البرادعي والحمار
ديوان شعر نادي بالتغيير والثورة في مصر
محمد سيد بركة
ليس ثمة شك أن الشعر إحدى عجلات قطار التغيير ووقوده في كثير من الأحيان، وأن الشعر ذاكرة الوطن وتاريخه، وقديما قالوا الشعر ديوان العرب ، وفيه يشخص المرض وتوضع وصفة العلاج، وعلى هوامشه يمتزج الحاكم بالمحكوم والعامل بالمثقف، ويلتف الشارع حول رموزه، حتى في القصائد الرومانسية لأنها في النهاية توحد الجميع في إحساس وحالة إنسانية واحدة. وأن الشعر إذا لم يتفاعل مع الناس ولم يتأثر بهم ويؤثر فيهم فلا حاجة له.
وفي مطلع العام الجاري -الذي أوشكت شمسه على المغيب- صدر في القاهرة ديوان شعري بعنوان البرادعي والحمار، لشاعر مصري شاب اسمه أسامة صلاح الأبنوبي وذلك قبل أيام من الثورة الشعبية في مصر .. ثورة 25 يناير ..
وبداية نقول أن البرادعي المقصود في هذا الديوان ليس المدير السابق للوكالة الذرية الدولية ومؤسس الجمعية الوطنية للتغيير الدكتور محمد البرادعي وأحد الأسماء المطروحة على الساحة السياسية للترشح لمنصب الرئيس في مصر ، وإنما هو اسم يطلق في الريف المصري على صانع البرادع ، والبرادعي هذا شخصية مشهورة لدى الفلاحين في الريف المصري ، أما البردعة التي يصنعها فهي قطعة قماش مبطنة تشبه الوسادة محشوة بقش القمح أو الأرز توضع على ظهر الحمار لإراحة راكبه، وهي تقابل السرج لدى الخيل ، كما توجد في محافظة القليوبية بمصر قرية تسمى البرادعة.
الديوان -وهو التجربة الشعرية الأولى للشاعر- يجسد تفاعل الشعر مع الواقع وتداخل الأدب مع السياسة. ورغم تمسك الشاعر بالشكل التقليدي للقصيدة العربية فإنه قدمها في ثوب جديد أكثر جاذبية، معتمدا على أسلوبه الساخر وأدواته الإبداعية في نقد الأوضاع السياسية والاجتماعية للمشهد المصري والعربي.
ويداعب الشاعر المزاج السياسي في بلده باستخدام اسم البرادعي الذي سرعان ما ربط الناس بينه وبين المدير السابق للوكالة الذرية الدولية ومؤسس الجمعية الوطنية للتغيير الدكتور محمد البرادعي.
مقدمة صادمة
يبدأ الشاعر ديوانه بمقدمة غير تقليدية لا تقل صدمتها عن عنوان الديوان يقول :
يسعدنى أن أبدا فى تقديم ديوانى الأول من قريه ملخنا الدكر ولا تسألونى لماذا اخترت هذة القريه دون غيرها؟ أو أين توجد هذه القرية؟؟ وقبل أن تنبت فى أحشائكم علامات الاستفهام ويتحشرج فى صدوركم الكلام , سأصتحبكم الى هذه البقعه المقدسة حيث مسقط رأسى .فهى احدى قرى محافظة شرم اللى يكح (الشيخ سابقا) عاصمة المملكه المعظمة , فقد استتب الأمر بالبلاد وتحقق للشعب المراد , وأصبحنا الان بعد الصبر الطويل والهم الثقيل نشارك فى تصفيات كأس الأمم الأسيوية , ويبدو أننا على وشك تحقيق المحال بالوصول الى المونديال..
وقرية ملخنا الدكر هذه المتخيلة والتى تقع خارج حدود الزمان والمكان , فلا يمر بها خط طول ولا خط عرض ولا خط موبينيل , لا يعرف أهل هذه القريه الا البؤس والشقاء , فالكل فيها يلهث خلف لقمه العيش ولقمه العيش تلهث خلف الكل , فلا علم ولا شعر ولا حب . وأعرف أن ما سوف ألقيه مضطر الى بصق أشعارى فى وجوه هؤلاء الحمقى , لعله يحدث لهم ذكرا .
فى ملخنا الدكر حيث لا طرق ولا مواصلات ولا بنيه تحتية ولا فوقيه, ولا خيار أمام الناس سوى الحمار فهذا الحيوان هو الوسيلة الوحيده للتحرك والحراك , فكل فرد من أفراد القريه له حماره الخاص الذى لايفارقه , لذلك تجد العلاقه بين الحمير والناس علاقة متينة أصيلة حتى أصبح هناك شبه كبير بين الحمير وأهالي القرية... ولكن مع تعاقب الليالى والأزمان , بدأت فى الظهور بوادر أزمه حاده باتت تهدد الاستقرار وتزعزع الأمن الداخلى , وتعصف بالسلام الأبدى الذى حققه أهل القرية مع الحمير الشريفة طول العقود المنصرمه.
حيث بدأ أكثر من شخص داخل القريه يشكو من الام وأورام واحمرار شديد فى منطقه المؤخرة وقد أجمعوا على أن السبب وراء ذلك هو خشونه الهزال والنشفان الذى يتمتع به أهل القرية .
وتتطور أزمة أهل القرية تطورا تدريجيا في إسقاط أدبي ساخر، خاصة حينما يجمع الأهالي في نهاية القصة على رغبتهم في دخول البرادعي الذي يحمل حلم التغيير ويعد بتقديم بردعة لكل مواطن تنهي احمرار المؤخرة إلى الأبد.
ولكن سرعان ما تسرب هذا الخبر الى عمدة القرية الرعديد, الذى هاج وشاط وبدأ فى الاسهال والضراط واجتمع بغلمانه وأعوانه وأصدر البيانات والتهديدات وأكد للجميع أن البردعة وهم كبير وأنه أعلم بأوجاع الناس ولديه من الحكمة والدماثة والحساسة والبساسة ما يمكنه من حل الأزمات وانه سوف يوفر النمو للجميع وسيعيد الأمر الى أوضاعها السابقة فهو وحده القادر على ذلك.
تطور الامر الذى جعل العمدة يصدر قرارا رسميا بمعاقبه كل من تسول له نفسه تأييد فكره دخول البرادعى الى القرية أو حتى مجرد التفكير فى حلم البردعة الخداع
لأنه بذلك سوف يكون مهددا لأمن وسلامة واستقرار الوطن وزعزعه الحكم وخلخه النطام وهشاشه العظام
وعند هذا الحد تتسارع الأحداث ويكثر اللغط والشد والجذب فالعمده يتربص بأنصار دخول البرادعى الى القريه , بينما أنصار البرادعى لا زالو يرفعون اللافتات وينظمون الاحتجاجات ويسيرون المسيرات لكنهم فى عزله عن أهالى القرية وعلى هذا الحل تمضى الايام والسؤال المطروح الان : هل سيأتى البرادعى أم ستظل المؤاخرة حمراء؟؟
أولى أول
ثم يبدأ الشاعر في استعراض شيق لقصائده السياسية الساخرة والقوية التي تحمل صورا شعرية رائعة رغم طابعها السياسي اللاذع، وتتجسد هذه الصورة الإبداعية في قصيدة أولى أول التي تقدم تشريحا دقيقا للوضع السياسي المصري.
وتعتمد القصيدة -في صورة ساخرة وجاذبة- على الحوار القائم بين التلميذ وأستاذه، حيث يقول الأبنوبي -على لسان التلميذ الذي يطلب منه أستاذه إعراب بعض الكلمات ذات الدلالة السياسية- فيجيب بطريقته الخاصة قائلا:
الظلم يا أستاذُ يرفعُ فاعلاً
والفقرُ حالٌ.. والرقابةُ في شخيرْ
والحلمُ في وطني ضميرٌ غائبٌ
والعمرُ أرخصُ فيه من قرصِ الشعيرْ
والعدلُ مات محلُ إعراب له
والحقُ مكسورٌ وليس له نصيرْ
والحرُ مفعولٌ به وبأهله
بين الزنازنِ ما تئنُ له الصدورْ
أما المضافُ فهاربٌ بدمائنا
وأضف إليه نقودنا حتى يطيرْ
والنشلُ بدلٌ من تسولِ عاطلٍ
وموظفٌ صفةٌ لشحاذٍ فقيرْ
أما الجنيهُ فقد تمنعَ صرفُه
واسأل به الجزارَ أو جندَ المرورْ
تعديلُ دستورٍ فهذا مبتدأ
وانشر له خبراً بتوريثٍ مريرْ
أمريكا جارٌ لا تسلني كيف ذا
أما النظامُ فصار مجروراً حقيرْ