منهجية كتابة التاريخ في ﺃدب الطفل 4
جاسم محمد صالح
* حاجة الطفل للتأريخ تبدأ حالما يترك مرحلة الطفولة المبكرة.
* (الوطن) مفهوم محسوس ينضج لدى الطفل شيئا فشيئا .
* كتابة التأريخ للطفل واحدة من أهم المشاكل التي تواجه أديب الاطفال.
* طرح الحقائق التاريخية كما هي تشكل خطورة بالغة على البناء التربوي والنفسي للطفل.
* الكتابة للاطفال مسؤولية تربوية ملقاة على عاتق أديب الاطفال.
* ان أدب الطفل هو مرآة لما نريد من توجه تربوي وبنائي .
لاحداث التأريخ أهمية كبيرة في حياتنا كأفراد وكمجتمع لما فيه من مأثورات وعبر نستسقي منها الدروس ونصنع منها خططا ومفاهيم وتوجهات مستقبلية اعتمادا على قراءتنا لاحداث التأريخ وما استنبطناه منها من تجارب تعيننا في ﺇستشراق المستقبل الذي ربما يكون في أكثر الاحيان هلاميا وغامضا بالنسبة لكثير من الشعوب ولا سيما الشعوب النامية فمن أحداثه التي مرت وعبره المستقاة يمكننا أن نتوجه إلى بناء المستقبل التربوي والاجتماعي والسياسي بخطى ثابتة وأكثر وضوحا ولما كان الطفل بحاجة إلى أن نقدم له مائدة معرفية متكاملة من المفاهيم والقيم والمعارف فان التأريخ يشكل جزءا كبيرا جدا في احتياجات الطفل المعرفية وهذه الحاجة تزداد كلما كبر الطفل وتقدم الطفل في مساره الدراسي نحو آفاق أكثر وضوحاوأكثر جذبا وهو في طفولته المبكرة يتجه نحو الاحتياجات الترفيهية اللونية والحركية وحتى التعليمية التي تسد في نفسه كثيرا من الفراغات التي هو بحاجة ملحة إلى معرفتها والاستزادة الكبيرة من هذه المعرفة في بناء تكوينه الثقافي وقبلها تشكل تلبية مهمة لاحتياجاته النفسية والترويحية باعتبار أن الترويج يشكل حاجة كبيرة لديه ويسعى للحصول عليها بشتى الوسائل الممكنة وغير الممكنة المقبولة منها وغير المقبولة هنا تدخل خطورة العرض الخاطﺊ أو السلبي الذي يُقدم له وآثاره الجسيمة على بنائه النفسي والسلوكي والاجتماعي والتربوي مما يقربه من ولوج مسارات الانحراف والخطأ وممارسة الاعمال المضرة وغير المقبولة اجتماعيا وهو غير عارف بذلك بل ويعتبرها من الامور المسلم بها ويعتبر قناعته الناتجة من حاجته ﺇليها أساسا للمصداقية وللتقبل بل وحتى للتمسك الاعمى به لهذا فان الطفل تبدأ حاجته ﺇلى التاريخ عندما يترك مرحلة الطفولة المبكرة ويدخل مرحلة الطفولة المتقدمة أو ما نسميه بمرحلة اليفاعة فيبدأ سلوكه يتأثر بالفعل ورد الفعل وبالحافز وبالمثير وبالنتيجة والتي يمكن الحصول عليها من ذلك فهو في الصف الرابع الابتدائي يبدأ في فهم أحداث التأريخ التي تُقدم ﺇليه كأحداث يقرأها ليس ﺇلا وكذا الحال بالنسبة للصفين الخامس والسادس الابتدائيين فشخصيته بدأت تنضج وتتكامل ومشاعره أخذت تنمو وتتوضح تجاه المفاهيم المحسوسة كالدين والوطن واللغة والقومية والصهيونية والقضية الفلسطينية والتحرر والاستقلال والاستعمار وهي مفاهيم كان في طفولته لا يستوعبها استيعابا كبيرا وواضحا لانها غير واضحة الافق والدلالة لديه لاسيما وانه غارق في فهم واستيعاب الملموسات التي يراها أمام عينيه وتمكنه من أن يمسكها ويغير شكلها وبناءها وحتى معناها ومدلولها وحال هذه الملموسات فكرا ومعنى ومدلولا وغاية وتعبيرا ودلالة حال الطين الاصطناعي ذي الالوان المتعددة فهو قادر على أن يمسكه بيديه ويغير شكله كيفما يريد ويرغب وان يضع الالوان التي يحتاجها على الشكل مزجا او تأطيرا لكن حينما تبدأ (المفاهيم المحسوسة ) تتبلور لديه مع تقدمه في العمر وارتفاع معامل حصيلته الدراسية والمعرفية تأخذ هذه المفاهيم بالنمو بدرجات تتناسب مع زيادة معامل التقبل والفهم لكل مفهوم فالدين يأخذ مفهوما لديه ويصبح من الامور التي يتحسسها ويدافع عنها بشكل او بآخر وهو يستذكر سير الصحابة الاجلاء من المجاهدين الاوائل في الدين الاسلامي الحنيف وكيف قاسوا الامرين على يد صناديد الكفر بعد أن ثبتوا على عقيدتهم الاسلامية السمحاء فيبدأ عنده(مفهوم الصبر) (المبدأ) (التمسك بالمعتقد) (التضحية) (المقارنة) (المحاججة) ومع كل هذا يبدأ عنده مفهوم الجنة والنار والعقاب والثواب بالوضوح والنضج وتبدأ البواكير الاول في نفسه ضمنيا حينما ينحاز الى الجمع المؤمن سلوكا ومعتقدا وتوجها وﺇصرارا في الوقت الذي يبدأ حقدهۥ وكرهه لرموز الكفر واﻹلحاد من المشركين ويتمنى لهم كل عقاب وأذية وألم لسلوكهم المشين مع المؤمنين الاوائل الذين تعاطف معهم من خلال قراءة سيرهم الجهادية في سبيل رفع راية الاسلام عاليا تحقيقا للحق وإزهاقا للباطل.
أما مفهوم (الوطن) فانه هو الاخر مفهوم محسوس ينضج لديه شيئا فشيئا حيث توصل ﺇلى معرفة أهميته في فترة مبكرة قبل (مرحلة الدين ) وذلك من خلال القصص التي تتمحور حول المكان الذي يسكنه الحيوان وكيف أن الاخرين وهم أقوى منه قوة وعددا يسعون لطرده من مكانه والاستيلاء عليه والاستفادة مما فيه من خيرات وغالبا ما يكون الوطن في هذه الحالة بقعة ارض أو شجرة تين مثمرة أو مزرعة فيها نبات كثير أو نبع ماء أو ضفة نهر أو قمة جبل وكيف أن الحيوان الضعيف يدافع عن المكان الذي يسكنه بكل ما يملك من قوة مستعملا ذكاءه وخبراته وكل ما تعلمه من أجل تحقيق ذلك فيحدث إسقاط في الربط زمانا ومكانا وتصورا حيث أن ما يقرأه ينطبق كليا على البيئة التي يعيش فيها حاليا فيكون شعور الوطن والتمسك به من خلال الزقاق والمحلة والشارع والمدرسة التي يتجزأ الوطن منها الى عدة مفاهيم منوعة بدءا من الرحلة التي يجلس عليها في الصف الى عموم المدرسة فيبدأ بالدفاع عن رحلته ثم صفه ثم مرحلته الدراسية كأن يكون في مرحلة الرابع أو الخامس أو السادس ثم المدرسة عموما كلها تكون مشاعر متداخلة تؤدي الى نضج مفهوم الوطن الذي يكون مختلطا بمفهوم الامتلاك أو الاستحواذ أو التوجه الجمعي من المشاعر أو العمر الزمني أو السكني أوالبيئي .
ﺇن (كتابة التأريخ) للطفل واحدة من أهم المشاكل التي تعترض أديب الاطفال حيث تقع عليه مجموعة من الاختيارات والتنقيح والاحداث التي مرت والتي تشكل فائدة للطفل في الحاضر والمستقبل فكاتب الاطفال ملزم بقراءة التأريخ قراءة جيدة وعليه أيضا أن يقرأ الواقع الاجتماعي والسياسي للمجتمع الذي يعيشه قراءة جيدة وبعد ذلك يعود للتأريخ لاخذ ما يحتاج ﺇليه من أحداث وعبر ويقدمها للاطفال بشكل يجعلهم متلهفين لقراءة ما يُقدم ﺇليهم لحاجتهم الماسة الى مثل هكذا كتابات لانها تمثل صورة صحيحة للواقع الذي يعيشون فيه شريطة أن يقدمه احدهم بأسلوب بعيد كل البعد عن المباشرة والتقريرية وان يحفز فيهم ملكة الخيال في قراءة وفهم الحدث ألتأريخي من جديد والتحليق في فضاءات الابداع من أجل ربط الحدث ألتأريخي من كافة جوانبه ولابد من مراعاة مسألة مهمة جدا وهي كيفية غربلة الحدث ألتأريخي الذي يحتوي على جوانب سلبية وايجابية في آن واحد ؟ وكيف يستطيع الكاتب أن يأخذ من الحدث التأريخي جوانبه الايجابية ويعمقها ؟ وفي الوقت نفسه يقفز – وبحذر- فوق الجوانب السلبية التي فيه ويمر فوقها بشكل هلامي لا تتبين في مروره الاشكال والرموز والدلالات لان في ذلك ﺇساءة كبيرة لبناء الطفل الثقافي وتكوين نفسيته وقدرته على التمييز بين الايجاب والسلب وبين الغث والسمين في الاحداث التي مرت.
ﺇن قول الحقيقة بشكل تام وواضح إذا كانت ايجابية تشكل فعلا تربويا صحيحا باتجاه الامام يساعد على البناء والتثقيف والترصين في حين أن الجوانب السلبية ﺇذا تناولها كما هي حتى ولو أبدع في صياغتها وطريقة طرحها وتقديمها فإنها من حيث المضمون تشكل خطورة بالغة على البناء التربوي والنفسي للطفل لانه سيحاول أن يربط بشكل واضح بين مجريات الاحداث التي حدثت في القدم مع مجمل ما يحدث في الوقت الحاضر ويعتبر ان ما حدث في الوقت الحاضر هو امتداد لما كان يحدث وليس غريبا ان يحدث ذلك من جديد فيستكين ويتراجع وتتوقف فيه كل النوازع المتحركة باتجاه الامام وتكون الطاقة الكبرى في أحداث المستقبل التي ربما ترتبط بأحداث الحاضر وتشكل امتدادا طبيعيا له.
ان من أهم الاحداث التي وقفت أمامها مفكرا هي كيف أۥقدم للطفل العراقي قصة احتلال بغداد على يد البرابرة المغول عام (656ﮬ ⁄ 1258م ) ؟ حيث حُوصرت بغداد العروبة و السلام لفترة ليست بالقصيرة ثم رموها بالنيران والمنجنيقات وتمكنوا منها ودخلوها وقتلوا وأحرقوا ودمروا كل شي فيها وبعدها تربعوا على سدﱠة الحكم و أۥلحقت بغداد السلام كمدينة تابعة لخارطة الامبراطورية المغولية والتي امتدت من منغوليا شمال الصين حتى شمال أوروبا فلو تُسجل الاحداث التاريخية كما هي تسجيلا حرفيا ملتصقا بالحقيقة كليا فان في ذلك خطورة كبيرة ومدمرة للاهداف التربوية والانسانية والتي نطمح الى تحقيقها من خلال الكتابة للاطفال فالمسؤولية التربوية الملقاة على عاتق اديب الاطفال هي ان يعرض أحداث الاحتلال لبغداد من قبل المغول على أربعة محاور هي:
1- المرحلة الاولى ⁄ تصوير حالة بغداد قبل الاحتلال وتذكير الناس ببخل الخليفة المتهاون في الدفاع عن المدينة ضدﱠ الخطر المحدق بهاومحاولة أبناء المدينة حثّ الخليفة على الدفاع عن المدينة.
2- المرحلة الثانية ⁄ تصوير الصراع القائم بين أهالي المدينة والقوات الغازية وما رافق ذلك الصراع من تضحيات بشرية جسيمة تحتم عليهم دفعها للدفاع عن المدينة واستمرار تهاون الخليفة وغرقه في لهوه وملذاته.
3- المرحلة الثالثة ⁄ تتناول احتلال بغداد وما تعرضت له من خراب ودمار على يد المغول.
4- المرحلة الرابعة ⁄ تتناول انسحاب المقاتلين من المدينة وتوجههم الى نواحي بلاد الشام ومصر وتعاونهم مع الرموز الوطنية التي تريد ﺇلحاق الهزيمة بالمغول كالظاهر بيبرس والسلطان قطز وتعاونهم معه لالحاق الهزيمة بالمغول في معركة (عين جالوت) ومن ثم التوجه فيما بعد الى بغداد لتحريرها ربما يتساءل البعض أين المصداقية تحديدا في المرحلة الرابعة حيث يكون الجواب : الاد ب - وخاصة أدب الطفل - هو ليس وثيقة تاريخية مختومة بأختام رسمية وبصدق الافعال والحوادث صدقا مطلقا حيث ان أدب الطفل هو مرآة لما نريد من توجه تربوي وبنائي نريد ان نربي عليه أطفالنا فيكون دور الاديب هنا هو اخذ (ثيمة) تاريخية بإطارها العام ومن ثم يكون له الحق في النقش والكتابة على هذه (الثيمة) بالاتجاه التربوي المطلوب ترى ما قيمة ما نقدمه للطفل إذا كان حقيقة مئة بالمئة ؟!!! وبالنتيجة يُصيب الطفل ﺇحباط ويأس ونكوص مما جرى من صدق الاحداث وبالتالي يتقمص الطفل دور التراجع أمام النوازع والدوافع الوطنية التي نريد غرسها فيه توجها لبناء جيل يسير في هذا المنوال .
قد نختلف في الطريقة والعرض وكمية ونوعية الاقتباس ولكن لا نختلف في الغاية والنتيجة حيث تقع على عاتق كاتب الاطفال مهمة كبيرة جدا وهي غرس القيم والمفاهيم الوطنية والتربوية في نفوس الاطفال مع شي من المتعة والتعليم والتثقيف .
ان منطقتنا الشرق أوسطية عموما والعراق خصوصا يتعرض الى مؤامرة كبرى لمسح هويته وسلخه عن واقعه وتراثه الذي تجذر فيه ثقافة وحضارة و انتماء وهناك مؤسسات كبرى عالمية المنشأ والتخطيط شرق أوسطية التنفيذ كلها موجهة الى تخريب وتدمير عقلية الطفل من خلال قطع كل الوشائج بينه وبين عمقه التأريخي وحضارته الممتدة الى آلاف السنين من خلال ماۥيقدم ﺇليه من ثقافة غربية ورؤيا غير متبلورة وغير منتمية للاحداث التي تؤثر فيه أو التي يُريد التأثير فيها والغاية من كل هذه الهجمة المشبوهة والمعادية هو ان يخلقوا طفلا بلا تأريخ بلا رؤيا بلا هوية بلا انتماء .