قراءة تحليلية في رواية قصة إرهابي..

قراءة تحليلية في رواية قصة إرهابي..

والقدرة على التنبؤ بالمستقبل

فائز سالم بن عمرو

[email protected]

الإبداع والكتابة ليس ضربا من الخيال المنفرط ، أو طريقا لإبحار في رحلة من الغيبيات والعبث الفكري ، فهي رحلة استشراف واستشراف النفس البشرية وما يتملكها من غموض وتناقض وتوافق مع معطيات الحياة الحب والكره الصدق والكذب . الكاتب والمبدع إنسان في المقام الأول غير انه اشد حساسية ، ويتأثر بوقائع الأحداث والحياة التي يمر عليها الكثيرون مرورا سريعا ، بينما المبدع يعيشها ويتألم من أحداثها وتصبغه وقائعها ، وهكذا يستطيع عكسها وإظهارها بطابع فني يزاوج بين الخيال والواقع ؛ مما يثير القارئ ويؤثر فيه ويحرك مشاعره وأحاسيسه معتمدا على معطيات اللغة وتقنيات القصة والرواية أو موسيقى الكلمات وايحاءتها في الشعر .

 شكلت ظاهرة الإرهاب قضية عالمية شغلت العالم ، وأرخت بكلكلها الثقيل على معطيات الحياة اليومية ، فقد فرضت علينا مستجدات الصراع السياسي والديني والمذهبي والفكري تلقي وجبات غير منقطعة ودروس عن القتل والتخريب والهدم ، رواية " قصة إرهابي " للمبدع القاص والروائي الأستاذ حسين حسن بن عبيد الله السقاف من الكتابات التي استطاعت في نظري معالجة قضية الإرهاب بنظرة عميقة ، واستطاع الكاتب ان يجمع شمل الأحداث المتفرقة والوقائع المتضاربة والمتسارعة ، ويربطها في سياق واحد ليصل إلى جذر المشكلة وأساسها ، فالكاتب يرى بان الإسلام دينا واضحا ومتسامحا وتجاوز في مبادئه وقيمه وأطروحاته جميع الشرائح السماوية والبشرية التي يدعوا لها الكثير من المنظمات والمجتمعات الغربية والعربية ، وان ما نراه من إرهاب وقمع وتفجير وقتل تداخلت فيه الخيوط ، واستطاعت الأيادي الآثمة والجهات الاستخباراتية ان توظف بعض الجماعات والأفراد من أبناء المسلمين لتشويه هذا الدين ، ولتتخذ من قضية الإرهاب مطية لغزو المجتمعات والسيطرة عليها .

 النظرة الأساس في رواية " قصة إرهابي " بان يد الموساد وأصابع الماسونية التي تحكم العالم وتديره شؤونه اقتصاديا وسياسيا استطاعت التغلغل والانتشار في نسيج المجتمع العربي ، ووظفت أفراد وجماعات من أبناء هذا المجتمع العربي ودربتهم على وسائل العنف والإرهاب لبثها في الدول العربية لتستطيع تشويه الإسلام ، وتفكيك المجتمعات الإسلامية من الداخل بعد ان فشلت حملاتها العسكرية والإعلامية والفكرية في مواجهة مبادئ وقيم الإسلام الإنسانية .

 رواية " قصة إرهابي " نشرها الكاتب عام 2007م في طبعتين في عام واحد طبعة مركز عبادي للدراسات وللنشر ، ودبجها بإهداء قول الباري جل ذكره : " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ " (سورة آل عمران 64) ، وتقوم الرواية على حبكة بسيطة وواضحة تتضح حلقاتها وتنفرج أسرارها في السير في أحداث الرواية . فالقصة تبتدئ بشخصيه الحاج سعيد النبيه الذي يعود من المملكة العربية السعودية ، وهو ميسور الحال ويبني مسجدا ومدرسة علمية في قرية صغيرة في محافظة حجه اليمنية ، وترتسم خيوط الرواية عندما يقدم ضيفا وسيما يعلوه الوقار والزينة إلى المسجد ، ويستضيفه الحاج ويكرمه وينزله في بيته ، ويتفا جئ الحاج سعيد باختفاء حفيده والضيف معا ، وتترك القضية للنسيان ، ويقدم ضيفا آخر من العراق بعد عقود من الزمن ليفك خيوط العقدة مخبرا قصة الطفل المخطوف " يوسف " ، وهنا تتسارع أحداث الرواية ، فيوسف تم خطفه من قبل الضيف الأول وبيع للموساد الإسرائيلي الذي عمل على تربيته على أيادي " الحاخامات " ، وتلقى كل دروس الإرهاب والقتل في مفارقة عجيبة بين الفكر الصهيوني والدروس الدينية اليهودية التي تشجع على الإرهاب والقتل والعنف مع كل الشعوب التي يجيز الحاخامات قتلهم وسلبهم اخذ مالهم وانتهاك إعراضهم .

يوسف الذي تربي على أيادي الموساد الإسرائيلي اختير ليخترق الجماعة التي ستنفذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، وكان مرشحا لان يقود احد الطائرات المهاجمة للأبراج في نيويورك ، ولكن لأسباب تقنيه تم سحبه من العملية لينقل إلى العراق لينفذ مخططات الموساد ، وبالفعل استطاع ان يكوِّن شبكة كبيرة ترعى الإرهاب والعنف والتخريب .

 وتنجلي العقدة ويظهر التنوير عندما يكلف يوسف بتفجير نفسه في " مرقد الإمامين بالكاظمية " لإحداث فتنة بين السنة والشيعة ، ولكن ما ان يسمع المؤذن تحدث له صدمة ويعاود ضميره الصحيان ، ويتذكر الآذان الذي كان يرفعه جده بقريتهم بحجه ، فينقلب من قاتل حريص على القتل والإجرام إلى مدافع عن الإسلام والمسلمين ، لكن يوسف لم يستطع من الإفلات من جهاز الموساد الذي يتعقبه من خلال الزرنيخ المشع في جسمه ، وهكذا تدور الأحداث إلى النهاية .

 فالفكرة الأساس في القصة هي اختراق أجهزة الموساد والأجهزة الاستخباراتية وتوظيف قضية الإرهاب في إذكاء الصراعات الدينية والمذهبية والسياسية والفكرية داخل المجتمعات العربية والإسلامية تؤكدها الأحداث والوقائع ، فقد نشرت المواقع والصحف وخاصة صحيفة الناس بان تقرير إدارة البحث الجنائيبمحافظة تعز التي ألقت القبض على شبكة تقوم بتهريب الأطفال إلى إسرائيل لتدريبهم على الإرهاب وإعادتهم إلى الدول العربية لتنفيذ مشاريع إرهابية ، وفي محضر التحقيقات اعتراف المتهمين بأن كثيرا من الأطفال اليمنيين الذين فقدوا قبل أعوام تم تهريبهم إلى دول الجوار عبر منظمات صهيونية ومنها إلى إسرائيل حيث يقوم جهاز الموساد بتعليمهم وتدريبهم كعملاء له ومن ثم إرسالهم إلى اليمن أو إلى أي دولة عربية أو إسلامية بأسماء وجنسيات مختلفة أحيانا للعمل لصالح الموساد واختراق المنظمات ‏الإسلامية..