تَمَّامْ حَسَّانِيَّاتٌ 1
تَمَّامْ حَسَّانِيَّاتٌ 1
[تَعْليقَةٌ عَلى مَتْنِ "اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ مَعْنَاهَا وَمَبْنَاهَا" لِلدُّكْتُورِ تَمَّامْ حَسَّانْ]
د. محمد جمال صقر
"الْكِتَابُ" الْجَدِيدُ
قَالَ:
هَذَا الْبَحْثُ نِتَاجُ زَمَنٍ طَوِيلٍ مِنْ إِعْمَالِ الْفِكْرَةِ وَمُحَاوَلَةِ إِخْرَاجِهَا فِي صُورَةٍ مَقْبُولَةٍ.
قُلْتُ:
قال لنا أستاذنا الدكتور سعد مصلوح ونحن ضيوفه بالقاهرة سنة 2007م: هذا "الكتاب" الجديد! على أن كتاب سيبويه هو "الكتاب" القديم!
تَنَاسِي الْمَنْهَجِ الْوَصْفِيِّ
قَالَ:
آثَرْتُ أَنْ أَبْتَعِدَ بِأَفْكَارِ الْمَنْهَجِ الْوَصْفِيِّ، عَنْ طَلَبَةِ السَّنَوَاتِ الْأَرْبَعِ، الَّتِي تَنْتَهِي بِالدَّرَجَةِ الْجَامِعِيَّةِ الْأُولَى.
قُلْتُ:
فكان أستاذنا يُدَرِّسُ ما يُدَرِّسُ غيره، من غير إيمان به ولا انقطاع له؛ فيبدو أَضْعَفَ حالا مما هو، وأَهْوَنَ على الطلاب!
مَقَالَاتٌ وَمَقَامَاتٌ
قَالَ:
قَدَّمْتُ لِدِرَاسَةِ الْمَعْنَى الِاجْتِمَاعِيِّ أَوِ الْمَعْنَى الدَّلَالِيِّ كَمَا أُسَمِّيهِ فِي هَذَا الْبَحْثِ، فِكْرَتَيْنِ تُعْتَبَرَانِ الْيَوْمَ مِنْ أَنْبَلِ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ عِلْمُ اللُّغَةِ الْحَدِيثُ فِي بَحْثِهِ عَنِ الْمَعْنَى الدَّلَالِيِّ، وَأُولَى هَاتَيْنِ الْفِكْرَتَيْنِ فِكْرَةُ الْمَقَالِ، وَالثَّانِيَةُ فِكْرَةُ الْمَقَامِ. وَأَنْبَلُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ عُلَمَاءَ الْبَلَاغَةِ رَبَطُوا بَيْنَ هَاتَيْنِ الْفِكْرَتَيْنِ بِعِبَارَتَيْنِ شَهِيرَتَيْنِ، أَصْبَحَتَا شِعَارًا يَهْتِفُ بِهِ كُلُّ نَاظِرٍ فِي الْمَعْنَى: الْعِبَارَةُ الْأُولَى "لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ". وَالْعِبَارَةُ الثَّانِيَةُ "لِكُلِّ كَلِمَةٍ مَعَ صَاحِبَتِهَا مَقَامٌ".
قُلْتُ:
ولهذا جعلت كتابي "نَجَاةٌ مِنَ النَّثْرِ الْفَنِّيِّ: مَقَالَاتٌ وَمَقَامَاتٌ"، لا العكس.
اتِّحَادُ اللُّغَةِ وَالْفِكْرِ
قَالَ:
يَظْهَرُ لَنَا أَنَّ الْفِكْرَ أَوْسَعُ مِنَ اللُّغَةِ، وَأَنَّ فِي رَبْطِ الْمَنْطِقِ وَاللُّغَةِ بِرِبَاطٍ وَاحِدٍ ظُلْمًا لَهُمَا جَمِيعًا.
قُلْتُ:
أظن أن هذا رأي غابر، وأن الرأي الآن ارتباطهما ونتائجه المفيدة.
تَجْرِيدُ أَصْوَاتِ الْمُغَنِّينَ وَالْمُذِيعِينَ
قَالَ:
إِذَا كَانَ الْكَلَامُ لَا يُدْرَسُ مُنْفَصِلًا عَنِ اللُّغَةِ إِلَّا عِنْدَ اعْتِبَارِهِ عَمَلًا صَوْتِيًّا بَحْتًا مَقْطُوعَ الصِّلَةِ بِالْمَعْنَى، كَمَا يَحْدُثُ عِنْدَ فَحْصِ الْمَرْضَى بِالْحَصَرِ وَالْعُيُوبِ النُّطْقِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ الْأُخْرَى، وَاخْتِبَارِ أَصْوَاتِ الْمُغَنِّينَ وَالْمُذِيعِينَ وَقَبُولِهِمَا فِي الْإِذَاعَةِ- فَإِنَّ الدِّرَاسَةَ اللُّغَوِيَّةَ لِلْكَلَامِ تَجْعَلُهُ -حَتَّى عَلَى هَذَا الْمُسْتَوَى الصَّوْتِيِّ- عَلَى صِلَةٍ بِاللُّغَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كَذِلِكَ مِنْ حَيْثُ قُصِدَ بِهِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى مَعْنًى.
قُلْتُ:
قال لي أستاذي الدكتور أحمد كشك، في أستاذنا جميعا الدكتور تمام حسان: لقد كان يُغَنِّي، وهو حسن الصوت! ولا أدري أنا الآن، فربما كان تقدم إلى الإذاعة مرة في زمرة المختبرين! ولكنني أدري أن ابنته الأستاذة أميمة تمام إحدى المذيعات الجادات.
نِظَامُ الْمُعْجَمِ
قَالَ:
اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ مُكَوَّنَةٌ بِهَذَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَنْظِمَةٍ (صوتي وصرفي ونحوي) وَقَائِمَةٍ مِنَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي لَا تَنْتَظِمُ فِي جِهَازٍ وَاحِدٍ.
قُلْتُ:
لكن الدكتور تمام حسان ذهب فيما بعد، إلى جعل المعجم نظاما تتجادل فيه المفردات والمعاني.
يَا شَرُّ اشْتَرَّ
قَالَ:
نَعْرِفُ أَنَّ الْكَلِمَةَ الْفَصِيحَةَ "اجْتَرَّ"، قَدْ أَصْبَحَتْ بِفَضْلِ هَذَا الصَّوْتِ مِنْ أَصْوَاتِ الْجِيمِ، عَلَى صُورَةِ "اشْتَرَّ"، وَهَكَذَا شَاعَتْ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفَلَّاحِينِ فِي رِيفِ مِصْرَ شَمَالًا وَجَنُوبًا.
قُلْتُ:
صحيح، أدركت هذا، وأدركت معه قولهم في المولع بالشغب: بِيْقُولْ يَا شَرِّ اشْتَرّْ"! فتُرى أصاغوا الفعل من الشَّرِّ نفسه، بمعنى "اعْمَلْ عَمَلَكَ"، أم هو "اجْتَرَّ" الذي في كلام الدكتور تمام، بمعنى "كَرِّرْ نَفْسَكَ"؟
وَقْعَةُ الصَّادِ وَالسِّينِ
قَالَ:
مَثَّلَ ابْنُ عُصْفُورٍ لِهَذَا الصَّوْتِ مِنْ أَصْوَاتِ الصَّادِ (الصاد التي كالسين)، بِكَلِمَةِ "صَابِر" الَّتِي تَصِيرُ "سَابِر". وَمِثْلُ هَذِهِ الصَّادِ مَا نَسْمَعُهُ الْيَوْمَ عَلَى أَلْسِنَةِ النِّسَاءِ وَلَا سِيَّمَا الْمُتَشَبِّهَاتُ مِنْهُنَّ بِالْأَجْنَبِيَّاتِ.
قُلْتُ:
مِنْ غرابات لهجة أهل قريتنا "طَمَلَاي"، أنهم ينادون سَمِيرًا: يا صَمير، وَصِدِّيقًا: يا سَدِّيْءْ!
الظَّاءُ الْمُرَقَّقَةُ ذَالٌ لَا ثَاءٌ
قَالَ:
إِذَا أَشْبَهَتِ الظَّاءُ الثَّاءَ فَسَيَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا فَقَدَتْ إِمَّا الْجَهْرَ، وَإِمَّا التَّفْخِيمَ، وَإِمَّا هُمَا مَعًا.
قُلْتُ:
هي إذا فقدت التفخيم -يا سيدي- ذالٌ لا ثاءٌ؛ فشَبِّهْها بالثاء إذا فقدت التفخيم والجهر كليهما معا، ولا أعرف لها شبيها إذا فقدت الجهر وحده!