ماذا يقرأ أبناؤنا؟

يحيى بشير حاج يحيى

[email protected]

إن الكتابة للأطفال ليست مجرد رغبة بقدر ما هي عمل تخصصي قد تحددت في كثير من الآداب العالمية، وصار لها كتاب متفرغون متخصصون وهي كما قال الدكتور علي الحديدي في كتابه أدب الأطفال كتابة المتخصصين الذين كتبوا للكبار أولاً، ثم اتجهوا بعد تمكنهم من ذلك إلى أدب الصغار، وذلك لأن كاتب أدب الأطفال كطبيب الأطفال، وكما أن هذا الطبيب لا بد له من دراسة أصول الطب العام ثم تطبيق معلوماته بعد ذلك على المرضى من الأطفال، كذلك الذي يكتب للأطفال لا بد له من أن يعرف الأصول العامة للكتابة الأدبية، ثم يطبق معلوماته على ما يكتب للصغار.

ثمة سؤال يفرضه اليوم واقع ثقافة الطفل، بعد أن كثرت المطبوعات وتنوعت: هل كل ما يطبع وينشر تحت مسمى "قصص الأطفال" يصلح لأن يقرأه أطفالنا؟!

القصة الأولى

النبيل الشجاع

في سلسلة المكتبة الذهبية للأطفال نقف عند هذه الحكاية التي حملت عنوان "نبيل شجاع" تقول الحكاية: نبيل طفل في السادسة من عمره، ذكي شجاع، وصاحب وجه جميل، وصورة حسنة، وشعر أشقر مجعد.. بعد الدرس، وكتابة الفروض كان يذهب مع رفاقه إلى اللعب المرح، كان يرتاح قليلاً ويعود إلى درسه من جديد وكان فوق قرية نبيل بحيرة تتجمع فيها الأمطار، لتسقي المواشي والأرض والناس على شكل سد للمياه وكان الطفل يحب الجلوس على حائط السد، ليرى القرية الهادئة تحته، ويشاهد خضرتها من فوق بعد فصل الشتاء وتراكم الثلوج، صعد نبيل كعادته إلى السد، فشاهد أن المياه تتسرب ببطء من الحائط، لأن شقاً صغيراً قد حدث فيه فخاف نبيل خوفاً شديداً لكنه تمالك نفسه، ووضع إصبعه ليمنع تسرب المياه، وراح يصرخ وينادي، فلم يسمعه أحد!!

وحل الظلام، وصار البرد قاسياً، والفتى المسكين لا يستطيع سحب إصبعه لئلا ينفجر الحائط، فتغرق القرية كلها.. وفي اليوم التالي وجد نبيل ميتاً، ويده في الثقب فأكبرت القرية تضحيته، وأقامت له تمثالاً كتبت تحته "ذكرى النبيل نبيل".

1 - إن الصفات التي تعرضها الحكاية ترغب الطفل، لأنه يجد أكثرها متمثلة فيه سواء كانت من جهة السن أم الشكل أم السلوك؟

فنبيل طفل في السادسة يمتاز بالذكاء والشجاعة ووجهه جميل! وصورته حسنة، وأما الناحية السلوكية الفردية والاجتماعية فهو يقوم بالواجبات، ويلعب مع الرفاق، وأما الأخطار التي تبرز فيها فتتمثل في جلوسه على حائط السد لما فيه من خطورة على الطفل، ولا سيما أن الكلام رافقته صورة نبيل وهو جالس على ذلك الحائط.

وهذا يؤدي إلى أن يستهين الطفل القارئ بهذا الجلوس، ولا سيما أنه يصدر عن طفل شجاع، جميل يؤدي واجباته؟

وكان الأولى لو أن الكاتب ذكر أن نبيلاً رافق زملاءه في زيارة إلى السد، حتى إذا وقع أحدهم في خطأ  يشكل خطراً على حياته نبهه زميله أو مدرسه.. وتكرر الحياة الخطأ حين نذكر أن نبيلاً اعتاد الصعود؟! وأما الخوف الذي انتابه حين رؤية الثقب فكان من الممكن توجيهه وجهة أخرى، بحيث يستفاد منه في تعديل سلوك، أو تجاوز خطأ وليكن بالشكل التالي مثلاً: وهو أنه رأى طائراً غريقاً طفا على وجه الماء، فتصور نفسه مكانه، وماذا يمكن أن يحصل له لو زلقت رجله فعزم ألا يصعد بعد ذلك!

2- تعويد الطفل على مد يده إلى كل شيء، وهذا التعليل "ليمنع تسرب المياه" لا يقلل من حدة الخطأ!

3- ومما يضاعف الخطأ في نهاية الحكاية أن القرية أكبرت تضحية نبيل، فأقامت له تمثالاً، وقد رافق الكلام صورة لتمثال نصفي مما يجعل الطفل يستهين بحرمة التماثيل؟! فإقامة تمثال لمن يضحي ليس أكبر المكافآت، فلربما تولد في ذهنه استغراب حين يسمع عن كثير من العظماء ممن تكون تضحياتهم أكبر من تضحية نبيل فلا يرى لهم تماثيل.

4- كان الكاتب يستطيع أن يضع نهاية سعيدة لحكايته، ولا سيما أن الأطفال يحبون النهايات السعيدة، وهي أن نبيلاً عندما رأى الثقب أسرع إلى القرية ليخبر أهلها فوصلوا قبل فوات الأوان، ونجحت القرية من خطر محقق، فأقامت حفل تكريم وأطلقت على السد اسم "نبيل الشجاع".

القصة الثانية

الحجاب المسحور

وأما حكاية "الحجاب المسحور" فهي أدهى وأمر؟! وهي من النوع الخرافي الذي يعتمد على ما يشبه خرق العادة من سحر وشعوذة، وتتحدث عن شقيقين متشابهين هما "أدهم وحمدي" وقد خرج أدهم ليبحث عن عمل فزوده أخوه بالحجاب المسحور الذي أعده عمهما الكاهن لكل منهما!! ثم مضى إلى المدينة كما تقول الحكاية.

فوقع نظره على فتاة مثل البدر فأحبها وإذا هي ابنة الملك وتم الزواج بعد موافقة أبيها، وتضيف الحكاية حرفياً "ولعل الحجاب المسحور كان له فضل في ذلك كله، فالملك لم يتردد أو يتأخر أبداً في الموافقة على تزويج ابنته" ووجد أدهم في القصر ثلاث مرايا، فنظر في المرآة الثالثة، فظهرت له عجوز وعدته بكنوز كثيرة، وأعطته عنوانها، ولما وصل إليها "مدت يدها لمصافحته، على أنه لم يكد يضع يده في يدها حتى اختطفت بيدها الأخرى حجابه الذي كان معلقاً في رقبته" لتحوله إلى حجر أسود، وشاءت الأقدار أن يرى شقيقه حمدي ذلك كله عندما كان في زيارة للقصر، فانطلق إلى عمه الكاهن ليخبره بما حصل فدله على ما ينبغي أن يفعله
"وعاد إلى حيث العجوز الشريرة ولوح بحجابه أمام عينيها وردد الكلمات التي حفظها من عمه.. عندئذٍ اختفت العجوز وجعلت تلك الحجارة السوداء والبيضاء تعود إلى أصلها فتتحول الأولى إلى خيول، والأخرى إلى شبان، وحمل الأخوان من الكنوز ما استطاعا حمله، ثم عادا إلى القصر.

إن المفاجآت التي حفلت بها هذه الحكاية تشد الطفل، وتشوقه إلى متابعتها ولكن في ثناياها يكمن الخطر العقدي، حين يجعل للحجاب قوة كبيرة قادرة على التحويل من حجر إلى بشر وبالعكس، وهو حجاب كتبه كاهن؟ هذه واحدة.

أما الثانية: فلا ندري كيف حشر المؤلف هذا الحب المفاجئ من الفتى أدهم لفتاة اتضح له أنها ابنة الملك؟ والأعجب من ذلك أنها وافقت على الزواج من هذا المغامر دون أن تبدو فيه صفات تؤهله للزواج من فتاة جمعت بين الجاه والمال؟ فمثلاً أن يفعل أمراً عظيماً أو يظهر فروسية نادرة، أو يصدر عنه عمل يدل على شهامته ومروءته..

والثالثة: أن الحكاية لم تبين الدافع الذي جعل الملك يوافق على زواج ابنته من شاب لا يعرف عنه شيئاً!

بل بسطت الأمر إلى أن أخرجته عن الواقع، وجعلت للحجاب المسحور الفضل في ذلك كله؟ فأين الوضوح؟ وأين التسلسل المقبول؟ وما الهدف من مثل هذه الحكايات؟ وما القيمة التي سيخرج بها أطفالنا بعد قراءتها؟!

هذا السؤال الأخير علينا أن نسأله لأنفسنا كآباء ومتخصصين قبل أن نشرع بفتح القصة التي سيقرؤها أبناؤنا!