سرير القمر لإيمان مصاروة
في مقابل (سرير القهر)
إبراهيم جوهر – القدس
يقيم الحزن ، والندم ، والغبار ، والوحدة ،والحيرة ، وألم الفراق ، والانتظار في سرير قمر ايمان مصاروة الصادر عام 2011 م. إنه سرير يعج بأضداد ما يوحيه لفظه للوهلة الأولى .
ومحتويات السرير بمعانيها وألفاظها تقيم في الحزن وتنويعاته وأبعاده وظلاله .
وقارئ قصائد ايمان مصاروة في (سرير القمر) تتجمع لديه مشاعر الأسى والتساؤل عن البدايات الصافية البريئة الحالمة ، وعن أسباب عدم اكتمال العصافير التي لم تستوف وقتها للولادة الطبيعية فلم يكتمل نموها فكانت ناقصة الدور .
إنها معادلة منقوصة هذه التي تبحث الشاعرة عن شقها الآخر المكمل لها ؛ إنها معادلة الحياة .
ولعل الدارس يجد في قصائد (سرير القمر)ما يشير من بعيد أو قريب إلى (القصيدة السير ذاتية) تلك القصيدة التي تأخذ من تجربة كاتبتها الاجتماعية والنفسية أجواءها وأحداثها وألفاظها . فالكاتب إنما يصدق حين يحسن الانفعال وهو يستمد قوله من تجربة ذاتية وخبرة في الحياة يسخّرها في أفق إبداعي يرسم له آفاقه .
ولكن الشاعرة لم تهمل الهم الوطني ، والإنسان ، والقدس ، والشهداء ، والحب الإنساني ، فكانت شاملة في تناولها لمشكلات الواقع الذاتية والموضوعية .
لقد وجدت قلقا واضحا ، وحيرة ، ولمست ألما جارحا موجعا في نصوص الشاعرة .فقد تكرر (الحزن) في عشرين صفحة ، و(الوحدة) بما تعنيه من الحيرة والانكسار في اثنتي عشرة صفحة ، و(الفراق) في ثلاث صفحات ، و(الغبار) في أربع صفحات .
إنها حمامة تهدل أحزانها في فضاء القدس وهي تناجي القمر ليصير قمرا حقيقيا بمعناه المشتهى المأمول ،لا بواقعه الحزين .
ومن واقع كونها امرأة تناولت الشاعرة صورة المرأة كما تراها في تسع صفحات ، وقد استخرجت الصور الآتية للمرأة :
الصورة الأولى : المرأة العاشقة المنتظرة التي تعطي معشوقها المنتظر كما يعطي البحر والزعفران ، وبساتين الجسد (الصفحات : 8 و9 و10 و11 و109 و 110 )
وهي تنويعات للمرأة أظهرت سلبيتها في الانتظار ، وإخلاصها لمعشوقها الغائب المنتظر .
الصورة الثانية : المرأة العاشقة الفاعلة التي تبادر بإعلان الحب ، وتكابد قلائد الحزن(ص87).
الصورة الثالثة : المرأة الواثقة المتحدية بكبرياء وثقة ؛ إنها أنثى القمر التي حرقت اسماء السكون ، وغادرت رصيف الذكريات ولفظته كغبار على كتفها ( الصفحتان 104 و105 ) وهنا نجد صورة لكبرياء المرأة البعيدة عن الترجي والخنوع .
الصورة الرابعة : المرأة المكتملة بالآخر ؛ فلا تتعصب الشاعرة لجنسها ولا تبالغ بالدعوة للتخلي عن الآخر . إنها تعشق الآخر الذي يكمل معها جناحي المسيرة الإنسانية (صفحة 101 ) .
إيمان مصاروة في (سرير القمر) شاعرة مرهفة الأحاسيس ، عاشقة بلا حدود ، منتظرة المعشوق الذي لا يأتي ، حزينة ، تراجع تجربتها لتستفيد من خبرتها .
وإذا كان الشاعر العربي قد عبّر عن قلقه بقوله )على قلق كأن الريح تحتي) فإن ايمان مصاروة باقية على قلقها حتى اكتمال المعادلة لترتاح وقتها على سرير القمر الحقيقي ، بعدما تغادر سرير القهر.