– أيام الغضب – الانتفاضة العربية
قراءة في كتاب
محمد هيثم عياش
برلين /08/01/12/ تعتبر انتفاضة بعض شعوب الدول العربية تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن واحتجاجات البحرين حديث السياسة في المانيا والعالم واهتمام ما يُطلق عليهم بخبراء منطقة الشرق الاوسط .
اذ ان هذه الانتفاضة وعلى حد رأي خبير منطقة الشرق الاوسط ميشائيل لودَرْزْ في كتابه الذي وضعه مؤخرا / الانتفاضة العربية – ايام الغضب - الانتفاضة التي غيرت العالم / لن تظهر نتائجها على مدى الايام والاسابيع والاشهر القليلة المقبلة فبالرغم من انتصار شعوب مصر وتونس وليبيا بانتفاضتهم ضد انظمتهم السابقة والانتخابات البرلمانية التي جرت بتونس ومصر وأدت نتائجها الى نجاح الاسلاميين وبدء ليبيا بتحضير نفسها لانتخابات شبيهة فان وصول الاسلاميين الى حكم تلك الدولتين وتأثيرهم على انتفاضة الشعب الليبي والسوري سيقوم بتغيير مجرى السياسة الدولية وخاصة علاقات الغرب مع اسلاميي منطقة الشرق الاوسط
وعزا لودرز انتفاضة شعوب الدول المذكورة ضد حكامها السابقين ليس لسبب تطلعاتهم الى الحريات العامة فحسب بل لاثبات العالم بان الاسلام دين حركي ، فالاسلام / وعلى حد رأيه / اصبح في عهد حكام الدول العربية السابقين وبعض الذين لا يزالون يحكمون جامد غير قابل للانفتاحية على الثقافات الاخرى وينص على الحرية ولكن بشكل محدود للغاية هذه الانتفاضة ساهمت وراء اعلان بعض دول منطقة الخليج العربي اجراء اصلاحات فيها فالسعودية اعلنت حق المرأة في الانتخاب وانها ستنتخب خلال الاعوام القليلة المقبلة واشارت قطر الى انها ستساهم ايضا باصلاحات تشريعية وأرغمت الانتفاضة دولة الامارات العربية المتحدة على توسعة ما يُطلق عليه بالمجلس الاتحادي ولكن بالرغم من هذه الاعلانات يبقى الاسلام دين جامد ولذلك يجب تحريكه .
وينتقد لودرز الذي كان يعمل مراسلا لمجلة / الوقت – دي تسايت / الاسبوعية من الشرق الاوسط الغرب لانه لم يأبه لشعور شعوب الدول العربية التي كانت ترزح تحت نير ظلم انظمتها ، فالمانيا واوروبا والولايات المتحدة الامريكية اتخذت من حسني مبارك خليلا لها من اجل الحفاظ على الكيان الصهيوني وامدته بالمال وغيره للبقاء في منصبه وزين العابدين بن علي ومعمر القذافي كانا حليفين للغرب لضرب الحركات الاسلامية بمنطقة الشمال الافريقي ولا يريد الغرب تقدم مساعدة فعلية للشعب السوري ضد طاغيته بشار اسد لموقف بشار والنظام السوري المساند للغرب هذه المساندة التي تكمن الحيلولة دون ايذاء الكيان الصهيوني من الجولان وكبح جماح حزب الله وغيره كما لا يأبه لمطالب الشعب اليمني باقصاء علي عبد الله صالح من رئاسة اليمن بشكل نهائي خوفا من اتخاذ القاعدة اليمن موطنا لها مشيرا بأن الغرب ينتهج سياسة اوجه كثيرة مع الشعوب العربية .
الا أن لودرز يذهب بعيدا عندما يشير بان الاسلام يرفض مبدأ الاصلاحات وحرية الراي لأن الاسلام يأمر المسلمين باطاعة ولي الامر ويقيد حرية الاعتقاد ويأمر بقتل المرتد ، وانتفاضة الشعوب العربية هي من اجل الغاء هذه القوانين التي تعتبر مستبدة ويذهب بعيدا عندما يعتقد بان المسلمين العرب عنصريون فهم لا يأبهون لمطالب الاقليات العرقية ، فالاكراد الذين يعيشون في منطقة الشرق الاسط مضطهدون ولا احد ينسى ما فعله صدام حسين بالاكراد عندما حاول ابادتهم اواخر الثمانيات وقبل ان تقع الحرب بين العراق وايران اوزارها كما ان الاكراد محرومون من حقوقهم في سوريا وهم اول من بدأ بالانتفاضة مؤكدا ان الاقليات العرقية في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا مهددون بالابادة .
وبالرغم من ان المؤلف يعتبر خبيرا بمنطقة الشرق الاوسط ويسرد في كتابه وقائع الاسباب الخلفية والمباشرة لانتفاضة شعوب مصر وتونس وليبيا وحاليا سوريا واليمن تعتبر واقعية وصحيحة الى حد ما الا انه انتهج نهج غيره من اولئك الذين سبقوه بوضعهم الكتب حول انتفاضة بعض الشعوب العربية اذ يعتقد ان دوافع الانتفاضة ليس من اجل الحرية فقط بل من اجل سيطرة اهل السنة على الشيعة الذين يحاولون بسط نفوذهم السياسي والمذهبي في معاقل اهل السنة مثل محاولة ايران تشييع سوريا ومصر .
وقد اصاب المؤلف ببعض ما ذكر حول اسباب انتفاضة بعض الشعوب العربية فسيطرة الحكم الفرد مثل انظمة مصر وتونس وليبيا وسوريا وممارستهم قمع شعوبهم وكم افواههم واذلالهم اذ مارسوا سياسة فوعون عندما زعم لاهل مصر بانه ربهم الاعلى الا أنه لم يكن صائبا بأن الاسلام غير متفتح ولا يوجد اي عدالة اجتماعية فيه كما أخطأ عندما اعتقد بان اصلاحات المملكة العربية السعودية جاءت خوفا من وصول الانتفاضة اليها ، فحكومة المملكة تساهم بالاصلاحات قبل وقوع هذه الانتفاضات بزمن طويل ودعوتها للحوار الوطني من اجل وضع حد للفتن دليل واضح على انفتاحها .
ولا يوجد حكومة على ارضنا لم ترتكب اخطاء سياسية أضرت بشعبها كما لا يوجد حاكم أصاب بكل قرار اتخذه في بلاده ، فالانسان مهما اوتي من علم وحكمة الا ويقع في اخطاء فلا احد عدا الانبياء والمرسلين معصوم من الخطأ ، ولذلك شرع الله تعالى مبدأ الشورى لأنها أساس خروج اي دولة تعاني من ازمات من ازماتها ، وقد أمر الله تعالى رسوله بمشاورة الصحابة / وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله – أل عمران 159 / ومدح اولئك الذين يتشاورون في امورهم فقال/ والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وامرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون – الشورى 38/ وفي الحديث النبوي ما خاب من استشار ولا ندم من استخار وكل شعب في العالم بحاجة الى حكومة تعرف آلام وآمال شعبها حتى تستطيع الاصلاح وتسيير الامور واستقرار الدولة ، وقديما قال الافوه الاودي واسمه صلاءة بن عمرو بن مالك من قبيلة اود توفي حوالي عام 500 ميلادية ، ولقب بالأفوه لغلاظة فمه وسعته:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة اذا جهالهم سادوا
وقد ساهم المسلمون ببناء دولة قواعدها العدالة واعمدتها الاصلاحات المستمرة ، فكتاب الخليفة الراشد سيدنا عمر بن الخطاب الى ابي موسى الاشعري رضي الله عنهما في القضاء تعتبر الى وقتنا هذا أساس دراسة علم القضاء في العلم وخاصة في معاهد الحقوق الالمانية ونص هذه الرسالة :
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر بن بن الخطاب الى عبد الله بن قيس سلام عليك ، أما بعد فان القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة فافهم إذا أدلي إليك بحجة وأنفذ الحق إذا وضح فانه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، وآس / ساوي/ بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك حتى لا ييأس الضعيف من عدلك ولا يطمع الشريف في حيفك، البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالا، لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق فان الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما لا يبلغك في الكتاب والسنة. اعرف الأمثال والأشباه ثم قس الامورعند ذلك فاعمد إلى أحبها عند الله وأشبهها بالحق فيما ترى واجعل لمن ادعى بينة أمدا ينتهي إليه فان احضر بينة اخذ بحقه و إلا وجهت القضاء عليه، فان ذلك أجلى للعمى وابلغ في العذر.
المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلود في حد أو مجرب في شهادة زور أو ظنين في ولاء أو قرابة، إن الله تولى منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات وإياك والقلق والضجر والتأذي بالناس والتنكر للخصوم في مواطن الحق التي يوجب الله بها الأجر ويحسن بها الذخر فانه من يصلح نيتهفيما بينه وبين الله ولو على نفسه يكفه الله ما بينه وبين الناس ومن تزين للناس بما يعلم الله منه غير ذلك يشنه الله، فما ظنك بثواب غير الله عز وجل في عاجل رزقه وخزائن رحمته والسلام عليك.
ومن الاصلاحات التي ساهم المسلمون بها ولا سيما الحيلولة من الفتن وضعهم للنظام البرلماني ، فالبرلمان المعروف حاليا في اوروبا اصله اسلامي ، فاوروبا لم تأخذ نظام البرلمان الاغريق او الرومان فبرلمان الفريقين المذكورين كان برلمانا للقتل او الابقاء على قيد الحياة اما البرلمان الذي وضعه المسلمون في الاندلس كان من أجل مناقشة امور الدولة واوضاع الناس وذلك أيام المعتمد بن عباد من ملوك الطوائف فقد قام قاضي اشبيليا عبد الله بن أدهم بجمع رؤساء المهن والعشائر بمبنى واحد لمناقشة امور الدولة ، وكلمة / البرلمان / عربية الاصل ومعناها الثرثرة واللغط – أي الصياح – لسان العرب – باب الميم - برلم /. وقد استطاع المسلمون من الحكام من خلال اصلاحاتهم القضاء على الفتن والمساهمة من خلالها بازدهار بلادهم .
والاسلام دين العدالة والاصلاح والانفتاح وقد أكد اعداء هذا الدين قبل اصدقاءه بأن العالم لم يعرف أعدل حاكما من المسلمين العرب والآية الكريمة التي تؤكد على وجوب العفو قبل القدرة – في سورة المائدة / انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا – الى آخر الاية 33 / جاءت الاية التي بعدها مباشرة مستثنيا جل جلاله الذين يتوبون قبل القدرة عليهم / الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم فاعلموا ان الله غفور رحيم / اي ان الذين يتوب قبل القدرة عليه / القاء القبض عليه / فلا عقوبة عليه .
وقال زياد بن ابي سفيان / الذي يقال له زياد بن أبيه / ما غلبني معاوية / بن ابي سفيان / رضي الله عنهما الا بواحدة فقد كتب لي / عندما كان واليا لمعاوية على العراق / انه لا ينبغي ان نسوس الناس سياسة واحدة فكن انت للشدة واكون أنا للرخاء فاذا ما غضبتَ على أحد وسدَّت الابواب في وجهه وجد مخرجا له من العفو عندي .
وفي التاريخ الاسلامي شواهد كثيرة على حوارات كثيرة جرت بين الذين خرجوا على الائمة وعفو الائمة عند ظهورهم عليهم وذلك في ايام الخلافة الموية والعصور الاولى من خلافة بني العباس .
وهذا القرار موجود ببعض الدول الاسلامية اي الحوار والعفو قبل القدرة .
ويقع الكتاب في حوالي مائتين صفحة ويصل سعره الى حوالي 20 يورو .