من ماء زمزم

ثلاثية

(من ماء زمزم)

د.عودة أبو عودة

جامعة العلوم الإسلامية العالمية/ الأردن

في موسم الحج في العام الهجري 1432هـ، الذي وافق نهاية شهر تشرين الأول وبداية شهر تشرين الثانـي من عام 2011م، شرفني الله عز وجل بأداء فريضة الحج. وفي يوم السبت الواقع في التاسع من شهر ذي الحجة، 1432هـ، الموافق للخامس من شهر تشرين الثانـي 2011م، كانت وقفة عرفات، أجلّ أيام السنة وأعظمها أجراً عند الله، وفي هذا اليوم الفضيل أرسلت عبر الهاتف الخلوي رسالة إلى صديقيَّ الكريمين، الشاعر الكبير، الأديب الناقد، الدكتور حسن الأمراني أستاذ النقد الأدبي في جامعة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة، والسيدة الفاضلة نبيلة الخطيب رئيسة المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي في الأردن، - شاعرة العرب الأولى- وهذا لقب أطلقته عليها مؤسسة جائزة عبدالعزيز البابطين/ الكويت، لفوزها بالجائزة الأولى في مسابقة الشعر العربي مرتين، في عامي 2001م و 2008م.

في تلك الرسالة كتبت إلى كل منهما بيتاً واحداً من الشعر قلت فيه:

ماذا وقوفكما في البان والعلم          والناس من كل فج في ذرى الحرم

وفي أقل من ساعة، أرسل إليَّ الأخ الكبير الدكتور حسن الأمراني رداً في بيت واحد من الشعر، قال فيه:

اهنأ بزورته يا زائر الحرم     وانشقْ نسيم الرضا من بارئ النّسم

وبعد فترة وجيزة أَرْسَلَتْ إليّ السّيدة نبيلة الخطيب ثلاثة أبيات قالت فيها:

وما ارتحالك فرداً قاصد الحرم         وصاحباك على شوق كما الضّرم

أما تواعدت الأرواح ذات ضحى      على الوفاء بعهد غير منفصم

عهد زرعناه فاخضرت جوانحنا        قد خُطّ بالدمع لا بالحبر والقلم

فاقترحت عليهما أن تكون هذه الأبيات مطالع ثلاث قصائد نكوّن منها الثلاثية الثالثة معاً، بعد ثلاثيتي: (أقرئه عنى الجوى) وثلاثية (في البيت العتيق)، وقد كان.

من ماء زمزم

من شعر الدكتور عودة أبو عودة

جامعة العلوم الإسلاميّة العالمية

كتبت في أيام موسم الحج في عام 1432هـ - 2011م.

قراءة وعرض وتحليل أ. د. يحيى عبابنة

أستاذ اللغويات – جامعة مؤتة - الأردن

ما من شكٍّ أن لقصيدة البردة للبوصيري أثراً  كبيراً ظلَّ ماثلاً للشعراء على اختلاف منازعهم، فقد استمروا ناظمين ومتأثرين ببهاء موضوعها إلى يومنا هذا، ولا سيما أنَّ البوصيري مَزَجَ فيها بين حبِّ المسلمين لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وشعائر الدين الإسلامي والأمكنة المقدَّسة مزجاً يكاد يصل إلى حدِّ الاتِّحاد التام، ونحن لا نكاد نجد مسلماً من المسلمين لا يذوب وَجْداً عند هذه العناصر الثلاثة.

ومن هؤلاء الشعراء الذين صاغوا هذه العناصر وجداً وتصوفاً الشاعر الدكتور عودة أبو عودة، الذي نظم هذه المطوَّلة التي وصل عدد أبياتها إلى أكثر من ثمانين بيتاً، تعدُّ واحدة من المعارضات الكثيرة للقصيدة الأولى التي تسمى البردة، والصورة المعارضة الأولى التي تسمى: نهج البردة لأمير الشعراء أحمد شوقي.

ومما لا شكَّ فيه أنَّ قصيدة (نهج البردة) التي مطلعها:

قد نالت شهرة واسعة بين مثيلاتها من القصائد التي عارضتها لشهرة قائلها التي طبَّقت الآفاق، وللغة الغنية التي توهّجت فيها، ولنزعة الصوفية التي وصلت إلى درجة الوله والذوبان، وهي أمور تمكَّن منها أحمد شوقي تمكُّناً كبيراً كما هو واضح من تسخير الطاقات الكامنة في اللغة المستعملة.

 وقد تمكَّن الشاعر الدكتور عودة أبو عودة من استلهام قصيدتي: البردة ونهج البردة استدعاء للشكل والمضمون في أثناء موسم الحج لعام 2011 ونظم قصيدته معارضاً إياهما، واستطاع أن يجد فيها معاني يستظلُ بها ليس بعيداً عن دلالاتهما التي اتّخذها مادة لغوية تعبِّرُ عن عشقٍ خاص لا يبتعد عن عشق البوصيري أو أحمد شوقي، وصاغ ذلك ضمن مباراة شعرية  ثلاثية اشترك فيها مع الشاعر حسن الأمراني والشاعرة نبيلة الخطيب، معارضِينَ قصيدةَ البردة للبوصيري أو نهجها لأحمد شوقي، فقد أرسل لهما الشاعر مطلع قصيدته:

فجاءه رد الأمراني بيتاً من الشعر:

وهو ردٌّ يستوحي معناه من الناحية العقدية، دون أن يكون له من معارضة البردة أو نهجها إلا الناحية الفنية، فقد جاء النص موازياً للقصيدتين ولقصيدة عودة أبو عودة من حيث الوزن والقافية مشتركاً معها في حركة الرويّ أيضاً.

كما جاءه رد الشاعرة نبيلة الخطيب ثلاثة أبيات على الوزن نفسه والقافية إياها:

ومـا ارتحـالك فرداً زائر الحــــرمِ        وصاحباك على شوقٍ من الضَّرَمِ

أما تواعدت الأرواح ذات ضحى    على الوفاء بعهــــدٍ غير منفَصِمِ

عهد زرعناه فاخضرت جوانحنا    قد خُطَّ بالدمعِ لا بالحبر والقلمِ

ولا يختلف ما يمكن أن نقوله في هذه الأبيات عما قلناه عند الحديث عن بيت حسن الأمراني.

ثمَّ دأب الشعراء على إتمام قصائدهم على هذا الوزن والقافية والموضوع، لتكون ثلاثية أخرى من ضمن الثلاثيات التي كتبها الشعراء، غير أنَّه لم يتسنَّ لي الاطلاع على نصي الشاعرين: الأمراني ونبيلة الخطيب، إلا بما زودني به الشاعر الدكتور عودة أبو عودة

   يتخذ الشاعر عودة أبو عودة من مناسك الحج سلسلة من الأحداث التي يوظفها في القصيدة من أجل الخروج بنصٍّ يحمل طابعاً قصصياً يعتمد على سرد الأحداث، ويتمثل بالمناسك التي يؤديها الحاج عند أدائه تلك الفريضة العظيمة، فهو ينتقل بالقارئ من الطواف إلى السعي، وصلاة ركعتين عند مقام إبراهيم، ثم شرب ماء زمزم، ولا ينسى في غمرة هذه المشاعر أن يذكر بعضاً من الترابطات التاريخية والدينية التي ترتبط بتلك المناسك، كقصة سعي "هاجر" بين صخرتي الصفا والمروة بحثاً عن الماء، ثم عند رجوعها إلى صغيرها "إسماعيل" النبي عليه السلام، وجدت ماء زمزم قد انبجس من تحت قدمي سيدنا إسماعيل.

     وبعد أن يذكر الشاعر هذه المناسك التي يقوم بها الحاج في أثناء أداء فريضة الحج، يعود بالاعتذار للنبي الكريم هادي هذه الأمة عن تقصير أمته في التمسك بسنته الغراء، فالشاعر يرى أن المسلمين قد تركوا السنة النبوية، ومن هنا فهو يعتذر لهم من النبي الكريم، ويبين أنهم أمة مجيدة، سرعان ما تعود إلى  الحق والصراط المستقيم، ولذا هم يطمعون بمغفرة الله تعالى وعفوه.  

  ويختم الشاعر قصيدته الطويلة التي بلغت ثمانين بيتاً بحثّ المسلمين على العودة إلى طريق الدين القويم، والتمسك بأوامر الله تعالى ورسوله العظيم، والفرار إلى الله تعالى، فهو الذي يثبت القلوب والأقدام عند الجهاد.

بعض الظواهر الفنية في القصيدة:

    ومن أبرز الظواهر الفنية التي نلحظها في قصيدة "من ماء زمزم" التناص، سواء أكان هذا التناص مباشراً أم غير مباشر، إذ يمكننا أن نلمس عناصره من خلال عدد ليس قليلاً من أبيات القصيدة، فالشاعر متأثر بالقرآن الكريم في عدد من الأبيات، وهو تأثر متوقع منه، فهو يتحدث عن مناسك عظيمة وهي مناسك الحج، ومن هنا فمن الطبيعي جداً أن يتأثر بعناصر هذا الدين، والقرآن الأصل النصي العقدي لديننا وعقيدتنا، وفيه أوامر ونواهٍ كثيرة تأخذ جوانب متعددة من حياتنا الدينية وأعمالنا اليومية، ويظهر لنا التناص مع القرآن الكريم في قول الشاعر:

    فهذا البيت يحوي تناصاً غير مباشر مع قوله تعالى: "هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم"، (الحديد: 3)، ومن المواضع التي يظهر لنا فيها التناص واضحاً مع القرآن الكريم قول الشاعر:

ولقد جاء الشاعر بهذا البيت في حديثه عن أسرار القدوم إلى الكعبة المشرفة، والطواف حولها، فهو يتساءل هاهنا عن السر العظيم الكامن وراء مجيء الناس بهذه الأمواج إلى بيت الله الحرام، فهل نسبة البيت إلى الله هو السر؟ يرى الشاعر أن هذا السبب من أعظم الأسباب التي تدعو الناس إلى المجيء إلى الكعبة المشرفة للطواف بها.

والبيت السابق يلتقي مع آية قرآنية، وهي قوله تعالى: "... أن طهّرا بيتي للطائفين والعاكفين والركّع السجود"، (البقرة: 125).

ويظهر لنا أيضاً التناص مع القرآن الكريم في قول الشاعر:

فصدر البيت يلتقي مع نص آية قرآنية كريمة، وهي قوله تعالى: "وإذ يرفعُ إبراهيمُ القواعدَ من البيت"، (البقرة: 127)، فالتناص في هذه الآية الكريمة تناص غير مباشر.

ومن مواضع التناص أيضاً قوله:

فهذا البيت واضح التناص مع القرآن الكريم، وذلك في قوله تعالى: "يا أيُّها الذين آمنوا إنْ تنصروا اللهَ ينصرْكم ويثبتْ أقدامكم"، (محمد: 7)، ولقد بيّن الشاعر في عجز البيت السابق ما يجنيه المؤمن من نصرة الله تعالى، فالله يثبت القلب والقدم عند الجهاد.

   ومن مواضع التناص القرآني قول الشاعر في البيت الأخير:

    فهذا البيت متأثر بقوله تعالى: "ففِرّوا إلى اللهِ إني لكم منه نذير مبين"، (الذاريات: 50).

    وكما أشرنا من قبل، فإنه من المتوقع من الشاعر أن يتأثر بالقرآن الكريم؛ فهو في مقام يدعوه إلى ذلك، وما يعرفه الناس عنه أنّه يتخذ من الخلق الرفيع جزءاً من العقيدة نفسها، خصوصاً أن القرآن قد ذكر عدداً من مناسك الحج، وذكر كثيراً من الأمور المتعلقة بالبيت الحرام كبناء إبراهيم وإسماعيل للكعبة المشرفة.

    ولا يبتعد الشاعر عن التناص بالقرآن الكريم إلا وهو يجعل منه مع الحديث الشريف جزءاً من كلامه، حيث ذكر في قصيدته:

   فهذا تأثر بالحديث القدسي الذي يسأل فيه الله تعالى عن سبب مجيء المؤمنين إلى عرفة يوم التاسع من ذي الحجة، فيجيب الملائكة بأنهم جاءوا من أجل مغفرة الله تعالى، ومن أجل رحمته، فيقول سبحانه: فإني أشهدكم أني قد غفرت لهم، فمن هذا الحديث القدسي الشريف انطلق الشاعر في بيته السابق، حيث جعل من هذا النص طريقاً لبيان الأجر العظيم الذي يناله المسلم بعد وقوفه بعرفة. ومن التناص مع الحديث الشريف قول الشاعر:

فهذا الشطر من البيت يلتقي مع نص حديث شريف، يقول الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "أيام منى أيام أكل وشرب"، غير أن الشاعر قد أعاد ترتيب الحديث من أجل أن يحافظ على نسق القصيدة الموسيقي، ولا يخرج بها عن جادة الوزن.

ويتعدى الشاعر في تناصه القرآن والحديث الشريف ليتخذ من قصائد المديح النبوي مصدراً للإلهام، ومنبعاً لبعض الصور الشعرية، كما في عجز بيت من قصيدته:

جعل الشاعر هذا البيت بين علامتي تنصيص في إشارة منه إلى أنه مأخوذ من قصيدة أخرى، وهي قصيدة "ريم على القاع"، حيث يقول أحمد شوقي فيها:

ولا ينسى الشاعر أن ينتج تناصاً بين قصيدته وقصيدة البردة للبوصيري، وهي القصيدة التي ألهمت الشعراء عبر قرون مضت عناصر شتى في المديح النبوي، إذ يقول الشاعر في بيت من أبياته:

    فهذا البيت يلتقي مع قول البوصيري:

وليس أدل على رغبة الشاعر في الإحالة على النص الأصلي مظهراً تقاطعه مع الأصل، أنه جعله بين علامتي تنصيص.

المباراة الثلاثية في الشعر العربي:

لا يسجِّل هذا النوع من المباريات الشعرية الثلاثية حضوراً كبيراً في التراث العربي القائم على الوجدانيات الإيجابية، بل جلُّ ما نجده في مثل هذا الأمر واقع في فن النقائض وإن لم يلتزم المعيار الصارم للقافية الشعرية، كما في هذه النصوص التي كتبها الدكتور عودة أبو عودة وحسن الأمراني ونبيلة الخطيب، حتى في النقائض الثنائية أحياناً، فقد غَيَّرَ جرير من حركة الروي في قصيدته:

فجاءت حركة الروي مكسورة، وهي القصيدة التي ناقض فيها قول الفرزدق:

وحركة الروي في هذه القصيدة هي الضمّ، ومما يجدر أنَّ هاتين القصيدين من أول ما أثار معركة النقائض بين الشاعرين الأمويين.

وأما المناظرة الثلاثية، فلا نكاد نعرف لها إلا نظائر محدودة، في النقائض أيضاً، ولعل أهمها ما هجا فيها الأخطلُ جريراً بقوله:

فأجابه جرير في نقيضة على الروي نفسه:

هجا فيها الأخطل والفرزدق معاً، منطلقاً من الناحية الفنية نفسها، ومن المعجم الاستعمالي أيضاً، مما دفع الفرزدق إلى الردِّ عليه مناصراً الأخطل بنقيضته:

وأما على مستوى معارضة المعارضة فإنَّ هذه المناسبة تكاد تكون مصنوعة هادفة إلى معارضة ميمية شوقي (نهج البردة):

فانطلق الشعراء الثلاثة من هذه القصيدة قالباً شعرياً ومعجماً رفيع المستوى، واشتركوا معها دون إخلال بالناحية الفنية، فقصائدهم مستقيمة غير مختلة في بيت واحد من أبياتها على مستوى القافية والوزن وحركة الروي، والشكل التراثي الصارم الذي لا يسمح بالانزياحات الحادّة.

وأما الأصل الذي عارضه شوقي، فهو قصيدة البردة أو قصيدة البُرأة أو الكواكب الدريَّة في مدح خير البرية، إحدى  أشهر القصائد في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلّم، كتبها محمد بن سعيد البوصيري في القرن السابع الهجري، وقد أجمع معظم الباحثين على أن هذه القصيدة من أفضل ما قيل في هذا الموضوع إن لم تكن أفضلها، حتى قيل: إنها أشهر قصيدة مدح في الشعر العربي بين العامة والخاصة، وقد انتشرت هذه القصيدة انتشاراً واسعاً في البلاد الإسلامية، يقرأها بعض المسلمين في معظم بلاد الإسلام، وأقاموا لها مجالس عرفت بـ مجالس البردة الشريفة، أو مجالس الصلاة على النبي، فالبوصيري هو الأستاذ الأعظم لهذا الموضوع، على الرغم من أن أحد الشعراء قد خصَّص ديواناً ضخماً لمدح الرسول صلى الله عليه وسلّم، وهو الصرصري.

ومن القصيدة:

ومهما يكن من أمر الاختلافات في المعجم اللغوي بين هذه القصائد، فقد استطاع الشعراء الثلاثة بما يملكون من معجم تراثي رائع أن يصنعوا نصاً من النصوص الموازية القائمة على التأثر دون الانسياق إلى أجزاء الأصل المتمثَّل، وهو نهج البردة على الأرجح الذي ارتكز على عبقرية شوقي في معارضته البوصيري، وأنتجوا نصاً يمتاز بالقصدية في إنتاج نصٍّ ثلاثي، وكان الأصل في هذه المعارضة هذه القصيدة التي قالها الدكتور عودة أبو عودة، وإن كان الثلاثة قد وقعوا تحت تأثير الروح الموجودة في الأصل الذي عارضوه.

وزيادة على ذلك فقد اعتمدت النصوص الثلاثة التي عارض كل واحد من الثلاثة صاحبه فيها قد اتبعت الأصل العام في المعاني، فهي نصوص قائمة على المقابلة والاتفاق، لأنّ كل واحد منهما لا يختلف عن الآخر من حيث الدلالة الكلية، فالقصائد تقوم على مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، والحنين إلى تلك الديار العظيمة، والتهنئة بوصول صاحب النص الأول وهو الشاعر الدكتور عودة أبو عودة حاجاً، كما تعبّر عن فرحٍ عظيم تشع معانيه من مبنى القصيدة ومعانيها، ولما كان الأصل في هذا هو الائتلاف، فقد استفزّت هذه القصيدة الشاعر حسن الأمراني والشاعرة نبيلة الخطيب إلى الإجابة بالمعاني نفسها، وبالروح ذاتها، وكان الاختلاف الوحيد بين هذين النصين والنص الأول هو نوع من العتب المحبب الذي هدف إلى إظهار الرغبة الشديدة في ذلك المكان.

وختاماً، فإنَّ قصيدة "من ماء زمزم" قصيدة مشبعة بالروحية والرومانسية المرتكزة إلى شعيرة الحج، وقد عبقت بالمظاهر الروحانية الدينية على الرغم مما يبدو من عنوانها الممتزج بالمادية، فهو يشير إلى بعض الماء الكريم الطاهر (ماء زمزم)، ومعه هذه المادية، فقد استطاع النص أن يحوّله إلى ماء ينبع من وهج الروح بعيداً عن كونه ماء يمكن شربه وإطفاء العطش به، دعا الشاعر شاعرين آخرين، فأجاباه بالنغمة نفسها، متحدثين بقلب واحد، قلب عاشقي الله سبحانه وتعالى، وقلب من اشتاق لأعظم ما يمكن أن يشتاق المرء إليه، فجاءت هذه الثلاثية الرائعة.