نظرات في تاريخ الأدب (1)
نظرات في تاريخ الأدب (1)
شمس الأدب تسطع على العالم
د.أحمد محمد كنعان
قال رجل للأديب الساخر برناردشو : أليس الطباخ أنفع للأمة من
الشاعر والأديب ؟
فرد عليه برناردشو : الكلاب تعتقد ذلك !
الأدب تعبيرٌ راق عن المشاعر والعواطف والأحاسيس والأفكار والآراء والخبرات الإنسانية ، ولا نعرف على وجه الدقة متى كانت تلك اللحظة المباركة التي تنهد فيها أول أديب في التاريخ ، وزفر بعض خلجات روحه ، ونثرها على الملأ ، ولنا أن نتصور أن مثل هذه التنهدات قد خالجت قلوب البشر منذ وقت مبكر من وجودهم في هذا العالم رداً على الظروف التي عايشوها .
وتخبرنا سجلات التاريخ المتوافرة بين أيدينا اليوم أن "السومريين" في العراق هم أقدم من كتب كتابات بدائية يمكن أن تندرج في إطار الأدب ، ثم لحقت بهم بقية الشعوب القديمة التي أنتجت أشكالاً عديدة من الأدب ، من الآشوريين إلى الكنعانيين والبابليين والمصريين وغيرهم .
والا غرابة كذلك أن نجد أن تلك "تلآداب" القديمة والحكايا كانت تدور في الغالب على لسان الحيوان ، ربما لأن الإنسان والحيوان يتعايشان عن قرب ، وكانا على تماس يومي في تلك الأحقاب الصعبة التي مرت بها البشر أول عهدهم بهذا العالم .
وقد عرف تاريخ الدب مبكراً ما عرف فيما بعد باسم "الملاحم" ، إلى جانب بعض الكتابات التاريخية ، والتراتيل ، وأغاني الحب والغزل ، والأساطير الخرافية ، والمقالات الفلسفية ، أما "الأدب" المتميز الذي يستحق بجدارة هذا الاسم فقد ظهر في بلاد اليونان التي أنجبت نخبة عظيمة من الأدباء الكبار ، ولعل شاعر اليونان الأكبر "هوميروس" هو أول الأدباء الذين عرفهم تاريخ الأدب على الإطلاق ، فهو الذي نظم "ملاحم أدبية" تعد من أقدم وأعظم الملاحم في تاريخ الأدب العالمي !
ومن الجدير بالذكر ونحن في مفتتح هذه السلسلة من المقالات أن نشير إلى أن الباحثين مختلفون في تعريف مصطلح "أدب" ، فقد قيل إنه مشتق من الأدب بمعنى الدعوة إلى الولائم ، أو هو مشتق من فعل "دأب" الذي يعني ترويض النفس على ما يستحسن من سيرة وخلق ، ويدل كذلك على التعليم برواية الشعر والقصص والأخبار والأنساب ، وعلى الكلام الجيد من النظم والنثر وما اتصل بهما ليفسرهما وينتقدهما .
وقد كانت العلوم اللغوية المختلفة في الماضي تندرج تحت هذا الاسم ، ثم أخذت تستقل بنضج كل منها ، فابن الأنباري في كتابه "نزهة الألبا في طبقات الأدبا" يترجم للنحاة واللغويين والشعراء والكتاب ، وأطلق بعضهم وصف "الأدب" على التأليف بعامة ، فترجم ياقوت في "معجم الأدباء" للمؤلفين في جميع أنواع المعرفة ، وأطلقه بعضهم على النظم والثقافات الضرورية لفئة من المجتمع كما في كتب أدب الكتاب والوزراء والقضاة وغيرها ، وأدخل بعضهم في الأدب المهارات الخاصة ، كالبراعة في اللعب بالشطرنج والعزف على العود .
وقد أصبح للأدب اليوم معنيان شائعان : معنى عام يدل على الإنتاج العقلي عامة مدوناً في كتب ، ومعنى خاص يدل على الكلام الجيد الذي يحدث لمتلقيه لذة فنية ، إلى جانب المعنى الخلقي .
ومن المعلوم كذلك أن الأدب في الجاهلية كان شعراً وخطباً ثم انضم إليهما في أواخر العصر الأموي الكتابة الفنية .
وكان القدماء يصنفون الشعر تبعاً لموضوعاته إلى فخر وغزل ومدح وهجاء وغيرها .. والكتابة إلى رسائل ديوانية ، وإخوانية ، ومقامات .. واختلفوا في القصص ، وخضعت هذه التقسيمات كلها لتغيرات كبيرة عبر الزمن ، وفي عصرنا الراهن اتخذت المفاهيم الغربية للأدب أساساً لتصنيف الأعمال الأدبية المختلفة .. وللحديث صلة .