب للنعجة البلهاء !

الصديقات : نساء عرفتهن سارة في مراحل مختلفة من حياتها ، من خلالهن نجد تنوعا لمشاكل المرأة واختلافا في حدتها وخطورتها ،فقطار العوانس ليس وحده القطار الرابض يتهدد المرأة العصرية ، لكن بجواره نجد قطار المطلقات اللواتي يتزايد عددهن بشكل مذهل لأسباب لا تعد ولاتحصى ، ثم نجد قطارا آخر هو قطار الأرامل ، وبالطبع هناك المتزوجات التعيسات في حياتهن ،وقليلات – وربما نادرات - من حظين بالسعادة في حياتهن الزوجية . مقاسمة الهموم والتعاون على إيجاد الحلول لمشكلات الحياة

ومنغصاتها من أهم فوائد تواجد الصديقات في الرواية وفي الحياة ، كما أن اختلاف الأصدقاء و تنكرهم لبعضهم البعض في الأزمات و خيبات الأمل فيهم هي مما تحفل به الرواية أيضا .

أحداث الرواية :

في أسلوب طريف ، تحكي البطلة قصتها مع العنوسة .وربما من المهم أن تكون نظرة الكاتب لأقسى المشكلات نظرة إيجابية طريفة بدل من أن نزيد في حدتها بأن نجعل منها مأساة . فماذا يفيدنا ، أو يفيد القارئ ، حين نبالغ في وصف السواد والعفن وكل ما هو مخيب للآمال غير كوننا نعزز من مشاعر الإحباط والهزيمة والاستسلام ؟ أكثر المحن تعقيدا وأشدها وطأة على النفس إذا ألبسناها لباس الطرافة ابتسمنا ونحن نحكي عنها

وربما ضحكنا بملئ فينا ، فإذا هي – مهما كانت كبيرة – يصغر حجمها حتى تغدوضئيلة تافهة بلا تأثير سيئ علينا ولا تستحق منا كل ذلك العناء .  

تقف الرواية عند ثلاثة أحداث رئيسية مرت بها البطلة نكتشف منها كيف يفكر الرجل وطرق تقربه من المرأة ،وغايته منها . الرجل الغريب الذي لاحقها في الشارع وأحدث زلزالا بداخلها ثم اختفى كما ظهر ليبقى لغزا لم تجد البطلة تفسيرا له .ثم يوسف زميلها في العمل الذي استمالها بطريقته الراقية في التعامل ثم بدر منه موقف مهين ما توقعت سارة أن يصدر منه وكانت صدمتها فيه أكبر من أن تسامحه .ثم يأتي الرجل الذي اخترق جدران بيتها ودخل حياتها من خلال الهاتف الجوال - وقياسا عليه يأتي الانترنت وغيره من وسائل الاتصال الحديثة – و وصل الأمر بهما إلى أن يحددا موعدا للقاء ثم يحدث موقف آخر تذهل له البطلة مرة أخرى وتضاعف صدمتها في الرجال جميعا .

وإن كانت الرواية قد كشفت عن خبايا الرجل من خلال هذه المغامرات الثلاث ، فقد كشفت أكثر عن طريقة البطلة في التعامل مع هذه الأحداث وكيف واجهتها وخرجت منها سالمة ومنتصرة أيضا رغم بقائها عانسا ...و هذه هي الإيجابية في التعامل مع ما تأتي بها الأقدار من مفاجآت .وإننا نتساءل : إن كان هذا هو تصرف سارة ، البطلة ، فماذا يمكن أن يكون عليه تصرف غيرها من النساء اللواتي تعرضن لمثل هذه الوقائع ؟

وإن كانت أحداث الرواية عالجت الأمر ، برغم حميميته وخصوصيته ، بكثير من الرقي والسمو في الأخلاق والآداب والتمسك بمبادئ الدين الإسلامي و بالفضيلة ، فماذا عن أحداث الواقع الذي نعيشه ؟ 

     

النهاية :

نهاية الرواية ربما لم يتوقعها القارئ ، ولا المؤلف نفسه ! ولأعترف هنا أنني كنت أضع في ذهني نهاية مختلفة تماما عن التي فرضت نفسها وتكفل القلم بكتابتها واليد بالانصياع في مؤامرة ضد رغبة لم تكن جامحة في نهاية أخرى ،في حين أدى هذا التآمرإلى نهاية وجدتني عند الانتهاء من كتابتها أبتسم رضى بها .النهاية سعيدة بطبيعة الحال ،فأنا أكره النهايات التعيسة والمأساوية.ألا يكفي الإنسان الهموم التي يحملها قلبه في حياته الواقعية ؟ ألا تكفي الابتلاءات والمحن التي يمر بها كل واحد منا ؟ أنجد مزيدا من الحزن والأسى وخيبات الأمل في الروايات والقصص أيضا ؟ ثم إن النهاية تقول أن من يصبر ويتق الله يمنى بفرج أكيد ولو بعد حين .أليست نهاية البطلة سارة كنهاية العديد من الأنبياء ممن رزقوا رزقا كريما عن كبر بعد طول انتظار وصبر ؟ فلم لا تكون نهاية قصصنا ورواياتنا كنهاية من رضي الله عنهم فرضاهم ولوفي نهاية العمر.

ثم إنني في إهداء الرواية أردتها -  بسمةَ أمل، بلسمَ جرح وعَزاء عن كلِّ الآلام- فهل يتأتى ذلك إلا بنهاية سعيدة تنام على إثرها القارئة وابتسامة على شفتيها وآمال كبيرة قد تفتحت في نفسها وثقة جديدة قد تعززت بربها ؟   

 

الدروس و العبر :

في رواية – هواجس عانس – عبر كثيرة ، ولأنهاموجهة للنساء أكثر فإن أغلب عبرها موجهة لهن أيضا . ولنذكر هنا بعضها :

- في بداية حياتنا لا يمكن أن نعرف كيف ستكون نهايتها ،فمن الحكمة التمسك بالدين في البداية كي نضمن حياة آمنة في النهاية .

- الزواج ، الطلاق، الترمل ،العنوسة ...هي من تقدير العليم الخبير ." قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ".والرضى بما قدر الله هي أولى الخطوات نحو الانفراج .

- قلب المرأة لا يملأه غير الرجل ، وهي نصف لا يكتمل إلا بتواجد النصف الآخر في حياتها .فطرة الله التي فطر الناس عليها . 

- في زمن كثر فيه خروج المرأة للدراسة أو العمل ، وأصبح احتكاكها بالرجل متاحا في معظم الأماكن التي ترتادها ، ازدادت نسبة العوانس ! في حين لم يكن لهذه الظاهرة وجود عندما كانت المرأة مخبأة كالجوهرة في بيتها لا يراها أحد !

- المرأة ، في زهرة شبابها ،تمر بمغامرات عاطفية بطرق شتى أتاحها العصر الحديث ، إن لم تسع هي إليها اقتحمت باب قلبها دون استئذان .إلا أن ذلك لم يحل أو يقلل من نسبة العوانس ! وهذا ما حدث للبطلة التي مرت بتجارب ثلاث كانت انتكاستها وخيبة أملها في كل واحدة أكبر من الأخرى !

- المرأة هدفها من كل مغامرة عاطفية أو قصة جديدة تجمعها برجل هو الزواج الحلال، فتح بيت وإنجاب أطفال . وهي – من أجل تحقيق ذلك – قد تسلك كل السبل وتبذل كل الجهود كي يحدث قبل فوات الأوان ، أما الرجل فلا يطرق باب الحلال إلا بعد أن يرتوي من الحرام وتكون ضحاياه من النساء بعدد تجاربه ومغامراته .

- من خلال التجارب الثلاث للبطلة ، تقوى الله غائب عند معظم الرجال .والمرأة مستهان بها وهي مطمع للقلوب المريضة ، ناهيك عندما تكون مطلقة أو أرملة فإن الأمر أدهى

و أمر .

- عالم المرأة حافل بالآلام التي يكون سبب أغلبها الرجل ، وكأن علاقة المودة والرحمة والتكامل قد استحالت غير ذلك في عصرنا كرمز من رموز التقدم والتحضر.ولكل امرأة

– سواء في الرواية أو في الحياة – حكاية تحكيها بدموع عينيها وآهات نفسها ، وليت الآلام توقفت عندها ، لكنهات تنتقل إلى أولادها لتتضاعف بعدها مولدة آلاما بأبعاد جديدة أكثر خطورة كالداء المستعصي الذي إذا انتشر في الجسد لم يبرحه حتى يقضي عليه .

- من يمكنه إنكار كيد النساء ومكرهن ؟! ففي كثير من الأحيان يكون الرجل هوالضحية

وتكون المرأة هي الجلاد ! فهي إن تمردت – وغالبا ما تتمرد – أتت على بيتها من القواعد فهدمته غير مبالية بالنتائج . فإن كان منتهى آمال العانس والمطلقة والأرملة أن يضمهن جناح رجل ، فإن كثيرا من المتزوجات يجحدن النعمة وينكرن الفضل ويتمردن على الرجل الزوج فيحلن حياته إلى جحيم لا يطاق . و لولا الأولاد لما بقي بيت قائم إلا قليلا .

- الصبر مفتاح الفرج . فصبر بطلتنا على المحن التي مرت بها وتمسكها بدينها

وأخلاقها ،أثمر زواجها بمن تحب ولو في آخر عمرها ! وكانت هي الزوجة والحبيبة  في حياة رجل هو الزوج والحبيب . ولا أحد يعرف متى تأتيه السعادة الحقيقية على طبق من ذهب ، فينهل منها حتى يشبع و ينسى ،وهو غارق في السعادة ،كل أحزان الماضي البعيد .

الخاتمة :

هذا البحث جولة في عالم الروايتين – على المحك – و – هواجس عانس – اللتان حاولت أن أغوص – من خلالهما - في عالم المرأة العميق عمق البحار ، الواسع سعة الصحراء الغامض غموض الأقدار . ويمكن لقارئ الروايتين معا أن يجد بعض التداخل بينهما ،

وسبب ذلك أنهما يتطرقان لمواضيع متداخلة في حياة المرأة : موضوع العلاقات الغير الشرعية ، والحب الذي يولد بين جدران أماكن العمل في الظلام بعيدا عن الأعين حيث تتداول أسماء للمرأة مهينة وغير مشرفة كالعشيقة والخليلة ، ثم موضوع الزواج العرفي ، والزوجة الثانية ... ومآل كل هذه الأمور في نهاية المطاف إن أخضعت لشرع الله .

ثم موضوع العنوسة بجميع أبعادها حيث يكون للعلاقات العابرة أيضا حضورا قويا

وتأثيرا جوهريا على سير الأحداث لتنتهي هي أيضا نهايات تختلف بحسب شخصية أبطال الرواية وقناعاتها وتقواها لله و تمسكها بأسباب النجاة .و رغم أن الرواية الثانية تعالج مشكلة العنوسة بإسهاب إلى أنه يمكن اعتبار ما مرت به البطلة ابتلاء أيضا وبالتالي فقد وضعت هي الأخرى على المحك لتمتحن ... فهل تراها نجحت في الإمتحان ؟ وهنا جوهر التداخل بين الروايتين معا ، أن البطلتين إضافة لكونهما امرأتان ، فهما قد تعرضتا كلتيهما لامتحان وإن اختلفت نوعيته وحدته وطرق مواجهته ومن ثم نهايته .

الصراع بين الفضيلة والرذيلة ، بين الحلال والحرام ، بين الحق والأهواء والشهوات

والمغريات ، الصبر على الابتلاءات والمحن مهما يكن نوعها ،الثبات على الطريق المستقيم و التمسك بحبل الله ،التماس أسباب النجاة ثم الصدق ... هذه كلها محاور الروايتين معا .

فوجهة النظر الإسلامية في مواضيع حساسة وشائكة كالتي عالجتها الروايتان ، لابد وأن تكون من الوضوح بحيث لا تقبل التأويل والالتواء ، فتعترف بما يخالج النفس البشرية من ضعف وما يصدر عنها من أخطاء وما يتصارع فيها من تناقضات ، وفي نفس الوقت تعيده إلى شرع الله كمقياس يقيس عليه مشاكله ويجد لها الحلول من خلالها . ثم إننا نتمنى أن تقدم الروايتان إضافة للأدب الإسلامي الذي يبني ولا يهدم ويصلح ولايفسد ويزرع في الأنفس الآمال الكبيرة في دين فيه عزنا ونصرنا وكرامتنا حتى في التفاصيل الصغيرة للعلاقات العاطفية التي عالجتها الروايتان .

المراجع :

- صورية مروشي ، على المحك ، الجزء الأول ، دار رواية للنشر ، لندن ،  2011

- صورية مروشي ، على المحك ، الجزء الثاني ، دار رواية للنشر ، لندن ،  2012

- صورية مروشي ، هواجس عانس ، دار الألوكة للنشر ، الرياض ، المملكة العربية  2013السعودية ،