لماذا نحبه صلى الله عليه وسلم

مقدمة لديوان

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

بسم الله الرحمن الرحيم الذي به تستدفع المحنة ، وبه تستجلب المنة . وأصلي وأسلم على نور بصرنا وأبصارنا محمد بن عبد الله وآله أجمعين .

 أما بعد : فإن الشاعر الشاب أسامة الخريبي جاد على الشعر بعشرات من القصائد نشرت في المجلات العربية والإسلامية ومن أشهرها ديوان شدو الغرباء الذي أهداه إلى رفيقة عمره ، وقال في هذا الإهداء :

كم كنت أحلم أن أجيء إليك

بالورد المنسق والأقاحي

كم كنت أحلم أن يضيء الحرف

مثل الشمس في عنق الصباح

ويكون شعري مثل همس الموج

في أذن الشواطئ والتلال

أو كالنسيم إذا تدفق بالعبير

من الحدائق والظلال

لكن أحزان الخريف

محت أغاريد الربيع

وأتى الشتاء على الأزاهر

بالعواصف والسقيع

فسكت حين هوى الأمان

إلى الفناء مع الرياح

فالعفو إن كان الكلام

اليوم .. من نزف الجراح !

**********

والشدو هو الإنشاد والغناء .

 ولكن الغربة هنا روحية ، إذ يشعر الإنسان أنه غريب في وطنه . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بدأ الإسلام غريبًا ، وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء الذين يعيدون ما أماته القوم من سنتي" .

 وفي الديوان تتردد نغمة حزينة في أغلبها . مثل أحزان شجرة الزيتون . وقصيدة بين قطرة الندى وجفون البنفسج . وقصيدة دموع على أطلال سراييفو ، وقصيدة السفر بلا نهاية . وفي قصيدة دموع على أطلال سراييفو يقول الشاعر :

تـعـانـدني الدموع iiوتزدريني
تـمـر  سحائب الأحزان iiسودًا
تـعاندني  الحروف وكل iiحرف
تـعبت  من الدمعو تسيل iiشعرًا
تـعـبـت  من المآسي نازلات
ذهـبت  من الدجى يزداد iiطولاً
أأكـتـب  عنك مذبحة iiأطاحت
أأكـتـب عـنك يا مأساة iiديني







ويعتصر  الضلوع لظى شجوني
جـهـامًـا  لا تـقربها iiجفوني
يـكـاد  يـفر من حرف iiقرين
وما شعري سوى النزف الحزين
عـلـى وطـنـي كشلال لعين
ومـا لـلـفـجر من فلق iiمبين
بـآلاف وأودت بـالـمـئين ii؟
وعـمـري كـله مأساة ديني ii؟

 وهكذا يمضي أسامة الخريبي في ديوانه شدو الغرباء بلغة سليمة وبيان ناطق متدفق .

**********

 وكان آخر ما خطته يمينه وتدفقت به نفسه ديوان لماذا نحبه صلى الله عليه وسلم .

 والديوان جدير بوقفة . بل وقفات فحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن من قبيل الترف العقلي أو النفسي ولكنه كان أمر دين وعقيدة . متجددة على مدار التاريخ . وقد قال الله سبحانه وتعالى : (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) ) (التوبة الآية 24 ) .

 ومن مظاهر حب المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبا دجانة كان يتلقى عنه سهام الكفار يوم أحد ، أي جعل من ظهره درعًا يقي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 وهناك شهادة من الرسول عليه السلام لعبد الله بن رواحة . إذ قال إن أخًا لكم لا يقول الرفث فهو القائل :

وفينا رسول الله يتلو كتابه          إذ انشق معروف من الفجر ساطع

أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا          به موقنات أن ما قال واقع

يبيت يجافي جنبه عن فراشه          إذا استثقلت بالكافرين المضاجع

 وقد أهدى الشاعر ديوانه إلى محبي الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ، المتمسكين بسنته المعتصمين بشريعته السائرين على دربه أهدي هذه القصائد . وينطلق في الديوان كله وجدان حي يتدفق بالشوق الساطع الأمين دون تكلف أو تصيد ، وكل قصيدة من قصائد الديوان تنم على هذا المفهوم ومنها قصيدة ( فداك أبي وأمي يا رسول الله)

وفيها يقول :

فداك أبى وأمى

يا رسول الله

رسـولَ  اللهِ .. يا أضواءَ iiشمسِ
فـداك  الـزَّوْجُ .. والأولادُ iiطُرَّاَ
ولا يـغـشـى رحـابك من iiلئيمٍ
فـلـو عرفوا مقامك ما iiاستطالوا
ولـو  قـرأوا الكتاب الحق iiيوماً
ومـس  شـغـاف أفـئدة iiالبرايا
لـهـالـتـهم رؤى الإعجاز iiفيه
وأنـت  الخير ما انقضت iiالليالى
ومـنـك  الزهدُ فى أكلٍ iiوشربٍ
ولو  عُرِضَتْ عليك كنوز iiكسرى
وأنـت الـزوج نعم الزوج iiتبقى
يـنـابـيـع الـعلوم إليك iiتُنْمَى
رزقـت  مـن الـبلاغة iiمنتهاها
فـيـكـفـى أن ربـك قد iiتجلى
وجـبـريـل  الأمين عليك iiيغدو
إذا  قـال اقرأ قرأت فصرت نبعاً
فـتـنـسـاب  اللآلئ حين iiتتلو
بُـعِـثْتَ إلى الخلائقِ حيث كانوا
فـمـنك  الرحمةُ العظمى iiتناهتْ
ولـلأطـيـارِ والـحيوانِ iiعَمّت
أريـجُ المسكِ خَطْوُكَ حين iiتمشى
وفـيضُ  النورِ وجهك حين iiتدنو
يُـظـلـلـك الـغمام متى iiتُوَلٍّى
فـأكـرمْ  بـالـمظلَّلِ من iiرفيقٍ
جـمعت  الشملَ من بعد iiاختلافٍ
فـلا  بـكـرُ تُـدِلُ على iiقريشٍ
ولا  حـربُ ُ عـلـى ثـأرٍ قديمٍ
إذا  خـرجـوا إلى الهيجا iiتراهم
تـخـوض بهم بحار الهول iiأسداًُ
وتـرتـاد الـوغى بطلاً iiجَسوراً
وإنْ حَـمِـىَ الوطيسُ إليك iiفاءوا
مَـلَـكْتَ  بهم زمامَ الأرضِ حتى
وحُزْتَ  الفضلَ من شَرَفٍ iiونصرٍ
جِـنـانُ  الـخُلْدِ .. غاليةُ ُ iiوأنَّى
كـذلـك كـان جندُك حيث iiكانوا
فـرضـوان الإلـهِ عـليكَ iiمهما
وتـسـلـيـم  الإلـهِ عليك iiباقٍ




































فـداك أبـى وقـافيتى .. ونفسى
ولا يـؤذيـك مَـوْتـورُ ُبـلمسِ
مـشـى بـيـن الأنام بِشَرِّ iiدسِ
وكـنـت  لـديـهـم بمقام قدْسِ
كـنـبـراس  الـبلاغة iiوالتأسى
شـعـاعُ  ُمـن سنا التقوى iiبمس
وأسـلـم  عـالـمُُ ُ فى إثر iiقِسِ
وغـيـب  يـومها فى بئرِ iiأمسِ
وفـى سُـكْـنَى وفى مالٍ iiولُبسٍ
رددت الـكـنز لم لم تَحْفَل iiبفلس
تـعـين  الزوج فى طحن وكنس
وأسـباب  الحضارة حيث iiتُرسى
وفـقـت  بـيـان سحبانٍ iiوقس
وآتـاكَ  الـعـلـومَ بغيرِ iiدَرْسِ
وأَنْـعِـمْ بالهدى من طيبِ iiغَرْسِ
لـدى الـعلماء فى بحثٍ iiوطِرْسِ
وتـدمـع أعـينى ، وترق نفسى
ولـلـثـقـلـين  من جنٍ iiوإنسِ
تفيض  على الورى من كل iiجنسٍ
لتحمى  الظهرَ من ضَرْبٍ iiونَخْسِ
كَـأَنْ قـد فـاحَ من آسِ iiٍوَوَرْسِ
كَـأَنَّـكَ جـئـتَ لـلدنيا بشمسِ
ويـحـنو حولَ بابِكَ حين iiتُمسى
وأكـرم  بـالـغـمامِ بشيرَ iiأُنْسِ
وَوَحَّدْت القبائلَ حيث حيث تُرسى
أمـن مـخزومَ أم من عبدِ iiشمسِ
ولا فـخـرُ ُ لـخزرجَ أَوْ iiلإَوْسِ
تَـوَحَّـدَ  شـملهم تحت iiالدِّرَفْسِ
فـإذْ بـالـنصرِ منكَ كقابِ قَوْسِ
وتـدفـعُ  عـنـهـمُ نَبْلاً بِقَوْسِ
كَـأَنـكَ  دارعُ ُ مـن أَلْفِ iiتِرْسِ
نَـزَعْـتَ  المُلْكَ من رومٍ وفرسِ
يُـسَـطرُ  مِنْكَ فوق جبينِ iiشمسِ
لـمـن رامَ الـجِنانَ بمهرِ iiبخسِ
نـجـومـاً  لا تزولُ بأى iiطمس
تـعـاقـبَ فى الدُّنْا قمرُ ُ iiبشمسِ
فـداك  أبـى وقـافـيتى ونفسى

***********

 ويقف الشاعر أمام الشهيد العظيم عبد الله عزام ويوجه إلى خنساء القرن العشرين زوجته قصيدة رائعة

إلى خنساء القرن العشرين

المجاهدة زوجة الشهيد / د. عبد الله عزام

يـا  أُم َّ حَـمـزَةَ قَـد أَهجْتِ iiجِراحي
إنـى  هُـنـا أبـكـي الـديار iiسليبةً
إنـى هـنـا أبـنـى القصيد iiبغرفتى
لـم  أدفـع الأبـنـاء فى ساحِ iiالوغيَ
لـم أَهْـجُـر الأهـلَ الـذين iiعَشِقْتُهُم
إنـي أحِـسَّ هـنـا بِـعُـمقِ ضَآلتي
يـا  هـذه الـخـنـساءُ ..قُلْتِ iiعِبارةُ
وبَـعَـثْـتِ  فـى إِثـرِ الشهيدِ iiرسالةً
مـن  ذا يُـصَـدِّقُ أنْ تُـسَطَّرَ iiزَوْجَةُ
مـن  ذا يُـصـدقُ أن تُـعِدُّ iiصغارَها
فـى  أى جـامـعـةٍ .. وأى iiمدارسٍ
أهـو  الـشـهـيـدُ سقاكِ من ينبوعِهِ
أهـو  الـكـتـابُ حَفِظْتِ صادقَ iiآِيهِ
إنــى أراك أمــومــةً دفَّــاقـةُ
إنِّــى  أراكِ سَـحَـابـةً iiرَفْـرَافَـةً
إنِّـى  أراكِ لـدىَ الـخُـطوبِ iiملائكاً
إنـى  أراكِ هـنـاك خـلـفَ جنُودِنا
إنــى أراكِ مــنـارةً iiعـمـلاقـةُ
إن_ــى  أراكِ مِ_ــجَ_ـرَّةً iiدَوّارةً
إنـى  أراكِ الـصـبَـر فُـجِّرَ iiأَنْهُرَاً
إنـى  أراكِ الـصـبَـر جُـسِّدَ هَيْكَلاً
إنـى أود بـأن تـكـون iiنـسـاؤنـا
إنـى أود بـأن تـكـون iiنـسـاؤنـا
يـا أُخـتُـنـا .. إنَّ الـنَّـساءَ iiحِيَالَنَا
ويَـهـمْـنِ  فى عشق الجواهرِ iiوالدُّنا
أوَ مَـا دَرَيْـنَ بـأنَ عـنـدكِ نـسوةُ
ويـبـتـن يمْضْغنَ العِضاةَ من الطوى
يـا  ويـحـهـنَ .. نـسينَ يوماً iiآتياً
يـا  أُمَّ مُـصْعَبَ هَلْ سيرجعُ iiمصعبُ
يَـغـدو  عـلـى كـيـدِ العدو iiمُكبِّرَاً
ويَـدُكُ  جَـحْـفَـلُـةُ كـتائبَ مُشْرِكٍ
ويُعيدُ ( يافا ) و ( الخليل ) و ( قدْسنا )
إنـى  أراكِ تُـجّـهـزيـنَّ iiلـنصرنا
وأرىِ  حُـذيـفـة سوف يَخُلفُ iiأحمداً
بـوركـتِ  يـا أُمَّ الـجِـهادِ iiوروحهُ


































وفَـضَـحْـتِ  قُـبْحَ ضآلتي iiونواحي
مـاذا  يُـفـيـدُ تـأرقـي iiوصياحي؟
لـم أُلـبـسِ الأقـلام ثـوبَ iiرِمـاحِ
لـم  أرقـبِ الأرزاء كُـلَ iiصـبـاحِ
كَـلاَّ .. ولاَ أَرضِْـي .. ولا iiأفـراحي
وأَرَىَ بـوار إقـامـتـي iiوصـلاحي
رَجَـحَـتْ  بـقـولِ أَئِـمـة وفصاحِِ
تُـوصـي الـحِسانَ على النَّدَىَ الفَوَّاحِ
لـلـحـورِ  تُـوصـيها بِخِدْنِ iiصَلاحِ
لـلـمـوتِ .. مُنْذُ فطامِها .. iiوالسَّاحِ؟
عُـلَّـمْـتِ  صَـبْـر الـعابدِ النواحِ؟
فـغـدوتِ  تـرجـمةً لعذبِ نِضاحِ ii؟
فَـنَـطًـقْـتِ  عَـنْ إِِعْجازِهِ اللماحِ ii؟
تَـرْوي  أُسَـارَىَ الـيُـتْـمِ iiبِالأفْرَاحِ
تـحـنـو عـلـى الأَبْطالِ iiلاِسْتِرواح
نـزلـت  تُـؤيـدهـم بـغير ِ iiجناحِ
تـحـمـيـنَ  ظـهـر القائدِ iiالسوَّاحِ
تُـزجـي الـضـيـاءَ لحالِكِ iiالأرواحِ
تـرمـي تـخـومَ الـلـيلِ iiبالإصباحِ
تـروي  الـظِـمـاءَ بـرائقِ iiالأقداحِ
لـيـراه كـلُّ مـذبـذبٍ iiومُـلاحـي
فـى عُـشرِ صبرك أو نصيْف iiصلاحِ
فـى  عُـشـرِ فـهمِ .. ناصعِ iiوَضَّاحِ
يَـعْـشَقنَ صوت " عزيزةٍ " و ii"صَبَاحِ"
ويَـرُمْـنَ  قـصـراً بـالالـئِ ضاحِ
يـمـشـيـنَ  فـى ثوبٍ بغيرِ iiوشاحِ
وتَـرُوعُـهُـنُّ  قـذائـفُ iiالـسـفاحِ
لا  تُـغـنِ فـيـهِ قـلائـدُ iiوأقـاحي
يـسـقـي الـلواءِ عصُارةَ الأرواحِ ii؟
ويـروحُ  بـيـنَ تـربـصِ iiالأشباحِ
ويـفُـضُّ أَسـرَ مَـدائـنٍ iiونـواحي
ويَـصـونَ  حُـرْمـةَ أرُبُـعٍ iiوبطاحِ
مـن  نـسـلِ " عـبد الله " رَبَّ iiكفاحِ
فـوق  الـحـصـونِ بِـخوْذَةَ وسلاحِ
وحـبـاكِ رَبُـكِ صَـبْـرَ آلِ iiربـاحِ

نشرتها مجلة لهيب المعركة الأفغانية عقب اغتياله حوالى سنة 1989 م

نشرتها مجلة الزهور  المصرية عدد 22 يونيو 2002م ربيع الأول 1423 ه

**********

 وهو هنا يشد بيدي ليذكرني بقصيدتي في الشهيد عبد الله عزام وفيها أقول :

يا عبدَ الله يا عزامْ

أنا أدعوكَ...

أناديكَ

فهل تسمعُنِى؟

هل تسمعُ صوتى

هل تسمعْ؟

فى عالمِكَ العُلْويِّ الأرفعْ؟

وأنا فى غْربةِ روحى

فى وطنى

أتحسسُ طينى

قيدى العاتى

دنيا الناس الصماءِ الجوفاءْ

هل تسمعْ؟

هل تذكرنى؟

هل تذكرُ أول لُقيانا؟

................ إلى أن ختمت القصيدة بالكلمات الآتية

أما أنا

فإننى رأيتُهُ

نحو السماء صاعدًا وراقِيا

حاولتُ أن ألاحقَهْ

وأدرِكَهْ

لم أستطعْ

فقد دهانِيَ اللهاثُ

والإعياءُ والوهَنْ

ألسْتُ فى غيابةِ العبيدِ مرتَهنْ

تشدّنى للقاع والضياعِ طينَتى

مجنونةً عطشَى لظلٍّ زائل

فى دُنْيتى..؟

لذاك تاهتْ صيحتى...

رأيتُهُ

وفى يمينِهِ عزيزُه محمدٌ

وفى يساره الحبيبُ إبراهيْمْ

وصوتهم تكبيرةٌ علويةٌ:

«الله أكبرُ يا صحابْ..

جئنا لها..

فزْنا بها..»

ناديتُهُ:

«مهلا.. أبا محمدٍ..

خذنى معك..

لكنه فى سرعة الضياء

راحَ وانطلقْ

مجاوزًا نهرَ المجرةِ والفَلَكْ

لسُدَّة علويةٍ

أرقى من الأقطارِ والسماءِ

لا تحدّها مشاعرٌ ولا بصرْ

وخلفَهُ

رأيتُ شلالا من الدمِ الزكِيِّ

والمضاءِ

والإباءِ

والعلاءِ

والضياءِ

يبتسمْ..

***********

 وكثيرًا ما يرتكز الشاعر أسامة الخريبي على التراثيات ، ولكنه لا ينسى الجو المحيط به في تكريم حفظة القرآن الكريم

 وفي هذه القصيدة يقول :

فى تكريم حفظة القرآن الكريم

قـم  حَـيِّ أهـلَ الـذكـرِ iiوالقرآنِ
وعـلـى  الصدور الواعياتِ iiحروفَهُ
واكـسُ الأوائـل حُـلَّـةً iiمـبرورةً
ما المسكُ أَوْ لمعُ الأساورِ فى الضحى
قـومٌ  إذا أرخـى الـظـلامُ iiسدولَهُ
مـا  بـيـنَ مُـبتهلٍ تفيضُ iiشؤونُه
حـفـظـوا كـتابَ الله حتى iiصانهم
هُـمْ  فى حياض الطُّهرِ تلك وغيرهم
وقـفـوا عـلـيـه حياتهم iiوشبابهم
حـتـى استحال النورُ فى iiأبصارهم
ومـشت  وفودُ العِزِّ تَحرُسُ iiخَطْوَهُم
يـا لَـيـلَـةً شـهدَتْ نجومُ iiسمائها
يـتـسـابـقـون بـحفظِ آيِ iiكتابِهِ
مـن كـلِّ نـجـمٍ فـى سُمُوَِّ نبوغِه
لَـمـعَـتْ بـأضواء السَّماء iiوزانها
مَـنْ يـحـوِ آى الله مـلء iiجـنانِه
هـذا  الـغِـنَـى .. أُقسِمُ بربى iiأنه
مـا  الـفـقرُ من مالِ الجيوبِ وإنما
يـا مـسـجَدًا .. شهدت معالمُ iiساحِهِ
فـى  لـيـلةٍ من وَحىْ (بَدْرٍ) iiوقعُها
لـم يُـبـنَ مـن حـجرٍ وطينٍ iiإنما
هَـذى  الـمـنابرُ سوف تشهد iiأننى
والـحاضرون .. كبيرهم iiوصغيرهم
أهـلـى - وإن نأتِ الديارُ- iiوعُدَّتى
مـرَّت  سِـنَـى العُمرِ تركُضُ بينما
مـا زلـتُ أَصبو نحوَ سابقِ iiعهدهِم
وكـأنـنـى مـهـما تناءى iiموطنى
ولـقـد  بـعـثـتُ إليهم iiبقصيدتى
أكـرم بـمـوقـعـهـا هناك وربما
أهـلُ الـبـلاغـةِ والفصاحةِ iiأنتُمَُو
كـم  فـى ربا اليرموك طرت iiمحلِّقًا
غَـرَّدتُ  بـيـنـكم بِعذْبِ iiقصائدى
وجـمـعتُ  أزهارى بَغَضِّ iiربوعِكم
وبـنـيـتُ أحلامى الفساح iiعريضةً
كـم  ذا تـمـنـيتُ القرار iiبأرضكم
ولـسـوف  يـجـمـعنا بجنة iiربنا



































واعـقـدْ  عـلـيـهِم أرفعَ iiالتيجانِ
رَصَّـع وشـاح الـعـزِّ iiوالـعرفانِ
فـغـدًا  ستكسى من يَدَىْ ii(رضوانِ)
إلا  بـشـيـر الـفـوزِ iiبـالغفرانِ
نـشـطـوا لـتـرتيلٍ وحسنِ iiبيانِ
أو  بـيـن مُـنـكسر الجناح iiيعانى
بـشـبـابـهـم عـن آفة iiالعصيان
يـلـهـو  بـأعواد الخنا .. iiوأغانى
فـمـشـى  يـضيء حَوَالِكَ الأبدانِ
قـبـسًـا  مـن الـرحمنِ iiوالفرقانِ
فـى لـيـلَـةِ الإحسَانِ فى iiرمضان
زحـفَ الـجموعِ إلى رضا iiالرحمنِ
أكـرِم  بِـسَـبْـقِ الـعفْوِ iiوالغُفرانِ
(زيـدُ  بـنُ ثابت) أَو هُدى ii(حسَّان)
جـبـريـلُ  بـالـتسبيحِ iiوالغفرانِ
فـهُـو الـحريصُ على كمالِ iiالشانِ
سَـعْـدٌ  يـفيضُ على مدَى iiالأَزْمَانِ
فـقـرٌ مـن الأخـلاق iiوالإيـمـانِ
حـفـلَ الـكـرامِ وأكـرمَ iiالضيفانِ
نـصرٌ  .. يردد فى الخلودِ .. iiيَمَانِى
قـدْ  شـيـدَ مـن عِـلمٍ ومن iiإيمانِ
قـد  كـنـتُ أصـدَحُ فوقَها iiببيانى
قـد  كـنـتُ أشـعـرُ أنهم إِخوانِى
مـهـمـا تـقلَّب فى الورى الحدثان
مـا زلـتُ أهـفُـو صَوبَهم iiبجنانى
وقـلـوبِ  أهـلِ الـصبرِ iiوالإيمانِ
سـتـشـدنـى نـحو الرجوع iiيدانِ
عـبـر الأثـيـر يـزفـها iiديوانى
تـنـمـو  وتـورق حولها أغصانى
لا  أرض مـن قـطعوا هناك iiلسانى
حـتـى  تـنـال سـمـاءَهُ أوزانى
ونـقـشـتُ  فـوقَ قـلوبِكم iiببيانى
حـتـى يَـشُـمَّ عـبـيرها iiخِلاَّنى
وسـكـبـتُ أحـزانى على iiالأفغانِ
لـكـن ذلـك لـيـس فـى iiإمكانى
قـدرٌ يـخـطُ مـصـائـر iiالإنسان

 ومن حق أسامة الخريبي علينا أن نشهد له بقوة اللغة ، وقدرة التصوير ، ولا عجب في ذلك فهو شاعر مسلم ، ينظر إلى الشعر كرسالة يجب أن تأخذ مكانه ممن ينظم شعرًا .

 ولكننا بعد قراءة السطور الآتية سنكتشف بأن ما كان عليه أسامة الخريبي إنما هو التزام طبيعي ، ولم يكن إلزامًا إجباريًا

 والأديب المسلم "أديب رسالي"؛ لأنه في إبداعه ينطلق من التصور الإسلامي في التعامل الفني مع الحياة، والكون، والإنسان. وهو تصور سويّ نزيه لا مكان فيه للنقص، ولا الشذوذ، ولا الهوى، وهو بذلك يتفق مع الفطرة الإنسانية بلا عوج، ولا تخبط.

 وانطلاق الأديب المسلم من هذا "التصور الإسلامي" في إبداعاته يعني أنه "أديب ملتزم" والتزام الأديب المسلم هنا يختلف عن الالتزام المادي الذي تراه في الأدبين الشيوعي، والوجودي، وما دار في فلكهما، وأدق توصيف له هو أنه "إلزام" لا التزام.

 إنه التزام الأديب المسلم  كما يقول الدكتور محمد مصطفى هدارة  رحمه الله  يعد جزءًا لا يتجزأ من عملية الإلهام الفني، وليس خاضعًا لعنصر الاختراع الواعي المتعمد.. إنه جزء من نسيج التجربة التي هي لب الأدب، وكأن الالتزام في الأدب الإسلامي يعني تجارب حية في وجدان الأديب المسلم، وفكره اللذين تشربا التعاليم الإسلامية، بحيث صارت هذه التعاليم وحدها قرارًا طبيعيًا لتجاربه التي تتسع لكل معاني الوجود والحياة".

 فالتزام الأديب المسلم إذن إنما هو استجابة لفطرته السوية من ناحية، وتشربه القيم الإسلامية عقيدة، وديانة، وعلمًا، وثقافة من ناحية أخرى، حتى أصبحت "ميزان" الأشياء في كل شئون حياته، وأصبح الالتزام  شكلاً وموضوعًا  هو الطابع الأساسي  بل الوحيد  في مسلكه الخلقي والفني، وما عداه يعد نشوزًا وخروجًا على الأصل النبيل الكريم.

***

 وحتى يكون منبع الالتزام غنيًا ثرارا دائمًا كان على الاديب المسلم  كما يرى محمد المجذوب في كتابه أدب ونقد – أن يكون موصولادائما بالقرآن الكريم  وسنة النبي  صلى الله عليه وسلم - ثم عليه الاتصال بالمؤلفات الموثوقة في نطاق الثقافة الإسلامية المبنية على هذا الأصل.. كي يظل في مسيرته على الطريق الصحيح المستقيم، فلا يزيغ بصره عنها، ولا يطغى".

 ويضاف إلى ذلك طبعًا ضرورة انفتاح الأديب المسلم على المعارف الإنسانية، وأن يتزود بألوان متعددة من الثقافات الأدبية، والاجتماعية، والنفسية، وكل جديد في ميدان العلم.

***

 وقد يذهب بعضهم إلى أن الأديب المسلم  بهذا الالتزام  يتنازل عن قطع كثيرة من حريته، ويحصر نفسه في نطاق ضيق من الموضوعات.

ولكن الحرية بمفهومها الإنساني السوي لا يقف أمامها الإسلام، فهو الدين الذي حرر الإنسان من استعباد الآخرين، ومن عبودية الدنايا، والغايات الخسيسة، والتعبد لغير الله. ومنطق العقل والواقع يقرران أنه لا حرية بلا "ضوابط"، وإلا تحولت من حرية بانية إلى فوضوية مدمرة.

 والالتزام بالمفهوم الإسلامي لا يضيّق الحدود الموضوعة أمام الأديب، بل على العكس، يجعل كل ما قد خلق الله من مشهود ومغيَّيب في الأرض والسماء، وعالم الإنسان، والحيوان، والروح والطبيعة.. إلخ كلها موضوعات معروضة للأديب المسلم بلا حرج، ولا تحديد، ما دام يعالج موضوعاته من خلال "تصور إسلامي" شريف والأمثلة في هذا المجال أكثر من أن تحصى، والقرآن الكريم عرض للجنس في سورة يوسف، وللشذوذ في قصة لوط، وقومه، وللنوازع والغرائز والعواطف الإنسانية  في صورتيها: السامية والهابطة، مبرزًا ما يعكسه كل أولئك من دروس وتوجهيات وعبر، في سور متعددة.

**********

 ولا كذلك ما تراه من تضييق فائق، و"إلزام" قهري في آداب أخرى. نكتفي منها بالأدب الشيوعي، فنقرأ للينين" مقالاً كتبه سنة 1905م بعنوان "تنظيم الحزب وأدبه" وفيه يرفض أي نشاط أدبي، أو فني لا يكون في خدمة الحزب الشيوعي، وفيه يقول "لنتخلص من رجالات الأدب غير الحزبيين، لنتخلص من هواة الأدب المثاليين، على قضية الأدب أن تصبح جزءًا من القضية العامة للبروليتاريا، وجهازا صغيرًا من الآلة الاشتراكية الديمقراطية الموحدة، والكبيرة التي تحركها الطليعة الواعية للطبقة العاملة كلها، على النشاط الأدبي أن يصبح عنصرًا مؤلفًا لعمل حزبي اشتراكي ديمقراطي منظم".

 ولعلنا نتذكر مأساة الكاتب الشيوعي "بوريس باسترناك" كاتب رواية "دكتور زيفاجو" التي كان فيها صادقًا مع نفسه، ومع الواقع الإنساني، وفاز بجائزة نوبل، فحوكم وجاء ختام قرار اتحاد الكتاب السوفييت، الصادر في 28 / 10/ 1958م يتهمه بالتدهور السياسي والأخلاقي، وخيانة الشعب والاشتراكية والسلام؛ لذلك أجمعت كل مجالس اتحادات الكتاب السوفيتية ولجانها التنظيمية في كل القطاعات على "فصله من اتحاد الكتاب السوفييت، وعدم اعتباره كاتبًا سوفييتيًا".

**********

 ومن حق أسامة الخريبي علينا أن نقدم إليه أجمل التهاني بديوانه المجيد آملين ، أن يلحقه بدواوين أخرى يساهم بها في نهضة فن الشعر ، وهو على ذلك قدير .