الاتجاه الإسلامي في شعر جميل سلطان

( 1909 - 1979م)

عمر محمد العبسو

الدكتور محمد جميل بن سليم سلطان، نشأ في بيئة عرفت بالجد والعلم والتقوى، وسافر إلى فرنسا وأتم تحصيله العالي، ونال درجة الدكتوراه، ظل وفياً للتراث العربي ولمبادئ الإسلام، له عدد من المؤلفات الأدبية، وشعر غزير يرتقب الجمع في ديوان

المولد والنشأة :

- ولد الأستاذ الشاعر محمد جميل بن سليم سلطان في دمشق عام 1909.

- وتعلم في مدرسة الملك الظاهر، ثم في مكتب عنبر (المدرسة التجهيزية الأولى بدمشق) .

-في عام 1932 نال شهادة كلية الآداب قسم الحقوق بدمشق.

- مارس المحاماة، واتقن اللغة الفرنسية، وألّم بالإنكليزية والتركية.

- في عام 1935 عيّن مدرساً للآداب واللغة والاجتماعيات في تجهيز انطاكية.

- أوفدته وزارة المعارف إلى باريس لدراسة الأدب، ونال شهادة الدكتوراه .

- نال شهادة مدرسة اللغات الشرقية ومدرسة العلوم السياسية في باريس.

- انتخب عضواً في المجمع اللغوي للدراسات السامية في معهد السوربون.

- في عام 1940 عاد إلى سورية وعيّن مدرساً للأدب العربي في ثانوياتها. ، ثم عين أستاذاً بكلية الآداب بجامعة دمشق، فمديراً للتعليم الثانوي.

- اتجه إلى دراسة الأدب من نواحيه المختلفة.

- في عام 1945 اختارته الوزارة مديراً للمعارف في محافظة حوران.

- في عام 1949 عيّن أستاذاً في كلية الآداب.

- في عام 1951 عيّن مديراً عاماً للإذاعة السورية .

- عين مديراً  للتجهيز الأولى ثانوية جودة الهاشمي.

- شغل منصب مديراً عاماً للتعليم الابتدائي في وزارة التربية.

- نال وسام "باب السلام لمدينة دمشق" تكريماً و تقديراً لأعماله الأدبية و الاجتماعية.

- في عام 1966 تفرّغ لأعماله الأدبية بعد استقالته.

- انتخب عضواً في معظم اللجان التي كانت تؤلفها وزارة التربية في البرامج و الفحوص العامة.

- في عام 1992 قررت وزارة التربية إطلاق اسمه على إحدى مدارسها في منطقة ركن الدين.

- وتوفي بدمشق في 2 جمادى الأولى سنة 1399 هـ / 1979م ، بعد أن فقد بصره، ودفن بمقبرة نبي الله ذي الكفل بصالحية دمشق، وقد جاوز السبعين من عمره.

من مؤلفاته :

- دراسة لكتاب نهج البلاغة بالفرنسية - وهي الأطروحة التي نال بها شهادة الدكتوراه.

- صريع الغواني - دراسة - 1932 - دمشق.

- جرير - دراسة - 1937 - دمشق.

- النابغة الذبياني - دراسة - 1944 - دمشق.

- الحطيئة - دراسة -  1945 - دمشق.

- شاعر على سرير من ذهب - دراسة - 1949 - دمشق.

- أبو تمام - 1950 - دمشق.

- دمشق الشام منذ مئة عام - 1957.

- صدأ الحديد - دراسة لحروب خالد بن الوليد - 1958.

- منازع العقيدة الجاهلية - دراسة للمعتقدات الدينية في زمن الجاهلية - 1958.

- وحي من الفردوس المفقود - دراسة لأول رحلة عربية إلى الأندلس بعد سقوط غرناطة - 1959.

- حقوق الطفولة - 1961.

- الإرث الفكري للمصلح الاجتماعي عبد الحميد الزهراوي - 1963.

- مسلم بن الوليد - دراسة - 1967 - بيروت.

- حجة المسلم في الرد المفحم - 1972.

- عبد الله بن رواحة - دراسة - 1973 - بيروت.

- زهير - دراسة - 1973.

- كتاب محمد صلى الله عليه و سلم - 1974.

- كتاب الموجز في قواعد الإملاء.

- أوزان الشعر و قوافيه.

- فنون الشعر في الموشحات و المواليا.

- فن القصة والمقامة.

- الموشحات.

- كتاب الشعر.

- أحاديث الشعر.

- لمع أسرار لغتنا.

من صور الأم ... في شعر الأطفال العربي .

من الطبيعي أن تكون الأم في مقدمة الموضوعات التي يتناولها شعر الأطفال لأسباب عديدة لا تحتاج إلى تعداد, لكنني أود الإشارة إلى أن البدايات الأولى لهذا الفن في أدبنا العربي اقتصرت على نظم الحكايات الشعبية والتراثية والمواعظ والإرشادات التقليدية.

موضوع الأم طرح نفسه في مرحلة من بدايات النضوج في النظرة إلى شعر الأطفال , فصار الشاعر يختار موضوعات محددة مثل الأم والكتاب والوطن والمدرسة ..

أما أحد رواد شعر الأطفال في سورية، وهو الدكتور جميل سلطان فقد قدم قصيدة جميلة عن الأم كانت ذات يوم نشيداً ردده تلاميذ سورية قبل ما يقرب من الخمسين عاماً, وفيه:

حَنَتْ عليَّ بمهدي        وقد رعتني صغيرا

وحُمِّلت في سبيلي        من العذاب مريرا

وغاية القلب منها        بأن أُرى مسرورا

ولن ترى من صفاتي    مشاكساً أو عسيرا

وسوف أبغي رضاها    طفلاً وشيخاً كبيرا

وليس تسمع إلا         حمداً لها وشكورا

الاتجاه الإسلامي في شعر جميل سطان :

المولد والنشأة :

الدكتور جميل سلطان كلف بصاحب الرسالة سيرة ودعوة ، خص النبي – صلى الله عيه وسلم – في كل مناسبة بنتاج شعري، وفي مقدمة المناسبات التي رعاها ذكرى المولد، وتمتاز قصيدته، مولد الحق والقوة، نظمها عام 1944م كما يتراءى من عنوانها أن الشاعر قد نفذ بتجربته الصادقة إلى جوهر الذكرى ومغزاها، فاستوحاها ما نفتقده في عصرنا الحاضر من مظاهرة القوة للحق .

يرسم الشاعر فيها إطاراً فنياً لولادة النبي من خلال مطلع تشرق فيه الأنوار ويضحكه الضياء ثم يجلو لنا ولادته من أكرم فرع وأطهر نسب، ويرعى نشأته فيلفي عناية الله قد حاطته ورعت خلاله ، فاكتملت شخصيته، واستقامت في ظلال رعاية الله ، وأزف أوان تسلمه الأمانة الكبرى والرسالة العظمى ، ها هو يهبط عليه الوحي، فيصدع بالدعوة إلى الله غير هياب أذى المبطلين، ويبدو صموده رغم العنت والأذى الصورة المشرقة لكل صاحب حق نذر نفسه وما يملك به .

جاءه الوحي فاستقاد له الظلم      وهاب الضلال عصف خطابه

ومضى مخلصاً لأعظم ..أمر              ما يبالي من أجله بمصابه

نازل الباطلَ المسيطر جلداً                 وأعد القوى ليوم ضرابهْ

ورأى الحق هيّناً يتولّى                   أمره كل طامع في استلابهْ

فانبرى مرهف العزيمة ثبتاً               هبةَ الليث ذائداً عن غابهْ

مثل رائع لكل أبيّ                     ينشد الحقّ مغرماً باكتسابه

ويفضي شاعرنا من قصيدته هذه إلى موطن الاستلهام ، فيجلو ذكرى النبي مثلاً ودستوراً للقوة تظاهر الحق، وترهب خصومه، فيستشرف في عبق الذكرى غر الأماني التالدة ، ويستعيد رؤى المجد الرخية، ويتمنى على أمتنا أن تحيي عهداً من الإباء والمجد والصمود في وجه البغي حتى تشرق عزة الحق في أثر أشلاء الباطل المنهار، ولا يفوته أن يدعو بدعوة القرآن إلى الإعداد والاستعداد : (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة )) .

إنما يثبت القويُّ وتبقى               شعلة الحق ما بدت في حرابه

والشعوب الظماء للعز تبني              مجدها بالقوي من أسبابه

فأعدوا من القوى ما استطعتم     ترهبوا الخصم في دقيق حسابه

يخطب الناس ودّ كل قوي               وتولّى من الضعف لما به

يا لذكرى تثير غرّ الأماني        وهي في القلب سلوة من عذابه

نجتلي الماضي الحبيب ونأسى           لزمان أطال مرّ احتقابه

علّ في الذكرى عوداً فيجبى       ما طواه الزمان حين اضطرابه

همةً تنشد العلا وإباء              وثباتاً في الحق عند اغتصابه

الهجرة النبوية :

وأما الدكتور جميل سلطان فيقدم في قصيدته ( ليالي الغار ) صورة كاملة لوقائع الهجرة البارزة كما روتها كتب السيرة، فيفصّل هذه الوقائع التي أجمل بعضها، ويحللها ، وينفرد بوقائع ومواقف، من ذلك استهلالها بمطلع قديم على غرار الوقوف على الأطلال موحياً برسوم حدث الهجرة العريق ...

قف بي على الغار وانشق طيب أهليه       واذكر جلال الهوى في مجد ماضيه

والثم جـــــــــــــــوانبه في كل شــــــــــــــــــــــــــارقة          واســــــــــــــــــأله يرو عجيباً عن لياليه

ثم يروي لنا كيد قريش وائتمارها بالرسول بعد أن أخفقت في ثنيه عن دعوته، ولما كانت تخشى أن يثأر له بنو عبد مناف ، انتدبت لمقتل النبي مائة شاب ينتمون إلى قبائل مختلفة، فلا يستطيع بنو عبد مناف قتال القبائل جميعاً ويرضون بالدية :

المشركون وقد طاشت حلومهمُ         من كل ذي حنق كالنار تكويه

تجمعوا، كل جــــــــــــــلد في قبيلته         يسعى بعزم على الإجرام يمضيه

يرجون لو حطموا الإصلاح في رجلٍ    صلب العزيمة لا يغريه مغريه

المال والملك والدنيا منعمة ً            ليست بزخرفها الفتان تصبيه

يدعو إلى شرعة الكون شاملة           ووحدة مجدها أقصى أمانيه

ما عزّ من أجلها شيء ولا وقفت  عوائق الدهر توهي من مساعيه

لما رأوه متيناً في عقيدته                  مسفهاً لهواهم أي تسفيه

آلوا لتأخذهم في الشرك عزته        ولن ترى اللات ُ إلا كل تأليه

إن يقتلوا المصطفى جميعاً يطلّ دم  أهلوه أعجز عن إدراك جانيه

ومن لهم بنزال العرب قاطبة ً        فحسبهم دية ً تلقى لباكيه

ولبث شباب قريش ليلة الهجرة بباب الرسول يرقبون خروجه ليجهزوا عليه ، حتى إذا جاء الصباح داهموا البيت فرأوا علياً – كرم الله وجهه – في فراشه لا يبالي بالخطر الذي يتهدده، ببسالة شيّد الإسلام بمثلها كيانه وبنيانه :

طاف الجناة بركن البيت وانتظروا      أن ينصلَ الليلُ من مسودّ داجيه

وقد رأوا في فراش المصطفى رجلاً             في برده فتجافوا كل تنبيه

لم يلهموا أن من يرجون مقتله            جاز الحرار وأن الغار يؤويه

حتى إذا افتر ثغر الليل مبتسماً         ألفوا علياً فكاد القوم يصميه

قد غرهم باذلاً للمصطفى دمه            كأنما الموت أمر ما يباليه

شجاعة ويقين راسخ وهدًى                بمثله شيّد الإسلام بانيه

وطاش صواب قريش، كيف يفلت (محمد) من قبضتهم ؟ إن استطاع أن يغادر مكة فقد اجتمعت عليه الدنيا، فلسانه السحر الحلال، لا يستطيع كائن النجوّ من تأثيره، إذن سيحطم اللات والعزى، وينشر ويعلي راية التوحيد في الوجود .

ضجّ البغاة فما تلقى بساحتهم         إلا صباحاً وضيعُ الشرك يعليه

رُدوا الطريد فلا واللات ما وطئت         أقدامه بلداً لم يصب أهليه

لن يسمع السحر جنّ منه أو بشر   إلا استجاب وأضحى من مواليه

إن تتركوه يؤلّب حول ملتكم        من كلّ أشوس بادي العزم ماضيه

يحطم اللات والعزى وصحبهما          فلا يعزّ سوى من لا يناويه

ويخص الشاعر ( الغار) بوقفة طويلة، يرسم خلالها صورة مفصلة لوقائعه بما فيها من أبعاد وجدانية وإنسانية ..انتشر شباب قريش في كل مكان يطلبون النبي، وأعياهم الطلب حتى وقفوا بغار ثور حيث يكمن النبي وصاحبه، وفي صورة نفسية معبرة يجلو لنا الشاعر كيف تشرق في ظلمة الغار صفحة رائعة من الحب والفداء، ويجلوها لنا ( الصديق) فما يبالي أو يجزع لنفسه، والموت أمامه، ولكنه يرتعد فرقاً أن تنطفئ شعلة الهداية أن قضى محمد – صلى الله عليه وسلم - :

تسارع القوم حتى كان صوتهمُ          بمسمع الغار في أقصى مطاويه

فعاذ بالمصطفى الصديقُ يلزمهُ           كالطفل بالأم يرجو لو تواريه

معلق النفس الزاكي، أسير هدى    بالمصطفى، مشفقاً من كيد باغيه

فــــــــــــــــــــــــؤاده لهــــــــــــــــــــــــــف بادٍ توثبُه              وطرفه حائر بالدمع يذريه ِ

لم يرهب القومَ كرهاً أن يلمّ به      حنفٌ ولا ارتاعَ أن تغشى غواشيه

لكنه أمل حــــــــــــــــــــــــــــــــــلو مباسمه             ودعوة في سبيل الحقّ تحييه ِ

وسيد أن ينله جاهل بأذى           فمن يكون لوحي جلّ موحيه ِ

ويستلهم الشاعر ما ورد في القرآن والحديث والسيرة في هذه الواقعة فيدير الحوار بين الصاحبين ليرسم في سفر الوجود نموذجين خالدين، الصديق يرعده الفزع خوفاً على حياة النبي ، فلو نظر المطاردون إلى مواطئ أقدامهم، لرأوه ، والنبي المطمئن لأمر ربه الواثق بتأييده في أشد الساعات حرجاً وخطراً، يقول لصاحبه : (( لا تحزن إن الله معنا) :

يقول : ( لو نظر الباغون موطئهم       لبان من أثر الأقدام باديه

إني أعوذ بمن أوحى رسالته          أن يستطيلَ على التنزيل شانيه

والمصطفى باسم يتلو تلاوته       ثبت الجنان، حديد الفكر واعيه

يقول : ( يا صاحبي لا تحزنن أبداً    فالله عاصمنا من كيد عاصيه

لا تحزننّ فإن الله ثالثنا                    مؤيّد دينه بالنصر يؤتيه

فيا له فزعاً للدين خالصُه              وياله صاحباً أوفاه مطريه

ويا لها صحبة ٌ في الغار خالصةٌ   تلقي على الخلد معنى من معانيه

وقفَ المشركون بباب الغار، وتسلقه أحد شرارهم، فلم يعثر على أثر لأحد إلا عناكب نسجت خيوطها، وأشجار تشدو عليها الأطيار لم ينفض عنها غبار القدم . وهكذا تعمى باصرة البغي حين تضل بصيرته .

تسلق الغار عاتٍ من شرارهم            فلم يجد أثراً للقوم يهديه ِ

ألفى العناكب دون الغار ناسجة     والطير من حولها نشوى تغنيه

وفي فم الغار أغصان مفزعة             ما مسّ مغبّرها إلا سوافيه

مشاهد القِدم البالي تجللها               وللزمان عليها مرّ عافيه

لو جازها بشرٌ أبقت له أثراً          مبيّناً فاهتدى بالرسم رائيه

كذلك البغي يعمي كلّ باصرة    إذا البصيرة ضلّت في معاميه ِ

وينفرد الشاعر عبر صورته المفصلة، عن سواه بتصوير عودة البغاة فاشلين حانقين، يأكل أكبادهم الحقد، ثم يستبطن مشاعرهم فيراءون له وكأنهم يشهدون بأم أعينهم مصرع الوثنية والطغيان، وانتصار كلمة الحق وشيكا، والله أكبر تجلجل في كل مكان، وتنداح بصداها الأزمان :

عاد البغاة وفي أكبادهم لهب       أن ينجو المصطفى من سيف قاليه ِ

غداً تثور بمهد البغي ثائرة               ويسحب الذلّ ثوباً في مغانيه ِ

كأنهم ينظرون البيت واقعة ً               أصنامُه ، مقفراً منهنّ ناديهِ

كأنهم يشهدون البغي قد مُسحتْ      آثاره، فسجلُّ الدهر يطويه

كأنهم يسمعون ( الله أكبر) في       صوت المؤذن والأكوان تصديه

كأنه بارق الإسلام ..ملتمعٌ          في عينهم وبأذن الدهر داويه ِ

وينشق الشاعر من خلال الذكرى عبير الفداء والتفاني، وهما ما أبقته لنا الأيام من عدة نصر الحق وزاده، وأحياء شرعته، واقتفاء خطا هدى نبيه، مستنهضاً به همم الأجيال المعاصرة لمواقع الكفاح والفداء ...

يا ذكريات ليالي الغار لا انطفأت      ذكرى جلالك في أسنى مجاليه

ولا برحت لنا درساً نُردّ به               إلى التفاني إذا ما قام داعيه ِ

إن الدهور التي أبلت فضائلنا        أبقت لنا مبدأ الإخلاص نبليهِ

ولن يكون لمجد المصطفى أحدٌ      إن لم يكن أبداً بالنفس يفديه ِ

أفديه ما برقت من نور طلعته              بوارقٌ فعنا للنور عانيه ِ

وينفرد الشاعر أيضاً بتصوير خاتمة الهجرة في قصيدة أخرى، فيجلو صورة العهد الجديد في يثرب، حيث آزر الأنصار الرسول وعاهدوه على التبني لدعوة الحق ونصرته ...

وتضافرت في أرض يثرب أمة ٌ       من كل أشوس في المعارك أصيدا

عقدوا عزائمهم على تأييده           فبنى لهم فوق الأعاصير سؤددا

ويد الرسول تفيض من آلائها            أنعمْ بتلك وما تقدمه يدا

هدموا القديم من الضلال وأيدوا       من جاء بالحق الصراح مجددا

سعدوا بنعماء الهداية والعلا         في شرع مهديّ الطريقة أحمدا

العقيدة والشعر الإلهي :

للشاعر جميل سلطان وفرة من القصائد في الشعر الإلهي تحكي ما كان له في النبوات، يناجي في إحداها ربه نجوى ضراعة وأمل برضوانه والتماس لهديه بين يدي الظمأ الصادي لهدى الله الذي يمنح الطمأنينة والقرار، ويفزعه الانحراف بدفع رغائبه الشداد فيسلم إلى الله القياد يوم المعاد ليقضي في أمره ما شاء :

لاهمّ أخشى أن أزلّ           وأن أضلّ عن الرشاد ِ

فاجعل سبيليَ في رضا    كَ وقُدْ خطاي إلى السداد ِ

لاهم َّ حار اللبّ في          شبهٍ يطيش بها فؤادي

وأرى نهاية دربي الــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــموصول معتكر السواد ِ

في كل مرحلة تقو            م رغائبٌ توري زنادي

لاهمّ إن القلب للــــــــــــــــــــــــهدي المطمئن منكَ صادي

لاهمّ إن القلب يفــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرق من رغائبه الشداد

وإليك أمري فاقضِ ما        ترضاه لي يوم المعاد ِ

ويبتهل في أخرى إلى ربه ابتهال الطامع في القرب، الناشد للمغفرة، المشفق من العذاب المؤمل بالثواب .

لا تبعدنّي عن رحابك       فالقلب يطمع في اقترابكْ

والنفس راغبة بعفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوك وهي تفرق من عذابكْ

فاغفر لها اللهمّ ما         جارت خطاها عن جنابكْ

لكنها أقوى وامـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلأ بالمؤمل من ثوابكْ

ويحدوه الأمل، فما يلبث أن يلح إلحاح الظامئ في طلب القرب من الله، عساه يحظى بالحقيقة، ويصيب          برد الرضا والأمان .

لا تجعل اللهمّ آمالي              سرابا من سرابكْ

ظمآن يا ربي فجرّعني           الحقيقة من شرابكْ

واعمر فؤادي بالرضا       واملأ وطابي من وطابكْ

بعد تلك الرياضة الروحية تشرق في قلب الشاعر مشاعر الإيمان، فيشيم أنوار الإله تسطع في آلائه وأكوانه وتتخلل قلب عبده الذي أخلص نجواه :

الله أعذب لحن في خواطرنا              ينأى به الروح عن آلام بلواهُ

الله أروع معنى لا أحدّده                 إن ذاقه القلب خلّته شكاواه

الله حسنٌ على الأكوان مؤتلق            الله فيض من الأنوار غشّاه

بحثتُ عنه بأحلامي مطوّفةً         في ظاهر الكون أو أقصى خفاياه

وجدتُ نوراً بقلبي منه مؤتلقاً               القلب مرآته والكون مجلاه

اطرحْ عن الروح ما قد ران من سنة ٍ    يُشرق بروحك معنى من تولاه ُ

الرسالة الإسلامية :

ويجلو جميل سلطان أخيراً شمول هذه الرسالة الإلهية وخلودها في شعاب الزمان والمكان، فمعينها متدافق أبداً ، في كل حقبة بإحياء رسالتها نبي أو داعية ..إنها الرسالة التي تجدد الإيمان في الوجدان البشري على كر الدهور وتحرره من الواقع الهابط حين تتدنّى به الأهواء .

هذي الهدايات لم تحجبْ مشاعلها      في كل دهر لها رسل وأشباهُ

في صوتهم من دعاء الحق جهرته      وفي الأكف من الإرشاد حسناهُ

الهدى واليمن في آلاء شرعتهم           والنصر تزحف للعليا سراياهُ

صاح الخليل بأصنام محطمة             عفر الجباة : ألا ربّ إلا هو

وثار موسى بوجه الظلم ينكره      وجاء عيسى وسلم الأرض نجواهُ

وضجّ أحمد بالدنيا مفككة             حرب وبغي وإشراكٌ وإكراهُ

مظالمٌ حاربتها روحُ دعوته     حتى استفادتْ فما في الأرض تيّاهُ

تسمو الهدايات عن حمآت واقعنا    ويهبط المطمع الأدنى بدنياه ُ

الآفاق العبادية :

يقف جميل سلطان معلق البصر يرقب مع الراصدين هلال شهر رمضان ، شهر الطاعات والقربات ومطلع زمان الدعوة الإسلامية ، فيه تنزل القرآن على محمد مكلفاً برسالة ربه فصدع بها ولبى، تشخص العيون إلى هلاله كل عام مشوقة مستبشرة ، مجتلية طلعته الرفافة بالهدى والنور .

حبذا مطلعُ الهدى من سنائهْ       باسمٌ يغمر الورى بُروائهْ

شخصت نحوه العيون ندايا       أيُّ حسن يطل من عليائهْ

رصدوه، وليس يُرصد فيه         غيرُ تقوًى تشعُّ من لألائه

أنزل الله آيةُ في دجاه          واصطفى أكرم الورى لحبائهْ

ودعاه إلى الرسالة والنو           ر فلبى وكان سرُّ ضيائهْ

ويعرض لرسالة هذا الشهر الذي يهل على المسلمين كل عام موسم طاعة، فيجدد إشراقات الدين في القلوب ويسمو بالأرواح، يحرر النفوس من أهوائها ويعليها فتكتسب بنسكه زاد الصبر لتكون أهلاً لأعباء الرسالة وتكاليفها .

ذاك عهد يجدُّ في كل عام ٍ        ذكرياتٌ تطيب من آلائه ْ

يبعث الناس للتقى ويريهم       روعة ً للهدى على أرجائه

فيه تسمو الأرواح عن حمأة العيش وتصفو كالماء عند نقائهْ

وتسيغُ النفوس كل نضال     بعد صبر الأجسام في لأوائهْ

يُلهمُ المرء في الصيام جلاداً      يردع القلب عن منى أهوائهْ

كما يعرض للكمالات الخلقية التي يكسبها المؤمن بالصيام، صوناً للنظر وحفظاً للسان، ونقاء للقلب، فأخلق بالصيام من مدرسة تربي الروح والخلق، وتنجب شعباً حرياً بالمجد، عصياً على الضيم، متمسكاً بالقيم الخيّرة :

كلّ ما في الصيام خير يرجّى      عند إصباحه وفي إمسائه

فإذا أنت بين صبح ومسًى      عاشق للكمال من أكفائه

مانع للعيون عن كل سوء        زاجر للسان عن فحشائه

مالكٌ للهوى فلستَ تبالي        نزعات الشيطان في إيمائه ْ

مخلص لا تسرُّ غير نقاء       هو سلوى الفؤاد في إنضائهْ

مثل هذا الصيام يخلق نفساً   تعشق الخير دون رجو جزائهْ

مثل هذا الصيام يخلق شعباً       يبتني المجد من دما أبنائهْ

مثل هذا الصيام يأنف ضيماً      يجرع الناس فيه مُرَّ بلائهْ

مثل هذا الصيام يمنع في القو    م ضلالاً يفتُّ في أعضائه

التكافل الاجتماعي :

ويعرض جميل سلطان تحدوه عاطفة إسلامية رؤوم، لبؤس اليتيم، فيصوره لنا محروماً من العطف والحنان، قد روعته الأحداث باليتم منذ الفطام، فلذّعت فؤاده وجففت موارد الحب في حياته :

ودّع الصفو من دنا الأحلام          وبكى جده على الأيام

فطمته من النعيم الليالي        فاشتكى اليتم من أذاة الفطام ِ

يا لدمع الأسى على مقلتيه     قطرات ٍ كالطل في الأكمام ِ

ولهيب الأحزان في القلب منه      جمراتٌ أوارها في احتدام ِ

روّعته الأحداث باليتم طفلاً             ورمته بفادح هدّام ِ

أين منه مناهل الحب صفواً      بعدما أظمأته كأسُ الحِمام ِ

كلما رحت ِ المواسم ثارت     بين جبينه نفسُه في اضطرام ِ

ويصب الشاعر سخطه ونقمته على رؤوس فئة من الناس، تعتصر أفئدة الشعب لتثري، وتبني صروح ثرائها الحرام من دماء اليتامى والمساكين. (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً، إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً )) .

لقد استحلوا جيوب الناس وحجبوا جيوبهم عن كل خير، فلحق بهم سخط الله والناس ( سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ) .

ينظر المال مستباحاً لقوم      ما عليهم في نهبه من ملام ِ

عصروا مهجة البرية مالا        أنفقوه على وجوه الحرام ِ

وأقاموا صروحهم باذخات      من دماء الضعاف والأيتام ِ

حرُمت جيبهم على كلّ طاو ٍ   وحلالٌ لهم جيوبُ الآنام ِ

مجمع يورث العداء ويذكي       ثورة تستهين بالأحكام ِ

ثم يصور عمق الهوة بين مسلك أولئك الممتصين لدماء المساكين وما يمليه الدين الإسلامي من واجب الكفالة الاجتماعية التي تقرر للفقير حقاً في مال الغني بفريضة الزكاة التي أربى ثوابها على كافة العبادات ( مثلُ الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتتْ سبع سنابل، في كل سنبلة مائة حبة ، والله يضاعف لمن يشاء ، والله واسع عليم )) .

ويحدو الشاعر الأمل أن تبعث الفضائل الإسلامية في النفوس من جديد وأن تخلد على مدى الأزمان رعاية لشرع الله في حق الفقير وبره :

أين هذا من العروبة والوحي      ومن كل مبدأ متسامي ؟

أيها الموسرون ، رب زكاة      قد أبرّت على كريم الصيام

بلغتْ في السماء خير جزاء      لم يُنلْ في تهجّد وقيام ِ

لا يقل ماتت العروبة يوماً      أو تلولت فضائل الإسلام

المروءات خالدات فأحيوا      بالندى ذكرها على الأيام

وبعد :

إن شعر الأستاذ الشاعر جميل سلطان ينضح بالمعاني والقيم الإسلامية، وأظن أن هذا الإهمال من النظام الرسمي كان بسبب توجهه الإسلامي الأصيل ، فإلى الآن ما يزال شعره مخطوطاً ينتظر من يطبعه ويحققه،...فهل وصلت الفكرة إلى أصحاب العقول والأفهام ....

يتبع

المراجع :

-أثر الإسلام في الشعر الحديث في سورية ، محمد عادل الهاشمي – مكتبة المنار – الأردن .

-دليل سورية - موقع على الشبكة العالمية .

-مواقع على الشبكة العالمية ( الأنترنت ) .