أهمية البطل في الفن الروائي

أهمية البطل في الفن الروائي

شرحبيل المحاسنة

[email protected]

إنّ فكرة البطل ليست فكرة حديثه بل هي فكرة راسخة القدم اتصلت بالأدب الشعبي والأساطير، ففي الأساطير كان البطل هو الشخص الذي يتصف بمجموعة من الصفات الخارقة، التي تصل في بعض الأحيان إلى ما هو غير عادي أو غير إنساني، في حين قام مفهوم البطل في الآداب الشعبية على اتصاف البطل بصفة معينة هي الأخذ من الأغنياء لإعطاء الفقراء، وفي القرن التاسع عشر صار

البطل هو ذلك الشخص الذي يتصف بمجموعة من الفضائل كالشجاعة والقوة والكرم ... لذلك ففكرة البطل كانت مستقرة في ضمير الشعوب، فهي ليست حديثة بل هي راسخة الجذور في الآداب القديمة.

تعددت نظرة الاتجاهات الأدبية إلى مفهوم البطل، فكان كل اتجاه ينفرد بمنظور يلائم منطلقه الأساس، فالاتجاه الواقعي ينظر إلى البطل على أنه النموذج المنفرد في المجتمع، وهو عند أصحابه خلق فني للبطل الروائي وليس محاكاة لإنسان محدد في الواقع المحيط بالروائي، والمراد بالخلق الفني العملية الجدلية بين الملامح الفردية الخاصة والعوامل الموضوعية في المجتمع. أما الاتجاه الرومانسي فينظر إلى البطل على أنه الشخص الذي يسعى إلى تحقيق ذاته ولكنه يجد في طبقته التي ينتمي إليها، وكذلك في مجتمعه عائقاً يحول دون تأكيد فرديته وتحقيق وجوده. وفي الاتجاه السيميائي ينظر إلى البطل على أنه ذات فاعلة مستقلة تسعى إلى تغيير العالم من حولها. لذلك فكل اتجاه يتبع منهجه في نظرته إلى البطل وكل هذه الاتجاهات أو المناهج تتبع أفكارها والمنطلق الذي تقوم عليه، فالواقعية تنظر إلى البطل من وجهة نظر واقعية، والرومانسية تنظر إلى البطل من وجهة نظر رومانسية.

يعد البطل من أهم العناصر في الفن الروائي ذلك أن الشخصية البشرية هي الموضوع المركزي والمهم مبدئياً للفن، وحتى في الحكاية، حين يعد الموضوع الصفة الإستيتيكية الأساسية، فإن الصياغة النهائية للصنف الأدبي ترتبط بصياغة البطل. كما أن البطل يعد من الوسائل التي يستطيع الروائي من خلالها أن يجسد نظرته للحياة والناس والمجتمع لأن البطل هو الذي يحمل فكرة الرواية على كتفيه ويسير بها حتى النهاية، وبهذا المعنى فإن البطل أداة رئيسية بيد الكاتب يعبر بواسطتها عن رؤيته، وينمو السياق الروائي ويتطور من خلالها. والبطل يكتسب علاقته من خلال التعامل مع الآخرين والتعامل مع الكون الذي يحيط به فهو مقياس لمدى شعور الإنسان بالاستقرار أو مدى شعوره بالأزمة فشعور الإنسان بالاستقرار في علاقة الفرد بالأفراد الآخرين وفي علاقة الجماعة الإنسانية بالكون، هذا الشعور يعطينا بطلاً محدود النطاق، محدود المشكلات ويبعد العمل الأدبي تبعاً لذلك عن شكل الأسطورة، وشعور الإنسان بالأزمة، بحاجة إلى تكيف جديد لعلاقته داخل الجماعة الإنسانية، ولعلاقة الجماعة الإنسانية بالكون، فيقف البطل من جديد أمام منابع الحياة الأولى ويرد العمل الأدبي إلى شكل قريب من الأسطورة.

إن البطل يعوض النقص الذي يحصل للفرد، فالأعمال العظيمة التي لا يستطيع الفرد أن ينجزها يظهر البطل محققاً رغبته في القدرة على هذه الأعمال لذلك فإننا غالباً ما نجد مستهلك البطل قراءة أو سماعاً أو تذكراً وتذكيراً، يتلذذ إنه يتمثل البطولة، ويمتصها ويحياها ويتغنى بها، نحن نخلق بطلنا، ونحن نفتش دائماً عن بطل يعوض نقصنا ويحقق أمانينا، ويبلسم الإخفاقات كي نستطيع حل الصراع الداخلي ثم توكيد الذات، أو كي تستطيع الجماعة توكيد نفسها، نتذوت فيها فتنتعش، أو ننتقم أو نحارب، أو ما إلى ذلك من نشاطات نتمناها ولا نستطيع مزاولتها فعلياً.