قراءة في نص (الوحوش داخلي نائمة)

للشاعرة سوزانة خليل

جوتيار تمر

(الوحوش داخلي نائمة)

سوزانة خليل

صرير مفتاحك قاسٍ

لا تستعمله كثيرا وأنت تفتح الطابق الأخير للذاكرة

أو حتى قلبي

يسيل الصدأ مثل غابة

تحترق كل التفاصيل

(علمني حبك أن لا أحبو أمامك فتتلاشى أنوثتي)

أنا لا أنتهي

لم أبدأ بعد

ولأن قلمي قواد الخطيئة

وكلماتي ترتدي ثوب عهرها

قررت أن الازم سريرنا بين الغيوم

ريثما نتساقط كــَ أمطار

على صفحات آثام غيرنا

فنغسل ببطء مرورنا في هذه الحياة

(قف..أنت تشبه إشارة المرور وأنا مثل سيارة عابرة!)

قراءة : جوتيار تمر

(الوحوش داخلي نائمة(

ليست الوحوش هنا كلمة استفزازية بقدر ان " الياء" في داخلي ،، لأن الصورة لاتظهر بمظهرها الكامل الا من خلال ارجاع الوحوش الى المكانية التي هنا تكمن في الذات الشاعرة نفسها، مما يحيلنا الى تحوير الرؤيا الناجمة عن "الوحوش" الى مصبات اخرى رامزة تقبل تعددية تأويلية من جهة،، وتقيد التفسيرات التي قد تحول دون التلذذ بقيمة الصورة الشعرية وعمق الدلالة  في توظيف الشاعرة لهذه الكلمة كعنوان ومدخل اساس للنص،، ولعل "نائمة" هي الماء المسكوب على البركان "الوحوش داخلي"  لكونها تمنطق الرؤية وفق معطيات موروثة عن ماهية النفس البشرية اجمالاً لكنها في الوقت نفسه لايمكنها ان تجبر المتلقي على الانقياد التام لذلك المنطق المخصوص لكون الشاعرة جادة في وصف الداخل بتلك الصفة الجمعية الواردة، خاصة انها لم تقل الوحوش في داخلي نائمة او حتى ان تقدم النوم على الداخل فقد وجدنها تستغني عن حرف الجر وعن ذلك لتضعنا امام صورة واضحة معالمها من حيث الظاهر الدلالي،، والصورة ليست مفتعلة لحاجة بقدر ما هي تصوير ناظوري للحالة التي تريدنا ان نعايشها معها وفق معطياتها ورؤاها التي تنم عن وعي تام بما تقول وبما تريد ان ترسم وتوصل.

صرير مفتاحك قاسٍ

لا تستعمله كثيرا وأنت تفتح الطابق الأخير للذاكرة

أو حتى قلبي

يسيل الصدأ مثل غابة

تحترق كل التفاصيل

التماهي بين الرؤية والموقف، بين اللغة والصورة،، وانفلات التماهي الى محاكاة طبيعية تمس الذات الشاعرة والذات الاخرى الموجه اليها الخطاب،، والمثير في ذلك التماهي هو ربط الذاكرة بالقلب، وعند المحاكاة هو ربط المفتاح وصريره بالصدأ،، وبناء العلائقية الوصفية التشبيهية بالغابة المحترقة،، حيث سرعة التنقل بين هذه الايقونات خلق موجبات صورية تعتمد على السرعة الحركية للفعل ودلالاته من جهة، وعلى الايقاع الذي يترك اثره على نفس المتلقي من جهة اخرى،، لأن الغرض من توظيف كل ذلك هو السائد عند ذكر المفتاح،، الا وهو فتح شيء ما ،، وهنا الشيء المراد فتحه ليس الا ذاكرة ممتلئة بالكثير مما يستوجب حرق الغابة، ومنتمية في الوقت ذاته الى "الياء" في داخلي،، ولنراقب معاً الى ماذا يمكن ان يتحول الصراع بين"ياء" تمس الذات الشاعرة والتي تسكنها الوحوش النائمة، وبين "الكاف" التي ارادتنا الشاعرة ان نستشعرها في"مفتاحك".

(علمني حبك أن لا أحبو أمامك فتتلاشى أنوثتي)

 عملية الخلق الشعري هنا ارأت التناص سواء على المتسوى الايقاعي ام اللغوي وحتى التصويري،، وهذا التناص مبني على توظيف مغاير وذلك لتسريع الحراك المشهدي القائم على الصراع "لا" التي تكررت هنا ولكن ليس للغرض الذي وظفت من اجله في المطقع السابق " لا تستعمله" فهناك كانت واضحة طلب بصيغة امرية وربما بصيغة مرافقة بعتاب داخلي عميق متمكن من الروح والعقل والذاكرة معاً، لكنها هنا " لا أخبو.." دفاعية اكثر،، لكونها تمارس فعلتها الانثوية التي تريد ان تتمرد على الضعف المراد لها،، لتظهر قوتها في الرفض الظاهري،، الملتحف بالخوف من فقدان ما هي تنتمي اليه، على الرغم من انها ترجع الفضل الى حبه.

أنا لا أنتهي

لم أبدأ بعد

ولأن قلمي قواد الخطيئة

وكلماتي ترتدي ثوب عهرها

قررت أن الازم سريرنا بين الغيوم

ريثما نتساقط كــَ أمطار

على صفحات آثام غيرنا

فنغسل ببطء مرورنا في هذه الحياة

(قف..أنت تشبه إشارة المرور وأنا مثل سيارة عابرة!)

الانتهاء المتبوعة ب"لا" التي تفسر حالة "أنا" غريبة هنا،، خاصة انها اتت بعد موقفها السابق وعدم قبول التلاشي، فطالما لن تتلاشى اذا فهي لاتنتهي، لكن عندما تعود الشاعرة  لتؤكد وجودها التجأت الى كلمة متاحة جداً وهي لاتتماشا مع عمق الدلالات اللاحقة التي وظفتها،، لكنها على مايبدو مؤمنة بان "لا انتهي" رسالة يجب ان يدركها الاخر بوضوح لذا تعلن عن حالتها،، التي تنعكس على النسق الشعري لديها،، لانها طالما ذكرت النهاية لابد ان تلجأ الى التضاد، فكانت ان اقحمت البدأ بعد جزمها للحالة،، ولكن كل ذلك يمكن تجاوزه امام التوظيفات المعجمية الاخرى التي تلتها، لكونها اتسمت بالوحشية المستفيقة وليست النائمة في الذات الشاعرة، فمثل هذه الدلالات بجرأتها تجعل أي قارئ يتجاوز الصور السابقة ليتأمل بتأني الانفعالات الهائجة هذه التي اقحمتها الشاعرة في جسد القصيدة،، والتي من خلالها تظهر انصياعها من جهة لواقع حالتها،، ومن جهة اخرى تتخذ قراراها من الموقف الحاصل اجمالاً، والمدهش هنا هو ان "الياء" التي استخدمت في داخلي عادت هنا في "قلمي،، كلماتي" بتلازمية توحشية ترجع المضمون الى العنوان، وليتحول حراك النص باكلمه الى مصبات الثنائية التي ابرزتها الشاعرة في موقفها النهائي وقراراها الاخير: سريرنا،، نتساقط،، فنغسل،، مرورنا..." حيث النون بتصنيفاتها هنا تشير بوضوح الى الثنائية التي تردينا الشاعرة ان نتفهمها لاسيما انها هنا مغايرة لمجريات ال"لا" التي كانت تبعث على الرفض والتضاد من قبل،، والتي تكللت في القفلة برؤيا جوانية  شبه ساخرة من قبل الذات الشاعرة على مجريات القصة بمجملها.