أتعرَّى بك
شاكر الغِزِّي
وصلتني بطاقة دعوة فاخرة مُطرّزة في مظروف ملوّن برّاق ، المظروف قبل الدعوة يُغريك بالحضور لأنّك تستشعر جمال الحفل وبهاءه ، حضرتُ كبقية المدعوينَ انتقائياً ، كان حفل توقيع مجموعتها الشعرية البكر رغم أنها كانت ثيِّباً وهي لم تتزوج بعدُ .
أقيم الحفل على قاعة أحد فنادق الدرجة ما فوق الأولى في العاصمة ، وفدَ المحتفون من كلّ أصقاع الدولة ، وجاراتها الجُنُب ، ومن شبه الجزيرة الإسكندنافية ، حضر معي أحد أصدقائي من الغاوين الذين يتبعون الشعراء ، لكنه مُنعَ من الدخول لأنّه لا يملك بطاقة دعوة .. كانت قاعة الفندق مرتّبة على هيئة موائد مستطيلة تتحلّقُ حول الواحدة منها ستة كَراسٍ فقط ، الموائدُ والكراسي والمكان بأكمله يغمرك بالفخر بمجرّد أن تجلس ، النُدُل كانوا يجوبون القاعة ما إن ترفع رأسك حتى تجد نادلاً ينحني قربك بهدوءِ وبلغة لطيفة قائلاً : هل تطلبُ شيئاً سيدي ؟ .
قلت في نفسي : حتى وزارة الثقافة والإتحاد العام للأدباء لا يستطيعان تنسيق هكذا حفل أنه يشمخ على الجواهريّ ويعربدُ على المربد .
وزعت على الجميع نسخ من المجموعة البكر للشاعرة الثيّب ، كان غلافها أسودَ تتوسطه صورة لامرأة عارية يسترُ شعرها الطويل المنسدل عورَتيها ، عنوانها : (أتعرَّى بك) .
كانت طريقة العرض للمنجز الأدبي حداثوية بعض الشيء ، وتمّ الإتفاق عليها مسبقاً ، وربما تـَمَرَّنا عليها (الشاعرة الجميلة وناقدها المأجور طبعاً) حتى وقت متأخر من الليل حتى تمرَّسا ومارَسا، الشاعرة تقرأ مقاطع من قصائد معينة بصوتها الطافح بالأنوثة ، والناقد يستكشف تفاصيل الإبداع المكنونة وراء الثياب ، أقصد ثياب الألفاظ ، قرأت مقطعاً يقول :
في خلوتي
أستعرضُ ملامحَ جسدي
أمامَ مرآتيَ العَزِبة
سطح المرآة يشتعلْ
علق الناقد : أن الكتابة عن الجسد مثل أن تمرّرَ يدك فوق الجسد .
قرأت مقطعاً :
أتعرّى بك
أنغمسُ في عاري
أفضحُ طهري المتهرِّئ
أتلصَّصُ على أخبيتي السرية المظلمة
علق الناقد : الأدب الآيروسي دعوة للتطهير وليس للتعهير ، ومن يُحلّلُ هذا النص المدهش ضمن النظرية النسوية لا النظرية الشاذة ، يعرف أن النص تجاوز الحرام الجنسي إلى فضاءات التحرّر والإنعتاق .
لا أعرف هل أنا الوحيد الذي لم يشعر بالاندهاش والإستغراب وإنما بالإنتصاب ، أم أنّ الآخرين مثلي .
قرأت مقطعها الحاسم (سأبدأ من نصفه متحاشياً أوَّله) :
.......................
هكذا أفضلُ لصحتي
وضعُ القولون طبيعيٌّ
معدتي مرتاحة
مزّقني كما شئت
كن طفلي
إملأني بالأطفال
كي ألدَكَ من جديدْ
علق الناقد : الفنّ عند المرأة والرجل مشابه للعملية الجنسية عندهما ، يتخذ شكلاً دائرياً عند المرأة ثم يتعرّج ليصبح لولبياً ، في حين أنّ الرجل لا يُغادر شكله الهرميّ .
الشاعرة هنا إلهة صغيرة (الكلام ما يزال للناقد) من آلهة التابو ، إنها ماردة متمرّدة ، فالمتمرّد من يكتب عن الجسد كمراهق .
لا أعرف ما الذي دعاني لاستذكار اللولب الذي تستخدمه النساء ، وتذكّر مراهقتي و........ أعاد أفكاري الشاردة تعليقٌ لشاعرٍ غارقٍ في العَرَق حتى أُذنيه ، قام مترنّحاً ، كاد أن يسقط ، صفق بيديه كمشلول ، أشار نحو الشاعرة بسبَّابته المرتعشة قائلاً : أنت مبدعة حقاً .. وضعك هذا لم أُشاهده حتى في أفلام البورنو.