نظم الحكاية على ألسنة الحيوانات
قصة "الظالم والماكر والوفي"
أنموذجا للسياسة غير المباشرة
في أدب الأطفال بعد عصر الربيع العربي
د. أميرة حسين
دكتوراه في النقد والأدب المقارن
قصة الظالم والماكر والوفي التي كتبها حديثا الدكتور غيضان السيد في مجلة الفاتح العدد 283في عالم الأطفال تهدف إلى النهضة والارتقاء بأدب الأطفال، فقد جاءت القصة للإجابة عن كيفية تثقيف الطفل وتعريفه بحقوقه وحقوق الآخرين داخل عالم الطفولة من خلال طرحه لحكاية "الظلم والمكر والوفاء"، ولا ننكر أن الكاتب نظم الحكاية على ألسنة الحيوانات مجتمعا بأحداث المصريين السياسية لثورة 25 يناير المصرية بطريق غير مباشر داخل حكايته ليأخذون الحكمة والأدب من خلالها على قدر عقولهم.
كما لا ننكر أيضا أهمية نظم الحكايات على ألسنة الحيوانات والطيور في عصر النهضة الحديثة ؛مثلما فعل الكاتب الفرنسي الشهير (لافونتين) حيث سمى ما كتبه من حكايات على ألسنة الطير والحيوان(خرافات) .وأطلق على فن الحكايات التي ترددت على ألسنة الطير والحيوان اسم الخرافة أو الخرافات،
والحكاية على لسان الحيوان فهي: (حكاية ذات طابع خلقي وتعليمي في قالبها الأدبي الخاص بها، وهي تنحو منحى الرمز في معناه اللغوي)( الأدب المقارن، محمد غنيمي هلال، دار نهضة مصر، ط3 /2004.)
ونجد هذه الحكايات في الآداب العالمية نثراً وشعراً، وإن كان طابع الشعر أكثر بروزاً في هذا الجنس الأدبي.
افتتح الكاتب حكايته بوصف ظلم الأسد وغضب كافة سكان الغابة من جميع الحيوانات بقوله:
"عاد الأسد الآن يحمل فرائسه من حيوانات الغابة وطيورها المختلفة يحمل ظبيا صغيرا وزرافه وليدة وخمسا من الإوز وعشرا من البط، ثم بدأ يلتهمهم بنهم في عرينه الملكي، وسط غضب عارم من كافه سكان الغابة من جميع الحيوانات"
- وهنا نجد أن بداية الحكاية وصف للأسد كملك ظالم لا يحمى مملكته؛ بل هو الخطر الذي يهدد مملكته ويرعب مواطنيه ، وقد استخدم الكاتب الرمز من خلال حكاياته التي نظمها عن الظالم والماكر والوفي على لسان الحيوان، وذلك ليخفى من ورائه نقداً مرا لبعض الشخصيات ، مثل سوء اختيار الشعب للملوك، والحكام لأعوانهم، ومساعديهم في قضاء مصالح الرعية، وأثر ذلك الاختيار في فساد الحكم واضطرابه.
- كانت الحكاية التي رواها الكاتب على ألسنة الحيوانات ما هي إلا انعكاس الحياة القائمة في عصره، أشبعها بروح الفكر، وتنفس الكاتب من خلال حكاياته وأفصح عما لا يستطيع قوله صراحة، وكشف عما تعرض له الناس من كيد في حياتهم، وما تعرضت له مصر من مفاسد ومظالم قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير المصرية.
- ويقوم الكاتب داخل حكاياته بإدخال الطفل إلى مملكة العقل والتفكير عندما وصف اجتماع الحيوانات جميعا في ميدان الحرية بوسط الغابة، ليفكروا في طريق للتخلص من ملك الغابة الأسد الظالم"
- وإدخال الطفل مرحلة التفكير في الحكاية ما هو إلا ارتقاء بتكوين رأى الطفل لمعرفة توجهاته الفكرية ومعرفة قيمة ومواقفه التي تساهم في وصوله إلى عالم السلام والاطمئنان والى تعريف الطفل الحقيقة وكيف يأخذ موقفا عندما يكبر من قصة عرف تفاصيلها وخلفيتها والتي فيها انتهوا إلى أن من يخلصهم من الأسد الظالم هو من سيكون ملكهم الجديد كما يلتزم سكان الغابة جميعا بتوفير أشهى الأطعمة وألذ أنواع الفاكهة وتوصيلها إليه في قصر الحكم.
وهنا لا أتفق مع كاتب القصة في هذه الجزئية لأن مهمة الملك الجديد هي أن يقوم بتوفير أشهى الأطعمة وألذ أنواع الفاكهة وتوصيلها إلى سكان الغابة من جميع الحيوانات وليس العكس، لأنه يجب أن يخبر الطفل عن تاريخه وانتصارات شعبه واحترام القانون والديمقراطية ويعرفه أن فساد الملوك والأعوان متفشي وعليه نصرة الحق وليس مخالفته، فعلاقة الطفل بالسلطة والمجتمع داخل عالم الطفولة لابد وان تكون قائمة على تعلم الديمقراطية الصحيحة ، وما يجب على كل فرد أن يفعله داخل المملكة التي يعيش فيها.
- وقد راعى الكاتب المعايير الفنية والأدبية التي تحترم عقل الطفل وتطلعاته وتفكيره فجاءت الحكاية بمفاهيم بسيطة ولغة سهلة كي تفتح عيونهم وعقولهم ليواجهوا المصاعب والتحديات ويتخذوا قراراهم بعد عملية تفكير بعيده عن الحرب والعنف وتقبل رأى الأخر ، فوضع الطفل أمام المشكلة الحقيقية وهى أن الأسد قوى ، ومن يجرؤ على مهاجمته، ولابد من حيوان قوى ينازله فيهزمه ويقتله)، وهنا يدخل الطفل ليعلمه كيفيه الحوار واحترام الآراء بعدم الاستهزاء بأي رأى أو حيوان مهما كان ضعفه ، فعرض بالتدريج لوصف نماذج قوية من الحيوانات التي فشلت في منازلة الأسد بقوله:
" قال الفيل : أنا أقوى من الأسد وعندي خرطوم قوى سأضرب به الأسد فاهزمه شر هزيمة، ولكن عندما اقترب من الأسد وسمع زئيره فر هاربا، وقال النمر أنا أفرس حيوانات الغابة وأشرسها سأخلصكم من هذا الأسد الظالم، وبمجرد أن دنا من الأسد حتى رأى أسنانه القوية وعضلاته المفتولة فلاذ بالفرار ، وقال الثعلب أن أذكى سكان الغابة وأكثرهم حيلة ومكرا، وسأفكر في حيله تخلصكم من هذا الملك الجائر الغشوم.. ثم جاء دور الفأر من بين حيوانات الغابة المجتمعة للتشاور بالميدان، وحين بدأ الكلام سخرت منه الحيوانات، فكيف يمكن لمثل هذا الفأر الضئيل الحجم أن يهزم الأسد الكبير القوى العضلات"
وهنا يتجلى المثل القائل :
"قد النملة ويعمل عملة:أي صغير في حجم النملة، ومع ذلك يعمل عملًا بارزًا، يضرب هذا المثل للعمل أو الحدث الذي يصدر من شخص صغير في سنه أو في مركزه، ويشبهه المثل القائل "يوضع سره في أضعف خلقه".
ليوضح أن العقل قد يكون اكبر من حجم الجسم فلا تغرى أيها الطفل بحجم الحيوانات وتترك عقولها فربما حيوان جسمه صغير لكن عقله كبير وربما العكس صحيح ، وهذا ما مضى الكاتب في شرحه بقوله:" سار الفأر في الغابة حزينا من سخرية الحيوانات جميعاً من ضعفه وصغر جسمه، وفجأة رأى الأسد نائماً تحت شجرة ضخمة فراها الفار فرصته السانحة ، ففكر أن يقرض الشجرة بأسنانه فتسقط فوق الأسد ونجح بالفعل في إسقاط الشجرة الضخمة فوق رأس الأسد الذي لقي حتفه ومات في الحال)
- ثم يدخل الكاتب الطفل دائرة المكر والكذب ليعرفه ما هو المكر والكذب وكيف حدث مع الفأر الذي قتل الأسد بذكائه فيقول الكاتب:
( كان الثعلب المكار يراقب الموقف من بعيد فعاد مسرعا إلى الحيوانات المجتمعة بوسط الغابة ، وقال لهم أنا قتلت الأسد أنا خلصتكم من ملك الغابة الظالم الجائر.. فما كان إلا أن هللت الحيوانات وأخذت البلابل تغنى والقرود والخيول ترقص وأعلنت في الغابة الأفراح والليالي الملاح ابتهاجا بالتخلص من الأسد الظالم، وما أن وصل الفأر ميدان الحرية حيث الحيوانات المجتمعة حتى رأى أن الثعلب قد اخذ مكانه واخذ مكافأته، فاخذ يصرخ فيهم أنا من قتلت الأسد أنا من يستحق المكافأة أنا أنا حتى سخر منه والجميع وضحكوا وتركوه وذهبوا فجلس الفأر حزينا حتى رآه الكلب صديقه الوفي، فسأله عن سبب حزنه، فحكي له الحكاية ، وهنا يدخل الكاتب الطفل مرة أخرى مرحلة البحث عن الحقيقة والعدالة وكيف تكون ومناصرة المظلوم بلغة فنية طفولية بسيطة حين صور فكرة الكلب الذكية وهى ( سلخ جلد الأسد المقتول) وقام الكلب بارتدائه فأصبح شبيها جدا بالأسد القتيل، وما أن وصل إلى الحيوانات الفرحة بوسط الغابة حتى ساد الحزن والإحساس بالخيبة والفشل على كل الوجوه وارتعد الثعلب وركع عند أقدام الأسد ليعلن براءته من محاولة القتل ويغترف بان من قام بقرض الشجرة هو الفأر، وبعد اعتراف الثعلب بكذبه ومكره أمام الجميع قام الكلب بخلع جلد الأسد بعد أن عرفت الحيوانات الحقيقة وان الفأر هو من خلصهم من الأسد، وان الثعلب ماكر ومخادع وكاذب.
هنا ظهرت الحقيقة وحملت الحيوانات الفأر فوق الأعناق ونصبته ملكا للغابة ، وما كان للفأر أن ينسي صديقه الكلب الوفي الذي ساهم بتفكيره في كشف غش وخداع ومكر وكذب الثعلب وما كان للفأر أن ينسي صديقه الكلب الوفي فجعله وزيره الخاص هنا يعلم الكاتب الطفل أيه من القرآن الكريم وهى آية (60) من سورة الرحمن في قوله تعالى:" هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ فمن يعمل خير يكافأ خيرا على عمله هكذا كافا الفأر صديقه الكلب الوفي.
- هكذا ساهمت الحكاية في الإجابة عن تساؤلات واهتمامات الطفل وتوجهاته وإخباره الحقيقة والواقع بأسلوب قصصي أدبي يراعى المعايير الفنية والأدبية البعيدة عن الحرب والعنف بشكل مباشر وتحترم عقل الطفل وتطلعاته وتفكيره فجاءت الحكاية بمفاهيم بسيطة من خلال لغة سهلة نابعة من عالم الأطفال ويومياتهم وتساعده على معرفة الحقيقة وكيفيه اتخاذ القرار واحترام الآراء والجميع حتى لو اختلف معهم فكان إدراج السياسة في أدب الطفل المصري في ظروفنا الراهنة يكتسي أهمية خاصة نظرا للأسئلة الكثيرة التي يطرحونها حول ما يجرى من أحداث سياسية تساهم في تعلم الطفل حقوقه ومبادئ الحرية والديمقراطية الصحيحة من دون إدخاله في سراديب السياسة الوعرة والمظلمة