أحترمُ زوجتَكَ وأحتقرُكَ أنتَ
"لحظات خارجة عن الزّمن"
لمُزَيَّن يعقوب برقان
موسى أبو دويح
كتبت مدرِّسة اللّغة الإنجليزيّة مُزيَّن برقان كتابها الثّالث "لحظات خارجة عن الزّمن" وهو كسابقيه باللّغة العربيّة. بالإضافة إلى ديوان شعر بعنوان "أوراق الحبّ" باللّغة الإنجليزيّة، ورواية "ليلى" باللّغة الإنجليزيّة كذلك. فهي تكتب باللّغتين العربيّة والإنجليزيّة.
وموضوع حديثنا اليوم هو "لحظات خارجة عن الزّمن" الّذي صدر عن مطبعة المعارف في القدس سنة 2011م في (303) صفحات من القطع الوسط.
أهدت كتابها إلى كلّ من له أمل بالعودة... إلى المُلهِم حزنًا وفرحًا وحبًا... إليكَ أنتَ... إلى أبيها. وقسّمت الكتاب إلى فصول تسعة، كلّها عن الحبّ، أو قُلْ: جنون الحبّ، أو الحبّ من طرف واحد.
بطل الرّواية شاعر اسمه بهاء تزوّج مرّتين ولم ينجب، تعجبه طبيبة أسنان اسمها لينا، متزوِّجة ولها أولاد، يهيم في حبّها من حيثُ لم تشعر به. "وهي امرأة يقودها العقل، أمّا أنا (بهاء) فتقودني العاطفة كالغيوم الّتي تسوقها الرّياح" صفحة (88).
ويقول بهاء على لسان لينا –كأنّها تقول له- أنا أعالج آلام أسنان النّاس، ولا أعالج اضطراب عقولهم. صفحة (183).
ويتعرَّف بهاء على إلهام، امرأة سوريّة متزوِّجة من لبنانيّ، والّتي تهيم ببهاء المشغول عنها بحبّ لينا. ويقول بهاء عن إلهام: "صديقتي الّتي تميل إليّ، وطبيبتي لينا الّتي أميل إليها". ويقول عن زوجته وعنها: "امرأة تشتهيني ولا أشتهيها، وامرأة لا تشتهيني وأشتهيها. أيّ شقاء هذا؟!". صفحة(73).
لغة الكتاب لغة عربيّة فصيحة، ولقد خلا من اللّغة العامّيّة أو المحكيّة في فلسطين وسوريا ولبنان، إلا من بعض كلمات في أغاني فيروز الّتي جاءت في الكتاب. وكثير من صفحات الكتاب من الشّعر المنثور، أو قُلْ: هي قريبة من الشّعر الحرّ.
أمّا التَّكرار فغلب على الكتاب، فكثير من كلماته وجمله أعيدت مرات ومرات مثل: الصّمت والنّسيان، أشتهي وأكره، أشتهيها ولا تشتهيني، ربّما، الإدراك السّطحيّ والشّعور العميق، والإدراك العميق والأحاسيس العميقة، ودفء الجسد ومتعة الجسد، أمارس تمارين النّسيان، وغيرُ هذا كثير.
والطِّباق ظاهر واضح في أكثر صفحات الكتاب مثل: حزنًا وفرحًا، الكلام والصّمت، الحياة والموت، ثائرًا هادئًا، صامدًا منهارًا، الضّوء والظّلام، أقيّدها وأطلق سراحَها، متى تهدأ ومتى تثور، يسرّك المكان أم يسوؤك؟ كم أنا معذَّب بسببكِ وكم أنا سعيد مَعَكِ؟!
أمّا الأخطاء –على كثرتها- فهي قليلة إذا قيست مَعَ كثير ممّا يصدرمن كتب في هذه الأيّام، ومنها على سبيل المثال:
1. استعملت كلمة (ثدييها) كثيرًا، وهي تقصد نهديها. ويظهر أنّ الكاتبة لا تفرّق بين الثدي والنّهد. جاء في لسان العرب: (والثُّديُّ الفَوالِكُ دونَ النّواهدِ، وفَلَكَ ثديُها وفلَّك وأفلك دون النّهود، وتفلّك ثديُها صار كالفَلْكَةِ، وفَلْكَةُ المِغزل معروفة سمّيت لاستدارتها، وكلّ مستدير فَلْكَةٌ. ولا ثديها بناهد أي بمرتفع. يقال نَهَدَ الثّدي إذا ارتفع عن الصّدر وصار له حجم).
2. استعملت الكاتبة كلمات (اتّجاه، اتّجاهي، اتّجاهك، اتّجاهها) عشرات المرّات وهذا خطأ، والصّحيح: تُجاه أو تِجاه، وتُجاهي أو تِجاهي، وتُجاهَكَ أو تِجاهَكَ، وتُجاهَها أو تِجاهَها). جاء في لسان العرب: (قعدت تُجاهَكَ وتِجاهَكَ أَيْ تِلْقاءَكَ).
3. وجاء في صفحة (12) (هل يسرّك المكان أم يُسيئُك؟) والصّحيح يَسُوْؤكَ؛ لأنّ الفعل سرّ مضارعه يسرّ والفعل ساء مضارعه يسوء.
4. وفي صفحة (80) (منتفخ بقصائد العشق غدوتُ... مسكون بالهيام أصبحتُ...) والصّحيح غدوت منتفخًا وأصبحت مسكونًا: الأولى حال منصوبة، والثانية خبر أصبح منصوب مقدّم على أصبح واسمها.
5. وفي صفحة (115) (اللهمّ لا تلمني فيما تملكُ ولا أملكُ) وهذا جزء من حديث شريف هو: "اللهمّ هذا قَسْمِي فيما أملكُ، فلا تؤاخِذْني فيما تملِكُ ولا أملِكُ ". فهو عليه السّلام يملك أن يعطي نساءَه المال والطّعام والثّياب والمتاع بالتّساوي، ولكنّه لا يملك قلبه حتّى يساوي في المحبّة بين نسائه، فالله سبحانه هو مالك القلوب وهو يصرّفها كيفما يشاء. فالعدل المطلوب شرعًا هو العدل في الأمور الماديّة المحسوسة والذي يستطيع الإنسان أن يقوم به، وهو العدل في المسكن والملبس والطعام والشراب والمبيت والمعاملة. أمّا العدل المستحيل الذي لا يستطيعه الرجل فهو العدل المعنويّ في المحبّة والميل القلبيّ. فأنت قد تحبّ أو تكره إنسانًا لا تعرفه من أوّل نظرة ودونما سبب.
6. في صفحة (116) (أتريدين أطفالا كي نبلوهم في هذه الحياة ما بلونا) والصّحيح كما بُلِيْنَا.
7. وفي صفحة (174) (ما أشوقني إليكِ في أمسي ويومي وغدي) والصّحيح ما أشدَّ شوقي إليك!!!
8. وفي صفحة (224) (ما همّني لحظتها هو أن أكون معها) والصّحيح ما أهمّني.
9. صفحة (249) (لم تجتاحني على غير عادتها) والصّحيح لم تجتحْني فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلّة (الألف).
وجاء في الكتاب حشو لا لزوم له ولا معنى كقولها في صفحة (208 و209): (الوقت بمفهومه الأشملّ، بدون تقسيماته. دون أن يحتضن الأسبوع سبعة أيّام ودون أن يحتضن الشّهر ثلاثين يومًا، ودون أن تحتضن السّنة اثني عشر شهرًا. أحبّها بتلك الطّريقة الممتدّة اللانهائيّة. ورحت أسأل نفسي أسئلة عجيبة غريبة: فما معنى أن يكون في الأسبوع سبعة أيّام؟ وما معنى أن يكون في الشّهر ثلاثون يومًا؟ وما معنى أن يكون في السّنة اثناعشر شهرًا؟) وكقولها في صفحة (243): (صدّقت كلامها دون أن أصدّقه تمامًا).
ختمت الكاتبة روايتها في الصّفحات الثّلاث الأخيرة بالحديث عن بلدتها (لِفْتا) الّتي هي إحدى أكبر قرى القدس، والّتي احتُلّت من قبل يهود عام 1948م تقول عنها: "توجهتْ عمّتي نحوي وهي تحمل رغيف خبز ساخن، وقدّمته لي. تفوح منه رائحة (لفتا)، وتفوح منه رائحة القدس العطرة. القدس... القدس الّتي لم أرها في حياتي قطُّ –لأنّها عاشت في مخيم عين الحلوة في لبنان- أراها الآن في حكاية عمّتي وأشعر بدفئها في رغيف الخبز هذا... أشعر بدفئها كأنّي في أحضانها... في تفاصيلها... في أعماقها...
يا قدس... من لبنان أعانقكِ... وأشعر بدفئكِ، أعانقكِ وأحتضنكِ لأنّ المسافة بين الأمّ وابنها لا تقاس بطول الكيلومترات، بل بامتداد وعمق الأشواق... بدفء من يعيش فيكِ أعانقكِ... وبألم من حرم من ترابكِ أحتضنكِ.
رحتُ أقضم رغيف الخبز... ورائحة الخبز المجبولة برائحة القدس تخترق أعماقي الّتي غدت مضمّخة برائحة القدس... وعطر القدس وذاكرة القدس. فذاكرة الأوطان لا تُمْحى". من الصّفحات (301، 302، 303) بتصرف.