مَخطوطات على رُفوف أحْلامٍ لا تتحقق

المؤلّفون ذوو الدّخل المحدود يُعانون أزمة النّشر

زينب ع.م البحراني

هل حدَث لكَ أن طالعتَ سيرة أديبٍ يلذّ لذوقك ارتشاف كلماته، أو مُفكّرٍ لا تنفكّ عباراته عن إثارة شهيّة عقلك لالتهام المزيد منها دون أن تشبع أو تكتفي، ثُمّ احتلّتك الحسرة على الكنز الرّوحي الذي فاتك حين اكتشفت في ختامها أنّ بقيّة مخطوطات ذاك المُبدع لم تنل حظّ الطّبع قبل موته، فخسر قُرّاؤه وعُشّاق كلمته ميراثًا معنويًا نفيسًا بعد موته؟ هل خطَر لكَ كم تخسر حضارة الوطن العربيّ وأجيالها المُقبلة من جرّاء عجز كثير من مُبدعينا العرب عن توثيق أعمالهم الأدبيّة والفكريّة على صفحاتِ كتابٍ منشورٍ يمتطي الزّمن ليكون سفير عصر الكاتب إلى العصور المُقبلة بأجيالها المُتعاقبة؟ وهل قادك ذاك السّؤال إلى مُحاولة اكتشاف السرّ الذي يحرم المُبدع العربيّ من نشر مخطوطاته، ويُبقيها على رفوف أحلامه زمنًا طويلاً قد ينتهي بالوفاة قبل تحقق الحُلم؟

يدٌ قصيرة وحُلمٌ كبير

تقول الكاتبة العراقيّة "صبيحة شُبّر": "إذا رغب الأديب في طبع ما كتبه  من شعرٍ ونثر، استبدّت به الحِيرة، كيف يُمكن أن يطبع عمله، والطّبع يكلف الكثير من المال الذي لايتوفر لدى الكاتب  إلا بشق النّفَس، واليد قصِيرة والحُلم كبير أن يَصِل يومًا إلى ما يُريد، من إخراج ماكتبه من فكرٍ وعواطف  للناس ليشاركوه في أفكاره ومشاعره.  إن غامر وبذل ثمرات عرق الجبين واستطاع الطباعة لايَجد دُورًا للنشر، فتتكدس النسَخ في منزله سَاخِرة من جهوده التي ضاعت نتيجتها، ومن بذرات تعبه التي لم تأت أكلها، وإن تمكن من الاتفاق مع دار نشر لتوزيع كتابه على المكتبات، ليتمكن القراء من الاطلاع عليه، تقاعَسَت دور النشر عن الوفاء بما جاء بالعقد من أنّ الاتفاق يكون بفترة محدودة وعلى الطرفين أن يتحاسَبَا وأن يُبيّن المُوزع كم من الكتب باع،  ولكن الوقت يمضي، والمُوَزّعُ يَتهرّب، وتعب الكاتب تذروه الرّياح".

سرقات في عزّ النّهار

وتؤكّد شُبّر: "بعض دور النشر توهم الكتّاب انها طبعت أعمالهم، وترسل لهم غِلاف الكِتاب   فيفرح الكاتب ويسلّم تلك الدّار ما استطاع توفيره من النقود، حين حرم نفسه وعائلته من الكثير من الاحتياجات الضرورية، وإذا به يكتشف أن الدّار لم تطبع وأن نقوده سُرِقت وأن القانون لايحمي المغفلين!، فكيف يمكن أن يتصرّف ذلك الكاتب، وهو يجد عمله ما زال مخطوطا وأنّ نقوده سُلِبَت منه؟ هل يُمكن أن يوفر نقودا أخرى ليقوم بدفعها لدار أخرى تكون مدعاة للثقة؟ ومن أين نأتي بهذه الثقة لدور تدعي المِصْداقية في عالم النت الذي  تتعدد على صفحاته عمليات سرقتك في عز النهار، دون أن تتمكن من منع تلك الايدي أن تمتد إليك سالبة ما بَذلْت من اجله التعب والجُهد، وتحمّلت الضن على نفسك. وعلى من تحبهم وتحرص على راحتهم، من أفراد أسرتك؟"

قعقعة بلا طحين

إذن كيف يتم حل قضية الرّاغبين في النّشر من المؤلّفين والمُبدعين ذوي الدّخل المحدود أمام كلّ تلك الصّعوبات والمُعوّقات؟ عن هذا السؤال جاءنا جواب القاص والنّاقد والصّحفي المصري "إبراهيم حمزة" بقوله: " يختلف الأمر بكل تأكيد بين أقطار الوطن العربي الكبير، في مصر – على سبيل المثال- هناك سلاسل حكومية كثيرة لدرجة لا تصدق، ورغم كثرتها الكاثرة الفاشية ، فهي لم تحل مشكلة الرّاغبين في النشر، ولم تحل مشكلة تدنى المُسْتوى الإبْداعي ، لدرجة أنى كنت أتناقش والأخوة المسئولين عن سلسلة " إبداعات" قال لي الصديق المشرف : نحن نبحث بصعوبة شديدة عن عمل متميز، قلت له جيد أن الطابور الطويل انتهى لديكم، قال : لدينا دواليب ملأى بالكتب المنتظرة، لكنها قعقعة بلا طحين .

كما أنّ السلاسل الحكومية تتناسب وأولو العزم ، من هو قادر على الانتظار عقدا من السنوات، أو أقل قليلا، وبما أن الأعمار بيد الخالق عز وجل، فليفعل كل ما عليه، ولينتظر.."

النّشر التّعاوني

ولكن.. ماذا عن الحُلول الأسرع والأكثر جديّة للموهوبين فعلاً من الكُتّاب والمؤلّفين ذوي الدّخل المحدود؟ يقول "إبراهيم حمزة": "ليس هناك إجابة حاضرة أقتنع بها، لكن النشر التعاوني يمكنه حل المشكلة .. بمعنى أن كل كاتب هو بالتأكيد عضو جماعة أدبية ما، سواء نادى أدب أو جماعة مشهرة أو مجموعة المقهى ، هذه التجمعات قادرة على الطبع التعاوني، أي طبع كتاب لشخص ما، بتعاون وتكاتف مالي وتوزيعي وإخراجي ودعائي للمجموعة بأسرها، ثم بعد فترة يتم اختيار شخص آخر لطبع كتابه، والالتفاف حوله. كذلك هناك مجموعة من المُسَابقات العَرَبية المختلفة، تقوم بدور ممتاز جدًا في التسويق، والتعريف بالشباب من الكُتاب، كما يجب الانتباه إلى النهر المُتسع الهادر المسمى إنترنت، الذى يتسع للكل ويقول "هل من مزيد " .. صحيح أن النشر الإلكتروني  ثقافة لم تترسخ بالقدر الكافى لدينا، لكنّها صارت واقعًا لا يمكن إنكاره" .

 و تابع حمزة بروحٍ تنمّ عن سُخريةٍ ظريفة: " يجتاز ذاكرتي الآن قول الشّاعر الشّعبي "حجاج الباى" حين ترنّم: قالوا يا شاعر قول / أنا قلت مش قايل / أصل الكلام لا يفيد/ ولا يعدل المايل!" .. قبل أن يختتم حمزة حديثه بقوله: "فى كل الحالات : تخيروا أيها الكتاب، واستعينوا بالصبر والعمر الطويل" .