البرتقال يزهر على ضفاف العاصي
تأليف يحيى حاج يحيى
يحيى بشير حاج يحيى |
د. عبد الله الطنطاوي |
كاتب هذه المجموعة القصصية : (البرتقال يزهر على ضفاف العاصي) شاعر مطبوع ، وقاص متفنن ، وكاتب مقال متميز ، أمدّ المكتبة العربية بالعديد من الكتب ، في الأجناس الأدبية كلها ، وهو كاتب جاد ، وأديب ملتزم ، وينتمي إلى المشروع الإسلامي الهادف إلى إقامة دولة العدل والحق والحرية ، لاستئناف الحياة الإسلامية من جديد ، لتأخذ أمة الإسلام مكانها الريادي في ميادين الحضارة الإنسانية الشاملة .
ولهذا كانت الموضوعات التي تناولها ، في كل ما كتب ، ليست كذلك الغثاء الذي يسوّد صفحات الكتب والمجلات والإنترنت .. غثاء الجنس والفحش والفجور ، يكتبه كتاب وكاتبات لا يخافون الله ، ولا يستحيون من الناس ، ولا يشعرون بما يجري حولهم من مآسٍ تشمل أوطانهم وشعوبهم وأرضهم ، وأعراضهم .. لا يفكرون إلا بما بين الأفخاذ ، فتنضح أقلامهم قذارات تشمئز منها النفوس السوية ..
يا ويحهم .. لأنهم لم يسمعوا بما يجري في فلسطين ولأحبتنا الفلسطينيين فيها .. لم يسمعوا بالفسفور الذي أحرق أهلنا في غزة ، لم يسمعوا بالصواريخ وأطنان القنابل التي سوّت البيوت بالأرض ..
لم يسمعوا بما جرى ويجري في أفغانستان ، ولا بما جرى ويجري في العراق الحبيب الذبيح ..
لم يسمعوا بما يجري لشعوب هذه الأمة على أيدي حاكميها ، جلاديها ..
همهم الجنس ، وليس شيئاً آخر سوى الجنس ..
وبعض (القراء) يقبلون على شراء تلك الروايات والقصص الهابطة بأثمان باهظة ، ويدفعون من حرّ أوقاتهم ما يقرؤون ويستمتعون ، وتخدرهم كما المخدرات وزيادة .. فهي تنشر العهر ، وتروّج للخيانات الزوجية ، وللشذوذ من الجنسين ، وما إلى ذلك من بذاءات وإسفاف وسقوط أخلاقي ، يخدمون به أعداء الله ، وأبالسة الأرض ، من صهاينة ومتصهينين بأردية فيها زخرف وبهرج فيما يبدو للناس ، وباطنها يعمل على قتل الروح المعنوية لدى الشباب ، ويصرفهم عن العمل الجاد للنهوض بأمتهم التي تكاثر عليها الأعداء من الداخل والخارج ..
موضوعات أديبنا (يحيى) تتسامى بقرائها ، وتغرس فيهم الفضائل ومكارم الأخلاق ، وتستنهض هممهم ليكونوا أبناء هذه الأمة بحق ، يجاهدون لتخليصها من الانحراف العقدي ، والانحراف الفكري ، والانحراف السلوكي ، ومن الاستبداد الداخلي ، ومن الاحتلال الخارجي ، ومن كل ألوان العدوان التي تنصبّ عليها صبّا ، ومن كل أشكال التخلف في شتى المجالات والميادين ..
اقرأ هذه المجموعة بقصصها الستَّ عشرة ، ودقق في موضوعاتها جيداً ، وحاول أن تجد فيها ما نعيب أطنان الروايات والقصص ، فإنك لن تجد إلا الجدّ ، والفكر ، والدعوة إلى الأخلاق الفاضلة ، إلى أن يكون أبناء الأمة روائد النهوض ، يتحدون الصعاب ، من أجل هذه الأمة ، وقيمها الروحية والإنسانية الرفيعة ..
تقرأ كل هذا وأكثر منه ، مكتوباً بقلم كاتب متمرس بمعالجة موضوعاته بأسلوب فني جميل ، عرف صاحبه كيف يتغلغل إلى نفس قارئه باقتدار عذب ، عبر لغته الفصيحة ، وعباراته وحواراته التي تقصر حيناً ، وتطول حيناً آخر ، حسب الحاجة ، شأن من امتلك ناصية اللغة ، بنحوها ، وصرفها ، وبيانها ، وشأن من امتلك عناصر الفن القصصي ومقوماته ، وليس بدعاً أن يكون القاص يحيى هكذا ، وهو الذي كتب وكتب في هذا الفن الجميل ، للصغار وللكبار ، فكان المبدع الذي يلامس شغاف القلب ، ثم يستقر فيه ، بما أوتي من إخلاص وصدق ، استقاهما من إيمانه بهذه الأمة ، ووجوب العمل من أجل أن تستأنف حياتها وحضارتها من جديد ..
يحيى الحاج يحيى كاتب شاعر ، وداعية إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، بهذه الريشة الصناع ، بالكلمة الشاعرة ، بالعبارة المجنّحة ، وبواقعية بيضاء بيضاء بيضاء ، برغم كل الظلم والظلام والظالمين ، برغم كل الظلمات التي يتراكب بعضها فوق بعض ..
إنه البشر وأبو البشر ، الوفي لدينه ودعوته وأمته ، لأنه يعي جيداً ، أنه يحيا في عالم يزخر بالخير والشر ، ولهذا توزعت موضوعاته في هذه المجموعة إلى عدة محاور ، اجتماعية ، وسياسية ، ووطنية ، وعربية ، وتربوية ، وجهادية ، وكلها تلتقي حول الخير ، والذياد عنه ، وتحاصر الشر وتفضحه ..
وكثير من هذه القصص تتحدث عن وطنه الجريح : سورية الحبيبة التي احتلها الأغراب في غفلة من الشعب ، وبفضل مؤامرة داخلية خارجية ، وأضع مئة خط تحت كلمة مؤامرة ، لأفقأ الأعين العمي التي لا تبصر الحريق حتى لو مسّها ، وتطاول لهبه .. مؤامرة على الشعب والأرض والتاريخ والقيم معاً ، نفّذها الأغراب بلؤم ، فارتكبوا المجازر المريعة بحق الشعب ، وفرّطوا بأرضه ..
ونستطيع ملاحظة الخيط الذي يشدّ القصص التي تؤرخ للحوادث الرهيبة ، لتتشكل منها رواية ، كما فعل الأستاذ الحسناوي في مجموعته القصصية (بلد النوابغ) ..
تحدث عن الاعتقالات والسجون الرهيبة ، وما فيها من تنكيل وتعذيب للأحرار ، وقتل لصفوة من قادة الشعب وأطبائه ، وضباطه ، ومهندسيه ، ومن رجال التربية والتعليم من أساتذة الجامعات ، والثانويات ، ومن رجال القانون ، من محامين ، وقضاة ، ومن علماء وأدباء وشعراء وكتاب ووجهاء ..
هذا وأضعافه من الاهتمامات ، تطالعه في العديد من القصص ، في : (امرأة من الريف ـ لكم دفاتركم ـ لقيمات الخبز ـ الحوار يبدأ من تحت السرير ـ شدّ الحزام في أوقات الزحام ـ رسالتان ـ حزب البحر ـ أعرابي في برلمان ـ المعلمة الأولى ـ هدية محمود ـ براءة الطفولة ـ على الحدود) وغيرها ، مما يمكن إجراء بعض التعديلات عليها ، وتجسير ما بينها ، لتتشكل منها رواية فنية تقدم صوراً من بؤس الوطن السوري المهيض الجناح ..
موضوعاته كلها هادفة .. تلك التي تتحدث عن سورية والكوارث التي حلت بها ، وتلك التي تتحدث عن فلسطين : (البرتقال يزهر على ضفاف العاصي) والتي تتحدث عن العقيدة في إسلام الروسي : (بر السلامة) .. والتي تتحدث عن الجوانب الاجتماعية : (ثوب العيد ـ المرابي ـ لابد أن تعتذر يا مسيو) والتي اقتبسها من الحديث النبوي الشريف : (خطأ المرة الثالثة) والتي تتحدث عن الحدود التي مزّق سايكس وبيكو الملعونان ـ الدول العربية ، بحيث صار العربي السوري إذا انتقل إلى بلد عربي آخر ، دُعي أجنبياً : (على الحدود) .
هكذا يكون المثقف ، ليكون ابن أمته ، أما أصحاب ذلك الغثاء ، فأولاد الهوى المردي ، والشهوات المنحطة ، يعبرون هذه الحياة على متن الغرائز المنفلتة ، يخرجون منها كما دخلوا إليها .. ألا ساء ما فعلوا ويفعلون .
صدرت هذه المجموعة عن دار الضياء في عمان ـ الأردن . في 106 صفحة من القطع الوسط .