قراءة في قصة (براءة مزيفة)

قراءة في قصة (براءة مزيفة)
للقاصة مريم علي

يوسف هداي الشمري

[email protected]

يعد لبنان من أكثر البلدان العربية التي يحتدم فيها الصراع السياسي،ولا ينفك بنوه عن الخلاف فيما بينهم لاختلاف قومياتهم وتعددهم الإثني والطائفي . وعليه فإن الإرهاصات السياسية ستنعكس حتما على المشهد الثقافي برمته، وهكذا نرى الكتاب اللبنانيين يخوضون التجربة تلو الأخرى في أعمال أدبية مستقاة من الوضع السياسي القائم .

 مريم علي كاتبة لبنانية، ولدت وترعرعت في قلب المعترك السياسي في بيروت، تُعتبر نتاجاتها الإبداعية مثالا حيا لهموم المثقف اللبناني عموما والبيروتي على وجه الخصوص .

  لهذه الكاتبة الشابة قصة قصيرة تحت عنوان ( براءة مزيفة) تجاوزت خلالها التابوهات المحظورة،والتي تعد خطا أحمر أمام كثير من الكتاب. إنما أعني تناول شخصية رجل الدين بالنقد . هذا الموضوع الحساس والشائك يحق لنا أن نعتبره بمثابة تيار صاعق قد يردي كل من يلامسه . إلا إن مريم علي بجرأتها المعروفة ولجت هذا العالم المحرم وسلطت سهام نقدها اللاذع على من يزايدون على الوطن والدين .

في هذه القصة شخصيتان رئيسيتان: خطيب الجامع و سفير دولة أجنبية. تبدأ القصة بدخول الخطيب مبنى السفارة ولقائه بجناب السفير. ومن ثم الحوار الذي جرى بينهما، الذي نستشف من خلاله مدى دهاء السفير وحنكته السياسية في تسيير دفة الأمور لصالحه. الأمر الذي ينهي القصة بـ( ترقب شحنات السلاح الإضافية القادمة لتعزيز مبنى السفارة المهدد!!) ولم تنجح خطة السفير إلا بسبب غباء الخطيب وأنانيته، هذه الأنانية نلمسها حينما(غاص الخطيب في أفكاره بعمق، وأسر لنفسه قائلا : الحظ حليفي هذه المرة، ولن أفوت الفرصة. سأكون البطل المقدام والفارس الهمام وأقود الناس لطرد المعتدين تحت عنوان الشرف و الوفاء)

هكذا نشاهد الخطيب ورجل الدين يتحول إلى مرتزق سياسي، يتحرك بيد السفير كقطعة الشطرنج، فيما يظل أمام الجماهير بطلا قوميا .

وبهذا العمل الجريء، تكون مريم علي قد تجاوزت الكثير مما تشدقن به بعض الكاتبات من جرأة مزيفة في كتابات خليعة تعج بمشاهد إباحية وهموم لا تتجاوز غريزة الجسد .  

ليس بالضرورة أن يكون مكان القصة بيروت بحكم سكن الكاتبة،اذ إنها لم تحدد معالم هذه المدينة، بل تركتها عائمة غير معلومة . فلربما جرت الأحداث في بغداد أو القاهرة أو تونس أو صنعاء أو أية مدينة أخرى. كأن تكون دمشق مثلا. التي حدث فيها قبيل أيام قلائل حادث مشابه لهذه القصة، رغم إن الكاتبة قد كتبتها منذ أكثر من شهر . وبهذا تكون قد استطاعت أن تعطينا نظرة سياسية ومستقبلية ذات رؤية ثاقبة في تحذير واضح لكل المعنيين من مغبة الانجرار وراء أشخاص قد يلقون بنا في التهلكة بدافع الوطن والدين وهم منه براء .

هذا الاستشراف الصادق للمستقبل،والتحليل الناجح لحوادث جرت بعد ذلك بالفعل، يعطي الكاتبة قصب السبق في تناول الموضوعات الراهنة برؤى بصيرة في الحراك السياسي وما ستتمخض عنه الأحداث .

جاءت القصة بجمل مكثفة خالية من الحشو، كما جاء الحوار في مكانه الصحيح، بلا ترهل أو إضافات زائدة . وقد نلمس روح التجريد من خلال غياب الوصف المسهب لأرضية المكان فلا نشاهد إلا ما يخدم النص .

لنا أن نعتبر مريم علي نقطة مضيئة سترى الضوء لاحقا، فهي كاتبة واعدة بحق ننتظر منها المزيد لإثراء ساحتنا الأدبية .