لحظات تاريخية للتوظيف الفني

د.عماد الدين خليل- العراق

يقدم لنا التاريخ الإسلامي على امتداده في الزمن والمكان، خبرات مترعة بالصدق والحيوية.. ولحظات مشحونة بدراما الحياة البشرية بكل ما تنطوي عليه من آلام وأحزان.. وأفراح ومسرات.. وهزائم وانتصارات.. لحظات تمتد عميقاً لكي توغل بوهجها ولهبها في أعماق الإنسان.. وتمضي أفقياً لكي تطوي تحت جناحيها أمماً وجماعات وشعوباً.

وفي كل الأحوال يجد الأدب والفن الإسلامي فرصته الذهبية للتوظيف، ليس باستعادة الواقعة التاريخية كما رواها المؤرخون في طولها وعرضها، وإنما بكسر قشرتها الخارجية والمضي إلى روحها ونسفها لكي نستنطقها، فإذا بها تقول للأديب والفنان ما لم تقله للمؤرخ.. بكل تأكيد..

وكما أن بمقدور الأديب والفنان المسلم أن يستمد من "الواقع" مادته الأساسية في بناء أعماله القصصية والروائية والمسرحية، فإن بمقدوره – كذلك – أن يمضي إلى التاريخ لكي يقف عند لحظاته المشحونة القديرة على منحه ما يريد..

إننا في عصر الفضائيات التي أخذت تلتهم الأعمال الأدبية والفنية (إذا صح التعبير) وتتطلع للمزيد.. وعلى الأديب والفنان المسلم أن يلاحق هذا الذي تريده الفضائيات لكي تخاطب به ملايين المشاهدين.

ولكن الذي يحدث – للأسف – أن الأديب والفنان المسلم انسحبا من الساحة في معظم الأحيان، وتركاها لأولئك الذين دخلوا على تاريخنا برؤية مهجنة حيث تمت عشرات، وربما مئات من محاولات التزييف والتحوير والتزوير على حساب نبض هذا التاريخ وملامحه المتميزة.. فيما لم ينزل به الله سلطاناً.

وثمة مأخذ آخر يتحتم الالتفات إليه لدى أي حديث عن التوظيف الأدبي والفني للتاريخ.. ذلك هو التكرار.. والنمطية.. والتمركز عند مراحل محددة من هذا التاريخ، وترك المساحات الأوسع المترعة باللحظات المشحونة التي إذا أحسن اختيارها فإنها ستقدم أعمالاً متألقة..

ومن منا لا يتذكر – على سبيل المثال – العديد من أعمال الأديب الفنان الدكتور وليد سيف؟ أو يتذكر مسلسل (ليلة سقوط غرناطة) الذي أحسن مؤلفه ومخرجه اختيار اللحظة التاريخية التي لم تمتد إليها من قبل يد أديب أو فنان؟

ومن منا لا يتذكر فيلم (عمر المختار) الذي أخرجه مصطفى العقاد (رحمه الله) والذي يعكس برؤية في غاية الشفافية وحشية الغربي المتفوق في هذا العالم وإنسانية المسلم الذي يدافع عن أرضه وعرضه وشرفه؟

إن على أدبائنا الإسلاميين أن يشمروا عن ساعد الجد من أجل تجاوز هاتين الخطيئتين.. عدم توظيف التاريخ، أو محاولة اجترار حلقات محددة منه فحسب.

وحينذاك ستشهد الشاشة الصغيرة التي يتحلق حولها ألوف المشاهدين وربما ملايينهم.. دفقاً من الأعمال التي تعرف كيف تحترم نبض هذا التاريخ وخصوصياته، وتفجر – في الوقت نفسه – كل مكنوناته التي تتجاوز الحركة في الطول والعرض وتمضي موغلة إلى الأعماق.