أطياف متمردة

مرارة الوقوف على العتبات

زياد جيوسي

[email protected]

عضو لجنة العلاقات الدولية في
اتحاد كتاب الانترنت العرب

عبود الجابري

هذا كتاب مخاتل، يوهم قارئه ببساطة المعنى، ليقوده باتجاه أغصان متكاثفة يصعب عليه الخروج من تلابيبها، هذا كتاب يرسم سيرة ذاتية لعاشق تفرّد في عشقه، ولم يعلن اسم محبوبته، أو محبوباته إن أردنا أن نمضي بعيدا، كتاب يهجو البشاعة من خلال رسم صورة شخصية للجمال في وجوهه المختلفة، ويشتم الدنس من خلال مديح الطهارة والنقاء، ويعبر عن ضيقه بالإحساس بالبرد من خلال تقديس صورة العناق .

 (أطياف متمردة).. لزياد جيوسي، تأريخ شخصي للحلم، حلمه هو، يعزز ذلك قوله " أن هذا الكتاب كلمات وأفكار قد لا تنطبق على أحد، ويمكن إسقاط جزء منها على من يشاء "، الحلم الذي يغدو بديلا موضوعيا لواقع معاش، أو أن يسعى الإنسان نائما أو ساهما لتصور ما لم ينجز، و أن يتمنى تحقق ما لم ينجز من قبله، وربما من قبل آخرين يشكلون رموزا في إغفاءاته الحلمية. وهو أيضا كتاب مكتوب لامرأة واحدة، ومدينة واحدة، وبلاد واحدة، وعمر واحد، كأمر مسلم به لما نوهب من أعمار، ويبدو أن (زياد جيوسي) يسعى لكي ينقع جميع هذه المكونات في ماء واحد، ليشرب بعد ذلك الإكسير الذي يعزز صورة البهجة، في حياته المطرزة بالداكن والبهيج من الألوان.

 كتاب لامرأة واحدة يهدي إليها الكتاب مشيرا إلى حروف اسمها الخمسة، يؤكد ذلك نص (حروفي التسعة)، الذي يجلو الحقيقة عن مجموع حروف اسمه واسمها، لينشغل القارئ بعملية طرح مجموع حروف اسم (زياد) الأربعة .

 وهو كتاب لمدينة واحدة هي (رام الله) التي تتبدى في صورة حبيبة تمنحه الدفء ومجسات الكتابة، لأن أربعة وستين نصا تسكن قلب الكتاب، تمت كتابتها في رام الله، تليها نصوص عمان التي تحمل ذات القلب الذي يتخذ من رام الله قبلة لأحلامه، رام الله التي يشير إليها بالمحتلة في بعض النصوص، وأحيانا تخلو من الإشارة إلى صفة الاحتلال، هذه الإشارات تشي بالحالة التي كانت عليها المدينة، إبان قيام (زياد جيوسي) بكتابة النص.

 ثلاثة أشياء، ماثلة بشكل واضح جدا في نصوص الكتاب: القهوة، لفافة التبغ، وامرأة تشاركه الاحتفاء بقهوته ولفافة تبغه، امرأة يبتكرها وينفخ في طين غيابها، مشكلا صورتها جسدا يملك جميع ملامح الإغواء، واصفا شفتيها ونهديها، ويديها، واقفا على عتبات تلك التضاريس، ليوهم القارئ انه ماض في ايروسيته، متحسسا طريق شفتيه إلى شفتيها، أو مصورا شحوب لسانه عند لحظة انبثاق نهديها من فتحة في قميصها، الأمر الذي يحفز حواس القارئ للدخول في عالم الجسدين المحمومين، لكن (زياد جيوسي) يضرب ضربته الموجعة، حين يعلن لحبيبته أن الوقت فجر، وأنه ذاهب لأداء الصلاة.. هذه الضربة التي ربما ستلحق شتائم قراء أطفأ نار شكوكهم بماء يقينه .

 هذا الانكسار الذي يشعله في مفاصل القارئ، يقود القارئ مكرها إلى تتبع مسارات النصوص بدقة وهدوء، لعله يهتدي إلى عنوان المرأة الموسومة بـ (مليكة سبأ)، آسرة الأنبياء، وصديقة الهداهد، ولم لا...؟ ألم يقل: أن هذه النصوص كتبت عبر عصور متعاقبة، كجزء من نزف متواصل كان ينتابه..؟

 وكأنه أراد أن يسطر بذلك ألواحا، أو رقما من الحنين والوحشة التي تطأ حياته، إنسانا عربيا ابتعد عن عينيه حلم الوطن، فلاذ تحت جناحي حبيبة، هي الأخرى تصبح طائرا يحلق في جناح الحلم، بعد أن سكن القلب واشتعل البيت أولادا، يحاصرون أية صبوة يمكنها أن تنفلت في ساعة عشق.. ليمضي مغنيا، يقرع كأسه بكأسي الوطن والحبيبة.. الحلمان اللذان يذران الملح في عيني العربي الحالم، مثلما يقول في احد نصوصه:

 ( صباح الخير يا وطن... صباح الخير يا أنتِ )