انطباعات عن مذكرات في كتاب آمالي السيد طالب الرفاعي

بهاء الدين الخاقاني

انطباعات عن مذكرات

في كتاب آمالي السيد طالب الرفاعي

بهاء الدين الخاقاني

[email protected]

[email protected]

عبارات المفكر في القضايا لا بد من الاستمرار في تعميقها والوعي بها وجعلها مفاهيم مركزية في الحياة الفكرية والسياسية والثقافية، لأن قضية الفكر من حيث كونها تعبيرا عن مدى وصول المجتمع إلى مستويات رفيعة ومتقدمة، وترجمة عن تطور الثقافة في أي مجتمع فرديا وأجتماعيا ورأيا واجتهادا، ولا يمكن أن نوصف كاتبا او مؤلفا بالمفكر ما لم يكن له إنجازات ومشاريع فكرية تضعه في مصاف المفكرين اِن اتفقنا معه أو اختلفنا .

أن لفظة مفكر هي من الأهمية بحيث لا تطلق على أي أحدٍ كائنا من كان، إلا في حالة واحدة عندما يكون هذا المفكر مبحرا في قضيته، وان يحوّل خصوصية موضوعه اِن كان سياسة أو عقيدة أو أي لون من الثقافة المعروفة الى مصاف الفكر الإنساني متمرسا لثقافة متتبع لفلسفة المفاهيم وتاريخ البشرية، وموضحا أين علاقة دينه وأخلاقه ووطنه وشعبه وأمته بين ذلك عبر السياق الحضاري لها، إضافة إلى قراءته وتعمقه في تاريخ الأديان والمذاهب والأفكار المعاصرة تشجيعا في الوصول الى حقيقة المعرفة والعلم بالحوار وليس تهديما لتعزيز الجهل بالسجال العقيم .

ترددت أياما عندما سمعت بمذكرات السيد طالب الرفاعي وتوقفت ساعات بين سطر وآخر عندما قررت أن أكتب موضوعي، لأني كنت محسوبا في نفسي في الكتابة بسبب العاطفة لما ورد في الكتاب عن مواضيع ومواقف تمسني فضلا عن عاطفتي تجاه السيد الرفاعي نفسه ولذلك أسباب منها خصلة الوفاء التي هي جوهرة الأخلاق وما أندرها، ولكن بين التردد والتوقف كان الحسم في الكتابة ليس للعاطفة بل لموضوعة الفكر واشكالية المفكر في حياة ثقافتنا ومن يمثلهما وما هي أعمدة هذا الوصف وعلى أقل تقدير في تلاطمات بلد كالعراق بكل ميراثه المأساوي الى جانب كل تراثه الغني صانعا اشكالية في علم التاريخ وعلم الرجال في نفس الوقت، فضلا عن ما يرتبط ذلك بفكر أهل البيت الحقّ وما يستحصل به المدّعون من التجارة به والمفتون بالسيادات من غير حق . 

ان العلامة الدكتور السيد طالب الرفاعي من خلال هذا المحصول المعرفي وقواعده المتينة لفكر مدرسة أهل البيت وعبر المتانة الحوزوية العلمية لحاضرة المدرسة المحمدية بتأسيس الامام علي عليه السلام ومن ورثها من الفضلاء الراحلين منهم رحمهم الله والباقين منهم أعلى الله مقامهم، ومن ثم ما تميز به من الدراسة الاكاديمية ونيل المراتب العليا بها في القاهرة مدينة الثقافة والمحبة والاخاء، وهو من آيات هذا الفكر الانساني المعرفي العظيم تمكن من أن يكوّن رؤية عامة كاملة وشاملة، وبالتالي كان وما زال وهو في ديمومة ليهيأ المستقبل كساحة مشروع فكري ورؤية فكرية رغم معتكفه الذي اختاره بارادته للاستزادة والتبحر والدراسة والعبادة ومراجعة الذات، أهلته منذ أن انطلق منتصف القرن الماضي مع مجددي الفكر الانساني أو الاسلامي والعربي عموما، أو لمدرسة أهل البيت الحقة والواقع العراقي خصوصا، أن يكون مفكرا حقيقيا يخوض في قضايا فكرية وفلسفية وحضارية وعقائدية تمس مستقبل بلده وعراقه واسلامه ومذهبه الى جانب ما تمسه من نهضة الإنسان ومستقبل البشرية ليذهب بعيدا في خصاله وعميقا في دينه وأصيلا في عراقه وغيورا على مذهبه، وهو يطيح بالنظرة الهامشية لدى الكتاب والباحثين والتي طالما اصطبغت بالمجاملات، وقد تجاوز ما يعتبره أيّ كاتب احراجا من جهة أدت لتراكمات سلبية حمّلت العقيدة الأساطير والحقائق الخرافات والأنظمة العصبية والفتاوى الدماء والأوطان التسطيح والرجال التقديس والأعراف العنصرية فضلا عن تغذية الجاهليات المعاصرة، ومن جهة أخرى النظرة المجمّدة التي لا تسمح بالمناقشة في خطوط حمراء جاهلية وان كانت نقدا فكانت تسقيطا وتهما وتشجيعا على اغتيال المنجز فكرا وجسدا وليست معالجة واصلاحا، ليتم توالي المآسي والمظالم لهذا البلد ولهذه الأمة والتخلف لهما بالتكفير بالفتاوى والالغاء بالأختلاف ومصادرة الرأي بالسيادة وانتاج الجوع بالأجتثاث والدموية بالصراع والحروب بالعداء وانعدام العدالة بالظلم، وهو بهذا الطرح الذي جاء كما وصف بمذكرات وليست بمذكرات أرتفع إلى مستويات عليا وكبيرة وليجيز لأول مرة اظهار مبدئية النقد والعِبر بل وما يعرف بمادة علم التاريخ التي يفرضها القران والسنة النبوية ومدرسة أهل البيت العظيمة خلاف ما أريد لذلك من تهميش للأصلح وتخدير للعقل وتحريف للسند وتقديس للجهل، ليحرج الواقع السلبي في أساليب الكتاب من الادعاء لمن ادعى بالانشغال بالفكر من أجل التحفيز بأن يكون كتابنا مفكرين حقا وأصحاب رؤى ونظريات دعما للعقيدة ومواكبة النهضة الانسانية والحضارية، فكأن الكتاب صرخة قائلة : كفى ..

هذا الاسلوب من السيد الرفاعي جاء كيما يُحْدِث العراقُ برافديه، والعربُ من الخليج العربي حتى المحيط، والأمةُ بمذاهبها والعالمُ بنظرياته، من خلال أبنائهم تحولا حقيقيا في الفكر الإنساني وواقعهم المتسالم مع الجاهز من الميراث والارتداد الدائم للخلف، وهذا على أقل تقدير ما يحتاجه العراق في الوقت الحاضر ما بين فرص النهضة المعاصرة أو نعوذ بالله الانحدار أكثر فأكثر لشهوات آنية ولمآرب قاصرة ولواقعيات تجاهلت حجم التضحياتمن جهة ومن جهة أخرى أين وصل العالم وكيف يفكر .

ان عالِماً مفكراً بحجم السيد طالب الرفاعي وهو موضع ثقة كلّ الأطراف المتآخية أو المتصارعة أو المتعادية أو المتنافسة من أهل العلم والمعرفة والسياسة والأخوان ومن ربّاهم، سياسيون ورجال دين وأصدقاء وكتاب وحتى من قبل من يناوءه أو يعاديه، فأنّ له بينهم مقامه الذي لا يمكن خدشه حتى من قبل من انتقدهم أو ينتقدوه من زملائه ومن العلماء أو أبنائه السياسيين أو ممن يوصف بعدوه، لثقتهم بصدقه وعلميته ودفاعه عن الحق وصدقه في المشهد التاريخي الذين أغلبهم عاش المورد الوارد في هذا الكتاب على الأقل ولم ينطق به هذا أو ذاك لمبررات تخصه، وان كان هناك امتعاض بالظاهر فان الباطن قد شجّع على ذلك بالأنفس لحاجة الساحة والفكر والدين والوطن والأمة لمثل هذه المصارحة .

السيد الرفاعي بهذا الطرح وبما عرف عنه من حصن منيع للشرع والعقيدة والمذهب، فقد هيأ الدرب الآن لاقتحام المناطق غير المألوفة في الثقافة والمعرفة والسياسة والتي يخشى الاقتراب منها لما وضعت من خطوط حمراء ومن تسقيط ومن أدوات موت ومن مناهج جهل، فكيف لا وقد علمتُ عندما دعي لأعلان منزلة ما في مرجعية دين فقال : أخاف الله ..

وعندما قدّمَ له الصك الأبيض من طرف ما في الماضي قال : أخاف الله .. 

وعندما وجد نفسه كصاحب قرار ففرض أمرا بحماية من يستحق الحماية من الأصدقاء والأخوان ومن خالفه الرأي وعارض سفك الدماء والاغتيالات لاعتقاده أن الدم يجر الدم ليتحول المظلوم كسنة الهية الى ظالم ان لم يعتبر ويتعض ويعدل، فكان ذلك هو التقوى والخلق وما أخسر العصر والعاقبة بفقدانهما . 

هكذا كان كتاب مذكرات السيد طالب الرفاعي كونها من شهود التاريخ بقلم الكاتب المؤرخ العراقي الكبير رشيد الخيون والمعنون أمالي السيد طالب الرفاعي، ليكون الشاهد على مرحلة من مراحل التاريخ المهمة وهو في عمر الثمانين لندرك أهمية حجم الاحداث والوقائع والتي كان لها أن تفقد توثيقها بين الصدق والافتراء والادعاء عليه بعد رحيله فجاءت ضاغطة في حياته . 

واخيرا وليس آخرا، واِن كنت قد عشت فضله بمقالته في رثاء الوالد رحمه الله عام 2008، أشكره على ما قام به من انصاف بحق أبينا الكبير الجد من اُمّنا الشيخ محمدطاهر الخاقاني رحمه الله علميا وأحداثا ومواقف ليلجم به أفواه من افترى وتزلف وأكل السحت الحرام من أجل قولة أو تأليف، وما الحكم اِلّا عند الله عزوجل يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون وهو أحكم الحاكمين ولا أقول أكثر، والله عزوجل مظهر الحقائق ولو بعد حين والحمد لله رب العالمين.