ديمة السمان ورواية (رحلة ضياع)

ديمة السمان ورواية

(رحلة ضياع)

جميل السلحوت

[email protected]

صدرت رواية(رحلة ضياع)للروائية المقدسية ديمة جمعة السمان، في أواخر شهر حزيران 2011 عن منشورات دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس.

ومعروف أن هذه الرواية هي الإصدار الروائي السابع لأديبتنا ديمة السمان.

رحلة ضياع: من يتابع أعمال ديمة جمعة السمان الأدبية لا يحتاج إلى كثير من الذكاء ليرى أن أديبتنا تمتلك خيالا خصبا بطريقة لافتة، وهذا الخيال جامح الى درجة تتخطى حدود المعقول في أحيان كثيرة، لكنه خيال محبب يحلق على أجنحة الواقع ليرسم لنا لوحات روائية لافتة.

وإذا كنت ديمة السمان تبغي كتابة شيء عن النكبة الفلسطينية في العام 1948في روايتها هذه، وما صاحب هذه النكبة من ضياع في مختلف المجالات، فان ضياع الوطن في تلك الفترة قد صاحبه ضياع يعقب ضياعا، خلال فترة الرواية التي تمتد من عام النكبة الأولى، إلى ما بعد الغزو الإسرائيلي للبنان في العام 1982، وتمثل ذلك بضياع غالبية شخوص الرواية إن لم نقل جميعهم....فقد كانوا يتنقلون من ضياع إلى آخر حتى يغيبهم الموت...فنمر العبد ضاع في غياهب الأسر عشرين عاما، وهو يحاول إحضار الذهب الذي دفنه في حديقة منزله في عكا الذي ضاع هو الآخر جراء النكبة، ليضيع مرة أخرى في ما فرض عليه من تهريب المخدرات بين اسرائيل ولبنان، إلى أن يبتلعه البحر بعد تحطيم قاربه من قبل مستخدميه المهربين، وزوجته صابرين ضاعت في بحر التشرد عام 1948 ولاقت ما لاقته من عوز وحرمان كانا السبب في تغييب الموت لأبنائها، إلى أن ضاعت في لجة العمل عندما احترفت الخياطة، ولم يبق معها سوى"ابنها" فواز الذي التف عليها طفلا رضيعا مصادفة، ليكون هو الآخر ضمن حالة ضياع تتوجت بموته شهيدا مقاوما للغزو الإسرائيلي للبنان في حزيران 1982....وشخوص الرواية فلسطينيون لجأوا الى لبنان عام نكبة الشعب الفلسطيني الأولى، وذاقوا مرارة الحياة في مخيمات اللجوء، فهل ضياع الوطن يقود الى ضياع آخر لا مخرج منه الا بالعودة الى الوطن الضائع؟....فمحفوظ سالم وزوجته أضاعا طفلتيهما التوأمين"جميله وفاطمة" تماما مثل فواز الذي أضاعه والداه....فوالده"بالتبني نمر العبد حرمه من الميراث بعد أن أوصى بتركته لصديقه عمران، ووالدته بالتبني"صابرين" حرمته من الزواج بزهرة ابنة عمران التي أحبها وأحبته، وعندما توفيت صابرين لم يستطع أن يرثها، فاستولت الدولة على تركتها كون الإبن بالتبني لا يرث، وليتواصل الضياع الى أن يسقط شهيدا عام 1982 في عملية مسلحة في تل أبيب.

ورداد بن عمران وصديقه العربيد يتحطم قاربهما الذي حمل الأسلحة الى قطاع غزة، وينجوان من الموت بأعجوبة، لكن الموت يطاردهما ليسقط رداد في العام 1948 شهيدا في قلعة الشقيف في لبنان.

إذن نحن أمام مسلسل ضياع، فما أن تدخل في حلقة ضياع إلى أن تخرج إلى أخرى، وضياع الوطن قاد إلى ضياع الجميع وإن اختلفت الأسباب.

الزمان والمكان:

تدور أحداث الرواية في مخيمات بيروت، صيدا، غزة، تل أبيب، وتمتد أحداثها من نكبة العام 1948 الى ما بعد الغزو الإسرائيلي للبنان في حزيران 1982.

لكن الأحداث في الرواية لم تتطرق الى حرب العام 1967،وما بين العام 1948 و1982 وما كان فيهما من حروب وصراعات، وكأني بالكاتبة هنا أرادت أن تكرس عملها الروائي هذا على ضياع الوطن في النكبة الأولى، وما أعقبها من ضياع وتشتت للشعب الفلسطيني في أرض اللجوء.

الخيال: كتبت عن روايات الأديبة ديمة جمعة السمان السابقة ووصفت أديبتنا بأنها تملك خيالا مجنونا، ويبدو أن خيال أديبتنا جامح لا حدود له، وقد تجلى في (رحلة ضياع) أكثر مما تجلى في سابقاتها.

الحوار: اتكأت المؤلفة في أعمالها على الحوار كثيرا، لكنها هنا أطالت الحوار أيضا بشكل لافت، ولا أعلم إن كان ذلك في صالح العمل أم لا.

البحر في الرواية: يبدو أن أديبتنا مغرمة في البحر بشكل كبير، أو أنها وجدت في البحر هدفها الذي ترسم خيالها عليه وفيه، فالبحر وما دارت فيه من أحداث يشكل جزءا كبيرا من الرواية، فهو مكان المغامرات والمخاطر، وهو مصدر الرزق ، وهو قبر للرجال أيضا.