(بنت وثلاثة أولاد) لمحمود شقير
العقل الراجح مقابل الاندفاع
إبراهيم جوهر
يختار الكاتب (محمود شقير) لقصته الموجهة إلى جيل الفتوة المأخوذ بالتجريب والمغامرة عنوانا ذا دلالة توحي بالتكامل الفكري والتأثير . (بنت وثلاثة أولاد) عنوان القصة فيه اهتمام بالفتاة ذات القدرة على المشاركة والمغامرة وإبداء الرأي ، ولا يمنعها جنسها ولا كونها وحيدة بين ذكور ثلاثة من إبداء الاعتراض وأحيانا السخرية ، وأحيانا الإهمال .
تقوم القصة على لغة السخرية والدعابة التي وفّرت لها حياة ومذاقا خاصين . فالكاتب يسخر بالمصطلح (الحرب) ، وبالموقف (تكوين العصابة ، وزيارة البلدية) وبالحوار ( الحوار مع رئيس البلدية ) وبالتصوير الذاتي الداخلي لموقف سفيان وهو يتصور نفسه رئيسا لعصابة وعليه أن يكون بعيدا عن الأعين لزيادة الأهمية ...
يأخذ الكاتب من حدث عادي بسيط (التزحلق بقشرة موز على الرصيف) منطلقا يقود قارئه من خلاله في جولة داخل نفسيات الفتيان والفتاة ، ويطلعنا على أسلوبهم وأفكارهم وهو يصنفها بين التهور والاندفاع والتردد والتعقل في إشارة واضحة لقارئه باتباع الأسلوب الأكثر صحة واستقامة وإقناعا .
اهتم الكاتب بالأرقام وحددها بدقة . فالاجتماع استغرق خمسا وأربعين دقيقة، وسفيان أمضى ثلاثة أيام معتكفا في منزله ، والعقوبة للمخالف منعه من النوم سبعة أيام ،والجدال استغرق ثلاث دقائق ، والعصابة ستذهب إلى رئيس البلدية وتمهله للاعتذار ستة أيام وعشر ساعات وأربعين دقيقة ....فما الهدف من استخدام الأرقام بهذا التحديد ؟
في ظني أن الكاتب أراد توظيف الرقم المبالغ في دقته ضمن أسلوب الدعابة والسخرية من جهة ، ومن جهة أخرى قصد تعليم قارئه أهمية الوقت والتنظيم والتحديد . وإذا عرفنا بأن الفكرة الأساسية للقصة تنطلق من كون المدينة مدينة الأجداد (أريحا) قد مضى على بنائها عشرة آلاف عام ، فإن حضور لغة الأرقام مبرر وضروري.
زاوج الكاتب بين الواقع الحقيقي والمتخيّل ؛ فهو يصف رئيس البلدية وصفا ينطبق على الشخص الحقيقي ذي الشعر الأشيب الذي يشبه الثلج ، وقد شاب قبل الأوان . ويقود شخصيته القصصية للتأكد من أن الرئيس لا يحمل كتلة من الثلج على رأسه .
لقد دفع الكاتب شخصيته الرئيسية للتراجع عن تفكيرها المتهور وأحلامها بالحرب وتشكيل العصابة والحقد وطلب الاعتذار ، وقاده في طريق الحكمة ، والتطوع لتجميل المدينة .
المدينة التي كانت مكروهة أوضح الكاتب جمالها وهدوءها وبراءتها ودور بلديتها مما يدعو لعشقها ، وهذا ما حصل من الفتيان والفتاة . والمدينة هنا تصير وطنا ، ومدينة ، وفكرة ؛ هي واقع وحلم .
هذه القصة الجديدة في أسلوبها الفني المعتمد على الحوار والفكرة ، واللغة الساخرة الأليفة بمداعبتها لمشاعر الطفل القارئ تأتي لتقول : إن لنا وطنا جميلا مظلوما علينا المساعدة في حمايته وتجميله ، وإن المسائل تحلّ بالحوار والرأي ، وأن لكل إنسان رأيه الذي عليه إبداءه في المواقف العامة،
وإن هذا كاتب يستحق الاحترام ، فشكرا لمحمود شقير .
____________________ صدرت القصة عن منشورات تامر- رام الله في طبعتها الأولى سنة 2012 م. ورسم رسوماتها المعبرة الفنان حسني رضوان.